تُقام مهرجانات إيوس على ثلاث مراحل كبرى: التصفيات، ثم المباريات الرئيسة، وأخيرًا المباراة الختاميّة. ولكلّ فصل من هذه الفصول هيبته الخاصة، ولكلّ مرحلة نكهتها ووهجها.
فالتصفيات أشبه برحلة صيدٍ خفيّ، حيث يغامر المتنافسون في أعماق “غابة التنين النائم” شمال العاصمة، باحثين عن أحجار المانا المكنونة بين ظلال الأشجار العتيقة.
أمّا المرحلة الرئيسة فهي صراع سحري تتقاطع فيه العزائم كوميض البروق، مبارزات حامية تجرى على نسقٍ صارم من جولات الإقصاء، لتكشف عن الأقوى عزيمة والأصلب إرادة.
وأمّا ذروة المهرجان وأشدّه مهابة وبهاء، فهي سباقات الخيل… ذلك الحدث الذي تهتزّ له قلوب رعايا الإمبراطوريّة، وتنتفض له الأرواح شوقًا عامًا بعد عام، وكأنّما هو عيد مقدّس لا ينقطع.
وكان بديهيًّا أن يبلغ زينوس النهائيات؛ لم يكن الأمر رجاءً ولا توقّعًا، بل قضاءً محتومًا، وسطرًا مكتوبًا لا رادّ له.
ومن أجل هذا اصطحبته إلى أعظم مضمار في العاصمة. كنتُ قد نويت أن أجيء برفقة كاليغو، غير أنّه انطلق على عجل في مهمّة استئصال، فلم يتهيّأ له الحضور. لم يَغضّني ذلك؛ ففريد كان كفيلًا بأن يسدّ الفراغ.
وقد صادف أن زينوس كان يريد منّي مشورة بشأن الجواد الذي سيختاره. بدا الأمر يؤرّقه بصدق.
‘كان يريد أن يستشير ألفريد، لكنّ الحياء كبّله، فلجأ إليّ بدلًا من ذلك… وإلا فما الذي يدفعه ليسألني أنا، التي لم تمتطِ جوادًا قط؟’
لم يبقَ على انطلاق المهرجان سوى شهر واحد. وزينوس، الذي يكفيه أسبوع واحد ليبلغ القمّة، ماذا عساه يصنع بشهرٍ كامل؟ النصر إذن بين يديه كما يُمسك السيف بقبضته!
“المعذرة يا آنستي النبيلة.”
اقترب منّي صاحب المضمار بخطوات متردّدة ونبرة يجلّلها الوقار.
“هل حضرتِ تبحثين عن جواد سباق؟”
“نعم! أترى عندك ما تنصح به؟”
ارتسمت على شفتيه ابتسامة محرجة، وأخذ يحكّ مؤخرة رأسه بتردّد:
“آه… يا للأسف. لقد جاء رجال البلاط قبل أيّام، وأخذوا جميع الخيول الأصيلة.”
“ماذا؟! وماذا عن هذه إذن؟”
“كلّها مهرات صغيرة لم تُدرَّب بعد.”
تسارعت أنفاسي، فقلت في توتر:
“وكم يلزم من الوقت لتدريبها إن بدأنا من الآن؟”
“في أحسن الظروف، ثلاثة أشهر.”
“ثلاثة… أشهر؟!”
يا للخيبة! أيكون هذا توقيت المصيبة؟ قد يبدو للآخرين محض صدفة، غير أنّي، وقد خبرتُ لؤم الإمبراطور، لا أراها إلا مكيدة مدبَّرة!
‘آه يا ربّ… أيّ قلبٍ يملك هذا الإمبراطور العاقر من الرحمة؟ ليت كلّ أصابعه تنزف جروح الورق في هذه الليلة المقمرة!’
خرجنا من المضمار خائبي الرجاء، وقد قال لنا صاحبه إنّ حال المضامير الأخرى لا يختلف عن حاله.
‘ما العمل الآن؟’
فسباقات المهرجان لا يُقبل فيها إلا جواد يُثبت مالكه ملكيته، فلا مجال لخيول مستعارة.
آه لو أنّي أستطيع أن أهدي زينوس جوادًا يليق بمقامه! شعرتُ بحسرة ثقيلة تطبق على صدري.
“سيرينيتيا.”
“نعم؟”
“أنا لا أبالي. ليس المهم أن يكون الجواد ذا نسبٍ رفيع. فذلك لا يضمن قوّة العدو ولا سرعة الريح.”
كانت كلماته كالصاعقة، أزاحت الغشاوة عن عيني. أجل، معه الحقّ. ليس الحسب والنسب ما يصنع الجواد، بل القلب والنَفَس والعزيمة.
ابتسمتُ من أعماقي، وقبضتُ على يده بدفء يفيض باليقين:
“حقًّا… ومعك يا زينوس، حتى لو امتطيتَ مُهرة صغيرة، فالنصر لك محتوم!”
اشتعلت وجنتاه بلون الورد، وأدار وجهه عنّي في خجلٍ عذب.
‘حسنًا، إن لم أجد جوادًا في أيّ مضمار، فسأطرق أبواب القصر، وألتمس منهم جوادًا واحدًا. وإن أبَوا… فلعلّي أظفر بفرس بريّة بيدي!’
“لو كانت كذلك، لكنا الآن جثثًا هامدة، لا محاصيل مبعثرة!”
“صدقتَ، لا شكّ في ذلك.”
توقّف ذهني برهة. أهذا المشهد ألمحتُه من قبل في النص الأصلي؟
‘انتظر… نعم! لقد قرأته!’
وفجأة دوّى صوت لِتي في ذاكرتي:
“ذلك المخلوق… ما زال حيًّا.”
ابتسمتُ بلهفة وقد وجدتُ الخيط الذي كنتُ أبحث عنه. رفعتُ رأسي وأرسلت ندائي:
‘روس!’
وما هي إلا لحظات حتى هوى من علياء السطح، رفيف جناحيه يشقّ الهواء قبل أن يستقرّ أمامي.
‘ما حاجتكِ يا سيرينيتيا؟’
‘أريدك أن تبحث لي عن شيء.’
…
لم يطل الأمر طويلًا، حتى قادنا روس إلى وجهتنا: “غابة الأصيل” غرب العاصمة، الغابة التي ترفل بأشجار الجنكة الذهبية، أنشأها الإمبراطور المؤسّس إليزيا لتخليد ضحايا الحرب. وهناك، تحت أضخم شجرة، كان يقف شامخًا… جوادٌ أسود يزيّن جبينه هلالٌ أبيض.
لم يكن مجرّد جواد. بل كان إيكليبس — الفرس الأسطوري الذي امتطته إليزا ذات يوم، حين خطّت مجد الإمبراطوريّة بسنابك أقدامه.
“أوه!”
سألني زينوس وهو يحدّق من بعيد نحو إيكليبس، ذلك الجواد الأسطوري الذي يشعّ من جبينه هلال أبيض كأنّه قَبس من القمر: “أأتيتِ بحثًا عن ذاك الجواد؟”
أومأتُ برأسي، وابتسامة الأمل تشرق من وجهي:
“نعم. يقولون إنّه سريع كالعاصفة. هو فرس بريّ يحتاج إلى الترويض، لكنّي فكرت… أليس فرسًا بريًّا متمرّسًا خيرًا من مُهرٍ صغير لم يخض تجربة العَدْو بعد؟ لهذا سعيت خلفه!”
أدار إليّ نظره المليء بالفضول:
“وكيف علمتِ أنّه سريع؟”
أجبتُ وقد ارتفعت نبرتي بحماسة:
“آه… روس أخبرني! لقد رآه يركض في البراري غير مرّة، وقال إنّ خطواته تسبق الريح!”
امتدت عيناه نحو روس، فتسارعت أنفاسي، وأرسلتُ له نداءً داخليًا:
‘قل له، أسرع! قل إنّ الأمر صحيح!’
وبشيء من الدهشة، لكن مع حُسن نيّة، أومأ روس برأسه مؤكدًا.
فابتسم زينوس ابتسامة امتنان ناعمة وقال:
“فهمت… شكرًا لك، روس.”
ثم عاد بصره نحو إيكليبس، يطالعه كما يطالع فارسٌ جوادَ قَدَره:
“هل يكفي أن نجلبه؟”
قلت بتحذير، وقلبي يخفق خشية:
“نعم، ولكن… روس حذّرني، قال إنّه في غاية الحساسيّة، يفرّ من أيّ حركة، يكفي أن تقترب منه—”
ولم أتمّ عبارتي حتى اختفى زينوس أمامي كأنّه ريح خاطفة.
وفي لحظة تالية، عاد للظهور فجأة، وإيكليبس مقيد بسحر محكم إلى جواره!
تجمّدت عيناي ذهولًا، وظللت أحدّق بينه وبين الفرس، كأرنب فزع لا يدرك ما رآه.
لكن زينوس ظلّ واقفًا بوجه هادئ، كأنّ الأمر أيسر من رشفة ماء، وقال ببساطة:
“لقد صدق روس… جواد شديد الحساسية. ما إن لمح سحري حتّى حاول أن يفرّ، لكنّي أسرعت قبل أن يفلت.”
تمتمتُ، ولا أكاد أستوعب:
“أوه… إذن… هكذا كان الأمر…”
إن لم يكن في أكاديمية السحر ما يُبهر الأعين ويستحقّ ثمن الذهب، فما الذي يستحق إذن؟
وهكذا عدنا إلى القصر العظيم، ومعنا إيكليبس الذي اصطاده زينوس في خمس ثوانٍ لا أكثر!
لقد أغدق سحره بوفرة، لم يكتفِ بسحر التقييد والانتقال، بل زاد عليه تعويذة نوم عميقة أغرقت الفرس في سكينة، حتى تمكّنا من إعادته بلا مشقّة.
وبما أنّ استيقاظ إيكليبس كان لينذر بعاصفة غضب، نقلته إلى إسطبلي الخاص لا إلى إسطبلات الفرسان المشتركة.
ثم أسرعت إلى جناحي، أبحث عن منبع المعرفة الذي لا يُخطئ: لِتي.
“ليتي!”
رفع رأسه بتكاسل، وعينيه تشعّان بملل عارف:
“ماذا تسألين هذه المرّة؟”
ابتسمتُ بدهشة:
“كيف عرفت أنني جئت لأسأل؟”
أجاب بفتور، كأنه يحفظني عن ظهر قلب:
“وهل تلجئين إليّ لشيء غير ذلك؟”
أطلقتُ تنهيدة صغيرة، متصنّعة الحزن:
“آه، ما أقسى كلامك! وأنا التي لا تفارقك من خواطري لحظة!”
حدّق بي بنصف ابتسامة ساخرة وقال:
“كُفّي عن التملّق، وادخلي في صلب الموضوع، أيتها الأميرة المدلّلة.”
ابتلعتُ كلمته، فاليوم لا وقت لمناوشاته:
“أخبرني… ذلك الجواد الذي كانت تمطيه إليزا أنت تعرفه، أليس كذلك؟”
أومأ بلا اكتراث:
“إيكليبس، أجل، وما شأنه؟”
اقتربتُ منه، ولهفتي تتفجّر:
“أريد أن أعلم… كيف استطاعت إليز أن تروّضه؟”
تثاءب وكأنّ الأمر تافه:
“لم يكن شيئًا عظيمًا.”
صرخت بعينين متسعتين:
“ماذا؟! وما هو إذن؟! أسرع، قل لي!”
رفع حاجبه بخبث، وأجاب بكلمة واحدة أسقطتني في هاوية الدهشة:
“الوجه.”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 32"