“هاه، يبدو أن هذا الدرس سيبرد دمك قليلًا، أيها المسخ.”
ابتسمتُ بنَفَسٍ متقطع، أنظر إلى الماء المتلاطم.
لكن شيئًا ما جعل ابتسامتي تتلاشى ببطء.
الماء… بدا ضحلًا جدًا.
نظرت إلى الأسفل —
الوحش لم يغرق بعد.
كان ينهض، يقطر منه الماء،
وعيناه تتوهجان بلون الدم.
“…….”
“…….”
‘يا إلهي… يبدو أن جولة الجحيم لم تنتهِ بعد.’
حتى المخلوق الشيطاني، وكأنه أدرك أن ثمة خطبًا ما، توقّف عن الحركة لبرهة، وحدّق بي بعينين غليظتين لا حياة فيهما.
انتهى أمري، لا شكّ في ذلك.
دون تفكير، استدرت راكضة بكل قوتي، تتسارع أنفاسي مع كل خطوة أقطعها، بينما كان الوحش الذي اشتعل غضبه حتى بلغت نيرانه السماء يلاحقني بسرعة تفوق الريح الهائجة.
“آه!”
وكأنّ القدر يهوى العبث بي، فها هي صخرة لئيمة تظهر أمامي فجأة في أكثر لحظات حياتي حرجًا!
في الأفلام، عند هذه النقطة بالذات، يستسلم البطل لواقعه ويستدير ببطء نحو الموت…
لكنني، لا — لست من أولئك الذين يستسلمون.
وضعت كفّي على الأرض أحاول النهوض، إلا أن ألمًا حادًّا لاذعًا اجتاح كاحلي فجأة.
يا لسوء حظي، يبدو أنني التويت أثناء السقوط.
وفي تلك اللحظة نفسها، ارتسم ظلّ ضخم أمامي، ظلال الوحش التي غطّت ضوء النهار، وكأن الموت نفسه قد ألقى برداءه عليّ.
لا… لم يحن وقتي بعد.
لا زلت أملك رغبات لم أحققها بعد، أطباقًا لم أتذوقها، أحلامًا لم أحتضنها بعد.
صرخت بكل ما تبقّى فيّ من قوة:
“ألفريد!!!”
وقبل أن يبتلعني الظلام، جاءني صوته، رقيقًا كهمسٍ يبدّد الرعب:
“أعتذر لتأخّري، آنستي.”
حينها فقط، رفعت بصري ببطء، أفتح عيني المرتجفتين لأجد فريد أمامي، راكعًا على ركبة واحدة، يمدّ يده نحوي بإيماءة نبيلة، كأنه ملاك نزل من السماء ذاتها.
“الآن، كل شيء سيكون على ما يرام.”
آه…
لقد نجوت.
كم هو مدهش شعور الحياة بعد أن تلمس حدود الموت.
كم أنا ممتنة لأن أحبّتي لم يُقتلوا بسببي.
وما إن تلاشى التوتّر من أطرافي حتى انهارت قوتي كليًا، لتلتقطني ذراعا فريد قبل أن أسقط أرضًا.
وفي تلك اللحظة، غبت عن الوعي تمامًا.
✦ ✦ ✦
“يا إلهي، ما الذي يحدث؟”
بدأ المارة يتوقفون واحدًا تلو الآخر في منتصف الشوارع، رافعين رؤوسهم نحو السماء بدهشة.
فالثلج — الذي لم تعرفه العاصمة الذهبية منذ قرون — كان يتساقط ببطء، يغمر المدينة الهادئة برداء من البياض الساحر.
وكان السبب، دون أدنى شك، هو كاليجو.
فما إن سمع بأنباء سيرينيشيا، حتى اندفع كالعاصفة نحو القصر الإمبراطوري.
وبفضل المعالج الملكي، شُفيت الفتاة تمامًا، دون أثرٍ واحدٍ لجراحها.
لكن كالليغو كان يعلم… أن الجراح التي تُشفى على الجسد لا تمحو ما انغرس في الروح.
وما إن تأكد من حالها حتى اتجه مباشرة إلى مكتب ريتشارد، ووقف أمام الباب بخطوات ثقيلة غاضبة.
أما الحارس، الذي يبدو أنه تلقى أوامر مسبقة، فقد فتح الباب دون مقاومة.
وفي اللحظة التي وطأت فيها قدم كالليغو أرض المكتب، غطّت طبقة من الجليد الصقيعي المكان بأسره.
تسللت البرودة كأنفاس الموتى، تزحف فوق الجدران والأرض، تُجمّد الهواء ذاته.
لو لم يكن ريهارت يُكبح سحره بعزمٍ خارق، لتحوّل القصر بأسره إلى أنقاض من الثلج الممزّق.
ومع ذلك، حين حاول التقدّم نحوه، اندفع جدار من بلّورات الجليد الحادّة بينهما، يعلن بوضوح: (توقّف. لا تقترب أكثر).
أطلق ريهارت تنهيدةً باردة، وقال بصوتٍ خافتٍ يشبه الندم:
“أعتذر يا كاليجو…”
لكن الردّ جاء ثابتًا، خاليًا من أي انفعال:
“الطفلة الصغيرة… كانت على وشك الموت.”
لم يتغير وجه كاليجو قطّ، إلا أن صوته كان قاطعًا كحدّ السيف.
“أعلم… وأنا آسف حقًا.”
غير أن كلماته سقطت في فراغٍ جليديّ، لم تجد طريقًا إلى قلب الرجل الآخر.
وبنبرة باردة كالشتاء، قال كالليغو وهو يدير ظهره مبتعدًا:
“من الآن فصاعدًا، لن تطأ الطفلة أرض القصر الإمبراطوري مرة أخرى.”
التعليقات لهذا الفصل " 39"