بل على العكس، كانت لوتشي تهز رأسها موافقة على كل ما يقوله إدغار، فتزيد الجو غرابة.
ولو كان سيدريك قد شهد هذا المشهد بعينيه لكان نظر إليها وكأنه يقول: كنت أعلم أن الأمر سينتهي هكذا.
إستيل، وقد ارتسمت على وجهها ملامح الذهول من حديثهما، ألقت نظرة إلى الساحر الوسيم الجالس قبالتها، وإلى لوتشي الجالسة بجانبه بوجه متوتر.
قال إدغار مبتسماً:
“أنا أعترف أنها لطيفة بعض الشيء.”
فردّت:
“هكذا إذن؟ حسن، جيد أنك تعترف.”
تابعت بلهجة خفيفة:
“لكن أنتما الاثنان تحدقان بي هكذا، بدأ الأمر يثقلني. إدغار مفهوم، فهو يحاول التقرّب مني، لكن لوتشي أنتِ ما شأنكِ؟ هل على وجهي شيء عالق؟”
لم تستطع لوتشي البوح.
حتى وهي تفتقر إلى الحيلة، كانت تدرك أن كشف ما طلبه سيدريك منها آنفاً يقع في باب الإفساد الذي لا يجوز أن تفشيه. لذا دارت عيناها بارتباك كجروٍ ابتلع طعاماً من وراء صاحبه.
‘ما الذي يدور في رأس هذه الصغيرة؟’
تساءلت إستيل وهي تزفر بخفة ثم سألتها:
“كيف حال جسدكِ الآن؟”
أجابت لوتشي بحماسة:
“بخير تماماً!”
إستيل لم تطمئن، ثم قال إدغار:
“أمتأكدة أنكِ كنتِ مريضة أصلاً؟”
فقاطعته بانفعال:
“كنتُ مريضة حقاً!”
زمجرَت في وجه إدغار الذي سخر منها، فكأن المشهد بين عمٍّ يوبّخ ابنة أخيه الطائشة.
عندها رفعت إستيل رأسها لترى قطعة خبز تُوضع أمامها، وإدغار يضع فوقها بعناية قطعة لحم، ثم يمد يده ليزيح خصلات شعرها المتدلية بلا اكتراث.
لكن قبل أن تكمل، انقضّت لوتشي فجأة وانتزعت الخبز لتلتهمه في لقمة واحدة.
جمدت إستيل في مكانها وقد سُلب طعامها أمام عينيها، بينما نظرت لوتشي إلى إدغار وهو يبتسم بهدوء، فتصبب منها العرق البارد وأشاحت بوجهها.
تمتمت بتلعثم:
“ك… كنت جائعة…”
فأطلق الساحر نبرة مخيفة:
“هل ترغبين في بدء حياة تقشف قسري؟”
ارتعبت لوتشي حتى كادت تتوقف عن المضغ، وفكرت: هل أبصقه الآن قبل فوات الأوان؟
لكن إستيل أنقذتها، فضمت الصغيرة إلى حجرها وربّتت على جبهتها قائلة:
“لا يجوز أن تأخذي طعام غيرك بلا إذن، مفهوم؟”
“ن… نعم…”
ثم التفتت إلى إدغار:
“ولنعتبر أنني أنا من أكلها. فلا تغضب، أرجوك… آه، ها قد عقدت حاجبيك مجدداً.”
أثار تقليدها الساخر ابتسامته، فابتسم وكأن شيئاً لم يكن، ثم أسند ذقنه إلى يده وسألها:
“إذاً، هل بدأتِ تحبينني قليلاً الآن؟”
أجابت مترددة:
“سأنظر في الأمر.”
مدّ يده فجأة:
“أعطيني يدك.”
نظرت إليه بارتياب، لكنها مدت يدها.
أمسك بها فوراً يلامس أصابعها بدهشة، مما جعل لوتشي تختنق بصرخة مكتومة وتسد فمها.
‘ياللدهشة! أهكذا يتصرف البالغون؟!’
فحدّقت إستل فيه بعينين غاضبتين:
“أمام طفلة، وتفعل هذا؟ ما هذه الوقاحة؟”
ضحك بهدوء:
“أي وقاحة؟ مجرد تداخل أصابع بين راشدَين؟”
“آه، يبدو أنك كثير التجارب إذن، أليس كذلك؟”
فابتسم:
“ألديك غيرة؟ يعجبني الأمر، التعلّق بي ليس سيئاً.”
‘مخيف… لا يُهزم بالكلام.’
ابتلعت إستيل لسانها من عجزها عن الرد. عندها ضحك وألقى شيئاً على يدها.
فتحت يدها فإذا بها قطعة شوكولا ملفوفة بورق.
‘كيف حصل عليها هنا؟’
سألت بحدة:
“من أين أتيت بها؟”
تردّد:
“من… هنا وهناك…”
ارتابت أكثر:
“لكنّك لم تبارح هذا المكان، فما معنى هنا وهناك؟”
ابتسم بفتور:
“يكفي أني تذكرتك، فأحضرتها.”
ازدادت شكوكها، لكن في النهاية أخذتها. وما إن سألت بجدية:
“هل خرجت من هنا خفية؟”
حتى قطع كلامها مبتسماً وهو يمد لها قطعة مكسورة من الشوكولا:
“هيا، افتحي فمك.”
ترددت إستيل، لكن رائحة الحلوى أغرتها.
أما لوتشي، فقد كاد قلبها يتوقف:
‘يجب أن أفسد الأمر!’
لكن حين التقت عيناها بنظرات الساحر الباردة ارتعشت وألجمتها الدموع:
‘م-مخيف…’
فانكمشت في حجر إستيل، بينما هي تذوق الشوكولا وعيناها تحدقان فيه.
قالت بصرامة:
“أنت تخفي شيئاً، أليس كذلك؟”
فرد مبتسماً:
“ولماذا أخفي؟”
“من أين جلبت هذا؟ تقول إنك تحبني، فقل الصدق.”
لحس آثار الشوكولا عن أصابعه وقال متهرباً:
“حصلت عليه من بعض البروفيسورات هنا بعدما تعارفت معهم.”
سارعت إلى تعقيبه ساخرة:
“إذن أنت فعلاً تحبني إلى هذا الحد؟”
فأجاب بثبات:
“أترينه كذباً؟”
“لكن لماذا؟”
ارتبك قليلاً، وكأنه يفتش عن إجابة.
أدركت إستيل أن مشاعره صادقة على الأقل. لم يكن يختلق شيئاً من عدم. نظراته إليها تشهد بذلك، إذ بدت أكثر بريقًا من تلك التي يوجّهها لأي موضوع علمي. ومع ذلك، فإن أسلوبه في الاقتراب منها بدا غريبًا وغير مألوف.
سألته مجدداً، فابتسم بسخرية:
“أما زلتِ لا تصدقين؟”
“أصدقك. لكن فقط أرى فيك ما لا يشبهك عادة.”
ضحك بمرارة، ثم نهض وجلس إلى جوارها، يحدّق فيها وهي تمضغ الشوكولا. وقال بصدق ثقيل:
“أنتِ ممتعة.”
“وهذا كل ما لديك؟”
أحست أن السبب واهٍ، لكنه كان جاداً.
مد يده ليلامس خدها، ثم قال بصوت منخفض:
“أنا لا أتوقع من الغد شيئاً. أعيش مقتنعاً أن الغد سيكون أسوأ من اليوم، وبعد غدٍ أسوأ من الغد. لكنكِ أنتِ… تجعلينني أنتظر الغد.”
أدهشها كلامه العميق، فلم تجد ردّاً.
اقترب منها أكثر وهو يبتسم:
“ما زلتِ لا تصدقينني؟”
فقالت بعد تردد:
“صدقتك من البداية.”
لكنه نظر إليها بشك، فأشاحت ببصرها نحو السقف وقالت:
“أنا أؤمن بك يا إدغار. لكن أحياناً الظروف تطغى على مشاعر الإنسان. ومع ذلك، أظن أن إدغار الآن لن يخونني حتى لو عصفت به الظروف.”
ابتسم، ثم قال ساخرًا:
“حقاً؟ ومن أين أتيتِ بهذه الثقة؟ ليس لديك عين صائبة أبداً.”
فتذمّرت بانفعال طفولي:
“أنت تسخر مني ثانية! دائماً هكذا!”
بينما كانت لوتشي عالقة بين الاثنين المتشاجرين، خطر بباله مشهد سيدريك وهو يوصيه بإلحاح على مهمته.
إستيل تثق بإدغار.
منحته ثقتها؛ فلم يكن سيدريك اليقظ دائمًا وحده من عجز عن الحسم بشأنه، بل حتى التنينة القادرة على قراءة الأفكار لم تستطع الجزم.
وفي مثل هذا الوضع، التدخل المباشر هو……
‘لـ… لا أستطيع.’
لكن يجدر التنويه هنا إلى أنّ إدغار، مهما كان طبعه حادًّا بعض الشيء، لم يكن حثالةً إلى درجة أن يبطش بلا رحمة بلوتشي لمجرد أنها أفسدت عليه شأنًا عاطفيًّا، وهي لازالت في مستوى طفل من حيث النضج.
غير أنّ التنينة التي انكمشت خوفًا من الساحر بفعل التجارب السابقة، صارت مفرطة الحذر.
ومع ذلك، كانت لوتشي شخصيًّا تميل إلى جانب سيدريك. أي إنه كان لا بد أن تتدخل بطريقة أو بأخرى…
‘آه!’
تلألأت عينا الفتاة وقد خطرت ببالها فكرة.
نعم، هذا يصلح، وسيمكنها من العرقلة من غير أن تتدخل مباشرة!
متهللةً بالحيلة التي اهتدت إليها، راحت تراقب بتركيز ما يجري بين الاثنين على غير عادتها.
***
وفي الجانب الآخر، ما إن ارتشف سيدريك الشاي الذي قدمته له الأميرة حتى بصقة على الفور.
“الآن، ما الذي…….”
“سيدي، هل ضيعتَ رشدك بمجرد لقائك الآنسة إستيل؟ لم أرَك يومًا بتلك الهيئة المدهوشة―”
“فجأةً خطبة؟ لا، لا بأس.”
“وما الضير في الخطبة؟”
إذ إن ما طرحته الأميرة عليه منذ أن استدعته، كان عرضَ زواجٍ مدبَّر، وهو ما اعتاد البلاط الإمبراطوري أن يقدمه أحيانًا للنبلاء رفيعي المقام.
في باطنه كان وسيلة لليِّ أعناق النفوذ كيف شاءوا، لكنه في الظاهر كان مشهورًا بأنّه زواج سعيدٌ يفيض بالمحبّة…
لكن، أيعقل أن يرغب أحدٌ في شيء كهذا؟
مسح سيدريك فمه المتصبّب بمنديل، وأجاب وهو يشيح بوجهه وقد احمرّت أذناه حتى صارتا كالجمر:
“كلاهما ليس في وضع يسمح بمثل تلك الأمور. فالإمبراطورية نفسها قد تكون على شفا الانهيار في أي لحظة…”
“همم، إذن يا سيدي، لستَ تشعر بالخطورة كما ينبغي بعد.”
“تفضلي وأخبريني بالسبب الحقيقي الذي من أجله استدعيتني.”
‘ها قد بدأ يتملص مني بدوره. حقًا إن قوة الحب مخيفة…’
تمتمت الأميرة وهي تنقر بلسانها، ثم طرحت أخيرًا لبّ الموضوع:
“اطلعتُ على اللائحة التي رفعتها، لكنني لن أُجيز أي مطاردة بغرض الإعدام.”
*****
ترجمة : سنو
بالنسبه لقُراء المواقع.
انشر الفصول في جروب التيليجرام أول والواتباد. وممكن لو انحظر حسابي بالواتباد بعيد الشر بتلاقوني هناك ( ملاحظه، الي يدخل ويطلع رح ياخذ حظر )
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل: https://t.me/snowestellee
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات