“كنتِ تلحين علي مراراً لأخبركِ بمواصفات شريكتي المثالية، ولما كنت أصرّ على أنني لا أملك شيئاً كهذا، انتهى بي الأمر إلى اختلاقها في النهاية.”
‘هل بذل كل هذا الجهد؟!’
ارتسمت على وجه إستيل ملامح الذهول، فاستدارت بسرعة لتلتقي بعيني سيدريك، ثم تجمّدت.
“آه…….”
لم يسبق لها أن رأت مثل هذا التعبير على وجهه من قبل. كان يحدّق بها بملامح شاحبة توحي بالخذلان، ككلب ضخمٍ يتيم، فارتبكت وهي تحدّث نفسها:
‘ما هذا؟ كلب ضخم؟’
لقد اعتادت على إدغار الذي كان يعبر عن مشاعره بمشاكسة قريبة من تصرفات القطط، أما هذا الأسلوب المختلف فقد أسكتها.
عندها تذمّر سيدريك قائلاً:
“والآن تتهربين قائلة إن الأمر لم يعد يعنيك.”
“لم أتهرّب، وإنما بدا لي أنك تجيد الأمر وحدك…….”
“ومن قال إنني أجيده وحدي؟”
قالها الرجل الذي يبدو وكأنه قادر على إنجاز كل شيء بمفرده. وبينما رمشت هي متفاجئة وفتحت فمها بلا وعي، دسّ في شفتيها ثمرة حلوة أخرى مبتسماً، وقال بصوتٍ هادئ يشبه العتاب:
“ينبغي أن يكون لي عون، فكيف تفرّين وتتركينني؟”
“لكن، ألا يكون من الأفضل أن لا تبقى بينك وبين سموّ الأميرة مسافة حتى تسير الأمور لصالحك؟”
بدا وجه سيدريك شديد الاضطراب، الأمر الذي جعل إستيل تتوتر. ثم خفَض بصره بجمود وسأل:
“ما الذي تعنينه بهذا؟”
كان صوته يحمل الدهشة، بل شيئاً من التهديد.
لم يبدُ كمن يسمع هراءً عادياً، بل بدا قاطعاً صارماً إلى درجةٍ جعلت إستيل تنكمش على نفسها وتتمتم:
“أعني…… لقد سمعت أنك كنتَ على وشك الخطوبة سابقاً. قالوا إنك أعجبتَ بها إلى حدٍّ ما…….”
“من قال هذا؟”
“ماذا؟”
“من الذي اختلق هذا الهراء؟”
قالها ببرود، ثم تنهد وهو يعض على شفته كأنه فهم الأمر:
“أظنني أدركت من يكون.”
“أنت…… لن تقتل إدغار، أليس كذلك؟”
“……ليست كل الرغبات قابلة للتنفيذ.”
كان يعني أنه يريد قتله. ومع ذلك، لسبب غريب شعرت إستيل بالارتياح، ولم تدرك السبب بوضوح، برمشت بعينيها.
“ظننتُ أن علاقتكما ليست سيئة، وأن سموّ الأميرة ما زالت تحمل لك مشاعر، فقلت لنفسي، ليس ضرورياً أن يتحقق ما في النبوءة بالحرف، المهم أن تختار من تحب، ولذلك أردتُ أن أدعمك―”
“أي هذيانٍ هذا…….”
أخيراً فهم سيدريك ما كان يزعجه منذ مدة.
‘إذن هذا ما كان الأمر.’
أحس وكأن الأميرة الثانية تسخر منه للمرة الثانية.
حدّث نفسه غاضباً، بينما إستيل تحدّق به بعينين واسعتين وتعيد السؤال:
“ليس صحيحاً إذن؟”
“أنتِ قريبة مني، ومع ذلك تردّدين شائعات البلاط كأنها حقائق؟ أما كان أسهل أن تسأليني مباشرة؟”
“بدا الأمر ممتعاً فحسب…….”
“كنت أتساءل منذ مدة أي متعة تجدين في هذا؟ أتظنين أن مثل هذه الأمور تثير الضحك؟”
انفلت صوته بغضب، فأجابته بإصرار:
“لكن، لقد أجبتَ حينها بإيجابية إلى حدٍّ ما―”
“أتظنين أني أستطيع أن أرفض علناً عرضاً من العائلة الإمبراطورية؟ كان عليّ أن أضع اعتباراً لكرامة سموّ الأميرة.”
‘إذن كنتَ مجرد مخلص للواجب……!’
قالت إستيل مبهوتة وهي تحكّ مؤخرة رأسها:
“آه…… إذن كل ما في الأمر.”
“نعم، تلقيتُ عرض الزواج فعلاً، لكنه كان سياسياً بحتاً. تذرعتُ بأعذارٍ مراراً حتى ملّت سموّ الأميرة وسحبت العرض، وهكذا انتهى.”
‘إذن لا شيء مما تخيلتُه كان صحيحاً.’
أدركت إستيل أن مشاعرها المضطربة كانت مجرد وهم، فخفضت بصرها بخجل. ثم جمدت فجأة وهي تتساءل في داخلها:
‘لكن لماذا كنتُ أنزعج من ماضيه إلى هذا الحد؟ أليس المفترض أن أشعر بالراحة؟ ألم أكن أبحث عن مبرر لأبتعد عنه؟’
“ولماذا رفضتَ منذ البداية؟”
“تعلمين السبب، فلماذا تسألين؟”
“النبوءة؟”
“ذاك أحد الأسباب، لكنني لم أرد أن أتزوج بهذه الطريقة. أردتُ أن يكون الزواج عن حب حقيقي.”
‘يا لهذا الولع المزعج بالرومانسية…… ولماذا لا يثير ضيقي الآن؟’
ابتعدت إستيل بارتباك كأنها تبحث عن متنفس، ثم سألت بصوتٍ مصطنع الحماس:
“حسناً! سأساعدك مجدداً. قل لي، ما هي مواصفات شريكتك المثالية الذي فكرتَ فيها؟”
“أنا…….”
انفرجت شفتاه فوراً، وكأنه كان ينتظر. ثم تقدم منها، متجاوزاً المسافة التي كانت قد ابتعدتها عنه، وابتسم قائلاً:
“تبدو خائفة، لكنها تحمل مسؤولية عظيمة تجعلها تقدم على خيارات قصوى يدهش لها الجميع.”
أمسك بيدها ببطء، تلك اليد التي بردتها نسائم الليل، فدفأها بحرارته في لحظة.
ارتجفت عيناها الذهبية وهي تلتقي بعينيه الزرقاوين.
“وحتى إن كان الأمر شاقاً أو لا ترغب فيه، ما دامت مسؤولة عنه فإنها تؤديه بجدٍّ وإخلاص.”
كانت المسافة بينهما قصيرة، لكنها بدت خانقة لقلبها.
ابتسم سيدريك بحرارة لا تليق ببروده المعتاد، ثم تابع:
“وأحب من يعرف كيف يبتسم رغم كل ذاك العناء.”
“هـيك!”
خرجت منها شهقة صغيرة تشبه الحازوقة وهي تحدّق به بذهول.
لم تكن إستيل من ذلك الصنف الذي يطير قلبه لمجرد اعتراف.
أولاً لأنها اعتادت على سماعها، وثانياً لأنها غالباً ما كانت تدركه قبل أن يُقال.
لكن سيدريك لمّح بما فيه الكفاية، فبدأ عقلها الحاد يعمل.
قارنت بين أسلوبه المعتاد، وحمايته المفرطة لها في الآونة الأخيرة، وهذا الموقف الآن…… فجمدت في مكانها.
ابتسم هو براحةٍ كأنه نال مراده، ونظر إليها بعينين تقولان ‘أمسكتُ بك.’ ثم أردف مؤكداً:
“كما أنني أقدّر فيها روح التحدي ورغبتها في الإفلات من النبوءة.”
‘اللعنة… كدتُ أقولها بصوت عالٍ!’
رفعت رأسها مذعورة.
‘متى اكتشف؟’
رأى اضطرابها، فابتسم ابتسامة المنتصر وقال:
“لذلك، اهتمي بي قليلاً أنتِ أيضاً.”
“…….”
“إلى أن تعترفي بنفسك، سأتظاهر بأني لا أعلم شيئاً.”
دوّى في رأسها صوت انفجار.
اعتراف سيدريك، بعد اعتراف إدغار، ثم انكشاف أمرها عن غير قصد……
عقل إستيل كان في فوضى تامة.
***
وفي مكانٍ آخر.
كان جمع غفير يتحرك في موكب طويل.
في منتصفه جلست امرأة شقراء في العربة، تنفست بعمق وهزت رأسها بأسى.
“آه، يا للأسف. كنتُ أودّ أن أراقب قصة عشق الدوق الصغير أكثر، فإذا بي أطرد هكذا.”
“هاها…… لستُ أظن أن سموّه تعمد ذلك…….”
“بل تعمّد، أعرفه منذ سنوات. سلّمني بعض عبدة الشيطان وقال عودي فوراً. كان بودي أن أمكث أكثر مع ابنة الساحرة العظيمة…… يا للأسف.”
كلماتها بدت شكوى، لكن شفتيها كانت ترسمان ابتسامة خفيفة.
بالنسبة للأميرة التي خبرت سيدريك طويلاً، كان ما رأت مشهداً نادراً مثيراً للفضول.
تمددت متثائبة، ثم أخرجت رأسها من العربة متسائلة:
“وماذا عن الأسرى؟”
أجاب أحد الفرسان المرافقين بجدية:
“الحراسة مشددة، ولا أثر لأي محاولة هروب.”
“جيد.”
كان هذا متوقعاً، لذلك لم تُبدِ الأميرة أغنيس انفعالاً كبيراً.
فقد قُسّم الأسرى من عبدة الشيطان: نصفهم سيُستغلّون في بحوث سرية تجريها العائلة الإمبراطورية حول الشياطين، والنصف الآخر سيُعرضون في مواكب رسمية لإظهار هيبة الإمبراطورية.
أي أنهم رغم كونهم أعداء، صاروا الآن موارد ثمينة تقوّي شوكة العرش.
وبينما كانت تدندن بمرح، خطرت ببالها فكرة:
‘شكراً لك يا دوقنا الصغير الواقع في الحب.’
ورغم حرصها على نقلهم إلى العاصمة بأمان، فإن احتمال حدوث أي طارئ كان شبه معدوم.
إنه جيش يحرس فرداً من العائلة الإمبراطورية، فمن ذا الذي يجرؤ على معارضتهم؟ إلا إن كان مجنوناً قد فقد عقله.
‘تماماً كالدوق الصغير الغارق في أوهام حبه الأول.’
قهقهت الأميرة وهزت كتفيها.
كانت رحلة لم تجنِ منها إلا المكاسب، فلا شك أن والدها سيمطرها بالثناء عند عودتها…… وهكذا فكرت وهي تهمّ بإسناد رأسها بملل إلى نافذة العربة.
لكن عندها دوّى صوت كالرعد يوشك أن يهدّ الجبال، فاهتزت أرجاء الوادي.
“……ما هذا؟”
اعتدلت أغنيس ببطء، تحدّق حولها بيقظة، ثم التفتت إلى وصيفتها المذعورة من شدّة الخوف:
“هل ورد في التوقعات أن المطر سينزل اليوم؟”
“لـ… لا يا مولاتي. لقد تعمّدنا اختيار يومٍ مشمسٍ للانتقال…….”
لم يسبق لها أن خاضت حرباً، لكنها لم تكن تفتقر إلى البديهة.
دفعت باب العربة بقوة وأمرت:
“سأخرج فوراً.”
“مولاتي، الأفضل أن تبقين في الداخل أولاً―”
لم تمهلها فرصة لإكمال كلامها، فقفزت أغنيس من العربة بخفة، متقدمة وسط الجنود الذين جمدتهم المفاجأة.
شقت طريقها بين الهمهمات ودفع الأجساد بحدّة، حتى وقعت عيناها على شيء جعلها تضحك ضحكة يائسة.
“……هاه.”
جبلٌ منهار هائل كان قد انحدر من السفح فابتلع تماماً العربة التي كانت تقلّ الأسرى.
رفعت بصرها مذهولة إلى قمة الجبل حيث وقع الانهيار، ورأت أخاديد حادة تشبه أثر مخالب وحشٍ جارح.
لم يتوقع أحد هذا، فوقف الجنود مشلولين لحظة قبل أن يهرعوا معاً لنبش الركام.
لكنهم كانوا يعلمون جميعاً الحقيقة.
لقد فات الأوان.
صرخت أغنيس بوجه متوتر وقد احمرّت وجنتاها غضباً:
“أترون أن الحفر الآن سيغيّر شيئاً؟!”
“نـ… نعتذر مولاتنا، سموّ الأميرة―”
“نعتذر؟ أهذا إعصار من صنعكم حتى تعتذروا؟!”
مسحت جبينها المتوتر بظهر يدها، وضغطت بأصابعها على عينيها محاولة تهدئة انفعالها، ثم حدّقت في أكوام الطين المنهارة.
لم يكن طيناً فحسب، بل صخوراً ضخمة اختلطت به، فأصبح وزنه مهولاً. ابتسمت ببرود وقالت متهكّمة:
“حتى لو حفرتم، فلن تجدوا سوى الجثث.”
‘انهيار أرضي في جوٍ جيد؟ أي عبث هذا؟’
أطلقت ضحكة جافة، ثم شهقت فجأة وهي ترفع رأسها.
تأمّلت آثار التمزق العميقة على السفح وتمتمت:
“والضحايا؟”
“باستثناء الأسرى، لا يوجد أحد.”
“……أيعقل؟”
“الجـ… الجنود كانوا أحرار الحركة، فارتبكوا للحظة، لكنهم اندفعوا جانباً ونجوا. نعتذر، مولاتي!”
ركع الفارس بكل جسده على الأرض وهو يعتذر، غير أن الأميرة أطلقت نفخة ساخرة وقالت باستياء:
“أكنتَ تظن أنني سألومكم لعدم ثباتكم في أماكنكم والموت في مواقعكم؟”
‘يا للغباء…… يا للغباء.’
دفعت خصلات شعرها للخلف بضجر وزفرت بعنف، ثم استعادت بصعوبة نبرتها الرسمية وسألت:
“قصدي، هل يُعقل أن ينهمر هذا الكمّ الهائل من التراب في مساحة ضيقة كهذه؟”
“…….”
“ألا يبدو وكأن أحدهم دبّر الأمر قصداً؟ أليس كذلك؟”
رفعت رأسها بغتة وحدّقت إلى أعلى الجبل بعينين ضيقتين، وقد أحست بشدة وكأن هناك من يترصدهم من فوق. غير أن القمة كانت خالية تماماً.
وكأن ما حدث لم يكن سوى محض مصادفة عجيبة.
******
ترجمة : سنو
بالنسبه لقُراء المواقع.
انشر الفصول في جروب التيليجرام أول والواتباد. وممكن لو انحظر حسابي بالواتباد بعيد الشر بتلاقوني هناك ( ملاحظه، الي يدخل ويطلع رح ياخذ حظر )
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل: https://t.me/snowestellee
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات