كان الكلب الذي ظن الجميع أنه فرّ بعيدًا، يقف الآن بشجاعة أمام النمر الأسود، متحديًا له.
رغم أن جسده الصغير كان يرتجف من الخوف، إلا أن عينيه كانتا تلتمعان بالعزم، وظل ينبح في وجه العملاق دون أن يتراجع خطوة واحدة.
“كوكو…!”
تبعه ميمي على استحياء، بعد أن لحق به مجبر، وساهم بدوره بخجل في مواجهة العملاق.
لكن أمام أعين العملاق، لم يكن كل هذا سوى صراخ عبثي من نمل ضئيل لا قيمة له.
ومع حركة يده العملاقة التي عادت إلى الحياة، ساد الذعر المكان.
ساعدونا! أنقذونا!
صرخ الكلب وميمي بكل ما أوتوا من قوة، حتى تمزقت حناجرهم من شدة الاستغاثة.
لكن، رغم رجائهما اليائس، لم يُسمع أي صوت يحمل بارقة أمل…
وبينما كان الظلام يُسدل ستاره عليهم ببطء، وتثقل ظلال اليأس من فوقهم،
راودهم سؤال أخير:
هل هذه هي فعلاً… النهاية؟
“صييييح!”
وفي لحظة فاصلة بين الحياة والموت—
انقضّ نسر أسود من السماء، مطلقًا صرخة حادة، وغرس مخالبه في عين العملاق اليسرى.
ورغم أنه لم يصبها إصابة مباشرة، مكتفيًا بخدشها، إلا أن ذلك كان كافيًا لإيقاف حركته.
“اهربوا بسرعة!!”
صرخ النسر، وهو يحوم حول العملاق، موجّهًا كلماته للكلب وميمي.
كيف يمكن لحيوان أن يتحدث بلغة البشر؟
تساءل ميمي، لكن الوقت لم يكن مناسبًا للدهشة، فالنجاة كانت أولويته.
بدأ يدفع بجسد النمر الأسود مع الكلب، وهما يئنّان معًا من الجهد.
كان النسر يدور حول وجه العملاق، يشتته، يكسب الوقت، يمنحهما فرصة للفرار.
العملاق، وقد غطى عينه المصابة بيده اليسرى، حاول جاهدًا الإمساك بالنسر بيده اليمنى، لكن النسر كان أسرع منه، يتنقل بين الأشجار الكثيفة، متفاديًا الهجمات ببراعة.
كان يحاول مهاجمته كلما لاح له منفذ، لكن مخالبه لم تكن قادرة على اختراق صلابة الحجر.
لو كانت الأرض منبسطة، لربما تمكن من اكتساب سرعة كافية لإلحاق ضربة موجعة…
لكن الغابة الكثيفة لم تترك له سوى خيار التراجع والمراوغة.
لا خيار سوى استدراجه نحو الحافة.
فكر النسر، مدركًا أن هذا هو الحل الوحيد، رغم أن المسافة بعيدة، ولا ضمان أن العملاق سيتبعه حتى هناك.
“ميمي!”
صدح صوت طفولي في قلب الغابة، يلفه القلق والرهبة.
وسرعان ما ظهرت فتاة صغيرة بشعر وردي في مرمى بصر النسر.
زهري…
تباطأت حركة النسر بشكل ملحوظ، وكأن شيئًا ما شتت أفكاره فجأة.
ولم ينتبه إلى يد العملاق التي اقتربت منه بسرعة مروعة.
في تلك اللحظة، كانت سيرينيتيا تحتضن ميمي بعد فراق طويل، لكنها رفعت رأسها فجأة، وبعينين فزعتين، صرخت:
“ابتعد!!”
لكن التحذير جاء متأخرًا جدًا.
سقط النسر على الأرض بقوة مروعة، بعدما سُحق بين أصابع العملاق.
ارتطامه بالأرض خلّف حفرة عميقة، ولم يُبدِ أي حركة بعدها.
لقد فقد وعيه تمامًا.
ومرة أخرى، امتدت يد العملاق نحوه، عازمة على سحقه نهائيًا.
“توقف أيها المتحجر القاسي!”
صرخت سيرينيتيا بكل يأس، وبينما كانت كلماتها تمزق الهواء، اندفع من خلفها تيار مائي قوي، واحتشد حول جسد العملاق.
كانت خيوط الماء تدور حوله بهدوء في البداية، ثم سرعان ما تحوّلت إلى دوامة عاتية.
قاوم العملاق بكل ما أوتي من قوة، لكن مقاومته لم تزد الطوفان إلا عنفًا.
وفي لمح البصر، التهمه الإعصار المائي.
بوووم!
انفجرت الدوامة إلى السماء، ترتفع كتنين مائي هائل،
ثم تناثرت آلاف القطرات بلطف حولها، لتنهي المشهد ببريقٍ ساحر،
وتترك خلفها قوس قزح باهت، يلمع في الضوء الخافت.
“آنسة… هل أنتِ بخير؟”
اقترب ألفريد، بعد أن قضى على العملاق تمامًا، ليتفقد حال سيرينيتيا.
“نعم، أنا بخير! شكرًا لك يا ألفريد… لقد كنت مذهلًا!”
“أشكركِ.”
ابتسم ألفريد بابتسامة هادئة، كالنسيم فوق بحيرة ساكنة.
فتح النسر الأسود عينيه بعد ثلاث ساعات من الصمت.
هل أنا حي… أم ميت؟
أغمض عينيه ثانية بضعف، ثم فتحهما بتثاقل.
جفونه كانت ثقيلة كما لو أن صخورًا قد وُضعت فوقها، وجسده الراقد لا يستجيب، كأن الحياة قد تسرّبت منه.
رؤيته لم تكن واضحة، وكأن الضباب يملأ عينيه،
لكن دفء المكان ونعومة الملمس من حوله كانا مطمئنين.
وفجأة شعر بوجود شخص بجانبه، فأدار رأسه بصعوبة.
لم يستطع تمييز مَن أو ما هو، لكن طاقته…
كانت مألوفة بطريقة غريبة.
سيرينا…؟
تلك الهالة الدافئة، كأشعة الشمس في ربيع لطيف—
لم يحملها سوى إنسان واحد في حياته.
رمش النسر ببطء.
وبينما تلاشى الضباب، تبلورت الصورة أمامه شيئًا فشيئًا.
وكانت هي—
سيرينيتيا.
الطفلة التي رآها قبل أن يفقد وعيه…
كانت تملك خصلات شعر وردية اللون، أحبّها أكثر من أي لون آخر.
فتاة صغيرة، تتلألأ كضوء الشمس… تمامًا كما كانت سيرينا.
وبرغم أن النظرة إليها لم تدم إلا لحظة خاطفة، إلا أن ملامحها قد انغرست في ذهن النسر الأسود بوضوح لا يُمحى.
ولم يكن ذلك أمرًا غريبًا…
فقد كان ينتظر طويلًا — طويلًا جدًا — إنسانة جميلة تملك شعرًا ورديًا تمامًا كهذه.
“سأسافر قريبًا إلى مكان بعيد جدًا.”
“لكن لا تحزن كثيرًا، فنحن سنلتقي مجددًا، ذات يوم…”
ومنذ ذلك الحين، ظل النسر يردد تلك الكلمات لنفسه كل يوم دون انقطاع، وكان يزورها في غرفتها، يومًا بعد يوم،
لكن صورتها وهي تفتح نافذتها وتستقبله بابتسامتها لم تعد تُرى بعد الآن.
ومضى فصل كامل منذ ذلك الوداع.
ورغم الفقد، لم يفقد النسر الأمل.
كما تنبت نبتة صغيرة فوق أرض شتوية قاحلة لا حياة فيها، كان يؤمن أنها ستعود… عاجلًا أم آجلًا.
ومنذ تلك اللحظة، لم يعد يذهب إليها، بل اختار أن ينتظرها… حتى تعود إليه بنفسها.
وانقضت خمسة مواسم ربيعٍ وهو وحيد.
وكان قد بدأ يظن أن لا سبيل لرؤيتها ثانية.
لكنها عادت في النهاية… من أجلي.‘
الفتاة المستلقية على السرير، تغطّ في نومٍ عميق، كانت تنبض بنفس الهالة… بهدوء سيرينا ودفئها.
كانت قريبة بما يكفي لأنفاسها أن تدغدغ أنف النسر.
حدّق فيها النسر مليًّا، ثم انزلقت عيناه إلى أسفل، حيث استقرت يدها الصغيرة بخفة على جناحه.
“لا تتألم…”
تمتمت سيرينيتيا بكلمات ناعمة وهي تغطّ في الحلم.
كان صوتها هشًا، ضعيفًا… كأن نسمة خفيفة قد تحملها معها وتبعثرها في الهواء.
“لا تمُت…”
مجرد همسة بسيطة، لكنها حين سقطت على سطح قلبه الهادئ، أحدثت بداخله تموّجًا عنيفًا، كمن يرمي حجرًا في بحيرة ساكنة.
أغمض النسر عينيه، يعيد تكرار تلك الكلمات في قلبه،
يسمح لها أن تنتشر في روحه وتغمره بلطف مؤلم.
«لن أموت».
قالها في داخله، همسًا لا يسمعه أحد، قبل أن يستسلم مرة أخرى للنوم العميق الذي كان يسحبه إليه بلين.
✦✦✦
عندما كنت صغيرة، كان حلمي أن أصبح بطلة خارقة.
كنت أرغب في حماية أمي، مثل أبطال القصص المصورة الذين يملكون قوى خارقة ويحرسون الجميع من كل شر.
لكنني كنت طفلة ضعيفة، لا تستطيع حماية أحد.
أتذكر يوم عيد ميلادي التاسع—
يومها، تذوّقت كعكة الفراولة لأول مرة، وكنت في منتهى السعادة.
وكان حضن أمي في تلك الليلة… دافئًا على نحوٍ خاص.
لكن، عندما فتحت عينيّ في صباح اليوم التالي، كان ذلك الحضن قد صار باردًا بشكلٍ مرعب.
ظننت أنني سحبت البطانية ناحيتي أثناء نومي الهائج.
فأعدت تغطيتها بها.
لكن دفئها لم يعد.
ظننت أن البطانية خفيفة للغاية، فأحضرت ملابس إضافية ووضعتها فوقها.
ومع ذلك، لم يحدث شيء.
عندها، شعرت بالخطر.
أخذت أهز أمي بجنون… لكنها لم تفتح عينيها أبدًا.
هذه الذكرى القاسية، التي لا أرغب أبدًا في تذكّرها، تعود إليّ من حين لآخر، ككابوس لا يرحم.
ورغم أنني أعلم أنه مجرد حلم، إلا أن الطفلة الصغيرة الذي تُركت وحيدة في الظلام… لم تكن تملك إلا البكاء بصمت.
“لا بأس يا صغيرتي.”
وكما في كل مرة، ظهرت أمي فجأة، تبتسم لي بذلك الدفء الأبدي.
“أنا دومًا هنا… بجانبكِ.”
وتلك الكلمات البسيطة، الثابتة، التي لم تتغيّر أبدًا—
أنقذتني من الغرق في كوابيسي.
“همممف.”
مسحتُ لعابي عن شفتي بظهر يدي، ونهضت كدودة تتلوى في بطء.
جسد الطفل أضعف مما توقعت… نمت بعد عشر دقائق فقط.
أضغاث الأحلام، والكوابيس، لعلها كانت بسبب الوضعية المزعجة في النوم.
لكن… رؤيتي لأمي في النهاية يجعل من هذا الحلم شيئًا جميلًا، أليس كذلك؟
“لقد استيقظتِ.”
استدرت على صوت غريب، لأجد نسرًا جالسًا على حافة السرير، يحدّق فيّ بعينين واسعتين لامعتين.
“أوهه! لقد استيقظتَ!”
“أجل، شكرًا على علاجكِ لي.”
…مهلًا.
هناك شيء غريب.
حدّقت في النسر بذهول، ثم فجأة… فغرت فمي من الدهشة.
“أ… أنت تتحدث؟!”
“اكتسبت القدرة بنفسي.”
“بل وتتحدث بطلاقة أيضًا؟!!”
أومأ النسر الأسود برأسه بهدوء، وكأن ما قاله أمر اعتيادي تمامًا.
“من الطبيعي أن تتفاجئي. فأنا كذلك لم أرَ أي وحشٍ آخر يتقن لغة البشر.”
حتى في الرواية الأصلية… لم يظهر أي حيوان ناطق.
“مَن… مَن أنت حقًا؟!”
“أنا النسر الأسود، الذي دَينُه محفوظٌ عند سيرينا.”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 26"