“أنا فقط لم أستوعب كيف قادرة على قول شيء كهذا بهدوء تام. بالنسبة لي… يصعب تقبّله.”
قد يُحسب كلامه وقاحة، لكنه رآه شعوراً بشرياً طبيعياً.
إيلين طالما أرعبته حتى هو نفسه أحياناً ببرودها. لكنه تمالك نفسه وقال:
“ألستِ ساحرة عظيمة؟ ومن في مقامك يتحمّل أعبالاً عظيمة.”
إيلين إيفرغرين ترى ما لا يراه الناس، وتعرف ما يجهلونه. لديها رسالة أو غاية تسعى إليها. لم يكن يدرك ما هي بالضبط، لكنه كان يوقن أنها تعيش وكأن حياتها بأكملها مرهونة بها. ومع ذلك… أن تنطق بكذبة عن فقدان الجنين بوجه جامد، فهذا أخافه هو أيضاً.
“ألستِ خائفة؟”
“ممّ؟”
“من أن يصدق الأمر… فيحدث فعلاً؟”
لم يكن من السهل عليه حتى تخيّل كلمة “إجهاض”. عندها توقفت إيلين فجأة، وجمدت ملامحها، ثم بلعت ما في فمها ببطء وهمست:
“آه…”
“أنا لا ألومك.”
“لكنّها زلّة لسان، كان يجدر بك أن تعاتبني.”
تهدلت حواجبها بخجل، وبقيت صامتة طويلاً. ثم حركت شفتيها وسألت:
“أأنا غريبة الأطوار؟”
“رئيسة الخدم تظن ذلك.”
“إذن فأنا غريبة.”
لم يكن قصده عتابها، فسارع ليهدّئها، لكنه اقترب وجلس بجوارها عندما تابعَت بصدق:
“أشعر أنني أنظر إلى كل شيء من علٍ، حتى إلى الغد نفسه… اعتدت هذا، لا أدري كيف أقلع عنه.”
“والمستقبل الذي تطمحين إليه، أما زال بعيداً؟”
“لست متأكدة.”
مدت يدها تمسّد خده بابتسامة مازحة وقالت:
“ربما حققته. ربما لا. أشعر بالقلق، لذا أواصل الاستعداد لكل الاحتمالات.”
“إن كنتِ قد حققتِه، فلا تلتفتي للوراء.”
كان جوابه حازماً.
فتحت عينيها بدهشة، بينما هو يمرر يده على شعره الناريّ اللون، ثم همس برفق:
“أتمنى أن تتخلصي من هذا القلق. وأن تعيشي لا كساحرة عظيمة، بل كإيلين فقط. أنا هنا إلى جانبك، وسيولد طفلنا عمّا قريب.”
ربما آن الأوان أن تعيش حياتها هي أيضاً.
ابتسمت بخفة وأسندت رأسها إلى كتفه، وأغمضت عينيها لتمحو من ذهنها الحسابات المعقدة ولا تُبقي سوى فكرة واحدة:
وسيلة لإنقاذ طفلي.
أما ما سواها، فتركته يذوب في العدم. وعيني الرجل، التي كادت تمتلئ بالظلمة، لم يبقَ فيها الآن سوى ألق بنفسجي ساحر.
وهذا يكفي.
فلن يسقط تريستان بلانشيه في الظلمة. لأنّ الشرط كان فقدان الحب، وفي هذه الحياة لم يفقده. إذاً سيبقى بخير.
كانت تتمنى أن تكون طفلة يضيء نورها حتى في أحلك العتمات، وأن تجد طريقها وسط الظلام.
لذلك منحتها اسماً يعني “النجم”.
“أريد أن أخرج لألعب خارج الإقطاعية!”
“حين تجيدين السحر أكثر، سأدعك تخرجين.”
كما يليق بالاسم الذي منحته لطفلتها، فكّرت إيلين أنه حتى تتمكن ابنتها من أن تشرق بنورها الخاص، وحتى تتعلم كيف تحمي عالمها بنفسها، فلا بدّ على الأقل ألّا تُعرضها أمام “القدر” قبل الأوان.
ولهذا السبب، لم تجرؤ حتى على إظهار إستيل أمام سكان الإقطاعية، فضلاً عن إخراجها إلى مجتمع النبلاء. ورغم أنّ الطفلة أبدت ضيقاً أحياناً، فقد نشأت بصحة وسعادة، بفضل حفاوة خدم القصر وحنانهم.
كان تريستان أباً عطوفاً يرعاها بكل محبة، وأما إيلين… فلم تكن في رقتها، لكنها بذلت وسعها بطريقتها الخاصة. وكان بيتهم ينعم بدفء العائلة.
مرّت سنوات عدّة دون أن يعكر صفوهم شيء.
وبعد أن تجاوزت العشرون عاماً منذ حلولها في هذا العالم، خطرت للساحرة العظيمة فكرة:
صحيح أن إستيل كانت في الأصل “كيان خارج نطاق القدر”، غير مسموح لها أن تولد، لكن… أما وقد مضى هذا الزمن الطويل، أليس من الممكن أنها اندمجت الآن في نسيج القدر؟
وقد جاءها الجواب، بلا لبس، في أول لقاء جمعها بصديقة قديمة بعد ولادتها.
“ماذا؟! ابنة؟ ولماذا لم تخبريني إلا الآن؟! ظننت أنك انقطعتِ عن الزيارات لسبب ما، فهل كنتِ حاملاً؟ هذا كثير!”
لم تكد إيلين تزور إيزابيلا حتى تلقت منها ضربة على ظاهر يدها. فحتى صديقتها الأقرب لم تكن تعلم بحملها، فما كان لها عذر.
ابتسمت إيلين ابتسامة محرجة وقالت:
“آسفة… كانت هناك أسباب دفعتني لإخفائها.”
“حقاً، هذه أول مرة أعرف فيها صديقة تخفي طفلًا! على كل حال، هذا رائع! فلنُسرع بخطبة…”
“ها أنتِ تستبقين الأمور مجدداً. دعي الأطفال يكبرون أولاً…”
“لكنه وسيم، يشبهني! فكري في الأمر بجدية، أليس كذلك؟”
وما إن مدت صديقتها طفلها الذكر أمامها، حتى تجمدت إيلين في مكانها.
مهلاً، ماذا قالت؟!
هناك صبي، في عمر قريب من إستيل، عيناه زرقاوان نسخةً عن عيني إيزابيلا، يرمش في حيرة أمام الغريبة التي تقف أمامه.
شعرت إيلين باضطراب يفلت من سيطرتها، وتحسست شفتيها قبل أن تسأل بصوت خافت:
“…ما اسمه؟”
“سمّيته سيدريك.”
“سيدريك…”
‘هل هذا ممكن حقاً؟’
في القصة الأصلية، كانت إيزابيلا قد أصيبت بعقم بعد ما قاست من ويلات، وحتى بعد أن أنقذها ميكاييل لم تستطع إنجاب الأطفال.
ارتجف حلقها وهي تبلع ريقها بصعوبة، وعرق بارد تسلل إلى جبينها.
‘هل ظهر كيان خارج نطاق القدر… واحد آخر؟’
رفعت رأسها فجأة وسألت:
“حين كنتِ حاملاً… ألم يحدث لكِ شيء؟”
“مم؟ ماذا تعنين بشيء؟”
“أقصد، خطر إجهاض مثلاً.”
لقد عانت إيلين أكثر من تسعين محاولة لإسقاط جنينها. اعتقدت أن هذا عقاب على حملها بوجود كيان خارج نطاق القدر، ولهذا أطلقت شائعة كاذبة عن إجهاضها لتخفي الأمر. فهل يا ترى عانت إيزابيلا الشيء نفسه؟
لكن جوابها جاء معاكساً تماماً:
“أبداً! لقد وُلد سليماً… حتى أني كنت أتساءل إن كان يجوز أن يكون الطفل بهذه الصحة!”
لم يحدث شيء؟! حتى مع أنها أنجبت هي الأخرى كيان خارج نطاق القدر؟
ولوهلة، وجدت الساحرة العظيمة نفسها عالقة في تفكير متفائل على غير عادتها:
‘هل تركت الأمور تجري كما تشاء…؟’
قد يكون الأمر كذلك.
فالأحداث خرجت تماماً عن مسارها الأصلي.
تريستان بلانشيه لم يسقط في الظلام، والذين كان مقدراً أن يُذبحوا نجوا جميعاً، وإيزابيلا التي كان يفترض أن تنهار روحها عاشت في سعادة مع ميكاييل بل وأنجبت طفلاً. وكل هذا بفضل ما صنعته إيلين.
والعودة إلى مجرى القصة الأولى لم يعد ممكناً بحال.
أغمضت الساحرة العظيمة عينيها قليلاً، وغرقت في التفكير.
‘ربما لم يكن أمام القدر خيار… إلا تقبل هذا التغيير.’
ضحكت في نفسها، وقالت متمتمة:
“هاها، لا بأس.”
لكن ربما كان ذلك التفاؤل خطأ.
ففي عيد ميلاد إستيل الخامس، أُقيم مهرجان كبير في إقطاعية دونكلاي. ومع ما رأته من حال إيزابيلا، اعتقدت إيلين أن الوقت قد حان لتعريف الناس بابنتها.
ولكن…
“كُح! كُه!”
هل كان هذا عقاباً على جرأتها؟
في تلك الليلة، لم يأت القدر ليقتص من إستيل… بل من إيلين نفسها.
أصابها بألم يمزق أحشاءها، حتى تفجرت دماء من فمها.
وضعت يدها على شفتيها الملطختين، وفهمت فوراً:
القدر لم يقف متفرجاً.
لقد قرر أن يلقي بثقل ثلاثة كيانات خارج نطاقه على شخص واحد، أن يحمل هو وحده تبعة الخطيئة.
ومن غيرها؟ من كان أكثر من استفز القدر وخالف قوانينه؟
“آه… أنا، إذن.”
ابتسمت بمرارة وهي تبتلع الدم المتجمع في فمها.
كان الثمن لإعادة تشكيل العالم وفق أهوائها… الموت.
أدارت رأسها نحو تريستان وإستيل النائمين، ورسمت بأسنان مشدودة دائرة سحرية.
اندفعت قوة هائلة متصلة بابنتها، ترسم خطوطاً ذهبية لامعة.
أخذت نفساً عميقاً، وهمست:
“على الأقل… سأحاول البقاء قليلاً.”
وضغطت بقواها السحرية على الألم والنزيف الذي كاد يفتك بجسدها.
رفعت بصرها إلى السماء الليلية، وقالت بسخرية:
“أتظن أنني سأرحل هكذا ببساطة؟ لا تقلق… سأترك كل ما أستطيع قبل أن أرحل.”
ومنذ ذلك اليوم، بدأت ترتيب أمورها رويداً رويداً.
كان هذا يغيظ القدر، لكن إيلين الآتية من عالم آخر، امتلكت من السحر ما يكفي ليؤخر موتها عشر سنوات على الأقل. وهكذا عزمت أن ترحل ببطء، دون أن تُحدث صدمة.
لكن الأمور لا تمضي كما يُخطط لها المرء.
بعد أربع سنوات حين بلغت إستيل التاسعة، وقف تريستان أمامها ممسكاً بكتاب ملطخ بآثار دم، وعيناه السوداوان غارقتان في يأسٍ حالك.
“إيلين.”
“…أرأيت؟”
وفجأة عاد إلى ذهنها ما كانت قد نسيته.
شرط سقوط تريستان في الظلام كان… فقدان الحب.
أما اليوم، فما يحبه حقاً… هو هي، المرأة التي حُكم عليها بالموت.
“قرأت كل ما كتبتِ في مذكرتك. أن الثمن هو الموت… ما معنى ذلك؟ اشرحي لي حالاً.”
لقد تحقق الشرط.
— وسقوطه في الظلام أصبح حقيقة وشيكة.
****
ترجمة : سنو
بالنسبه لقُراء المواقع.
انشر الفصول في جروب التيليجرام أول والواتباد. وممكن لو انحظر حسابي بالواتباد بعيد الشر بتلاقوني هناك ( ملاحظه، الي يدخل ويطلع رح ياخذ حظر )
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل: https://t.me/snowestellee
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات