رفعتُ رأسي وقلت مستفسرة، “هل هناك أمرٌ خطير، ألفريد؟”
ابتسم بطمأنينة، “لا تقلقي، سأعود قريبًا.”
غادر ألفريد، ووقع خطواته الخافتة أخذ يتلاشى ببطء، بينما حدقتُ من النافذة بحذر، قلبي ينبض كأنما يترقب شيئًا عظيمًا على وشك الحدوث.
‘ما الذي يجري هناك، ليجعل ألفريد، الحارس المخلص، يغادر هكذا؟’
فجأة، اتسعت عيناي دهشة وأنا أرى ما لا يصدق!
كان هناك وحش خنزير عظيم مغطى بالدروع الحديدية، يهرول كالإعصار عبر المروج، مستهدفًا القصر كأنه جبل متحرك من الحديد الصلب والغضب. حجمه الهائل طغى على كل شيء حوله، حتى الأشجار بدت مجرد عودان هشّة بجانبه.
‘ألم يكن الحاجز السحري يفترض أن يحجب القصر عن أعين الوحوش؟ فكيف لهذا الوحش أن يصل إلى هنا؟!’
لكن سرعان ما تبيّن لي أن هذا المخلوق العملاق لم يكن يندفع نحو القصر بغير هدى، بل كان يطارد شيئًا صغيرًا ينزلق بين العشب كنسمة هاربة.
رأيتُه بوضوح؛ كان فتى يحمل جروًا أسود بين ذراعيه، وجهه شاحب ونظراته مليئة بتحدٍ يثير الإعجاب، بدا شابًا في مثل عمري، كان يراوغ الوحش بدهاء، رغم أن المسافة بينهما تتضاءل تدريجيًا، كأن ساعة النجاة تضيق عليه.
وفي لحظةٍ فارقة، انبرى ألفريد كفارس من زمن الأساطير، يقف في وجه الوحش، بثبات الجبال.
الفرسان التفوا حول الفتى لحمايته، بينما بدا ألفريد وكأنه تجسد في هيئة المحاربين القدامى، يحيط به هالة زرقاء كزرقة البحار الهادئة، تلتف حوله كدرعٍ سماويّ. مدّ يده اليمنى إلى جانبه، ليجتمع حولها وهج خافت، ومع ارتفاع ذراعه، تَشَكَّل السيف الضخم، كأنما نُحِت من عظمة القدَر ذاته.
وبحركةٍ واحدة، وجه ألفريد السيف نحو الوحش، وكأنما أمواج المحيط هدرت عبر ضربته.
كان المشهد ساحرًا، أنيقًا، وقويًا لدرجة تخللت الهواء. تردد صدى الضربة كأعاصير جليدية، ولم يَحْتَج الوحش حتى للصراخ؛ فقد انشطر نصفين، وانتهى مصيره كرذاذ من الرماد الأسود المتناثر.
بقيتُ مذهولةً، عاجزةً عن نطق أي كلمة، فوجود ألفريد كحارس شخصي لي بات يبدو وكأنه ترف يتعدى حدود الخيال، أشبه بهدية مقدسة.
‘حقًا، وجود ألفريد هنا يُعد خسارة فادحة للوطن…’
أومأتُ برأسي بأسف وامتنان، غير مصدقة لما شهدت عيناي.
نُقل الفتى وجروه المرهق مباشرة إلى غرفة العلاج، وكان بصحة جيدة باستثناء إصابة طفيفة في كاحله. أما الجرو فقد بدت حالته أسوأ بكثير، من أثر الجروح وسوء التغذية.
لحسن الحظ، الكاهن المقيم عالجه بسحر الشفاء، وبدأت جروحه تتلاشى كأنها لم تكن. لكن الكاهن نصح بمنح الجرو قسطًا من الراحة كي يتعافى تمامًا.
“شكرًا لكم… جزيل الشكر.”
نطق الفتى بامتنان، صوته مليء بالتقدير، وعيناه مثبتتان على الجرو بين ذراعيه، ثم همَّ بالمغادرة، دون أن ينظر إلى الوراء.
“انتظر!”
ناديتُه بسرعة، وأنا أراقبه من الجوار.
“يمكنك البقاء هنا حتى يتعافى جروك تمامًا.”
ابتسمتُ له بودّ، بينما نظر إليَّ بعينين باردتين، كأنما يحمل حزنًا دفينًا.
‘هل يمكن أن يكون له صلة بكاليجو؟!’
لكن الفتى كان بشعر أسود لامع، وعينين حمراوين كلون الشفق الأخير في السماء.
في الرواية، المرأة الوحيدة ذات الشعر الأسود كانت إيرين، والدة زينوس. أيمكن أن يكون لكاليجو علاقة بإيرين؟! كانت فكرةٌ تُشبه الميلودراما الكلاسيكية، مليئة بالتعقيد والمفاجآت، حتى أنني وجدت نفسي أهز رأسي بعنف لإسكات تيار الخيال الجامح الذي غمرني.
‘لكن… في الرواية، كان زينوس هو الوحيد ذو الشعر الأسود. فمن يكون هذا الفتى إذن؟’
ربما يكون هناك آخرون لم يُذكروا. هذا أكثر منطقية. ألم يُغفل الكُتّاب تفاصيل الشخصيات في بعض الأحيان؟ أنا نفسي لم أظهر في الرواية، ومع ذلك تبنتني عائلة وينتربيل بفضل شعري الوردي النادر.
‘فتى غامض حقًا.’
بينما كنت أراقبه بشيء من الحيرة، نظر إليّ وأخيرًا قال ببرود، “ليس لديّ المال.”
ضحكتُ بصوتٍ ناعم، “ليس الأمر متعلقًا بالمال، أردت فقط مساعدتك.”
أمال رأسه متسائلًا، “لكن لماذا؟”
ابتسمتُ بحرارة، قائلةً، “لأن فعل الخير يعود إلينا يوماً ما.” كان هذا درساً زرعته أمي في قلبي منذ الصغر.
* * *
في أقصى الشمال، ترتفع سلسلة جبال بيضاء تُعرف بجبال القارة الشمالية. تمتد قممها الشاهقة كأنها تلامس السماء، ويعلوها جبل يُعرف باسم جبل فالهالا، محجوب بين السحب بعلوه ومناخه القاسي. تُحيط به الأساطير، ويُقال إن من يصل إلى قمته يستطيع مقابلة الحاكم وتحقيق أمانيه.
لكن على الرغم من السحر الذي يكتنف قمته، كان السهل الثلجي أسفلها كئيباً. جثث الوحوش منتشرة كأنما كانت في معركة طاحنة. وسرعان ما تحولت الجثث إلى رماد أسود وتلاشت في الهواء، ليبقى السهل هادئًا وخاويًا.
“العودة.”
صوت كاليجو كان صارمًا حين أمر الفرقة بالعودة بعد أن تحقق من خلو المكان من أي أثر للوحوش. وبهدوء، بدأ الفرسان بدعم زملائهم الجرحى ومشوا خلفه.
في طريقه نحو بوابة النقل، كانت الأفكار تتدفق في ذهن كاليجو.
كان يراوده شعور بالقلق، فهجمات الوحوش باتت أكثر دهاءً، تستهدف البشر الأقل قوة بدلاً من الأقوياء. كأنها بدأت تستوعب وتتطور، وهذا يعني أن الأمور ستزداد خطورة في المستقبل.
وبينما كان يتقدم نحو البوابة، شعر بطاقة خافتة من مكان قريب. كانت طاقة فريدة، ليست بشرية لكنها لم تكن تحمل الشر الذي يميز الوحوش.
‘أهو مخلوق سحري؟’
توقف كاليجو، متتبعًا الطاقة حتى ظهر مصدرها: خنزير صغير ممتلئ، وردي اللون، يتدحرج نحو الفرقة بذعر. “كوويي! كوويي!” صرخ مستنجدًا، مطارَدًا بقطيع من الذئاب الباردة.
تسلل الخنزير الصغير إلى ساق كاليجو وأمسك بها بيديه القصيرتين كأنه يتوسل النجاة. مظهره المضحك وسط هذه الأجواء الجليدية، وعيناه اللامعتان ذكرتا كاليجو بشخصية سيرينيتيا.
بدا أن هذا المخلوق لديه سحر يحميه من البرد القارس، إذ انبعث منه دفء لطيف، ما جعل كاليجو يستنتج قدرته.
وبينما كان الذئب القائد يراقب الفرقة بتوجس، لم يحتج كاليجو سوى إلى نظرة واحدة، حادة كالبرق، ليبعث الرعب في قلوب القطيع، فينصرف الذئب القائد سريعاً مع قطيعه، متراجعين بخنوع كأنهم أدركوا أن تحدي هذا الرجل لا يُحمد عقباه.
“كووي، كووكو.”
تنفس الخنزير الصغير بارتياح، بعدما رأى الذئاب تتلاشى في الأفق، وابتسم بوجه بريء مليء بالامتنان لكاليجو.
لكن لو كان كاليجو شخصاً آخر، لربما تملكه تعاطف لحال المخلوق الصغير أو حتى ابتسم لظرافته. لكن الحظ لم يكن حليف الخنزير، فقد كان يتعامل مع كاليجو، الرجل الصارم الذي لا يهتزّ لمثل هذه التفاصيل الصغيرة.
تأكد من اختفاء الذئاب، ثم أكمل مسيره غير مبالٍ، مما جعل الخنزير يسقط أرضاً بارتباك، ليبدو وكأنه يستحضر طيف سيرينيتيا في موقف مشابه.
“الأفعال الطيبة التي نقدمها للآخرين تعود إلينا في النهاية.”
هكذا تردد في ذهن كاليجو صوت سيرينا الهادئ، فوقف للحظة، وكأن صدى كلماتها قد استطاع أن يلامس أعماقه.
ومع ذلك، تابع طريقه حتى بلغ القصر، وهناك استقبله ألفريد بابتسامة بود وهو يرى، بدهشة طفيفة، كاليجو يحمل بين ذراعيه خنزيراً صغيراً، مشهداً لم يكن في الحسبان.
“يبدو أن ضيوفنا قد ازدادوا اليوم، لكنني أخشى ألا يكون إرضاء الآنسة بهذه السهولة،” قال ألفريد بخفّة.
لم يكن كاليجو في حاجة للحديث؛ فقد كان واضحاً أنه أحضر الخنزير لسبب وحيد. فأخذ منه ألفريد الخنزير، في حين اكتفى كاليجو بالتعليق، “ضيوف؟”
بإيجاز، روى له ألفريد أحداث الصباح. هز كاليجو رأسه بتأمل، “إذاً، هذا هو مصدر الطاقة السحرية الذي شعرت به.”
وبهدوء أعطى الإذن للضيوف بالبقاء في غرفة الضيوف، مطمئناً إلى أن ألفريد سيحرس سيرينيتيا وأنها هي من دعتهم
“طالما أن هذا يسعدها…”
همس لنفسه.
فطالما هي سعيدة، فهذا يكفي.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 24"