امتصّت لوتشي بشراهة الضوء الأزرق المتدفّق منه، ثم أفلتت منه مسرعة إلى الركن حيث تتكدّس الدمى التي حصلت عليها من العلماء، وقد ارتسمت على وجهها ملامح الرضا.
وما إن أنهى معاملته مع لوتشي حتى جلس بجانب إستيل محدِّقًا في وجهها بوضوح. وإذ شعرت بوجوده ونظراته الثقيلة، التفتت نحوه فورًا.
قالت مبتسمة:
“آه، وصلت؟ لقد استغرقتَ أكثر مما توقعت. فلا بد أنّك قضيت وقتًا ممتعًا.”
فأجاب بنبرة جافة:
“وأيّ شيء كان ممتعًا منذ قليل؟”
عندها تذكّر كلمات إدغار الذي بدا في موقع أشدّ إلحاحًا منه، حين قال إن من يتهاون يُسلب كلّ شيء، وتذكّر أيضًا نصيحة الأميرة بأن يستخدم بعض الدهاء. وبدا الإصرار يتلألأ في عينيه الزرقاوين.
كان قد همّ بتأجيل الأمر إلى وقت آخر، لكنه أدرك أن الكائن الذي يتلألأ بدرجة لافتة لأنظاره، سيجذب الآخرين أيضاً. وهو رجل لا يتراجع عن تحقيق غايته، ولو استغرق الأمر وقتاً طويلاً.
لذا…
“ما دمتَ كنتَ مع جلالتة الأميرة… فلا بد أن الوقت كان ممتعاً… أ، أوي، ما هذا؟”
ارتجفت إستيل فجأة وقد فاجأها أن يده أمسكت بيدها برفق، لكنها لم ترفض.
طبعًا، فهي من بدأت هذا النوع من القرب، يوم أمسكت به بتوسّل كي يتقاربَا بعدما أبدى رفضه، ولم تكن يومًا ممن ينسحبون من أمر بدأوه. وهذا ما يراه فيها جاذبًا: قوة المسؤولية.
لذا قرّر أن يتشبّث بهذا الخيط، بل وأن يبحث عن حجج أخرى يقترب بها منها. فنظر إليها مباشرة وسأل:
“سمعت أنكِ لا تخرجين من الداخل لأجل سلامتك. أليس ذلك خانقًا لكِ؟”
فأجابت مترددة:
“ربما قليلًا…”
قال بثبات:
“فلنخرج قليلًا إذن. سأكون بجوارك.”
عندها لم يفت إدغار الجالس إلى جانبها أن يبتسم بمكر رافعًا زاوية شفتيه.
أما عينا لوتشي فقد راحتا تتنقّلان بحذر بين الثلاثة، فيما إستيل من دون أي تحفّظ سألت بفرح:
“حقًا؟!”
“نعم.”
“إذن فلنذهب جميعًا…”
فقاطعها:
“صعب أن أحمي ثلاثة أشخاص في وقت واحد.”
والحقيقة أنه قادر على ذلك وأكثر، فهو سيدريك.
غير أنّه اختار قليلًا من المواربة، ورغم انزعاجه من الكذب، فقد عدّه حلًّا وسطًا مقبولًا.
فهو لا يريد أن يثقل على إستيل بأعباء قلبه فوق ما تحمله من مهمّات جسيمة، لكنه في المقابل لا يقبل أن يتركها لغيره.
لقد اعترف أخيرًا أن رغبته في حمايتها من الألم، ورغبته في إبعاد الآخرين عنها، يمكن أن تتعايشا معًا.
وبذلك، كان لا بد من التحرّك… نحو أيّ اتجاه كان.
‘احفظ كلامي جيدًا. أنا أكثر خبرة منك. من دون بعض الدهاء لن تفوز.’
دهاء…؟ كانت الأميرة تطلب منه بالضبط ما يفتقر إليه أكثر من أي شيء
أغمض سيدريك عينيه للحظة، ثم استعاد صورة إستيل في ذهنه: صادقة، منفتحة، محبة للناس.
ومن أجل أحبائها، لن تتصرّف يومًا بطيش يجرحهم. فإذا اضطرب قلبها قليلًا، فلن تُدخل أحدًا جديدًا قبل أن ترتّب مشاعرها.
إذن ما عليه فعله واضح.
شدّ يدها التي استسلمت له من دون مقاومة، وقال وقلبه يخفق بعنف:
“لنخرج، نحن الاثنان فقط.”
هكذا يُبعدها عن الآخرين.
هكذا يجعلها تشعر بالغموض في شأن إدغار، فلا تقبله بسهولة.
وهكذا يتيح لها أن تركّز على هدفها الأساسي.
وبعد أن تحقّق غايتها…
‘حينها سأفعل أيّ شيء.’
بهذا صار حول إستيل تدخّلَان متعارضان.
التقط الساحر الفطن ذلك، فجلس متراخيًا على كرسيه يراقب سيدريك بعين فاحصة.
أما هي، فلم تدرك الجوّ الغريب المحيط بها، وظلّت تبتسم ببهجة إزاء الخروج المفاجئ المسموح لها.
***
الفصل السابع: كيان من داخل النطاق
حدّقت إستيل في ثمرة خضراء مدّت إليها.
لم تر مثلها من قبل. فأمالت رأسها باستفهام، فبادر سيدريك يشرح بعد أن سعل بتكلّف:
“إنها ثمرة النخيل، تنبت في الصحراء، وطعمها حلو بعض الشيء.”
فقالت بمكر:
“إذن تذوّقها أنت أولًا.”
كان كلامها وكأنها تستخدمه كتجربة.
ابتسم سيدريك وألقى الثمرة في فمه، ثم قدّم لها أخرى. وحين مدّت يدها لتأخذها، قطّب حاجبيه قليلًا وقال هامسًا:
“لا حاجة…”
“عفوًا؟ ماذا تعني؟”
“لا داعي أن تستخدمي يديك… أعني، قد تكون يداك متسختين.”
“…..؟”
‘هل يقصد بسبب رياح الرمل؟’
بدا كلامه سخيفًا، لكنها وثقت به كفاية لتتناول الثمرة مباشرة بفمها.
عضّت عليها فانتشر عصيرها الحلو في فمها. وفي نفسه خطر له:
‘أرأيتي يا لوتشي؟ أنا أيضًا فعلتها. كما يفعل ذاك الساحر.’
وبينما كانت تتأمل ضوضاء السوق حولها تمتمت:
“لم أتخيل أن يكون هنا سوق بهذا الحجم.”
“فهذه المنطقة قريبة من مساكن علماء الآثار والباحثين. ولحاجتهم الكثيرة تتردّد القوافل إليهم باستمرار.”
فعقّبت وهي تحدّجه بنظرة جانبية:
“وأنتَ الذي كنتَ لا تخرج من غرفتك، كيف لك أن تعرف؟”
ابتسم ساكنًا، ثم رمق المختبر الذي خرجا منه قائلًا بخفوت:
ةابتداءً من الغد، ستتمكّنين من التحرك بحرية.”
“حقًا؟!”
“لقد انتهت أعمال الترتيب للتو.”
‘بهذه السرعة؟’
دهشت إستيل، ثم انتبهت إلى ما وراء الأمر.
نعم، هذا ما كان يشغله في الأيام الماضية…
فقال مفسّرًا:
“لقد تمّ رصد كل من أبدى تحرّكات مريبة وتبيّن ارتباطه بالسحر الشيطان عبر قوة الروح، وتمّ تسليمهم للإمبراطورية. وستأخذهم سموّها إلى القصر.”
“…….”
“الخطر انتهى.”
عبثت إستيل بأطراف شعرها، ورفعت بصرها إليه بشعور غريب.
في تلك اللحظة بدت لها سخيفة ثورتها الماضية حين سمعت بخطبة تخصّه بالقصر.
‘وما شأن ذلك؟ الرجل الذي أمامي رائع بحق. سواء كذب أم لا، المهم أنني لقيت شخصًا كهذا.’
انتظر ردّها صامتًا. أما هي فبعد تردّد، رفعت رأسها وقالت بخجل:
“لقد بذلت جهدًا كبيرًا.”
ثم ربتت على جبينه بخفّة دافئة وسحبت يدها، فارتبك هو وسأل مذهولًا:
“…ما هذا؟”
“تشجيع.”
“على الجبين؟”
“كنت أريد أن أمسح على رأسك، لكن لم أستطع الوصول.”
ضحك بخفّة، ثم مدّ يده كأنه يقول فلنذهب.
وقد اعتادت على الإمساك بيده كثيرًا، في لحظات خوف أو لتشدّ عزيمتها، فلم تعد تلك الخطوة غريبة بينهما.
مدت يدها إليه وهي تفكر ‘حقًا؟ لم تعد غريبة؟’ لكن قبل أن تستغرق أكثر، جذبها نحوه وسط الزحام.
***
كاد تيار الناس أن يفرّق بينهما مرارًا، لكن ذراعه التي تطوّقها كالسوار الذهبي منعت ذلك.
كان يعرف الكثير من الأمكنة، كونه قائد فرسان. حتى في السوق بدا مألوفًا وهو يساوم الباعة، أو يقبض على نشّال حاول سرقته ويسلّمه للشرطة.
فتمتمت إستيل:
“همم، يبدو أن اليوم الذي سرقتُ فيه كيس سيدريك كان يوماً سيئ الحظ بالنسبة له حقاً…….”
“……”
“كنت أظن أنني وجدت فريسة سهلة.”
فأجاب مبتسمًا بنعومة غير معهودة:
“بل كنتِ محظوظة، هذا كل ما في الأمر.”
فتساءلت بدهشة:
“ولماذا؟”
لكن ابتسامته التي رافقت الجواب كانت أوضح من كل تفسير.
“لأنني حين رأيت وجهكِ أول مرة، سُرق شيئًا من روحي.”
“……نعم؟ ولماذا؟”
“لست أدري… ربما لأن ذلك اللقاء وقع في السنة التي قيل في النبوءة إنني سأقابل فيها المرأة التي سأتزوجها.”
انتفض جسد إستيل لا إراديًا واضطربت عيناها.
‘هذا الوغد… هل اكتشف الأمر؟’
لكن وجه الرجل بدا مطمئنًا، بلا أي دهشة من قبيل:
‘أيعقل أن تكوني أنتِ من كنتُ أبحث عنها؟’
لم يكن فيه سوى هدوء.
‘إذن مجرد مزاح؟’
ضحكت ضحكة قصيرة، فردّ عليها بابتسامة وتابع وكأن كلامه الأول كان دعابة:
“على كل حال، كان وجهًا مألوفًا، فاسترعى انتباهي للحظة وأرخيت حذري.”
“ولو لم ترخِ حذرك…”
“لسلمتكِ للشرطة.”
“إذن كنتُ محظوظة.”
اعترفت إستيل سريعًا بحظّها وأومأت برأسها.
فلولا ذلك، لتعرّضت لمشقة كبيرة.
كانت أصوات المساومات ونداءات الباعة تختلط فتثير ضجيجًا شديدًا، حتى أن عيني إستيل نصف أُغمضتا بانزعاج.
‘ترى، هل بالغتُ حين أخذتها معي فقط لأنني أردت أن نبقى وحدنا؟’
تساءل في نفسه بقلق ثم سألها:
“هل ترغبين في الابتعاد إلى مكان هادئ؟”
“ماذا؟”
بدا أنها لم تسمعه جيدًا بسبب الضوضاء، فاعتدلت على أطراف أصابعها لترفع رأسها نحوه مستفسرة.
تردّد قليلًا، ثم طوّق كتفيها وجذبها إلى صدره، وانحنى حتى أوشك فمه أن يلامس أذنها، فيما عبقٌ يشبه رائحة الورود العذبة دغدغ أنفه.
“أقول، إن كان الضجيج يزعجكِ فلنخرج من هنا.”
“نعم، لنفعل.”
أمّا هو، فشعر وكأن أذنه تحترق، بينما إستيل بقيت على سكينتها كأنها لم تحسّ بشيء.
( استيل تكلمت في اذنه بصوت عالي لول )
قادها وهو يحمل في يده أكياسًا من الحلوى إلى غابة هادئة، وهناك فيما كانت تستنشق الهواء برضا وتبتسم ابتسامة عريضة، راح يتأمل وجهها السعيد في صمت.
مدّت ذراعيها بارتياح، ثم استدارت نحوه مبتسمة ببهجة:
“واو، الجو هنا أروع بكثير! شكرًا لك.”
“إن كنتِ شاكرة حقًا…”
توقّف قليلًا، فحدّقت فيه إستيل بعينين متسائلتين.
تقدم نحوها بخطوات واثقة حتى ضاق ما بينهما من مسافة، فأحسّت وكأنه يوشك أن يقول شيئًا مهمًّا.
ثم همس ببرود خجول:
“فلِمَ لا تهتمّين بي كما كنتِ تفعلين من قبل؟”
*****
ترجمة : سنو
بالنسبه لقُراء المواقع.
انشر الفصول في جروب التيليجرام أول والواتباد. وممكن لو انحظر حسابي بالواتباد بعيد الشر بتلاقوني هناك ( ملاحظه، الي يدخل ويطلع رح ياخذ حظر )
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل: https://t.me/snowestellee
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات