قبلة متدفقة لم تترك لهما مجالاً للتنفس، ومع أنفاسها المتقطعة نظر إليها برضا وهو يحيطها من الخلف بذراعيه قائلاً:
“استمتعتِ؟”
“سمعتُ أن إيزابيلا ستتزوج قريباً. هي وخطيبها.”
“آه.”
كان جوابه بارداً، كأن الأمر لا يعنيه.
في الحقيقة، في الأصل كان ليعقد حتى عقداً مع الشيطان ليستحوذ على إيزابيلا… غير أن إيلين وهي تسترجع ذكرياتها، تمتمت:
“حقاً، منذ أن تدخلتُ أنا… قلَّ هوسه.”
“هاه؟”
“لا، لا شيء.”
لم يكن يريد أن يفارقها لحظة، فظل ملتصقاً بها يتبع خطواتها خطوة بخطوة.
ورغم أن لها غرفة ضيوف مخصصة يقيم فيها، إلا أن ذلك لم يكن سوى ذريعة. فالحقيقة أنهما يعيشان معاً.
وضعت إيلين على الطاولة الهدية التي أهدتها إيزابيلا، وكأنها تذكرت شيئاً، قالت:
“بالمناسبة، أخبرتها أننا سنعقد زواجنا قريباً أيضاً. وقالت إننا قد نُرزق بأطفال في فترة متقاربة، فاقترحت أن نصبح أصهاراً في المستقبل. هاه، غريب حقاً، لم أحمل بعد، وحتى لو حدث لا أحد يعرف إن كان ذكراً أم أنثى.”
لم يأتِها أي رد من خلفها. وكما هي العادة، لم يُبدِ أي اهتمام بما يخص الآخرين.
بدا أن فضوله الذي يفترض أن يكون في كل ساحر، كان عند تريستان متركزاً كله حولها وحدها. وعندما التفتت نحوه، جمدت أمام المشهد غير المتوقع.
وجه محمرّ بشدة يتناقض مع شعره الأبيض، وتريستان يحدق بها مذهولاً وهو يغطي فمه بيده.
ثم حرّك شفتيه ببطء وسأل:
“…أطفال؟”
“أ… أجل، أليس أمراً طبيعياً؟ أم أنك لا تحب ذلك؟”
إن كان لا يرغب فالأمر معقد. فهي لم تكن بلا نية من زواجها به. كيف ستقنعه لو رفض؟
وهي شاردة، إذا بحرارة تفاجئها تلتف حولها.
رفعت رأسها مرتبكة، فإذا بوجهه أمامها، يحيط خديها بكفيه.
بدا غارقاً في التفكير، ولما ارتسمت على محياها علامات الدهشة، تمتم مترددًا:
“ليس أنني لا أريد… بل…”
“ماذا؟”
“تتظاهرين وكأنك تعرفين كل شيء، لكنك في الحقيقة لا تعلمين شيئاً.”
طبع قبلة خفيفة على أنفها وأطلق تنهيدة وهو يعانقها. وخفقان قلبه العنيف وصلها واضحاً من بينهما.
فهمت عندها ما يجول في باله، فقهقهت قائلة:
“ألا تبدو منحرفاً؟”
“ليس كذلك. إنها فكرة طبيعية تفرض نفسها.”
وأخذ يوزع قبلات صغيرة على عنقها المكشوف وهو يتمتم:
“…أتمنى أن تكون ابنة.”
“هم؟” رفعت حاجبها بدهشة وأردفت ساخرة:
“أمنية مبكرة جداً. لم نفعل شيئاً بعد—”
“إيلين… كيف تنطقين مثل هذه الكلمات بلا أي حياء…”
وانفجرت الساحرة العظيمة ضاحكة، وقد بدا عليها الارتباك هذه المرة.
دفعته إيلين برفق مبتعدة وهي تأخذ البيضة الموضوعة بجانبها وتضعها قرب المدفأة.
جلست تحدق في النار المشتعلة وهي تهمس:
“ابنة، ها….”
“أأنتِ أيضاً تفضلين الابنة؟”
“في الواقع، لا يهمني.”
“وأنا كذلك.”
جلسا جنباً إلى جنب أمام المدفأة يراقبان ألسنة اللهب.
أطلق تريستان من أصابعه خيطاً من السحر ونفخه في الجمر، فتحولت النيران إلى وهج بنفسجي.
التفتت إيلين نحوه وحدقت في عينَيه البنفسجيتين، ثم تمتمت:
“لو كانت ابنة تشبهك، ستكون في غاية الجمال.”
“وأنا كنت أفكر أنها ستكون جميلة لو تشبهكِ أنتِ.”
“ها؟ مضحك. انظر في المرآة أولاً، سترى من الأجمل.”
كان قد اعتاد على أسلوبها الساخر منذ زمن. فردّ بهدوء:
“ذلك اليوم في المكتبة، أدركتُ أنه إن كان في هذا العالم شيء يستحق أن يُقال عنه الأجمل… فهو أنتِ.”
“……”
“ولهذا، سواء كانت ابنة أو ابناً، لا بد أن يشبهكِ.”
كانت نبرته صادقة وجادة. ونادراً ما بدت إيلين مذهولة لا تعرف بماذا تجيب، لكن قبل أن تتفوه بكلمة—
قَرْقَرَ صوت كالكائنات وهي تلتهم شيئاً صلباً.
فزعا كلاهما وخفضا نظرهما، وإذا بـ…
“…الآن؟!”
تشققت البيضة بصوت حاد متواصل.
أسرعت إيلين تضع حولها الثياب لتجعلها أكثر دفئاً، وهي تحسب بسرعة:
“منذ متى التقطناها؟ ثلاث سنوات؟”
“أربع.”
“يا إلهي، أطول فترة حضانة على الإطلاق!”
بعد أربع سنوات من الانتظار، ظهرت أولى العلامات الحقيقية.
عيناها الذهبية تراقب البيضة المرتجفة بتوتر، ثم فجأة التقت نظرتها بأعين الكائن من الداخل.
“بــييي؟”
من خلال الشرخ الصغير انطلق صوت ضعيف. ثم راحت البيضة تهتز بعنف أكثر فأكثر.
وأخيراً، تَكَسَّر الغلاف وانبثق منه كائن صغير.
سحلية صغيرة مغطاة بقشور زرقاء زحفت ببطء بين شظايا القشرة المكسورة. وأخذت تصدر أصواتاً متواصلة حزينة.
تناولتها إيلين بسرعة، مسحتها بقطعة قماش، فإذا بها تحتمي بصدرها دون تردد.
حدقت بها بدهشة وقالت بسخرية:
“ما هذا؟ ثعبان وقح بلا تربية.”
“إيلين، إنه تنين.”
“تنين أو غيره، لا يليق أن يتدلل هكذا أول لقاء!”
بيي─، بيييي………
لم يُدرَ إن كان يفهم كلامها، غير أنّ ذلك التنين الصغير، الذي لا يكاد يملأ راحة اليد، كان يدفن وجهه في بطنها ويواصل الأنين.
عندها، وكأنه قد أدرك شيئًا، مال تريسْتان برأسه متفكّرًا.
“يبدو أنه تعرّف إليكِ، أنتِ من اعتنى به.”
“ها؟ لا أظن ذلك. كيف؟”
“لا أدري، ربما من أثر السحر…… هل نجرب؟”
مدّ تريسْتان يده بحذر نحو التنين الذي كان يحفر في حضن إيلين، فرفع التنين رأسه فجأة، ثم وضع ذقنه بخفة فوق كفّه.
“بـي─!”
رفرف التنين الصغير جناحيه مرة كأنه مسرور، ثم أرخى جفنيه وغفا في الحال.
ابتسم تريسْتان ابتسامة محرجة وهمس:
“همم، يبدو أنه ليس من النوع الذي ينفر من الغرباء.”
‘تنانين يقولون إنّ لها مهابة وسطوة…محض هراء.’
ابتسمت إيلين ساخرة وهي تنقل الصغير فوق قماش ناعم.
الرجل الذي راقب ذلك الكائن النائم بدهشة سألها:
“إذن، ما الذي ستفعلينه الآن؟”
“سأعتني به جيدًا.”
“أتدرين كيف يُربّى؟”
حدّقت في الفراغ وكأنها تنبش في ذاكرتها، ثم أومأت فجأة وهي تتمتم:
“إجمالًا؟ قرأت عنه في كتاب.”
‘مرة اخرى، أمر يتعلق بالكتب.’
لقد خطر في بال تريسْتان، أنّه إن وُجد إنسان يعرف إيلين أكثر من أي أحد آخر، فلا بد أنه هو.
ولذلك كان واثقًا بأنها لا تعني كتبًا عادية، بل شيئًا آخر. وهذا طبيعي.
فالعالم كان ينادي حبيبته بلقب “من تقرأ المستقبل”.
موهبتها تلك كانت تظهر حتى وسط تفاصيل حياتها اليومية، وقد اعتاد عليها هو أيضًا.
ظلّ يحدّق في المشهد غير الواقعي لحبيبته وهي تحمل التنين فوق كفها، ثم فجأة جذبها إليه وضمّها.
“ما بك؟”
“لماذا أشعر وكأنك بعيدة عني هكذا؟”
“تافه.”
ضحكت إيلين بخفة وربّتت على ساعديه اللذين كانا يطوّقان خصرها بإحكام. لكن تريسْتان لم يزد إلا تمسّكًا، مطمئنًا وجهه بين خصلات شعرها مثل كلب مدلّل.
ضحكت بهدوء، وهي تحتضن التنين النائم بيد وتسدّ فم تريسْتان باليد الأخرى. ثم أمالت رأسها قليلًا وسألته كمن يتأكد:
“بماذا كنتَ تَعِدني؟”
“أن أحبك… لكن دون أن أتعلق بك حدّ التملّك.”
“نعم، هكذا قلتَ.”
غير أنّ الوفاء بهذا لم يكن يسيرًا على رجل مثله.
كثيرًا ما خاف تريسْتان؛ فإيلين لم تكن تبدو كمن يعيش الحاضر، بل كمن ينظر دومًا إلى مستقبل بعيد، كأنها ستختفي من بين يديه حين يفتح عينيه وتتركه في هذا الحاضر البائس وحيدًا.
أمسك بيدها مضطربًا، فطبعَت عليها قبلة خفيفة لتطمئنه، ثم ابتسمت وقالت:
“ها نحن قد رُزقنا بطفل قبل الزواج! وإن كان بالتبنّي.”
“هل ينبغي أن نوفّر له بيئة مناسبة للنمو؟ هل يحتاج شيئًا؟”
“آه، لن أربيه هنا. فظروف نموه خاصة……”
“أين إذن؟”
‘أول طفل لنا، وأنا مستبعد……’
كان على وشك أن يتذمّر، لكنه تجمّد عند سماع جوابها.
“تتذكر ذلك المخزن؟ المكان الذي كدتُ أقتلك فيه.”
“……هناك؟!”
ذلك المكان البشع؟ أيُربَّى فيه مخلوق صغير كهذا؟
لم يخفِ ترِسْتان دهشته، لكن إيلين أجابت ببرود:
“إذا فكرتَ جيدًا، فهو المكان الأمثل للتربية. فالتنين بحاجة إلى بيئة تفيض إمّا بالسحر أو بالقوة المقدسة. والقوة المقدسة لا سبيل إليها إلا في المعابد، ما لم نكرّسها لهم. إذن لا بد من توفير السحر، وذلك المخزن غني به، فضلًا عن حاجته إلى حارس…”
“وهل هذا آمن؟ إن كان صغيرًا وضعيفًا هكذا، فماذا لو انحرف أو تلوث……”
اعتبرها تساؤلات طبيعية، لكن إيلين رمقته بعينين متسعتين وكأنها مندهشة. ولما بقي واقفًا متلعثمًا، أطلقت ضحكة صافية.
بدت على ملامحها ابتسامة ماكرة وهي تتمتم:
“أوه، هووو.”
تريسْتان الذي راقبها بحيرة، انتفض فجأة وقد أدرك.
‘أهذه تفكر الآن في ماضيّ؟’
وظنّه صدق.
“تريسْتان، ألعلّها مخاوف مَن له تجربة سابقة؟”
*****
ترجمة : سنو
بالنسبه لقُراء المواقع.
انشر الفصول في جروب التيليجرام أول والواتباد. وممكن لو انحظر حسابي بالواتباد بعيد الشر بتلاقوني هناك ( ملاحظه، الي يدخل ويطلع رح ياخذ حظر )
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل: https://t.me/snowestellee
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات