غرفة سيل كانت تغمرها سكينة الليل، حيث الظلام الهادئ يلف المكان. كان مستلقياً بهدوء على سريره، يتأمل كرة الفيديو بين يديه، وكأنما يحتضن ذكرى بعيدة.
“مرحباً، أخي! هل كنت تنتظر شيئاً آخر؟ لا أعتقد أن وجهي خيب أملك، صحيح؟”
كانت الفتاة الصغيرة، التي تتمايل كبتلات الكرز، تتحدث بمرح، وقد ملأ صوتها المكان بالحيوية.
“أعلم أنك لا تريد إظهار وجهك، لكن لا بأس، يكفي أنك هنا معي.”
على عكس أديل التي كانت تحتفظ ببعض الذكريات عن سيرينا، سيل كان قد افترق عن والدته في سن مبكرة، مما جعله عاجزاً عن تذكر ملامحها.
“سيل، فقط لا تنسَ هذا.”
رغم أنه لم ير وجهها قط، كانت كلماتها تتردد أحياناً في ذهنه كما لو أنها محفورة في أعماق ذاكرته.
“أوه، تذكرت! شكراً لأنك تذكرت عيد ميلادي. في المرة القادمة، سأحتفل بعيد ميلادك أنا! فقط أخبرني متى يكون، حسناً؟”
لكن وهو ينظر إلى هذه الفتاة التي كانت تضحك ببراءة خالصة، شعر وكأنه وجد صورة والدته التي نساها، وكأن قطعة مفقودة من حياته قد عادت لتكتمل.
“ماما تحبك كثيراً، سيل.”
تلك الابتسامة الدافئة التي أضاءت وجهها، كانت تتسلل إلى قلبه، تثير داخله مشاعر كان يظنها ضائعة.
“أخي، لا تتفاجأ إذا ظهرت فجأة لأزورك. أريد فقط أن أكون بالقرب منك.”
رغم أنه لم يبتسم لها، ولا لوالدته من قبل، كان دائماً ما يتساءل: لماذا يبتسمون له بهذه الطريقة التي تملؤها السعادة؟
ورغم كل التساؤلات، كان يعرف شيئاً واحداً.
“أختي… جميلة جداً.”
* * *
بفضل كاليجو، استطاع زينوس وديون أن يُقبلا في أكاديمية إيوس الإمبراطورية، الأكاديمية العريقة التي أسستها الإمبراطورة الأولى لتكون مخصصة للنبلاء فقط. كان الالتحاق بها مفتاحًا للوصول إلى مناصب رفيعة في البلاط الملكي، لذا كانت ملاذًا لأبناء العائلات النبيلة الذين لم يرثوا السلطة.
الأكاديمية أُنشئت لترسيخ مبدأ “النبلاء واجبهم هو الخدمة”، لكن هذه المبادئ تلاشت مع مرور الزمن وفقدت قيمتها.
‘زينوس سيحمل لقب سيلفستر في الأكاديمية، ولا شك أنه سيتعرض للتنمر من باقي الطلاب.’
في كل مرة أفكر في الإمبراطور، يجتاحني الغضب. لم يكتفِ بعدم تقديم العون، بل حتى منع استخدام اللقب بشكل كامل.
‘أتمنى أن يصطدم إصبع قدمه الصغير بحافة الطاولة!’
لكنني لم أعوّل يومًا على مساعدته. غدًا، في الحفلة، سأري الجميع من يقف حقًا خلف زينوس وديون.
“هل الحلوى لذيذة لهذه الدرجة؟”
بينما كنت أضع قطعة من المادلين في فمي، رسمت ابتسامة ماكرة على وجهي. ضحكت مارلين بسرور وهي تقول:
“نعم، لذيذة للغاية!”
كان طعم المادلين لا يقاوم، لدرجة أنني لم أستطع التوقف عن تناوله.
“إنه أشبه بمخدر المادلين!”
لو لم تكن تدريبات السيف اليومية، لربما زاد وزني بشكل كبير من هذه المتعة.
نقراً، نقراً.
مع صوت الطرق الخفيف على الباب، دخل ألفريد، تتبعه أديل بخطوات هادئة.
قدمت لها قطعة بحب، فأخذتها برفق وبدأت تتحدث بصوت هادئ.
“لدي شيء أود قوله.”
كلماتها حملت شيئًا من الجدية، مما جعلني أشعر بقلق مفاجئ.
“شيء لتقولينه؟”
أديل التي نادرًا ما تتحدث، ما الذي تود قوله الآن؟.
“سأغادر الليلة إلى العاصمة.”
“ماذا؟! لماذا؟!”
الدهشة تغمرني، وتساؤلات لا تنتهي تدور في رأسي.
“للالتحاق بالأكاديمية.”
“ولماذا تقولين لي هذا الآن فقط؟!”
قفزت في مكاني، وصرخت بتعجب. كيف تخبرني بهذا في اللحظة الأخيرة؟!
لكن أديل، بوجهها الهادئ الذي لا يتغير، ردت بلا مبالاة:
“لا يمكنني قوله غدًا.”
آه، على الأقل أخبرتني الآن…
“انتظري، لماذا تدخلين الأكاديمية الآن؟”
الأطفال عادةً يلتحقون بالأكاديمية في سن السابعة، لكن أديل تجاوزت الحادية عشرة.
“لماذا هذه العجلة؟”
نظرت إليّ بصمت طويل، نظرة جعلتني أشعر بعدم الارتياح، وكأنها تحمل أكثر مما تعنيه الكلمات.
ثم، بعد لحظة من التفكير، نطقت بهدوء:
“لأصبح أقوى.”
أها، إذًا هذا هو الأمر… لقد اتخذت قرارها أخيرًا، لتنضم إلى الحرس الملكي.
هذا يبدو منطقيًا.
“أختي، لا تنسيني عندما تذهبين إلى هناك، اتفقنا؟”
“نعم.”
“سأكتب لكِ رسائل بانتظام، لذا عليكِ الرد علي، موافقة؟”
“نعم.”
إجابات أديل دائماً هادئة ومثالية، كما لو أنها توقفت عند حدود الكلمات.
* * *
“نهنئكم جميعاً، أيها الطلاب الجدد الذين أثبتتم جدارتكم، على قبولكم في أكاديمية إيوس الإمبراطورية!”
صوت المدير كان يتردد في أرجاء القاعة، لتتبعه عاصفة من التصفيق.
بعد حفل الافتتاح الرسمي، كانت تنتظر الجميع حفلة ضخمة في قاعة الأكاديمية، بحضور الأساتذة والطلاب وأولياء الأمور. لكن هذا الحفل لم يكن مجرد احتفال عادي؛ بمرور الوقت، أصبح ساحة للأرستقراطيين لتشكيل تحالفاتهم والتخطيط لمستقبلهم السياسي.
“الطلاب الجدد والضيوف، يُرجى الجلوس في مقاعدكم المخصصة.”
كانت القاعة الكبرى، بفضل فخامتها وتاريخها العريق، تعكس هيبة الإمبراطورية ورقيها.
وسط هذا الاحتفال المهيب، جلس شخص وحيد وسط الحشود. إنه زينوس، الشاب الذي لم يحظ بوجود أحد إلى جانبه. لا الإمبراطور ظهر، ولا وينتربيل كان ملزماً بالحضور.
حتى ديون، صديقه الذي انتقل حديثاً، لم يتمكن من الحضور.
رغم أن زينوس كان يفضل الجلوس في ركن بعيد عن الأنظار، إلا أنه وُضع في المقاعد الرئيسية، مما جعله عرضة لنظرات الجميع.
لم يكن هذا أول طالب يدخل الأكاديمية بتوصية من نبيل، لكن لم يسبق لعامة الشعب أن تخرجوا من أكاديمية إيوس.
ورغم تقدم السحر والعلوم، لا يزال النظام الطبقي متجذراً في المجتمع، مما أدى إلى فصل واضح بين النبلاء والعامة.
هذا التمييز طال زينوس وديون أيضاً، لكن زينوس لم يكن يكترث. فقد اعتاد على الصعوبات والتحديات منذ صغره.
نظر إلى يديه، حيث كان يمسك بمنديل وردي صغير مُطرز عليه أرنب، الأرنب الذي يذكره بسيرينيتيا.
“زينوس!”
ابتسم من غير قصد عندما تذكرها.
كان المنديل بمثابة تذكار يملأ قلبه بالدفء، ما دام معه، لن يشعر بالوحدة.
ثم جاء الإعلان المفاجئ:
“الدوق وينتربيل وابنته يصلان الآن!”
كان من الطبيعي أن ينظر النبلاء إلى سيرينيتيا بنظرات مشوبة بالريبة والتساؤل.
“من تكون والدة هذه الفتاة؟”
رغم أن كاليجو لم يفصح عن الأمر رسميًا، إلا أن الشائعات كانت تسري بين أروقة المجتمع الأرستقراطي كالنار في الهشيم. لم تكن تلك الأقاويل مجرد أحاديث فارغة، بل تدور حول فكرة أن سيرينيتيا ربما تكون ابنة غير شرعية.
عندما ينظرون إلى عمر سيرينيتيا، يصعب عليهم عدم الوصول إلى هذا الاستنتاج. فقد كانت تبلغ الآن خمس سنوات، بينما مرت ست سنوات على وفاة الدوقة الراحلة. وبما أن المتوفية لا يمكنها أن تلد طفلاً بعد وفاتها، كانت تلك الفكرة بأن سيرينيتيا ولدت من عشيقة تلقى قبولًا واسعًا بين النبلاء.
بالطبع، كان هناك من يعتقد أنها ربما تكون ابنة بالتبني، لكن لماذا قد يلجأ كاليجو الذي لا يظهر أي مشاعر حتى تجاه أبنائه البيولوجيين إلى تبني طفلة؟ كان هذا الافتراض خاليًا من الأدلة ومجرد خيال أرستقراطي مرفوض.
“إنها بالتأكيد ليست من دماء النبلاء، وإلا لما بقي منصب الدوقة شاغرًا طيلة هذه الفترة.”
لكن، لماذا قرر كاليجو أن يُدخل فتاة غير شرعية إلى عائلته النبيلة؟
“ربما لأنها تشبه الدوقة الراحلة؟”
“أو ربما تمتلك قدرات سحرية مذهلة لم يتم الكشف عنها بعد؟”
وبينما كان هؤلاء يتبادلون نظرات الفضول والتساؤل، توجه كاليجو نحو المقعد الرئيسي في قاعة الاحتفال، بخطواته الثابتة والمهيبة. كلما اقترب، بدا وكأن الحضور يتراجعون أمام هيبته.
وعندما وصل إلى الطاولة حيث كان زينوس جالسًا وحده، لم يلتفت إليه، بل جلس بهدوء ووضع سيرينيتيا بجانبه.
“مرحبًا، زينوس! آسفة على التأخير.”
كانت سيرينيتيا هي من قطعت الصمت بالتحية المشرقة التي حملت في طياتها براءة الطفولة. زينوس، الذي بدا وكأنه غارق في دهشة، نظر إليها بعينين واسعتين.
“سيرينيتيا، لماذا أنتِ هنا؟”
رغم فرحته العارمة بوجودها، كان من الصعب عليه تصديق أن الدوق العظيم أخذ من وقته الثمين ليأتي من أجله.
ضحكت سيرينيتيا برقة وقالت.
“إنه حفل دخول صديقي، لذا من الطبيعي أن أكون هنا. هذه لك، هدية.”
مدت إليه باقة زهور القطيفة التي كانت تحملها، بتلاتها البرتقالية اللامعة كالشمس، تحمل في طياتها عطرًا جميلاً وطاقة إيجابية.
كانت هذه الباقة هي أول هدية يتلقاها زينوس في حياته، ورغم جمالها، شعر بثقل غريب على قلبه. كانت سيرينيتيا أول من اقترب منه، أول من منحته صداقة نقية، لكن في أعماقه كان يتساءل: لماذا تمنحه كل هذا الاهتمام؟ وما الذي سيفعله إن اختفت تلك الابتسامة الدافئة يومًا ما؟
كانت ابتسامتها مثل شمس الربيع التي تشع دفئًا على الجميع، وتمنح الحياة للزهور المتفتحة. كلما رأى تلك الابتسامة، شعر بأن العالم يضيء من حوله، وكأن كل شيء يصبح أجمل وأبهى.
‘يا لي من أحمق!’
فكر في نفسه.
‘لقد كنت أفكر في أمور سخيفة.’
السعادة التي تنبع من سيرينيتيا كانت مثل الشمس، تتوزع على الجميع بالتساوي. حتى وإن لم تكن ابتسامتها موجهة إليه وحده، يكفيه أن يرى نورها ليشعر بالبهجة والسلام.
“استمري في الابتسام، سيرينيتيا.”
وعندما نظر إليها مرة أخرى، بدأت ابتسامة هادئة ترتسم على وجهه، تشبه شعاع ضوء خافت يظهر بعد عاصفة طويلة.
“طالما أستطيع رؤية ابتسامتك، سأتمكن من المضي قدمًا.”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 22"