‘زينوس… تمتع بوجباتك الشهية، وكُل جيدًا من أجلي أيضًا.’
أرسلت له نظرة مليئة بالدفء والدعم وهو يمشي بجانبي، شعرت وكأن كل خطوة معه تشعل في قلبي شعورًا بالأمان والراحة.
ولكن فجأة، هاجمتني موجة من الأسى على كوني بلا أي قدرات سحرية.
‘أنا ابنة لعائلة دوقية نبيلة، يدفعون ثروات هائلة لألتحق بالأكاديمية… ولكن من دون قدرات سحرية، أنا عاجزة عن الانضمام.’
كلما تعمقت في التفكير، ازداد غضبي وحنقي.
أبطال الروايات الأخرى يملكون قوى خارقة، يتعاقدون مع الأرواح، ويقودون مخلوقات أسطورية… أما أنا؟ لا أملك سوى شهية لا تعرف الشبع!
شعرت وكأن اليأس يغمرني، فسندت رأسي على صدر كاليجو، غارقة في أفكاري المتشابكة.
‘أعرف أنه لا خيار آخر… زينوس هو البطل الحقيقي لهذه القصة، وأنا؟ لست سوى شخصية جانبية في رحلته.’
لكن على الأقل، اقتربت من البطل بما يكفي لأعتبر نفسي جزءًا من هذه الحكاية، حتى ولو كان دورًا ثانويًا.
في خضم تلك الأفكار المتناثرة، وصلنا أخيرًا إلى سكن القسم المتوسط. كان ديون وأديل ينتظران هناك، وأدركت أن هذه اللحظة ليست عني فقط.
“أبي، أرجوك أنزلني!”
قلت بينما أمسك بالزهور الضخمة بكلتا يدي، ثم ركضت نحوهما بابتسامة مشرقة، كمن يركض نحو مغامرة جديدة تنتظر.
لكن الباقات كانت ضخمة لدرجة أن الطريق أمامي غاب عن ناظري، وكأن عبق الزهور قد أعمى بصيرتي.
“آه!”
تعثرت قدمي بحجر عابر، كأنه كان ينتظرني لأزلّ. كيف لأكاديمية بمثل هذه الرسوم الباهظة أن تترك طرقاتها بهذا السوء؟! لم يكن لدي وقت للتفكير أو الاعتراض؛ جسدي كان في طريقه للسقوط.
الباقتان حلّقتا من يدي في الهواء، وكأنهما في مشهد بطيء. لكن، لحسن حظي، سقطتا بأناقة في أحضان ديون وأديل، كما لو أن الزهور أدركت مصيرها وقررت الالتحام بأصحابها الحقيقيين.
لكن ماذا عني؟!
أغمضت عيني بشدة، متوقعة صدامًا مؤلمًا مع الأرض، لكن عوضًا عن ذلك، شعرت بيد قوية وثابتة تلتف حولي وتنتشلني من السقوط. فتحت عيني ببطء لأرى كاليجو، بتلك النظرة الصامتة، يحملني وكأنني لم أكن سوى ريشة تتمايل بين يديه.
نظر إليّ بعينيه الباردتين، تلك النظرة التي تجعلني أشعر بحرجٍ عميق، وكأنني طفلة صغيرة ضائعة في عالمه الهادئ.
“شكرًا، أبي.”
ابتسم ابتسامة خفيفة وقال.
“يبدو أنكِ تفضلين البقاء في حضني.”
أجبت بخجل.
“نعم.”
وفي الواقع، لم يكن لدي أي اعتراض على ذلك. حضنه كان ملاذًا آمنًا، حيث لا سقوط ولا أخطاء.
بعد لحظات من الصمت، تقدمت أديل بخطوات رشيقة، وقدمت لي إحدى الباقات التي كانت تحملها.
“أختي، هذه لكِ.”
التفتت نحوي باندهاش، وقد أثارت كلماتي فضولها.
“لي أنا؟”
سألت، وصوتها يعكس دهشتها الطفولية.
ابتسمت برقة، ثم أجبتُ بنعومة.
“نعم، إنها هدية تهنئة لدخولكِ الأكاديمية.”
يا لها من لحظة مدهشة! أديل، التي لطالما كانت صغيرة في نظري، أصبحت الآن تتصرف بتلك الرزانة والرقة. لقد أخبرتني بكل حفاوة عن قبولها في الأكاديمية قبل يومٍ من حفل القبول، مما جعلني أتأخر في شراء الزهور.
“تهانينا لدخولكِ الأكاديمية، أختي!”
نطقت بها وهي تحدق فيّ، مشعةً بالفخر.
نظرت إلى الباقة بين يديها وقالت لي بابتسامة مملوءة بالعرفان.
“شكرًا.”
يا للعجب، أديل الصغيرة قد نضجت! تشكر الآخرين الآن وكأنها باتت سيدة صغيرة في كل تصرفاتها.
بينما كنت غارقة في التفكير في تطورها الجميل، شعرت بنظرات ديون وهو يعانق باقة زهور الفريزيا، منتظرًا تهنئتي التي كاد أن يفوتني أن أقدمها له!
ابتسمت له بحرارة ملؤها المحبة وقدمت تهنئتي بكل صدق.
“تهانينا لدخولك الأكاديمية، ديون!”
ابتسم بدوره بخجل، ثم همس بصوت خافت يحمل في طياته كل الامتنان.
“شكرًا جزيلًا، سمو الأميرة.”
ابتسمت مجددًا، ضاحكة بهدوء.
“هيهي.”
دعونا نمضي جميعًا في طريقٍ مفروش بالزهور، لا بالنيران!
وفي طريق العودة، كنت جالسة في حضن كاليجو، أراقب المناظر التي تمر من النافذة وكأنها لوحات بديعة تروي حكايات.
رغم أنني لم أفعل الكثير اليوم سوى الاستيقاظ مبكرًا والبقاء في حضنه طوال الوقت، إلا أنني شعرت بالتعب يتسلل إلى جسدي الصغير. ربما كان ذلك لأن جسدي لا يزال ضعيفًا وقليل التحمل. بدأ النوم يثقل جفوني ببطء، لكنني شعرت بالراحة التامة وأنا في هذا الحضن الدافئ، وكأنني في أمان العالم كله.
‘تماسكي! لا يمكنكِ الاستسلام للنوم الآن!’
رغم أنني نمت باكرًا في الليلة الماضية، فإن كاليجو قد عاد في ساعات الفجر بعد مهمة شاقة للقضاء على الوحوش.
ومع كل الإرهاق الذي كان واضحًا في عينيه، إلا أنه أوفى بوعده ورافقني إلى الأكاديمية، رغم تعبه الجلي.
كيف يمكنني أن أستسلم للنوم، بينما هو يجلس بجانبي بوجهه الهادئ الصارم؟ شعرت بأنني يجب أن أقاوم، أن أظل متيقظة احترامًا له.
لكن النعاس كان يتسلل إليَّ بخفة، فبدأ رأسي يتأرجح ببطء، ثم يرتفع مجددًا، وكأنني أقاوم قوى لا طائل لي بها.
وفي لحظة عجز، شعرت بكاليجو يرفعني برفق، ليضعني على ركبتيه وكأنني كنز ثمين لا يريد أن يفقده.
“آه، أبي، أنا لستُ نعسانة الآن!”
تمتمت بخجل، محاولة أن أبدو يقظة.
ابتسم لي برزانة هادئة وقال.
“الطريق لا يزال طويلًا، استريحي قليلاً.”
ومع تلك الكلمات، مسح بلطف اللعاب الذي التصق بجانب فمي، بحركة تحمل في طياتها كل العناية والحب. لو كان هناك جحر فأر أمامي، لكنت قد اختبأت فيه من شدة الإحراج. أو ربما كنت سأقفز من العربة هربًا من هذا الموقف المحرج.
لكن العربة كانت تسير بسرعة، ولا مجال للهروب.
تقبلت الموقف بصمت؛ فرفض لطف والدي لم يكن من شيمي، خاصة وأنه شخص نبيل ووقور.
“يا له من مشهد مشرق”
تمتمت بيني وبين نفسي، وأنا أراقب أشعة الغروب التي تغمر العربة بلون برتقالي دافئ.
ثم نظرت إلى والدي مرة أخرى، وعيناه الزرقاوان، المتلألئتان تحت ضوء الغروب وكأنهما جوهرتان نادرتان، كانتا تخطفان الأنفاس.
كم من الوقت بقيت أحدق فيه؟ لا أعلم. لكن كل لحظة كانت تحمل في طياتها سحرًا لا يوصف.
فجأة شعرت بنظراته تخترقني، والتقت أعيننا عندما خفض رأسه بهدوء. حاولت أن أبدو طبيعية، لكن الحقيقة أنني كنت أنظر إليه فقط لأنه كان وسيمًا للغاية.
ابتسمت بخجل، وبينما كانت ضحكتي تتلاشى، مد كاليجو يده نحو وجهي. للحظة ظننت أنه يريد مني التوقف عن التحديق به والنوم، ولكن يده الكبيرة بقيت معلقة فوق وجهي، لا تتحرك.
‘ما هذا؟ هل يحجب عني أشعة الشمس؟’
شعرت بالدهشة، لكن في نفس الوقت كان تخميني صحيحًا. يده الثابتة لم تكن لتحمي من أشعة الشمس فقط، بل كانت درعًا من العناية الهادئة.
‘ممن تعلم هذه التصرفات؟’
إنه كاليجو، الجاد والصارم، الذي قام بتصرف لطيف وبسيط كهذا. فجأة، تسارعت دقات قلبي، ليس فقط من تلك الحركة بل من الشخص الذي قام بها.
“أبي…”
همست بابتسامة صغيرة تظهر من تحت ظلال يده.
“شكرًا لك.”
لم يرد بشيء، لكن ذلك لم يكن مهمًا. وجود يده القوية التي تحميني كان كافيًا. شعرت بالأمان والسلام، وكأن كل شيء آخر في هذا العالم يمكنه أن ينتظر.
في عمق الليل، بينما الجميع غارقون في النوم، انفتح باب بهدوء تام، لتدخل شخصية متخفية في الظلام. تردد صدى خطواتها الرشيقة في القاعة المليئة بالصمت البارد.
الظل الأسود تحرك بخفة، ومع كل خطوة، كانت السحب التي تحجب القمر تتلاشى تدريجيًا. وأخيرًا، توقفت تلك الخطوات الثقيلة، وانسكب ضوء القمر الباهت على الشخص الواقف.
من كشف عنه ضوء القمر لم يكن سوى الإمبراطورة إيزابيل. وقفت أمامه بانحناءة عميقة، وكأنها تقف أمام سيدها الأعلى، خفضت رأسها بكل رهبة وتواضع.
“سمعت أن الأمير قد التحق بالأكاديمية”
قالت بصوت متهدج.
أجابها صوت شاب غير متوقع، ببرود متناهٍ.
“كنت أظنه خرج للتنزه، ولكن الأكاديمية؟”
رفعت إيزابيل رأسها بحذر، عيناها ترتعشان. كان الشخص أمامها محاطًا بهالة من السمو والجلال، يعكس نور القمر شعرها الذهبي الطويل كأنه شلال من الذهب المتدفق، وأهدابها الكثيفة تُخفي خلفها عيونًا حمراء قانية كدماء جديدة.
الشخص الذي تحدث كان روبيليا، أميرة الإمبراطورية المجهولة.
لو شاهد أحدهم هذا المشهد، لاحتار كيف لأم أن تنحني أمام ابنتها. ومع ذلك، كان من الجلي أن تلك العلاقة بينهما كانت متأصلة منذ زمن طويل، طبيعية ومعتادة في حياتهما.
“ذلك الشخص الذي لا يدرك العواطف لم يكن ليتورط في إظهار التعاطف.”
على الرغم من رقة صوتها العذب الذي يشبه همس الأطفال، كان حديثها يخلو من البراءة، ويغلفه الغموض.
“لابد أن هذا كله من فعل تلك الطفلة الجريئة.”
ارتسمت على شفتي روبيليا ابتسامة خفيفة، تكاد تكون غامضة.
“حقًا، كانت طفلة غريبة. بشرية بلا أي قوة سحرية.”
“أمركِ فقط، وسأعيد الأمير.”
“لا، دعيه.”
عينها الحمراء المتوهجة، التي تحتضن بداخلها انعكاس القمر الكامل، انحنت برقة. كانت ابتسامتها المليئة بما يشبه المتعة البريئة، تحمل في طياتها رهبة غامضة.
* * *
مرت عدة أيام منذ حفل الالتحاق. توجهت إلى مكتبة الدوقية بحثًا عن معلومات حول لعنة وينتربيل، ولكنني لم أجد إلا القليل. الرفوف العالية كانت تعج بالكتب التي تحتاج إلى سلالم للوصول إليها، إلا أن الكتب التي تناولت تلك اللعنة كانت نادرة.
الكتاب الوحيد الذي أشار إلى لعنة وينتربيل بشكل مباشر كان ضمن أساطير تأسيس المملكة. قررت توسيع نطاق البحث وبدأت في الاطلاع على كتب السحر.
لفت انتباهي كتاب بعنوان “السحر المفقود”. كانت التعاويذ المذكورة فيه شديدة الخطورة، تحمل طابعاً مخيفاً: سحر لتلبس الجسد، سحر للتحكم بالعقول، سحر لخلق الأجساد، سحر لمشاركة الألم، وسحر لفرض كوابيس أبدية على الآخرين…
‘لحسن الحظ أن تلك التعاويذ قد اندثرت.’
ومع ذلك، سمعت أن زينوس، كونه من نسل التنانين، يستطيع استخدام كل أنواع السحر التي لا يقوى عليها البشر العاديون. ترى، هل يمكنه استخدام تلك التعاويذ المظلمة أيضًا؟ لم تُشر القصة الأصلية إلى ذلك، لكن هذا الاحتمال يثير القلق. يجب أن أكون حذرة جدًا، وألا أغضبه بأي حال.
“آه…”
تنهدت بعمق وأسندت رأسي على الطاولة.
‘يبدو أنه لا توجد طريقة لكسر اللعنة حقًا.’
على مدى 500 عام لم يتمكن أحد من إيجاد حل، فربما يكون الأمر مستحيلًا.
ثم فجأة تذكرت شيئًا، نهضت على الفور وقد لمعت في ذهني فكرة مفاجئة.
“هل سمعتِ عن الأوراكل الذي نزل يوم ولادة الأميرة؟”
“أجل، سمعت. إنها المرة الأولى منذ تأسيس الإمبراطورية، أليس كذلك؟”
نعم، كان هناك أوراكل! لكن في القصة الأصلية، لم يُذكر شيء عن ذلك الأوراكل.
قد تكون ذاكرتي غير دقيقة تمامًا، ولكن… بما أن هذا الأوراكل قد ظهر للمرة الأولى منذ تأسيس الإمبراطورية، فلا شك أن هناك سرًا عظيمًا خلفه.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 23"