“هل هو الشيطان؟” ( اذا جمعنا مع الفصل السابق تقصد توقعاتهم للشيطان )
“بل إن الرجل الذي عقد عقدًا مع الشيطان لم يظهر قط في أي حفل، حتى بعد زواجه من أعظم ساحرة، سواء في البلاط أو في المجتمع، وكان في طيّ النسيان… ألا وهو تريستان بلانشيه.”
ارتجف جفن إدغار، وانقبض جبينه بضيق.
أخفى غثيانًا مباغتًا بابتلاع ريقه ووضع يده على فمه، ثم علّق بسخرية:
“يصعب ألّا يتعاطف المرء.”
“على أي حال، سبب فتور العلاقة بين المعبد ومعهد السحر أن تلك الحادثة تركت جرحًا في النفوس. فالإمبراطورية، وقد احتاجت أداة تكبح بها نفوذ المعبد سياسيًا، بادرت إلى استيعاب العائدين ودعمهم… لكن…………”
أما المعبد فلم يكن ليستسيغ ذلك. فبعد أن خاض معركة ضد الشيطان وخسر جموعًا من قوته حتى أثخن بالجراح، تأتي الإمبراطورية لتستغل أولئك المتسببين في الخسائر كوسيلة ضغط سياسي؟! لا يمكن أن يروه بعين الرضا أبدًا.
وفجأة، التفتت إستيل سريعًا نحو سيدريك وكأن فكرة خطرت لها.
“…………إذن، هل عليّ أن أناديه بالبابا؟ على كل حال، ذلك الرجل…”
“صاحب القداسة.”
“آه، شكرًا. إذن، صاحب القداسة لا بد أنه شديد الغضب من سيدريك، أليس كذلك؟”
أليس هو الرجل الذي ألقى بسيفه أمام البابا نفسه وذهب إلى البلاط الإمبراطوري ليحميها؟
أجاب سيدريك برأس منحنٍ، كأنما يعلم سلفًا:
“أجل. عند عودتي، سيكون بانتظاري الكثير من المتاعب.”
فارتعش جسده فجأة وكان الأجدر أن يرتجف بردًا، لكن وجهه بدا محمّرًا.
عض شفته وأطلقها كأنه يكبح اضطرابه، ثم قال:
“كافيني ببضع دعوات على مائدة طعام.”
“آه…….”
“وحين ينقضي كل شيء، امنحيني بعضًا من وقتك.”
ربما كان وهْمًا، لكن وجه إستيل احمرّ فجأة عند سماع كلماته.
نظر سيدريك إلى المطر الغزير وإلى الرمال المتلاطمة كالموج، وابتسم بسخرية، صار يرى ما يشاء أن يراه…………
وقبل أن يخيّم صمت ثقيل، اقتحم رجل آخر حديثهما متعمّدًا أن يتغافل:
“حقًا يا إستيل؟ إذن اشتري لي بعض الحلوى أيضًا بما تنتزعينه من جلالة الإمبراطور.”
“هاهاها! ولم لا؟”
لم تمض لحظة هدوء حتى ظهرت الحاجة إلى فضّ النزاع.
نظرت إليهما إستيل بالتناوب، ثم ابتسمت بازدراء وقالت:
“حسنًا. ما دمنا جميعًا قد واجهنا المشاق، فلنلتقِ جميعًا بعد النهاية ونتناول العشاء نحن الأربعة.”
“لستُ أرغب برؤية وجه ذلك الأحمق مرة أخرى بعد العمل.”
“وما هذا الكلام؟ لننظر إلى بعضنا طويلًا، فهذا قدر جمعنا.”
وخزت كتف سيدريك الغاضب، ثم التفتت إلى إدغار وسألته بنبرة عابرة كأنها عادية:
“هل اتخذت قرارك؟”
“ماذا؟”
“قلتُ لك حينها، عندما بدأتُ. إنك ستمنحني فرصة لتحكم عليّ.”
تجمد وجهه وهو يستحضر لحظة من الماضي.
يومها كما الآن، كانت الأمواج تتلاطم، وكانت إستيل تبتسم له إشراقةً، في حين كان شعرها الفضيّ الذي أغرق في الوحل يهتز مع العاصفة بلا نهاية.
أما عيناها الذهبيتان فكانتا ثابتتين، كجذور لا تقتلع.
“والآن؟ أما زلت مترددًا؟ أما آن أن تعتبرني ندًّا لوالدي؟”
كان المركب ينزلق مع التيار دون أن يشعروا.
لم يستطع إدغار أن يخرج بأي جواب، وظلّ فمه يتحرك بلا صوت.
حولت إستيل بصرها بعيدًا وضحكت بخفة:
“آه، يا للأسف. لم يحن الوقت بعد إذن.”
“متردد بحق.”
كان تعليق قائد فرسان الهيكل كافيًا ليقلب صدر إدغار رأسًا على عقب.
همّ أن يطلق دعابة لتبديد التوتر، لكن حينها بالذات…
ارتجّ المركب بشدة لم يعهدوها من قبل.
أمسك سيدريك بلوتشي التي كادت تتدحرج وهي تطلق صرخة مذعورة، ثم نهض.
“ما الأمر؟”
“يا إلهي، كيف بلغنا هذا الحد؟”
المكان الذي انطلقوا منه بالمركب لم يعد يُرى، والأمطار والرياح ضيّقت الرؤية إلى حدٍ يستحيل معه التمييز……
أطلّت إستيل برأسها خارج المركب ثم شهقت:
“……ألا يجدر بنا أن نقلق بشأن ذاك؟”
كان المشهد أمامهم مهيبًا يكاد يخرج عن حدود التصديق.
وكأنهم انزلقوا إلى قلب ساعة رملية، إذ اندفعت الرمال كلّها في اتجاه واحد، تنجذب نحو هاوية سحيقة.
دوّيٌ غامر يتردد في الأعماق، كأن المكان كله يهدر.
بوجه حائر، رمقت إستيل ذاك المشهد ثم استدارت مبتسمة، عضّت على أضراسها وقالت:
“…………نهرب؟”
أكان في طبعها أن تستلذ بالخطر؟ ربما كان ذلك مجرد وهم.
لماذا إذن عاد صدى كلمات إدغار إلى ذهنها: ‘الموت على يد شيطان خير من موتٍ تافه…’
ارتجفت أصابع إستيل وهي تقبض بقوة على حافة المركب. فاقترب سيدريك من خلفها، وقال كمن يحدّث نفسه:
“نعم… إننا نسقط إلى الأسفل.”
ابتلعت إستيل ريقها وهي تحدّق في تدفق الرمال إلى هاوية مظلمة لا يُعرف قاعها.
المطر بدأ يخفّ، فزاد الصمت رهبة.
كانت تحدق في ذلك الجوف الأسود المجهول، حين سألها إدغار:
“ما الذي ستفعلينه؟”
“………لنصوّت؟”
إنه مدخل إلى عالم مجهول لا يُدرى ما فيه.
الماء يجري من العلو إلى السفل بطبيعته، وقد قالت من قبل إن الأفضل أن يجاروا التيار…… لكن إن كان المصير هو تلك الهاوية المظلمة، فالحذر واجب.
نظرت إلى الرجلين أمامها وقالت:
“بصراحة… لا أشعر هنا بتلك الهالة السحرية التي شعرت بها في غابة الأكاديمية. ومع ذلك… أمي أصرت أن أحتفظ بهذه السفينة، والمكان الذي أرتنيه في حلمي أيضًا……………”
توقفت إستيل للحظة لتلتقط أنفاسها، ثم بعد أن نظرت إلى ردود فعل الاثنين تابعت كلامها:
“أظن أن هذا هو المكان الصحيح. لكن… لا أستطيع أن أطلب منكم أن تخاطروا بحياتكم جميعًا لمجرد رأي واحد لي. لذلك… أريد أن نتشاور ونجمع الآراء.”
قال سيدريك بلا مبالاة كمن يلقي شيئًا عرضًا:
“حتى لو خاطرنا، فلا بأس عندي.”
تجمدت إستيل للحظة من وقع هذه الكلمات التي تفوح منها روح التضحية، ثم انفجرت ضاحكة.
منذ قليل وهي تشعر بشيء غريب. ربما بدأ منذ أن أحاطها بذراعه القوي وانتشلها من الوحل إلى السفينة دون أن يرمش له جفن، أو منذ أن رأته يحاول جاهدًا أن ينطق بكلمات غير مألوفة على وجهه المتصلب، وكأنها تدغدغه في داخله…………
كم يثير الضحك أن يبدو بتلك الجدية الباردة وهو يتفوه بكلام محرج كهذا.
ضحكت حتى اغرورقت عيناها بالدموع، فمسحتها وأمالت رأسها متعجبة هامسة:
“هل يعقل أنك تحبني إلى هذا الحد………”
أخطأت، فقد خرجت بصوت أعلى مما ظنت.
هل سيتظاهر أيضًا بتلقي هذه الجملة بهدوء؟ هكذا تساءلت وهي تلمح مشهدًا غريبًا.
“……أنا آسف.”
وجه سيدريك كان أحمر قانيًا على نحو مذهل.
من كان يصدق أن وجه إنسان يمكن أن يبلغ هذا الاحمرار؟
ذاك الوجه الذي كان يفيض برودة، انقلب الآن حُمرة متوهجة… مشهد مدهش.
لم تدم دهشتها طويلًا، إذ صفقت بيديها فجأة وقالت بحزم:
“على أي حال! ما أحتاجه الآن هو رأي مفيد. أريد منكم أن تبدوا آراءكم.”
“أنا موافق.”
رفع إدغار يده اليمنى كمن كان ينتظر الفرصة.
تركت سيدريك الذي ما زال شاردًا من وقع كلماتها المباشرة، والتفتت إلى إدغار بابتسامة وسألته:
“ولماذا؟”
“أولًا، لأنك أنتِ من قلتِ ذلك، وثانيًا، لا أجد في الأمر ما يناقض المنطق. المطر الغزير، السفينة، كلام والدتك………… حتى لو كان صدفة، يستحق أن نخوضها.”
“وأنتِ يا لوتشي؟”
“ها؟ أنا؟ لم أسمع شيئًا.”
“…………”
‘لا وقت لإعادة الشرح، فلنعتبر صوتها لاغيًا.’
ثم وجهت إستيل بصرها نحو سيدريك وسألته:
“ما رأيك؟ أتظن أنك ستوافق أيضًا؟”
سألتها وكأنها واثقة، لكنها في الحقيقة لم تتوقع موافقته. فهو أكثرهم حرصًا على السلامة. لكن لهذا بالذات، كان لرأيه أهمية خاصة.
تردد سيدريك قليلًا، ثم قال:
“أنا أيضًا………… أوافق.”
“أوه؟”
“ألم تقولي أنتِ من قبل؟ لا وجود لطريق آمن تمامًا. في ذلك الوقت… صدقًا، شعرت بالضيق من كلامك.”
ارتجفت إستيل وابتسمت بتكلف.
آه… لقد كاد حديثهما يومها أن ينقلب إلى شجار. لكنها الآن، وقد تذكرت، عضّت شفتها وهي تستوعب شيئًا.
‘ذلك الغضب لم يكن إلا قلقًا عليّ. حينها لم أفهم، وظننت أنه مجرد مبالغة في رد الفعل. أما الآن… فأنا لم أكن إلا شخصًا مزعجًا لا يصلح حتى لمحبّة من طرف واحد.’
فجأة وجدت نفسها في لحظة تأمل ذاتي. لكن صوت سيدريك قطع خواطرها:
“ربما أغضبني كلامك لأنه كان واقعيًا أكثر مما أردت أن أسمع. أنتِ بحكم موقعك ستسلكين طريق الخطر لا محالة. لذا ما أردت قوله هو…………”
لم يكن ينوي الإطالة، لكنه حك خده بخجل وعاد إلى الموضوع:
“برأيي… هذا خطر يستحق أن نقفز فيه. وإن كادت الأمور تسوء، نستنزف قوة الساحر قليلًا.”
رد إدغار بسخرية:
“تستنزفه حتى العظم، أليس كذلك؟”
لكن نبرته لم تخلُ من قبول ضمني.
كان الثقب الهائل قد صار أمامهم.
جرّت إستيل لوتشي إلى مقدمة السفينة، ثم أمسكت بذراعي الرجلين وجذبتهم نحوها وعيناها تلمعان بابتسامة متحدية:
“إذن… بما أن الجميع موافق، فلننطلق!”
ارتجّت السفينة كأنها ستتمزق في أي لحظة.
ضمّها سيدريك بذراعه بقلق، فيما كانت هي بكتفيها المستديرين الطريين، تضحك في لحظة سقوطٍ مروّع.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات