في اللحظة التي أُحيطت فيها إستيل فجأة من قِبَل الرجلين، ورفّت بعينيها في دهشة، إذا برأس لوتشي يطل فجأة من فوقها.
“أنا أيضاً! أعطيني!!”
انتزع لوتشي قطع اللحم المجفف التي كانت لا تزال في يد إستيل، ثم ركضت في أرجاء الكهف الصغير بحيوية ومرح كطفلٍ لا يعرف التعب.
‘آه، لا، ليس الآن…! إن ذهبت بعيداً في هذه اللحظة…’
لكن، كما لو كانت تتعمد إغاظتها رغم أنها تملك القدرة على قراءة القلوب، مضت التنينة الصغيرة إلى مكان آخر غير آبهة بها، تاركة إياها وحدها بين الرجلين.
وعاد الصمت ليخيّم من جديد.
أدارت إستيل جسدها قليلاً لتتفادى نظراتهما المباشرة إليها، ثم سرعان ما استلقت مجدداً.
لم يكن مناسباً أن تُعرض عن أحدهما، فهذا قد يجعل الموقف أكثر حرجاً…
“ذاك…”
“لماذا.”
“لماذا تفعلان هذا؟”
انطلقت الإجابتان في الوقت نفسه، فشهقت إستيل وأغمضت عينيها بإحكام، قبل أن تُخرج تنهيدة طويلة.
“الأمر… مُرهق، كفى من هذا.”
“سمعت؟ تقول إنه مُرهق لها.”
“هكذا قالت.”
يا للدهشة…! يتنصلان ويلقي كل منهما المسؤولية على الآخر، مشهدٌ يبعث على البكاء من شدّة السخرية.
‘حقاً، هل قدري في الحياة أن أُعاني هكذا؟’
نهضت فجأة وجلست، وقد شبكت ذراعيها وهي تحدّق بالرجلين.
إدغار، وقد عاد بوجه بريء كأنه لم يكن يرمقها قبل قليل بتلك النظرات المريبة، وسيدريك بوجهه الخالي من أي تعبير، كالمعتاد.
عبثت إستيل بخصلات شعرها بعصبية قبل أن تقول:
“أمرٌ كهذا… محرج أن أقوله بلساني.”
“لا تُبالِي وقولي.”
“سواء تصارعتم بسببي أو تشاجرتم أو حتى شددتم شعر بعضكم البعض، فهذا أمر يخصكم أنتم. لكن أرجوكم… لا تفعلوا ذلك أمامي. نحن شركاء في هذه الرحلة، ولا أريد أن يتحول الجو بيننا إلى شيء مزعج.”
ضحك إدغار ضحكة مكتومة ثم قال بخبثه المعتاد:
“فكري به كعقوبة على كونكِ جذابة أكثر مما ينبغي.”
“صدّقني… فكرت بذلك مراراً.”
ساد صمت قصير، بدا أنّ كلا الرجلين قد أرهقته الأوضاع أيضاً.
كانوا يجلسون في منخفض صخري داخل جبل وسط الصحراء.
حدّقت إستيل شاردةً في الصخور المائلة إلى الحمرة، فسمعت صوت سيدريك يقول:
“أظن أنّه من الأفضل أن نتوقف عند هذا الحد اليوم، حفاظاً على طاقتك. لكن ابتداءً من الغد يجب أن نسرع الخطى. بعد ثلاثة أيام، سيكون دخول الصحراء مستحيلاً تقريباً لمدّة أسبوع كامل.”
رفعت رأسها بذهول، وكأن صاعقة ضربتها.
‘ماذا تقول…؟!’
كيف دخلتُ إلى هذه الصحراء أصلاً! وكم من الوقت ضاع عليّ وأنا عالقة بين هؤلاء الذين حاولوا في البداية قطع عنقي!
أطرق سيدريك بعينيه، وكأنه يشعر بالذنب، ثم أضاف:
“هل تذكرين ما قلته من قبل عن هطول أمطار غزيرة كل ثلاث سنوات؟ عندما عثرنا صدفة على رفات التنين بسبب لوتشي، دار الحديث حول ذلك الأمر.”
“آه… أجل، أذكر. لحظة، لا تقل لي إنك تقصد…”
“أجل.”
كما يُقال، التوقعات السيئة لا تخيب أبداً.
كان الرجل الذي حاول منعها من دخول الصحراء بكل وسيلة يجيبها الآن بوجهٍ متوتر:
“بعد ثلاثة أيام يبدأ ذلك الطقس.”
عقد إدغار حاجبيه متبرّماً:
“وماذا لو بحثنا تحت المطر؟”
تنهد سيدريك، كأنه كان يتوقع هذه المعارضة:
“حين تهطل الأمطار الغزيرة على الرمال التي لا تمتص الماء، يصبح الأمر في غاية الخطورة. قد يغرق المرء في الصحراء، حرفياً.”
“إذن…”
“نعم، إن لم نجد شيئاً خلال الأيام الثلاثة، سيتأجل البحث أسبوعاً كاملاً.”
كارثة طبيعية… فلا مجال لإلقاء اللوم على أحد.
عضّت إستيل على شفتها ونهضت وقد ارتجفت ساقاها من التوتر، بينما حدّقت في سيدريك بوجه شاحب:
“إذن علينا أن نسرع الليلة. لا بد من إنهاء التفتيش خلال هذه الأيام الثلاثة.”
***
وكما هو متوقع، لم يعثروا على شيء.
‘من المؤسف أن يصبح الفشل أمراً طبيعياً…’
عادت إستيل إلى المأوى، وقد غسلت شعرها المتسخ برمال الصحراء حتى بدا ناعماً من جديد، ثم دخلت مترنحة إلى الغرفة التي كانا فيها.
ألقت بجسدها في ركن الجلسة الصغيرة المهيّأة، وقالت بإنهاك:
“أشعر أني سأموت، ومع ذلك لم أمت بعد…”
ابتسم سيدريك بخفوت وأجابها:
“حتى الموت من التعب ليس بالأمر الهيّن.”
‘هذا الرجل هو نفسه الذي اعترف لي…؟’
لم يبدُ كلامه اعتراضاً، بل بدا أقرب إلى نصيحة صادقة.
مدّت إستيل أطرافها وهي تهمهم بتذمر:
“إذن… لم نخرج اليوم بأي فائدة، أليس كذلك؟”
“صحيح. لا شيء للنقاش، لذا نامي باكراً. علينا الخروج مجدداً غداً.”
“لماذا… لماذا اختار المطر أن يهطل الآن بالذات…! آه، ساقاي تؤلمانني.”
كانت قد اعتادت على الجري والهروب في غلاسيوم، لكن المشي الطويل جعل ساقيها تصابان بالخدر.
اقترب منها إيدغار مبتسماً وسأل بلطف:
“هل تريدين أن أدلّكهما؟”
“لا.”
جاء الجواب لا من إستيل، بل من سيدريك الذي فتح عينيه الزرقاوين بحدّة ورفض بصرامة.
أسندت إستيل ظهرها إلى المقعد، تنقل بصرها بينهما، حتى انفجر إيدغار ضاحكاً، ثم قال بابتسامة ماكرة:
“آه، لم أكن أعرض الأمر عليكَ أنتَ.”
“أعرف.”
“حقاً؟ ظننتك لم تلاحظ. عادةً لا تُجيد قراءة الموقف.”
زمجر سيدريك ببرود.
“كفى عن هذا…”
بكلمة واحدة من إستيل، انقطع الجدال بين الرجلين فجأة.
‘هاه… يسهل التعامل معهما هكذا. هذا يرضيني على الأقل.’
أومأت برأسها ثم تمتمت بشفتيها متذمرة:
“لكن… يبدو أنني بحاجة لتليين ساقي قليلاً حتى أتمكن من الحركة غداً.”
ارتجف سيدريك بتوتر، ثم أجاب وكأنه قد عقد العزم:
“……… إذن، سأفعلها أنا.”
قاطعه إدغار ساخطاً:
“إستيل، هذا النوع من الرجال هو الأخطر حقاً.”
‘يا إلهي… هل هما طفلان في العاشرة؟’
لم تستطع إستيل منع نفسها من الضحك.
يا للغرابة… لماذا بدا هذا الموقف السخيف ممتعاً؟
ربما لأنها كانت ترزح طويلاً تحت ضغط ثقيل دون أن تشعر، ولهذا بدا تصرف الرجلين الغريب مضحكاً، مجرد رجلين بالغين يتصرفان بغباء لمجرد أنهما… يحبانها.
“أعطوني منشفة ساخنة فقط. وأنتما الاثنان… اختفيا قليلاً من أمامي، وعدا صباح الغد.”
“كم مضى منذ بدأنا هذه المهمة؟ لقد سئمت بالفعل.”
تمتم إدغار وهو يضحك بينه وبين نفسه، فما كان من إستيل إلا أن ضحكت مجدداً، ثم أطلقت تثاؤباً طويلاً، قبل أن تهمس بصوت متبرم:
“آه حقاً… لماذا كان لا بد أن تهطل الأمطار الآن…؟”
***
ولو كان الحظ إلى جانبها، لوجدوا شيئاً في اليوم التالي “هكذا ببساطة”، لكن الواقع لم يختلف؛ مجرد بحث عقيم آخر.
انطلقوا مع بزوغ الفجر، واستقبلوا شروق الشمس في قلب الصحراء، يقلبون الرمال حجراً حجراً، ثم يعودون مغطّين بالغبار ككل يوم.
حدّقت إستيل في السقف بعينين فارغتين، كأن روحها قد غادرت جسدها، وتمتمت:
“لم أعد أحتمل… لن أحتمل أكثر.”
“…… ومع ذلك ستواصلين حتى النهاية، أعرف ذلك.”
“آآآآاااه!”
صرخت وهي تتقلب وتركل الهواء بساقيها، فما كانت من لوتشي النائمة بجوارها والمتأوهة أصلاً، إلا أن صرخت معها بدورها.
نظر الثلاثة إليها في دهشة، لكن صوتها جاء مترنحاً، نصفه في عالم النوم:
“أووووه… لم أعد أريد الاستمرار… أريد أن أذهب بعيداً…”
قال لها إدغار:
“قلت لكِ أن تبقي هنا.”
“لكن! البقاء وحدي ممل! إن لم أخرج، فلا يخرج أحد!”
‘كل هذا الإصرار… فقط لأنها لا تحب الوحدة؟ ما أروع روح التعاون هذه.’
ومع ذلك، بدا أن المسير وسط رمال الصحراء الجافة والرياح المحملة بالغبار قد أثقل حتى على كاهل التنينة نفسه.
فجأة، تقدّمت لوتشي متدللة مدّت ذراعيها نحو سيدريك وقالت:
“أعطني قوتك المقدسة.”
“ولماذا تحتاجينها الآن؟”
“أنا… متعبة!”
ورغم أن ملامحه كانت باردة كالجليد، إلا أنّ سيدريك حملها بمهارة، كما لو اعتاد هذا المشهد، وربت على ظهرها.
سرعان ما تسرّبت هالة زرقاء من جسده، لتلتصق بخدّي لوتشي وأنفها، وما لبثت التنينة أن أرخت فمها وبدأت تنعس بين ذراعيه.
تبادل الثلاثة نظرات حائرة، فقالت إستيل:
“ما هذا بحق خالق السماء… هل تنمو التنانين بتغذيهم على القوة المقدسة؟”
أجاب سيدريك:
“لم أسمع قط بوجود صلة بين التنانين والمعابد. لا أعلم صراحة.”
منذ أن بدأ نموها، ازداد وضوح أن لوتشي ليست كائنًا عادياً. ولم يكن الأمر متكرراً، لكن في بعض الأحيان، كما اليوم، تلحّ على سيدريك ليمنحها قوته المقدسة… وكانوا جميعاً يتساءلون إلى أين تذهب تلك الطاقة.
عقد إيدغار حاجبيه متفكراً وقال:
“لو كانت تحتاجها فعلاً، لكان من المفترض أن تنفر منّا أنا وأنتِ بما أننا نمتلك قوى سحرية.” ( اي يعني لو بدها قوة مقدسة وتنجذب لها المفروض تكره السحر )
“بل على العكس، هي تنجذب إليها بجنون. على كل حال، ألا يرهقك هذا؟ أن تمنحه كل ذلك مراراً؟”
لكن ملامح سيدريك بدت طبيعية تماماً. حدّق في لوتشي النائمة في حضنه بتعبير حائر، ثم قال:
“لا أشعر بتعب. الغريب أنّ الأمر لا يشبه استهلاك الطاقة… بل أقرب إلى مشاركتها.”
“مشاركة؟”
“ربما يكون هذا من خصائص جنسها. في الوقت الحالي، سأستمر في إعطائها ما تطلب. لا يبدو أن هناك ضررًا في ذلك. …إستيل، بماذا تفكرين؟”
“هـاه؟ أ-أنا؟ لا، لا شيء إطلاقاً!”
‘في الحقيقة، كانت تشبه طفلة مدللة تعيش على امتصاص حياة أبيها… كمراهقة مزعجة في أوج عنادها.’
مسحت عرقها البارد بسرعة، وحاولت إعادة تركيزها:
“على أية حال، الأمر متعب حقاً. ولا أظن أننا سنحصل على أي نتيجة غداً أيضاً… لم يعد عندي أي حافز.”
ألقى سيدريك نظرة جانبية إليها، ثم تدخل بصوت ثقيل:
“على أي حال، غداً سواء أردتِ أم لم تريدي، سنبقى عالقين داخل المأوى بسبب المطر. تحملي قليلاً فحسب.”
قالت إستيل متنهّدة:
“آه، صحيح… المطر الغزير.”
ورغم أنه لم يُظهر ذلك علناً، إلا أن سيدريك لم يكن في مزاج جيد بدوره.
شرب جرعة كبيرة من كوب الماء أمامه، ثم مسح فمه بيده، همس ببطء:
“يا للأزعاج… لو كان لدينا المزيد من المعلومات لكان الأمر أسهل.”
*****
ترجمة : سنو
بالنسبه لقُراء المواقع.
انشر الفصول في جروب التيليجرام أول والواتباد. وممكن لو انحظر حسابي بالواتباد بعيد الشر بتلاقوني هناك ( ملاحظه، الي يدخل ويطلع رح ياخذ حظر )
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل: https://t.me/snowestellee
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات