“الساحرة العظيمة ليست من أولئك البشر الطيبين. إن ضاق بكِ الأمر… ما رأيكِ أن تغفين قليلاً الآن؟ أليس بالإمكان أن تبعث لك أوامر من خلال الحلم؟”
‘همم، اقتراح مغرٍ… هل أغلق عينيّ قليلاً ثم أستيقظ؟’
لكن تلك الفرضية سرعان ما انهارت حين تذكرت حقيقة بعينها.
“لقد سمعتُ من أمي سابقاً شيئاً كهذا. قالت إن تنفيذ أوامرٍ سمعها المرء لا يغيّر مصيره. لن تكون المسألة بتلك السهولة.”
“أعادَت إليك ذاكرتك؟”
“كلا؟ أمي هي من أخبرتني بذلك في الحلم.”
“تلك المرأة حقاً…”
نقر إدغار بلسانه متنهداً.
لم يسبق أن خيّم مثل هذا السكون الثقيل من قبل.
مدت إستيل شفتيها بضجر، ثم رفعت ذراعيها نحو النافذة كأنها تريد أن تقبض القمر بين كفيها، وقطبت حاجبيها.
عندها، وكأن الوقت قد حان، انفلتت لوتشي من بين ذراعي سيدريك، وفتحت عينيها نصف مغمضتين، تتمايل مترنحة بخطواتها نحو إستيل.
رفعت الصغيرة إصبعها مشيرة إلى القمر المعلّق في السماء السوداء، وهتفت:
“القمر بدين جداً!”
“أيُّ قمرٍ ذاك…؟ إنه ممتلئ أكثر من أن يكون نصف قمر.”
“إنه الهلال في طور الإكتمال.”
في تلك اللحظة، ومضة من مشهدٍ رأته في الحلم عبرت ذهنها.
والدتها وقد شحب وجهها إثر سماعها نبوءة عن ابنتها من تنين، ووالدها واقفٌ أمامها. وخلفهما كان يطفو… ذلك الهلال في طور الإكتمال.
أتراه من تدبير إيلين أيضاً أم لا؟ لم تكن تعرف.
لكنها أحسّت بأن هذا القمر يجرّ اهتمامها بشكل غريب.
وبينما كانت تحدق عبر النافذة، مدت يدها إلى حقيبتها وأخرجت شيئاً ملفوفاً بعناية في منديل.
نقرت بأصابعها على سطحه.
كان ذلك القارب الصغير الذي صغّره السحر قبل أن يشدّوا الرحال إلى الصحراء، أول هدية تلقتها من أمها.
“قالت إن الهدايا لا تُرمى أبداً…”
تمتمت وهي ترميه بخفة في الهواء لتلتقطه مجدداً.
لطالما تساءلت عن جدوى حمل قاربٍ إلى الصحراء…
“أيمكن أن يكون هذا ما قصدته؟”
تذكرت فجأة كلام إدغار السابق، فازدادت تجهمًا.
أمطار غزيرة على وشك أن تهطل، وصولهم في هذا التوقيت… أتراها مجرد مصادفة؟ ربما كنتُ أبالغ في تقدير أمي… غير أنها كانت امرأة دقيقة بما يكفي ليدعو ذلك للتفكير.
رفعت إستيل عينيها مجدداً نحو القمر المرسوم على صفحة الليل الداكن.
***
في اليوم التالي.
قصدت إستيل ورفاقها الممرات الجوفية لأحد الآثار العتيقة التابعة لمملكة قديمة.
كان عدد من علماء الآثار قد نقّبوا المكان من قبل، لذا لم يتوقعوا جديداً يُذكر. لذلك أرجأوا دخوله إلى النهاية. وكما توقّعوا، لم يعثروا على شيء.
“على الأقل الجو هنا ليس حاراً.”
“هذا بفضل الطقس.”
‘آه، صحيح.’
تذكرت السماء التي مرّت تحتها قبل قليل. كانت ملبدة بالغيوم. يبدو أن توقعات المطر الغزير ستصدق هذه المرة أيضاً.
“على أي حال، غياب الشمس يجعل الاحتمال أهون.”
تمتم إدغار وهو يتنفس الصعداء، ثم ألقى نظرة على لوتشي المستلقية في صدر سيدريك.
الطفلة كانت تتلذذ بمضغ العنب مطمئنة في أحضان الرجل مفتول العضلات. وما إن التقت عيناه بعيني التنين حتى مدّت الصغيرة يديها إليه.
“الآن دورك لتحملني.”
“امشي على قدميك.”
“لا أريد! من الآن فصاعداً سأبقى مع الساحر!”
لماذا هذا التناوب العجيب في حملها؟ كأن لكل واحدٍ منهما دوراً مختلفاً… وقبل أن تسترسل إستيل في التفكير، سلّمها سيدريك إلى إدغار وكأنه يقول “من أنت لتعارض؟”. فتلقفها إدغار متنهداً، وسار بها خلف إستيل.
“إذن، هل تشعرين بشيء؟”
“وأنت يا إدغار؟ أنا لا أشعر بشيء أبداً.”
“إذن سنرجع خائبين بلا نتيجة، إلى أن تهطل الأمطار.”
رفعت إستيل بصرها، فلم تقع عيناها إلا على سقفٍ من طين. غير أنها كانت تتخيل السماء وراءه.
ترى، هل ازدادت عتمة؟
قالت بعد برهة:
“ماذا لو خرجنا هكذا ببساطة؟”
“ماذا تعنين بالخروج؟”
“أعني إن خرجنا إلى الصحراء حين يهطل المطر.”
“لقد قلتُ سابقاً قد يغرق الناس في الصحراء.”
كان وصف الموت الغريب ذاك مرعباً بعض الشيء.
وبينما كانت إستيل تصغي في صمت لشرح سيدريك، قاطع إدغار فجأة:
“الغرق، تقصد أن السيول تجرفهم؟”
أجاب سيدريك بجدية:
“الصحراء أرض جافة. فإذا هطلت الأمطار بغزارة، لا تمتص الرمال الماء سريعاً. فتتحول إلى مستنقع، ومن يقع فيها…”
“وماذا لو أبحرنا بالقارب؟”
ارتبك سيدريك وإستيل واتسعت أعينهما بدهشة. أما إدغار، الذي وجد كل الأنظار مركزة عليه، فزمّ جبينه قائلاً:
“ما الأمر؟ هل قلتُ ما لا ينبغي؟”
“لم نقل شيئاً بعد. تابع حديثك… نحن مهتمون.”
“أكان كلامكِ خطأ أم لا، سأحكم بعد أن أسمعه.”
ضحكت إستيل باستهزاء من لهجة سيدريك المتعالية. وكأنه يقول “لو وجدت ثغرة، لالتهمتك بها.” ويبدو أن إدغار أدرك ذلك، إذ تردد للحظة، وهو الرجل المعتاد على الوقاحة.
“… كانت مجرد فكرة. فلا تأخذوها بجدية.”
“وما هي؟ أخبرنا!”
“أنتِ… لقد ظللتِ تحدقين في القارب الذي تركته الساحرة العظيمة، أليس كذلك؟ ما الذي دعاك إلى ذلك سوى اعتقادك أن له فائدة هنا؟”
متى لاحظ ذلك؟
ارتجفت إستيل قليلاً، ثم أومأت برأسها اعترافاً.
“… صحيح. كان لدي إحساس أنني سأحتاجه هنا.”
“لكن بما أن الفارس المقدّس ذكر أمر الأمطار الغزيرة، خطر ببالي القارب على الفور. إن تحوّلت الصحراء بأسرها إلى ما يشبه البحر، فلِمَ لا نُبحر فيه بالقارب؟”
حلّ صمت ثقيل.
حتى إدغار الذي لم يكن يخلو من جرأة ووقاحة، بدا وكأنه تجاوز الحدّ هذه المرة. سكت قليلاً ثم تمتم:
“وإلا، انسوا ما قلت.”
لكن إستيل رفعت يدها فجأة وقالت:
“لا، فلنجرب.”
“ماذا؟”
“هناك مكان رأيته في حلمي. القمر الهلالي على وشك الاكتمال كان معلقاً في يمين السماء، ومن هناك يمكن أن يُرى موقع بقايا التنين بالعين المجردة. لنضع القارب هناك وننتظر.”
“رأيتِ حلماً؟”
سأل سيدريك وهو يقطب حاجبيه وقد أدرك شيئاً لم يكن يعرفه.
آه… الآن تذكرت أنني لم أخبرهم بذلك من قبل.
وبالطبع لم أكن أنوي أن أبوح لهم بسببٍ كهذا، ما الداعي أن يعلموا كيف انتهى المطاف بوالديّ السبب في دمار هذا العالم أو نجاته إلى الزواج؟
لكن… ماذا لو كان ذلك الحلم بحد ذاته مفتاحاً لإرشادي؟
في مدخل غابة الأكاديمية حيث التقت إيلين بتريستان لأول مرة، وجدت إستيل الدائرة السحرية الأولى.
وفي بلدة البحر حيث اعترف تريستان بمشاعره لإيلين، عثرت على الدائرة الثانية.
فماذا عن الثالثة؟ الصحراء حيث ارتبط مصيرهما بالزواج…؟
قد تكون هناك دائرة سحرية أيضاً.
فتحت عينيها بتصميم، ونظرت إلى سيدريك المتردد، وقالت بحزم:
“فلنجرّب. لدي شعور بأنني على حق.”
لم يستطع إنكار كلامها، لكن وجهه لم يبدُ متحمساً. زفر ثم تمتم:
“يا للعجب… ما أغرب ما جرّبته في حياتي.”
حتى هو الذي مرّ بمختلف التجارب والمصاعب، لم يخطر بباله أن يضع قارباً فوق الرمال. إنه عمل يبدو أقرب إلى الحماقة.
أحقاً يكون هذا هو الطريق؟
رفع رأسه من شروده وقال:
“… جيد. ولكن بشرط واحد.”
“وما هو؟”
“إن بدت الأمور خاطئة، نهرب فوراً عبر الدائرة السحرية للانتقال الفوري.”
“آه، هذا بديهي.”
كانت تدرك أن حياتها ثمينة، ليس فقط من أجل منع نهاية العالم، بل لأنها حياتها هي قبل كل شيء.
أومأت مراراً، ثم أسرعت بخطواتها للخروج من النفق تحت الأرض.
“فلنخرج سريعاً إذن. يجب أن ننتقل إلى الموقع… لحظة.”
ششششق!
مع صفيرٍ حاد، شيء ما مرّ بجانب خدّها.
تجمّد قلبها رعباً.
شعورٌ بحدقات تترصّدها، بل خوفٌ أشد وكأنها قد وقعت بالفعل في الأسر.
توقفت مذهولة، وإذا بيد خشنة تطبق على فمها، وسكين صدئة تُضغط على قلبها.
“ارموا أسلحتكم جميعاً.”
‘اللعنة.’
حرّكت عينيها ببطء نحو الجانب، وكادت تدور عيناها استسلاماً.
لقد كان أتباع أبيها المتعصّبون يحيطون بها من كل اتجاه. ولم تُتح لها فرصة مقاومة قبل أن يغلّفوا يديها بقفازات من حديد ليمنعوها فوراً من رسم أي دوائر سحرية بأصابعها.
“سي…”
“اصمتي.”
آثرت إستيل أن تلتزم الصمت، فحياتها أولى من كل شيء.
‘لكن ما الذي يحدث هنا؟ كيف انكشف مكاننا؟ ألم يقل سيدريك إنه صفّى المنطقة؟ كيف تمكن كل هؤلاء من الوصول دفعة واحدة…؟’
حاولت أن تفكر في سبيل للخروج، لكن رأسها بدأ يؤلمها.
جذَبها رجل بعنف حتى كاد يخنق عنقها، ثم غرز نصل خنجره عند ذقنها وهو يزمجر:
انطلقت فجأة نبرة باردة تحمل سخرية، كأنها تتهكم على التهديد.
كان إدغار هو من تكلّم.
وجهه صار صارماً، ويده امتدت إلى الأمام. غير أن ذلك لم يُرعب المهاجمين، إذ لم يكنوا يحسبون حساباً إلا لسيدريك المعروف بينهم، أما رفاقها فكانوا لا يهتمون لهم.
المهاجم الذي رفع السكين تحت ذقن إستيل تبجّح ساخراً:
“أأنت ساحر؟ إن لاحظت أن أصابعك تتحرك فسأ–”
لكنه لم يُكمل.
إستيل تجمّدت، وقد شعرت بما وقع خلف ظهرها.
دوّى صوت طعنة مكتومة، وتطايرت قطرات دافئة لزجة على ظهرها.
لم تحتج لرؤية ما جرى لتفهم.
لقد كان الدم.
وسقطت ذراع الرجل القذرة، التي كانت تحيط بعنقها، متدحرجة إلى الأرض.
‘متى؟ كيف؟ لم أرَ حتى أصابعه تتحرك…’
رفعت رأسها مذهولة، لتجد إدغار يرمقها بوجه يخلو من أي ذرة من شعور بالذنب.
ثم أشار لها بعينيه قائلاً:
“تعالي.”
*****
ترجمة : سنو
بالنسبه لقُراء المواقع.
انشر الفصول في جروب التيليجرام أول والواتباد. وممكن لو انحظر حسابي بالواتباد بعيد الشر بتلاقوني هناك ( ملاحظه، الي يدخل ويطلع رح ياخذ حظر )
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل: https://t.me/snowestellee
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات