صرّت عنقها المتيبّسة وهي تلتفت نحو النافذة، لتحدّق في القرية المهدّمة المترامية تحتها. تمتمت إستيل:
“ها يمكن… لوتشي…؟”
مخلوق شديد الحساسية تجاه السحر، لكنه ما إن يبلغ طور النضج حتى يبدأ بالبحث عن قوّة أخرى، القوة المقدسة.
في الكتاب الذي قرأته إيلين إيفرغرين، وُصف بأنه العدوّ الطبيعي للشياطين، لكنّه اليوم صار جنساً منقرضاً… التنين كان هنا.
تململت بضيق.
‘اللعنة… أشعر أنني على وشك أن أفهم شيئاً…’
راحت تذرع الورق المبعثر على الطاولة بعينين مضطربتين، تتمتم بجنون وهي تحاول أن تجمع خيوط أفكارها، ثم أغمضت عينيها بقوة.
“كان يجب ألا آتي وحدي…!”
وفجأة، أحست بما لا يجب أن يُحسّ في هذا المكان المهجور: حركة خارج الباب.
تجمّدت في مكانها، وغلب الفعل الفكر.
على عجل، جمعت الأوراق ودفعتها تحت ردائها، ثم ثبتت نظرها على الباب بوجه مرتجف.
دوّى انفجار!
الباب الخشبي المهتزّ تطاير شظايا.
صدّت إستيل الشظايا المتساقطة بعاصفة سحرية صغيرة، وهي تعقد حاجبيها وتحدّق في الدخيل.
ثم سمعت صوتاً، يكاد يكون صبيانياً في رنينه:
“لماذا كبرتِ هكذا؟ كأنني رأيتك بالأمس فقط.”
ومن بين الدخان المتصاعد، تلألأ شعر فضي يشبه شعرها.
رجل ظلّ محبوساً دهراً، خرج وكأن الزمن لم يمسّه، شاباً بشكل يثير القشعريرة.
عيناه الحمراوان، رمز العقد الشيطاني، ومحراب منقوش بوضوح في عينه اليسرى. ( محراب يعني علامه دينية مثل الصليب بس ماتم ذكر اذا صليب او لا، تقدرو تتخيلو دائرة سحرية تختم الشيطان الكامن في عينه اليسرى )
ارتجفت استيل وتراجعت خطوة.
رأت مثل هذه العلامة ثلاث مرّات من قبل، لكن هذه المرة… كانت أشدّ رعباً.
مسحت العرق البارد المتصبب من جبينها وهمست في سرّها:
‘هل يمكن… أنا من يجب أن يفكّ هذا الختم…؟’
أجبرت نفسها على النظر مجدداً.
نعم، النقش المرسوم في عين الرجل لم يكن إلا الختم الذي رأته في غلاسيوم، ثم في البحر الداخلي، ثم في الصحراء. أغمضت عينيها وقالت متذمّرة:
“يا إلهي… كل مرة أصعب من التي قبلها… آه!”
لكن لم يُتح لها التذمّر. قوة خفية دفعتها بقسوة.
تدحرجت على الأرض حتى توقفت أمام قدميه متيبسة الجسد، لكن عينيها المتقدتين لم تفارقه.
قال بنبرة متثاقلة كمن سئم الدهر:
“أكان الختم طويلاً إلى هذا الحد؟”
بدا وجهه ساكناً، بلا مشاعر، حتى كاد يقطع أنفاسها.
كادت تختنق رعباً، لكنها أجبرت نفسها أن تهز رأسها.
‘تماسكي… إن فقدتِ وعيكِ الآن ستُقتلين، في لحظة واحدة…’
هو أبوها، نعم، لكن لم يعد يصلح أن يُدعى أباً.
لقد جاءت إلى هنا بأمر أمها كي تقتله.
‘يا للجنون… أيُّ بيت هذا الذي أنا فيه؟’
لكن ذلك الخاطر خفف توترها. رفعت رأسها شامخة وقالت:
“عشر سنوات مضت.”
“عشر سنوات؟ إذن أنتِ…”
“صرت في العشرين.”
“آه…”
للحظة، خُيّل إليها أن وجهه اتخذ مسحة بشرية، كأنه حقاً أبوها. لكنها لم تضعف، وتراجعت بضع خطوات وهي لا تزال متحفّزة.
وفجأة، قوة غريبة رفعتها عن الأرض بلطف، ونفضت الغبار عن ردائها، كما لو كانت أيدٍ غير مرئية تحتضنها.
“كنت أتساءل كيف نشأتِ… لا، كنت أخشى أنك ربما لم تنجِ أصلاً. ذلك اليوم…”
لكن تريستان ابتلع كلماته.
ذلك اليوم… أجل، لم يكن سوى يوم الفاجعة الأخيرة، يوم قتل الآلاف، ويوم قُتلت أمها أيضاً.
لا عجب أن يتوقف عن الحديث.
قالت إستيل وقد خفّضت حذرها قليلاً:
“أمي هرّبتني… بفضلها عشت.”
“أين؟”
غصّ صدرها بالغيظ.
رفعت حاجباً باستهزاء وأجابت بسخرية:
“في الشوارع. كنت أقتات على سرقة جيوب المارة، وأتعلّم وحدي أصول التربية.”
بدت الدهشة على ملامحه لأول مرة، وعلا صمتهما للحظات.
لم تكن تتوقع حواراً عائلياً صادقاً، بل قتالاً دامياً من الوهلة الأولى، فالتزمت الصمت.
قطع هو السكون قائلاً بوجه متأفف، غريب في إنسانيته:
“في الشوارع، تقولين؟”
“نعم. أمي تركتني في طرقات غلاسيوم… ومحَت ذاكرتي. لم أستعدها إلا البارحة.”
“إيلين تركتك هناك؟ ولماذا غلاسيوم بالذات؟ لم يكن لها معارف هناك…”
كان غريباً أن يبدو عاقد الشيطان أكثر منطقية من أمها.
أهو خداع منه؟ لكن وجهه لم يكن فيه سوى حيرة صادقة.
اضطربت إستيل.
‘أيعقل… أنه حقاً لا يعرف؟’
لكن شيئاً ما همس في قلبها: لا تقوليها.
ابتلعت جوابها وقالت بهدوء:
“لعلّك محق.”
بعد أن جُرّت فجأة من الصحراء ومن آثار المياه الجوفية المتدفقة إلى مكان متسخ ومهترئ، نظر تريستان إلى ابنته المتسخة وأطلق همهمة قصيرة:
“لابد أنّك عانيتِ كثيراً.”
كانت استيل على وشك الانهيار بسبب صرامة تعليم والدتها، فمن الطبيعي أن تصدم بهذه الكلمات.
طوال تلك الأحلام الكثيرة، لم تكشف إيلين لها هذا السرّ مرة واحدة.
بينما كانت مستغرقة في تكرار كلامه في ذهنها، عبست جبينها فجأة:
“… نعم؟”
ومن المدهش أن عاقد الشيطان في مجال تربية الأبناء كان أكثر عقلانية من الساحرة العظيمة.
لم يتبقّ لها أحد تلجأ إليه للراحة، فلتحصل على بعض التعاطف من أبيها الذي ذبح آلاف البشر… كانت مفاجأة كبيرة جعلتها تقف مذهولة، فمدّت يدها إلى الأمام.
“……؟”
ارتعشت واستلقت إلى الوراء لتتفادى يد أبيها، محدقة فيه وكأنها تقول ما هذا؟ وبدا أن ابنته تتجنب ملامسته تماماً، فتجهم حاجباه الوسيمان بدوره بدهشة، وكأنها جرحت مشاعره.
“نسيت ذلك. لقد جعلتني أمي شخصاً غبياً لا يعرف شيئاً عن الماضي طوال عشر سنوات.”
ما إن ذُكرت كلمة أمي حتى جمد وجه تريستان ببرود.
نظر إلى ابنته بصمت وسأل:
“تركتكِ في مكان غريب عنك، حتى الذكريات مسحت؟”
“نعم.”
“لماذا؟”
صُدِمَتْ هي أيضًا من مظهر والدها الذي بدا صادقًا في حيرته.
ألم يكن يعرف؟ ألم تكن نهاية الساحرة العظيمة أن تنحر حياتها بنفسها لروقف عاقد الشيطان؟ لكن يبدو أن طرف القضية إيلين إيفرغرين لم تُفهم نواياها على الإطلاق من قِبَل هذا الرجل.
قالت غير قادرة على كبح نفسها:
“أليس من المفترض أن تعرف، حتى لو لم يفعل الآخرون؟”
“……”
“ألا تعرف لماذا فعلت أمي ذلك؟”
لم تستطع كتمان السؤال فاندفعت به.
مرَّتْ عيناه ذات الهالة الحمراء فوقها بنظرةٍ خاطفة.
نشأ شعور مزعج من القشعريرة، لكن ما كان أقوى منه كان الفضول.
مالت برفق وهي تفحص تعابير وجه أبيها؛ وللمفارقة لم يكن مظهره مُغيظًا كما توقعت.
بعد لحظة من التفكير، رفع تريستان ذراعيه وقدم اقتراحاً مفاجئاً:
“لنأكل معاً.”
“… نعم؟”
“لقد مر وقت طويل منذ آخر لقاء، ويبدو أنّه من الأفضل أن نتبادل الحديث أثناء الطعام.”
كانت الأمور تُسَيّرُها حالةٌ من التذبذب.
لم ترَ وجهه طويلًا، والوقت المتوقف الذي كان فيه طوى شبابه ولكنه بلا شك اكتسب حِكمًا من عُمره، تساءلت إستيل إذا كان يمكن أن يُسمّى ذلك نِضجًا.
وهي تتردّد ولا تجيب بسهولة، طَرحَ تريستان قَطْعةً تثبّت الموقف:
“كنتِ ستأتين لقتلي، أليس كذلك؟”
“……”
“إذن، ألا من الأفضل أن نتحدث قبل أن أقتلكِ؟ يبدو أنّ لديكي الكثير لتخبريه.”
صُدمت ابنته الصغيرة التي كانت تبدو أصغر منه بكثير، ونظرت إليه بدهشة.
ابتسم تريستان بسخرية وهو يلتفت ويهمس:
“كنتِ فضولية منذ صغرك.”
“انتظر…”
“انزلي إلى القاعة بعد قليل. هنا… “
تأملت عينيه للحظة مختبر والدتها إيلين، حيث بقيت آثار قليلة من شخصيتها المهيمنة، ثم عاد لوجهه المملوء بالجمود وكأنه لم يحدث شيء، وقال بصوت جاف، لكنه محمل بشيء من العناد:
“لا تعبثي، ابقِ هادئة حتى ننزل.”
كانت حقاً كلمات يمكن لأي والد أن يقولها لابنته.
دوّى الباب وهو يغلق.
لم تصدق استيل التي كانت تظن أنّه سيقتلها فور فتحه، أن هذا الكائن المرعب قد اختفى، فارتجفت وانهارت على الأرض.
صفعت نفسها على وجنتها وهمست بصوت ضعيف:
“أفيقي.”
كان عليها فعلاً أن تفيق.
لم تكن مجرد مراقبة الوضع، بل وجدت نفسها في مواجهة مباشرة مع والدها الحي، وهو أمر أصعب مما تصورت، لا في الأحلام ولا في الذكريات المحفوظة.
****
ترجمة : سنو
بالنسبه لقُراء المواقع.
انشر الفصول في جروب التيليجرام أول والواتباد. وممكن لو انحظر حسابي بالواتباد بعيد الشر بتلاقوني هناك ( ملاحظه، الي يدخل ويطلع رح ياخذ حظر )
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل: https://t.me/snowestellee
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات