صحيح أنّها فهمت كلام إدغار، غير أنّ عقلها لم يعد يعمل كما ينبغي بعد أن انفجر الرجل الواقف خلفها ككيس دم ممزق.
عضّت إستيل على شفتيها وهي تحاول جاهدة أن تستعيد وضوح بصرها المتأرجح.
‘يجب أن أتحرك…’
غير أنّ قدميها لم تستجيبا لأمرها.
وبينما كان سيدريك وقد عضّ هو الآخر على أسنانه، يوشك أن يقترب منها، امتدت يد من الخلف لتقبض ثانية على شعرها.
صرخت مختنقة وهي تترنح، بينما شابٌ قبض عليها بقوة وراح يصرخ بهستيريا:
“لا، لا تفعل! تبا!! قلت لا تفعل! أنت، أنت! صاحب الشعر الوردي، إركع فوراً!”
أفاق أحد أتباعهم الأصغر سنّاً، وهو يوجّه نصل خنجره نحو عينيها مباشرة. بدا أنه بدوره قد فقد نصف وعيه من هول ما رآه لتوه.
“ار… ارفع يديك… فوق… فوق رأسك! وإلا……”
فكان أشدّ تهديداً، إذ إنّ خوفه من الموت جعل عقله لا يميّز شيئاً.
بدا وكأنه في أية لحظة سيقتلع عينيها، فما كان من إستيل إلا أن أغمضت عينيها بشدّة. ومن خلف جفنيها المرتجفين لمحت بريق عيني إدغار الحادّ وهو يهمّ بالتحرك.
“يكفي.”
من أنهى ذلك المشهد الفوضوي كان سيدريك. فقد جذب إدغار للخلف وألقى بسيفه أرضاً وهو يضغط على أسنانه.
وساد الصمت أرجاء القبو الذي كان قبل لحظة يعجّ بالصخب. أما الرجل الذي كان يحتجز إستيل فأطلق ضحكة مرتجفة وهو يرتجف بأكمله.
“ها… هاها… ص… صاحب السموّ الصغير يبدو أنه عاقل بعض الشيء.”
قال سيدريك بنبرة منخفضة وهو يرمقهم ببرود:
“لقد ألقيت سلاحي. لكن إن تكرر هذا الفعل ثانية فلن أتساهل. لذا………”
ثم تابع، وقد ازدادت نبرته حدة:
“أنزل سلاحك فوراً، وأطلق سراحها. إنّها ابنة من تعبدون. أيّ خدشٍ يصيبها يُعدّ تجديفاً بحق ملككم ذاته.”
تردّد يد الرجل الممسكة بالنصل وارتجفت. عندها تجمّدت إستيل في مكانها.
رفع سيدريك رأسه وأكمل ببرود لا يتزعزع:
“حتى لو كان إيمانكم خاطئًا أو مضلِّلًا، فإنه يظل نوعًا من الإيمان… لذلك تمسّكوا بما تؤمنون به.”
صرخ الرجل فجأة بعناد:
“لا يهم! لقد جئنا بأمرٍ من السيد نفسه!”
‘ماذا؟’
اتسعت عينا إستيل وهي تحدّق بالرجل المتبجّح.
أمر؟ وكيف…؟
في تلك اللحظة، شحب وجه إدغار، لكن لم يلحظ أحد ذلك. أما الرجل فظنّ أن قائد فرسان الهيكل الجبار قد ركع له، فاندفع يهذي منتشياً:
“حين ضعفت القيود استيقظ من سباته العميق. وهو من دلّنا على موقع هذه الفتاة.”
رمشت إستيل مشوشة.
‘أبي… ألم يكن محبوساً في الإقطاعية حيث ولدت ونشأت؟ بل قالوا إنه غارق في سبات…’
تمتمت بذهول:
“مكاني… كيف علم به؟”
صرخ الرجل بعينين يملؤهما جنون الإيمان:
“إنه يعلم كل شيء! كل عيون العالم هي عيناه، وكل الأذرع يمكن أن تكون أطرافه!”
اقترب منها ببطء، وعيناه المتلألئتان كمن يرى وهماً أو يطارد حلماً:
“لقد أمر أن نأخذك إليه!”
ارتجف جسدها من قشعريرة باردة. ولم تكد تستوعب حتى خدش النصل أسفل عينها مباشرة.
ارتسم الجمود على وجهي سيدريك وإدغار المقابلَين لها، فأجهدت نفسها كي تكتم صرخة.
عندها صرخ التابع وهو يرمي شيئاً نحو سيدريك:
“ه… هاي! ضع هذا القيد السحري بيد ذلك الساحر فوراً! وإلا فسأفقأ عينيها الآن! مفهوم؟”
قال سيدريك وهو يعضّ على أسنانه:
“…… حسناً.”
التقط القفاز وأمسكه إدغار بسبابته الساخطة، ليلتفّ القيد على يده بصوت معدني حاد. ثم قال سيدريك، وهو يحدّق ببرود في أولئك الأتباع:
“نفذنا ما طلبتم، فابعدوا السلاح عنها.”
لكن النصل لم يُبعد. بل إنّ الأتباع اندفعوا دفعة واحدة ليقيّدوا سيدريك نفسه.
ضحك إدغار باستهزاء وهو يشتم، قبل أن يتمتم:
“أتظنّهم سيلتزمون بكلمتهم؟ أيها الأحمق…”
أجابه سيدريك ببرود:
“وهل كان هناك خيار آخر؟”
حتى إدغار لم يستطع الرد.
لم يجرؤ أحدهما على القول إنّ عليهما التضحية بعيني إستيل من أجل القضاء على هؤلاء القوم. فركلا بقوة واقتيدا ليقفوا بجانبها.
في تلك اللحظة همست إستيل وقد خطر لها شيء:
“أين… لوتشي؟”
“لا نعلم.”
“ماذا؟!”
هل كان ذلك أمراً جيداً أم سيئاً؟
أن لا تقع لوتشي بين أيدي هذه العصابة البشعة أمر يدعو للارتياح، لكن كيف اختفت إذن؟ هل ابتلعتها الأرض أم ابتلعها السماء؟ وبينما يملؤها القلق، نطق إدغار أخيراً:
“لقد جعلتها تهرب.”
صرخت إستيل بعينين فزعتين:
“أجننت؟! طفلة صغيرة، وحدها—”
“أتريدين أن يروها على حقيقتها كتنين؟ أي مصيبة كانت ستحدث حينها؟”
كان محقاً.
لكن…
رفعت إستيل بصرها نحو نهاية الممر المظلم ثم أشاحت بحدة.
عضّت على شفتيها حتى سال الدم وهمست:
“تماسكي… علينا أن نهدأ أولاً.”
قال سيدريك بهدوء:
“أنا هادئ.”
“نعم، يكفي أن تهدأ أنت وحدك.”
يا لخبث هؤلاء البشر… لماذا يتحدان دائماً في مثل هذه اللحظات؟
أطرقت إستيل برأسها تنظر إلى يديها المحبوسة داخل القفاز المعدني، قبل أن تهمس:
“السحر… حقاً لا يمكنك استخدامه؟ أليس هناك سبيل آخر؟”
أجاب سيدريك بصوت منخفض كي لا يسمعهم الأتباع المنشغلون بجدالهم:
“أصابع اليد هي أساس تجسيد المانا، وقد قُيّدت. ماذا بوسعي أن أفعل؟”
بكلمة أخرى، لم يبقَ أي سلاح خفي أو قوة سحرية، فكل طاقته قد شُلّت.
خفَض سيدريك صوته حتى لا يسمعه الأتباع الذين كانوا يتجادلون بشأن وجهتهم:
“الأمر لا يدعو للقلق.”
نظرت إليه إستيل متعجبة:
“…… لماذا؟”
قال وهو يرمقها بحدة:
“ألستِ تثقين بي؟”
ارتبكت ثم تمتمت:
“آه… صحيح. فأنت أيضاً قوي للغاية. لكن ما فعله إدغار قبل قليل كان… صادماً، لذا غفلت للحظة.”
وحين ألقى نظرة مؤنبة نحو إدغار، رد إدغار بوقاحة وكأنه يقول وماذا تريد مني؟
“على الأقل تخلصنا من واحد منهم.”
قال سيدريك بصرامة:
“وبسببه ازدادت الأمور تعقيداً. لو لم تستفزهم—”
قاطعتهم إستيل بقلق:
“إذاً… ماذا سنفعل الآن؟”
تفحص سيدريك حركات الأتباع وهمس:
“لا داعي للقلق المفرط. إنهم هواة سذج.”
سألت بحدة:
“مع أنّ والدي قد تدخّل بنفسه؟”
بالحقيقة، لم تكن إستيل تكترث كثيراً لهؤلاء الأتباع.
ربما لأن ما مرت به جعلها أكثر جرأة مما كانت عليه.
ما أقلقها حقاً هو والدها القابع خلفهم…
قال سيدريك وهو يعقد حاجبيه:
“لو كان الكونت بلانشيه قادراً على التحرك بنفسه لما بقي حبيس السجن… أي مقاطعة دونكلاي. أما بالنسبة لهؤلاء، فبمقارنة قوتنا بقوتهم، نحن المتفوقون. ولا يبدو أنهم أذكياء أصلاً.”
سأله إدغار بريبة:
“وما دليلك على ذلك؟”
أجاب سيدريك وهو يرفع كتفيه بلا مبالاة:
“لم يفعلوا سوى نزع سيفي وتقييدي.”
“وماذا في ذلك؟”
قال سيدريك:
“يظنون أنّ السيف وحده هو ما يُطلق قوتي المقدسة. لكنك تعرف أن القوة المقدسة تختلف عن السحر. أستطيع إحراق هذه القيود فوراً إن أردت.”
شهقت إستيل مدهوشة:
“ماذا؟! إذاً يمكنك تحرير نفسك الآن؟ هذا أفضل حتى من السحر!”
استشاط إدغار غضباً وصاح:
“ما هذا الهراء…! أنتِ ساحرة، أين ذهب كبرياؤك؟!”
فأطرقت إستيل برأسها وأخرجت شفتها بتبرّم.
حتى في هذا الوضع ما زالا يتشاجران…
زفر سيدريك وقال بهدوء:
“مجرد اختلاف في المجال لا أكثر. لن أحرر نفسي الآن… لكن على أي حال، يمكننا الهرب في أي وقت.”
سألته إستيل:
“ومتى ستفعل؟”
لم يجب، بل خفض بصره نحو يديها ويد إدغار المقيدتين. عندها تنهد إدغار قائلاً:
“تقصد أننا سنكون عائقاً عليك.”
أجاب سيدريك:
“قوتهم العددية كبيرة جداً.”
قال إدغار:
“ألا تستطيع وحدك؟”
“ما الذي تقوله؟ أستطيع القضاء عليهم وحدي. لكن أن أحميك أنتِ وذلك الرجل في الوقت نفسه، فهذا ما يصعّب الأمر.”
لم يقصد التفاخر، لكن نبرته بدت حادة.
بدا أنه انزعج لكون إدغار قد قلّل من شأنه قبل قليل.
ابتسمت إستيل ابتسامة صغيرة، وجدت في حدته شيئاً لطيفاً يخفف توترها ولو قليلاً.
عندها تمتم سيدريك وهو يحدّق في الفراغ:
“علينا إيجاد مكان واسع… نضمن فيه طريق هروب، نهاجم وننسحب فوراً. دعيني أرى القيود على يديك.”
مدّت إستيل يديها بسرعة.
نظر سيدريك بدقة إلى القيود، فاكتشف قفلها وتنهد بضجر:
“هذا مزعج.”
قالت له:
“مم… أتكسرها فحسب؟”
أطلق زفرة حادة وأجاب بصرامة:
“رجاءً… داخل هذه القيود يداكِ. ألا تعلمين كم هي الأصابع حيوية للساحر؟ ماذا لو اخترقها شظى معدني؟”
تحسس معصمها البارد من انقطاع الدم وعضّ على أسنانه، ثم رفع بصره لتلتقي بعينيه الزرقاوين قائلاً بجدية:
“حان الوقت لتتعلمي كيف تحمين نفسك.”
ارتجفت وهي تزيح عينيها بخوف.
تنهد هو مجدداً:
“يجب أن نحصل على المفتاح… لكن أين نجده؟”
قالت إستيل فجأة:
“أنا أعرف مكان المفتاح.”
اتسعت عينا الرجلين بدهشة. وفي تلك اللحظة، كان الأتباع قد أنهوا نقاشهم وبدأوا يقتربون.
اقترب حارسان والتصقا بهما من الجانبين، فانفصل الثلاثة عن بعضهم.
تبادلوا النظرات، وحركت إستيل شفتيها هامسة:
‘سأجرب بنفسي.’
‘ماذا؟’
لكن لم يسع أحدهما أن يسأل.
فقد التفّ حراس آخرون حولهما.
عض سيدريك على أسنانه وهو يتبع الأتباع بخطوات ثقيلة، بينما يرمق إستيل بقلق.
صحيح أنه ادّعى الهدوء، لكن عقله كان مشغولاً:
‘العاقد مع الشيطان قد استيقظ. بل وعرف مكاننا أيضاً. في هذا الوضع البائس… ماذا تنوي إستيل أن تفعل؟’
وبينما كان غارقاً في أفكاره، لمح شيئاً فتقطبت ملامحه.
لقد كان إدغار لوران يبتسم.
*****
ترجمة : سنو
بالنسبه لقُراء المواقع.
انشر الفصول في جروب التيليجرام أول والواتباد. وممكن لو انحظر حسابي بالواتباد بعيد الشر بتلاقوني هناك ( ملاحظه، الي يدخل ويطلع رح ياخذ حظر )
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل: https://t.me/snowestellee
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات