والتفكير بهذا أعاد إلى ذهنه أنّه هو أيضًا مرّ بأزمة كادت تودي به إلى السقوط في الفساد. والأسوأ أنّ إيلين كانت قد رأت ذلك، أليست قد شكّت آنذاك بأنه لن يكفّ عن الانحدار؟
تذكّر ماضيه المظلم الذي كان قد نسيه، فاحمرّ وجهه شيئًا فشيئًا. وفي النهاية لم يستطع التحمل، فأطلق ضحكة خافتة “بفتت”، لتنفجر إيلين بالضحك حتى غلبها القهقهة.
“هاهاها! آههاهاها!”
أمام ضحكتها العالية المحرجة، حاول أن يدافع عن نفسه:
“لقد كنتُ قلقًا بجدية، صدقًا……!”
“أعرف، أعرف. كان ذلك لطيفًا منك.”
“أأنتِ تسخرين مني؟”
أمالت رأسها كمن يتفكّر، ثم لم تستطع أن تكتم ابتسامتها وعادت لتسأله:
“همم، هل كان الأمر ظاهرًا جدًا؟”
“إيلين……”
كان ينوي أن يتدلل عليها متصنّعًا الحزن وهو يقطب حاجبيه، لكنه فشل، إذ انفجر هو الآخر بالضحك معها. ثم حوّل بصره إلى التنين الصغير النائم بسلام، بينما كانت إيلين تعبث بقدميه المتقافزتين كالزواحف وهمست:
“ليته يكون ابنة، هاه……”
ثم رفعت رأسها، ومضت بأناملها تمرّر ظهر يدها على خصلات تريسْتان الفضية اللامعة، قبل أن تتردّد لحظة.
الآن، هو رجل آمن؛ فقد كبحت هي جماحه، ولم يعد هناك خوف من فقدانه السيطرة. لكنّها تذكّرت أنّ التنين الذي سلّمها طفله قال لها يومًا:
“أيتها الساحرة العظيمة، لن تحققي رغبتك أبداً.”
هي ما زالت تكافح حتى لا يتحقق ذلك، لكنها لا تستطيع أن تنفي احتمال أن يكون قدر ابنها أو ابنتها أن يرثوا عنها هذا العبء، وأن يركضوا في كل اتجاه، متحمّلين أعباء تحقيق مستقبل السلام.
“فهل الأفضل أن يكون ابنة… أم ابنًا……”
لعلّ المصاعب والمحن تنتظر هذا الطفل، فهل سيكون من الأفضل أن يكون ابنًا، ليستطيع أن يحظى بسلطة أكبر في هذا العالم؟ وهي في تردّدها هذا، رفع تريسْتان ذقنها بخفة وقال بلطف كمن يهدّئها:
“الأمر ليس مسألة اختيار جواب صحيح.”
‘آه، صحيح.’
كان هذا داءها المزمن: البحث الهوسي عن “الإجابة الصحيحة”، وعن الخيار الأكمل، عن الحل المثالي.
فعلت ذلك في الأكاديمية، وفي البحار الداخلية، وفي الصحراء……
أما الرجل الذي كان السبب والنتيجة لسعيها المحموم نحو تلك “الإجابات”، فقد كان دائمًا بجانبها. ولهذا، كان هو أكثر من يفهمها.
“لا أريد الجواب الصحيح، بل أريد أن أعرف ما الذي ترغبين فيه أنتِ.”
“أنا………”
لا الجواب الصائب، بل ما تريده هي، ما تشتهيه نفسها.
تذكّرت ذلك شاردة، ثم قالت:
“لا يهم إن كان ذكرًا أو أنثى. أريد فقط أن يكون طفلًا يشبهك. أظنه سيكون جميلاً.”
كانت كلمات خرجت من قلبها، خالية من برودة العقل، نقية بالعاطفة وحدها.
وفي تلك اللحظة، كانت الطفلة التي ولدت من حبهما تنظر إليهما بعينين ذاهلتين، لترى حلمها يتلاشى أمامها، ثم انتبهت فجأة.
‘……أيشبهني هذا العاقد مع شيطان؟ ألن يكون ذلك مرفوضًا؟’
لكن الغريب أن والديّ في هذا الزمن يبدوان طبيعيَّين جدًّا. أترى حصل أمر ما بينهما، ثم إن أبي لم يستطع أن يتغلّب على تعلقه بأمي فانتهى به الأمر إلى السقوط؟
وبينما كانت تهمّ بالتفكير في هذه الشكوك، انطفأت رؤيتها فجأة.
كادت ترتبك، غير أنّ ذكرى أخرى انفتحت أمامها.
“سيّدتي!”
بدأت هذه الذكرى بأصوات خَدَمٍ فزعين.
***
في المكان الذي كانت إيلين تقف فيه، ارتطمت فجأة مزهرية ضخمة بالأرض.
نظرت إليه ببرود، ثم رفعت رأسها إلى الأعلى بعينين حادّتين باردة. لو لم تتفادَه بسرعة، ماذا كان سيحدث؟
“لقد استهدف بطني مباشرة.”
وكان بطن إيلين منتفخًا بشكل واضح. عندها استوعبت إستيل أنّها كانت حاملاً بها في ذلك الزمن……
اقتربت منها وصيفتها مهرولة، وجهها شاحب كالثلج ودموعها تنهمر، ترتجف من الهلع وهي تقول:
“سـ، سيدتي! هل أنتِ بخير؟ يجب أن نصعد حالًا ونكشف من فعلها……”
“يكفي.”
“ع… عفوا؟”
“لم يكن هناك أحد فوق. أتريدين أن نختلق جانيًا غير موجود؟”
كان صوتها هادئًا إلى حدّ لا يُصدّق، بالنسبة لمن كانت قد نجت لتوّها من محاولة إسقاط جنينها.
الخادمة التي عرفت سيدتها الطيبة الهادئة عادة، أدركت أنّه من المستحيل فهمها حين تخرج شخصيتها الحقيقية كساحرة عظيمة.
‘لو عرف الكونت بما جرى، لقلب القصر رأسًا على عقب……’
فكّرت الخادمة وهي ما زالت ترتجف، لكنها لم تستطع أن تتركها فألحت عليها:
“لكن، المزهرية لا يمكن أن تسقط وحدها من العدم……”
“أجل. قد يكون كذلك، ربما.”
رفعت يدها ولمست بطنها حيث كان الجنين يتحرك بنشاط غريب، ثم ضيّقت ما بين حاجبيها قليلًا.
“هذا الطفل مميز بعض الشيء. ناوليني دفتر الملاحظات.”
“حالًا يا سيدتي! لكن من فضلك، عليك أيضًا أن تراجعي الطبيب، أليس كذلك؟”
“كفاكِ تهويلًا. حسنًا.”
تناولت دفترًا وأمسكت قلمًا، ثم بدأت تخط خطًا عريضًا واحدًا: جِيك─.
نظرت إلى الصفحات التي كادت تمتلئ بعشرات الخطوط المشابهة، ثم أغلقت الدفتر فجأة وقالت بفتور:
“إنها المرة التسعون.”
لقد مرّت سبعة أشهر على حملها من تريسْتان، وقد حاول ‘القدر’ تسعين مرة أن يسقط جنينها.
رفعت بصرها إلى السماء، ورسمت ابتسامة ساخرة، كأنها تسخر من كيان غير مرئي، وقالت ببرود:
“يبدو أن القدر لا يطيقني حقًا.”
دخلت إيلين إلى غرفتها بخطى عادية وكأن الأمر لا يستحق الذكر.
منذ حملها، صار جسدها أثقل وذهنها أبطأ، والنُّعاس يطرقها بلا هوادة…
رفعت بصرها إلى السقف بملامح شاردة وغرقت في التفكير.
القدر مبدئيٌّ متشدّد، لا يطيق أن ينمو في عالمه كيان لم يأذن هو بوجوده.
في القصة الأصلية، مات تريستان دون أن يُنجب من أي امرأة. غير أنّ في أحشائها الآن يكبر ابنه.
وها هو القدر، غاضباً من هذا التناقض، يسعى لإزالته.
تسعين حادثة وقعت منذ أن حملت، حتى صار تريستان نفسه في غاية التوتر.
“مع التنانين لم يكن الأمر هكذا.”
هل لأنّها بشرية فيعاملها القدر بقسوة أكبر؟ أم أنّ…؟
في تلك اللحظة خطرت ببالها فرضية:
‘كان عليّ أن أختبئ؟’
التنين، الذي كان من المفترض أن ينقرض بصفته آخر سلالته، أخفى بيضه في مكان لا يعرفه أحد، بين آثار شيدها البشر تخليداً لذكراه.
أمّا هي…
‘تلقيت دعوات من جمعيات علمية ومجالس كثيرة آنذاك…’
ولمّا كان تريستان يحب الهدوء، لم يُقم حفل زفاف علنيّ. لكنهما أيضاً لم يُخفيا الزواج، ولا حتى الحمل. لم يُعلن على نطاق واسع، لكن لم يكن سراً كذلك. فالبعض كان على علم به.
رفعت دفترها وكتبت شيئاً بخط عابر، ثم شهقت وهي تحدّق في بطنها.
أن يسكن جسدك كيان آخر يتحرّك شعور غريب بحق.
داعبت بطنها المنتفخ وقالت بامتعاض ساخر:
“قوة ساقيك… لا شك ستكون عدّاءاً بارعاً.”
لكنّ الابتسامة ارتسمت على شفتيها رغم التذمّر.
وأخذت تربّت على بطنها كما لو تهدهد طفلاً وتهامست:
“هل ستظل المخاطر تلاحقك بعد أن تولد؟ هل ستنهال عليك الأشياء من السماء، وتُشهر السيوف نحوك…؟”
سكتت قليلاً، ثم تقلّبت على الفراش وزفرت بأسى.
“همم… حتى لو رفعت دعوى عليّ بتهمة إنجابك، لما كان عندي ما أدافع به عن نفسي…” ( يعني استيل ترفع دعوى ضد امها بتهمة انجابها في هذي الظروف وسبتها وحدها مراح تقدر ايلين تدافع عن نفسها )
ثم أضافت وقد بدا عليها الحزم:
“فلأفعل ما أستطيع من جانبي.”
رنّت الجرس تستدعي رئيسة الخدم، وأشارت إلى مكتبها:
“هاتِ أي دعوة عندك.”
“نعم يا سيدتي.”
وعلى الرغم من قولها “أي دعوة”، إلا أنّ رئيسة الخدم عادت بأرفعها شأناً، وقدّمتها بأدب.
مزّقت إيلين الظرف بلامبالاة وقرأت الدعوة: مؤتمر في المعهد الإمبراطوري لأبحاث السحر… تصفحت أسماء المشاركين ثم أومأت.
“أحضري ورقاً فارغاً. تعرفين الكتابة؟”
“أجل، لكن… ليس كثيراً.”
“سأملي عليك. اكتبي ما أقول.”
‘هل يجوز لي أن أكتب نيابة عن سيدتي رسالة موجّهة إلى المعهد الإمبراطوري؟’
ترددت رئيسة الخدم، لكنها أمسكت القلم، ثم جمدت حين سمعت ما أمليته الكونتيسة:
“اكتبي،، نشكركم على الدعوة، ونتمنى لكم دوام الصحة. والأستاذ المستلم شيخ كبير، فلا بد من هذه المجاملات. ثم اكتبي: ‘لكنني تعرّضت لإجهاض فصار من العسير عليّ الحضور هذه المرة’.”
“لا… لا أستطيع أن أكتب بيدي مثل هذا الكلام! إنه مرعب…”
“هم؟ ولمَ؟ قلبك ضعيف إذن. إن لم تكتبي، فسأكتب بنفسي.”
“سيدتي!”
أمسكت رئيسة الخدم بالقلم من جديد وهي ترتجف كأنها ترتكب إثماً عظيماً. عضّت شفتها وأخيراً قالت بعناد:
“لا، لا… أسوأ من أن تكتبيه بنفسك، سأكتبه أنا.”
“كما تشائين.”
واسترخت إيلين وهي تملي عليها:
“اكتبي،، ‘قبل أيام سقطت أصيصات زهور على بطني، فأدّى ذلك إلى الإجهاض، وبات جسدي ونفسي في إرهاق شديد، لذا نرجو تفهّمنا، ونرسل بدلاً من حضورنا هدية متواضعة’… ثم بعد ذلك اشتري أي نوع من الخمر وأرسليه. فالعلماء لا يعيشون بلا خمر.”
“سيدتي…”
أتمّت رئيسة الخدم الرسالة وهي شاحبة تكاد تنهار، لكنها مع ذلك طوت الورقة بعناية.
‘أهذه هي الأحترافية؟’
تساءلت إيلين وهي تراقبها.
سألتها الخادمة بقلق:
“هل أنتِ بخير حقاً…؟”
“أنا؟ بخير دوماً.”
“… نعم.”
وهذا أنتهى الحديث.
خرجت الخادمة مسرعة بوجهٍ شاحب تاركة إيلين تحدّق في ظهرها بدهشة، قبل أن يغلبها النوم من جديد بسبب حملها.
وحين فتحت عينيها مجدداً…
“استيقظتِ؟ لنتحدث قليلاً.”
كان زوجها، وأب طفلها، جالساً بجوارها يحرص على بقائها.
****
ترجمة : سنو
بالنسبه لقُراء المواقع.
انشر الفصول في جروب التيليجرام أول والواتباد. وممكن لو انحظر حسابي بالواتباد بعيد الشر بتلاقوني هناك ( ملاحظه، الي يدخل ويطلع رح ياخذ حظر )
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل: https://t.me/snowestellee
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات