“هل وجدتيني جيدة؟ أتيت في المكان الصحيح، أليس كذلك؟”
“اصمتي، اصمتي!”
كان تهدئة الطفلة أمرًا عاجلًا، لكن الأخطر كان أن يُكشَف أمرهما.
سارعت إستيل إلى جذب لوتشي إلى صدرها واحتضنته، متوسلة إليه برجاءٍ حار.
“أرجوكِ، أرجوكِ كوني هادئة، فهمتِ؟”
حينها فقط هدأت لوتشي قليلًا، وأخفت وجهها بين ذراعيها. أخذت تفرك وجهها في صدرها مثل هرٍّ صغير، فيما إستيل العاجزة عن مواساتها بسبب القيود في يديها، سألتها.
“أنتِ…! كيف وصلتي إلى هنا؟”
“استيقظت من النوم فلم أجد إستيل، فتتبعت رائحتك وجئت.”
“إنه أمر خطر!”
ردت لوتشي بوجه متجهم.
“إستيل في خطر أكبر.”
فقدت كلامها، إذ لم تكن مخطئة تمامًا.
لم تستطع حتى أن تبرر نفسها، واكتفت بتحريك شفتيها بلا صوت قبل أن تتنهد.
“…… آسفة. لم يكن في نيتي أن أترككِ، أردت فقط أن أطلع على الوضع قليلًا.”
“لا بأس! لهذا السبب أنا أتيت!”
ولوّحت لوتشي بذراعيها بحماس.
حدّقت إستيل بها ثم تذكرت فجأة صوت الحديد يُجر على الأرض قبل قليل. فزمّت حاجبيها وسألته.
“هل جلبتِ معكِ شيئًا؟”
“نعم، لأجل إنقاذكِ يا إستيل. هذا.”
‘يا لكِ من طيبة… اهتمي بنفسكِ أولًا، لم كان عليكِ جلب شيء آخر؟’
فكرت إستيل وهي ترى ما بيدها. لم تستطع إلا أن تعقد حاجبيها.
“همم.”
“كيف هو؟”
“على الأقل بالنسبة لنا، لا فائدة منه.”
سقط السيف الصدئ أرضًا بارتطامٍ مدوٍّ.
رفعت لوتشي بصرها إليها بعيون مذهولة وهي توشك على البكاء.
“هل انتهى أمرنا إذن؟”
لم يكن بوسعها أن تجزم بذلك، لكن الأداة لم تكن ذات فائدة تُذكر لأيٍّ منهما.
إستيل لا تعرف كيف تمسك سيفًا، والسيف بدا بطول قامة لوتشي نفسه تقريبًا.
لم يكن ما فعلها عظيم الفائدة، لكن مجرد قدومها حتى هنا كان بحد ذاته أمرًا يستحق الثناء.
في تلك اللحظة، ضاق بصر إستيل وهي تحدق في القيود التي تطبق على معصميها.
السحرة عاجزون كليًا إن قُيِّدت أصابعهم.
أدارت معصمها قليلًا لتتمعن في ثقب القفل وتمتمت.
“طريقة الفتح ليست معقدة…”
لقد سرقت أكثر من مرة حقائب السفر الخاصة بالنبلاء. لم تشعل النار فيها ولم تحاول كسرها بعنف، بل تسلّحت بالصبر لتفتح الأقفال بدقة، حتى تتمكن من بيع محتوياتها بثمنها الحقيقي. والقفل الذي يقيد يديها الآن أبسط بكثير من تلك الأقفال التي أرهقتها سابقًا.
رفعت رأسها ببطء، والتقت بنظرات لوتشي التي كانت تعض على قبضتيها محاولة ألا تبكي. عندها قالت:
“لوتشي، اريد أن أستعير ناركِ قليلًا.”
“نعم! كيف أستخدمها؟”
“نذيب بها هذا القفل، ثم نشكّل منها إبرة دقيقة جدًّا.”
“أليس السيف أنفع؟”
تساءلت لوتشي بحيرة، لكنها بدأت تسعل وهي تحاول أن تقذف كرة نارية.
ابتسمت إستيل لها بثقة.
“لا تقلقي. لقد عشت طوال حياتي أعتاش على مثل هذا.”
***
تحت حمرة الغروب المشتعل، وقف رجلان.
حدّق سيدريك في المانا القاتمة التي تصاعدت إلى الهواء، فزمّ حاجبيه.
“يبدو أن الأمر قد بدأ بالفعل.”
“لم يتبقَّ سوى ختم واحد. صحيح أنه فقد أطرافه مع الأختام، لكن الشياطين لا تحتاج إلى أجسادها كثيرًا.”
لم يسمع العالم في أي وقت مضى كلمة “نهاية العالم” بكثرة كما في هذه الأيام، غير أن الإحساس الآن يوحي بأنها باتت على الأبواب فعلًا. فقد كانت الريح القادمة من وراء البحر تحمل برودتها الثقيلة التي تشهد على ذلك.
أشعل سيدريك هالة من القوة المقدسة في كفه وقال:
“فلنرسل رسالة إلى الفارس المقدس حارس جزيرة السجن—”
“هراء. أتظن أنه ما زال حيًا؟”
للأسف، كان هذا أيضًا ما يظنه سيدريك. لم يكن يتوقع بقاء الفارس حيًا، لكنه أراد إرسال رسالة تحسبًا لأي احتمال.
أعاد هالته المقدسة، ثم مسّد ما بين عينيه وهو يقول:
“لِمَ أراد الكونت إستيل؟ هل ليكسر الختم الأخير؟”
“أجل. في الوقت الحالي، هي الوسيلة الأسهل لكسره.”
“……… لا أظن أن الأمر سيتوقف عند هذا الحد.”
عضّ سيدريك شفتيه بقلق، فرمقه إدغار من طرف عينه قبل أن يهمس بنبرة هادئة:
“إنه رجل يقدّس عائلته حد الجنون. لا بد أن دافعه من تقديسه هذا.”
“وكيف عرفت هذا؟”
تصلّبت ملامح إدغار وكأنه استرجع ذكرى يكرهها، لكنه سرعان ما تمالك نفسه وأجاب بصوت هادئ:
“لأن أول وآخر مهرجان كبير في المقاطعة كان يوم إعلان إستيل بلانشيه.”
تجمد سيدريك وقد فهم أخيرًا ما كان يثير ارتيابه منذ البداية. إنه أحد الناجين من ذلك اليوم المشؤوم… يا لها من مصادفة عجيبة.
“سحر إحياء الموتى باستعمال دم أقربائهم؟ هذن مجرد أسطورة. إنّ حدود الحياة والموت يستحيل حتى على الشيطان نفسه أن يتجاوزها.”
“لقد قبضنا ذات مرة على عَبَدة شياطين أقاموا طقوساً قربانية استناداً إلى تلك الأسطورة. والكونت الآن ليس في كامل وعيه، قد يجرب أي شيء.”
تبدد الاستهزاء من ملامح إدغار شيئاً فشيئاً وحلّ محله الجدّ.
فمن كان عاقلاً لا يمكنه أن يقدم على فعل كهذا، حتى من الناحية الواقعية. غير أنّ تريستان بلانشيه وقد فقد كل شيء وسقط إلى الحضيض، بدا كمن لم يستعد وعيه إلا الآن.
وما من شيء أشدّ رعباً من فعل إنسان لم يعد يملك ما يخسره.
بدا سيدريك كأنه يستحثّه حين سأله:
“هل تعرف خطوات سحر الإحياء؟”
“أعرف. لقد تجرأت حتى على الخوض في السحر الأسود.”
“أنت مجنون… حتى ذلك لم تتردد في لمسه.”
كان سيدريك يعلم أنّ إدغار بلغ من الجنون في مجال السحر ما لم يبلغه غيره، لكنه لم يتخيل أنه وصل إلى هذا القاع. لم يستطع إخفاء نظرة الاحتقار في عينيه، وحرّك شفتيه كأنه سيقول شيئاً ثم أمسك نفسه.
“في الظروف العادية لدفعتك حالاً إلى المعبد، لكن… الوضع لا يسمح.”
فأجاب إدغار ببرود:
“إنها الحماسة للمعرفة، وعليك أن تتسامح مع ذلك. على أية حال… يجب أن ندخل بسرعة.”
كان قلقاً من قبل، لكنه ازداد اضطراباً منذ أن طُرح هذا الموضوع. والآن بات السحر الأسود المتصاعد جلياً للعين دون حاجة إلى تمعن.
أخذ إدغار ينقر أصابعه عبثاً، ثم تمتم:
“لم ألمس السحر الأسود على أمل أن أبعث أسرتي… كنت أعلم أنه أمر مستحيل. لقد فعلت ذلك بدافع الفضول فقط. ثم إن الأمر تعثر منذ البداية بسبب المواد.”
“ماذا تقصد؟”
“دم القريب المباشر للميت هو المادة الأساس في الطقس.”
ارتجف جسد سيدريك من القشعريرة، وفي لحظة رسم إدغار بيمناه دائرة سحرية خضراء للنقل الفوري.
قال بنبرة كأنها دعابة، لكن وجهه خالٍ من أي ابتسامة:
“كي أعيد أسرتي، كنت سأحتاج إلى دم أربعة أشخاص على الأقل. لكن لم ينجُ أحد من دمائهم سواي، فكان الأمر مستحيلاً.”
وانطلقت الدائرة السحرية مضيئة، مفعلة قوتها.
تمتم الرجل بوجه متجمد، وهو يفتح بوابة إلى الأرض التي أفاق فيها قاتل أسرته:
“أما وريثة دماء الساحرة العظيمة الميتة، فهي إستيل. يكفي دم شخص واحد، والشرط متحقق.”
اختفى عبير الملح البارد بسبب البحر، وحلّ مكانه على الفور رائحة الكبريت. ( اقليم الكونت بلانشيه هو جزيرة يعني على البحر )
كما تبدلت المناظر من حولهم إلى أطلال مدمرة.
هبّت ريح فجائية محدثة صفيراً حاداً.
سدّ سيدريك أنفه بكمّه وهو يدير رأسه متفحصاً المكان.
لقد جاء إلى هذه الأرض من قبل… الأرض التي ارتكب فيها تريستان بلانشيه مجازر بحق الآلاف، فعوقب وحُبس فيها بيد الساحرة العظيمة.
كانت في الماضي إقطاعيته، أما الآن فلم يعد يسكنها سوى الموت.
وكان واجب قائد فرسان المعبد أن يعرف هذه الأرض، لذلك كان يحفظ تضاريسها جيداً.
ومع ذلك، حتى هو لم يألف هذه الرائحة الكبريتية.
وقف الرجلان بملامح ثابتة، وهما يتفقدان قرية محروقة لا أثر فيها للحياة. وكان سيدريك أول من تكلم:
“إذن، أفهم من كلامك أنّ إستيل ليست فقط في خطر الموت، بل قد تُسحب دماؤها وهي حية؟”
“……”
كان في نيته أن يقول شيئاً آخر: كيف سمحت لنفسك أن ترسلها، حتى لو كان ذلك بنبوءة الساحرة العظيمة؟ ألست مجنوناً؟
لكن حين أبصر وجه إدغار وقد شحب حتى الزرقة وأمسك لسانه.
****
ترجمة : سنو
بالنسبه لقُراء المواقع.
انشر الفصول في جروب التيليجرام أول والواتباد. وممكن لو انحظر حسابي بالواتباد بعيد الشر بتلاقوني هناك ( ملاحظه، الي يدخل ويطلع رح ياخذ حظر )
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل: https://t.me/snowestellee
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات