6
أصبحت زوجة الدوق الوحش [ 6 ]
“تحمّلي. فإقليم الدوقية يقع في أقصى شمال الإمبراطورية. إن استنشقتِ الهواء البارد فجأةً من دون استعداد، فقد تتضرّر رئتُك.”
‘إذن هو يقول الآن أن عليّ أن أعتاد على هذا البرد، أليس كذلك؟’
كانت كلمات منطقية وصريحة وتهدف بالتمام إلى مصلحتها.
“…….”
فلم يكن غريباً أن تُطبق فمها بعد أن كانت تجادل.
شمّت إيوني أنفها بصمت.
***
منذ أن رأت ذلك السلايم، سواء أكان بسبب التوتّر أو لأنّها بالفعل بدأت تتأقلم، لم يكن يظهر عليها سوى انسداد أنف يسير، بينما بقيت حالتها العامة مستقرة.
وهذا كان بحد ذاته نعمة عظيمة.
فهذا الجسد الضعيف الواهن كان يُخشى أن يُنهك قائلاً “لقد أصبتُ بصدمة” أو أن ينهار في سيلٍ من المخاط.
‘لكن يبدو أنّه يملك قدراً يسيراً من التحمّل على الأقل.’
جسدٌ يبدو كأنّه يتمدّد كيفما اتفق، ومع ذلك يعرف أين يمدّ قدميه كي لا يعيق الآخرين.
وبينما كانت إيوني تُطلق هذه الملاحظة التي لا هي إعجاب ولا هي سخرية، بدأت عربة الخيل التي لم تتوقف طوال الطريق تُبطئ من سرعتها.
لقد وصلوا إلى قصر الدوق.
كان المشهد مهيباً، صوت بوق ثقيل يُدوّي حتى يُحدث صدى في الأذن، ومعه تنفتح البوابة الضخمة للقصر.
ألقت إيوني نظرة عبر نافذة العربة، فلم تتمالك نفسها أن تهمس بإعجاب صادق:
“واو…”
البناء الحجري الفخم الرمادي العتيق، كان يليق به سقف بلون اللازورد الأزرق.
لا زينة صارخة في أي مكان، والنوافذ ضيّقة صغيرة، إذ بُني القصر على هيئة حصن يُركّز على الدفاع في إقليم بارد تعصف به الوحوش.
وبردائه الكثيف من الثلج، بدا شامخاً صلباً.
لم يكن فخماً بقدر ما كان مهيباً وجميلاً بجديّته.
هي التي كانت تراه في مخيلتها مكان موت إيوني كلارك، فإذا به يُبهرها بهذا القدر.
‘يا له من قصر… كأنّه أحد القلاع الأوروبية القديمة.’
أُعجبت به من النظرة الأولى.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد.
فما إن التفتت بعينيها حتى أبصرت بين الشجيرات المغطّاة بالثلج، كشكاً أبيض صغيراً.
ولأنّ الرواية لم تذكر سوى كشك واحد، فلا شك أنه…
‘المكان الذي تعترف فيه إيونِه لأدريان بحبّها لأول مرة.’
عليها أن تتجنّبه مهما كان الثمن.
‘فلو وجدت نفسي ولو مصادفة هناك وحدي مع أدريان… فقد يشتغل مجدداً ذلك القسر الروائي الذي جلبني إلى هنا، مهما حاولتُ المقاومة.’
إذن فالكشك الأبيض ليس إلا واحداً من الأفخاخ.
“هل لي… أن أتجوّل في القصر لاحقاً؟”
سألت إيوني أدريان.
“لستِ بحاجة إلى إذن. فأنتِ سيدة أخرى من سيدات فريسيس.”
“سيدة؟ لا تُبالغ يا مولاي. سأغادر بعد ثلاث سنوات على أي حال.”
ابتسم أدريان ضاحكاً، كمن لم يتمالك نفسه.
لكن قبل أن تسأله عن السبب، كانت العربة قد توقفت تماماً.
“لقد وصلنا. انزلي.”
أمسكت بيده ونزلت من العربة.
وما إن وطأت الأرض حتى شعرت بالدهشة تتصاعد منها بلا صوت.
كان القصر جميلاً حتى وهي تراه من النافذة، لكن مشاهدته مباشرة جعلت جلاله يفرض نفسه عليها.
“هاه…”
تسرب من بين أسنانها صوت مزيج من الدهشة والانبهار.
اقترب أدريان منها، وانحنى ليهمس عند أذنها:
“هل راق لكِ المكان؟”
“آه… ن-نعم، مذهل حقاً.”
“حسنٌ. فربما يكون هذا موطنكِ الأبدي، ومن الأفضل أن يُعجبك.”
تثاقل لفظه وهو ينطق بكلمة الأبدي، كأنّها مثقلة بالمعنى.
ضحكت إيوني بتكلّف وأومأت دون أن تفهم ما الذي دفعه إلى قول ذلك فجأة.
ربما زلّ لسانه حين تحدّث عن مستقبلها بعد السنوات الثلاث… لكن وما المشكلة؟
العقد صِيغ بأقصى درجات الانحياز لصالحه، والإمبراطور كان راضياً كل الرضا.
فأيّ سبب يدعوه للتمسك بها بعد ثلاث سنوات؟
“زوجتي.”
قطع تفكيرها صوته العميق العذب.
“ن-نعم يا مولاي.”
“إياكِ أن تستهيني بالإمبراطور.”
“ك-ك-كيف لي أن أجرؤ…!”
ارتبكت لدرجة أنها تعثّرت بلسانها ثلاث مرّات في جملة واحدة.
“هشش…”
قاطَعها بابتسامة وضحك.
ضحكة هادئة رخيمة هزّت طبلة أذنها وأربكت قلبها.
“أتظنين أنّه سيمنح امرأةً ليست سوى عروس مؤقتة، مكافأةً عظيمة كحقّ الحصانة؟”
(م.الحصانه وهي عدم عقوبتها من اي قضاية مستقبلية)
“…….”
“لا تنسي أنّه حين قبض على زمام هذه الإمبراطورية، لم يكن قد تجاوز الثالثة عشرة.”
“آه…”
“دسائس، متآمرون، خونة… لقد غربلهم جميعاً بنفسه وهو في الثالثة عشرة.”
تبدّد لون وجهها مع كل كلمة من تحذيره.
‘إذن لم أتجاوز الأمر بسلام؟’
ارتعش جسدها وتصبّب عرق بارد في ظهرها.
كانت تظن أنّ تجنّب هذا الرجل يكفي للنجاة، فإذا بها تكتشف أنّ عليها أن تحذر الإمبراطور نفسه أيضاً.
ما رأته سريعاً في قصره يكفي ليدل على أنّه ليس عادياً أبداً.
فهو التوأم الذي وُلد مع أدريان الوارث لقوة التنين.
حتى إن لم تجرِ في دمه قوة التنين، فهذا يعني أنه في باقي صفاته نسخة مطابقة منه.
تلك النظرة الزرقاء الباردة الحادّة لم تقلّ عن أدريان في قسوتها، بل ربما كان الإمبراطور أخطر.
فإن كان أدريان يملك البركة، فالإمبراطور يملك السلطة المطلقة.
‘ليس هذا الرجل وحده، بل يجب أن أحذر أيضاً شكوك الإمبراطور…’
وبينما ترفع رأسها في ارتباك، جاء صوته كأنّه حكم يُتلى ببطء:
“يقولون إنني أعظم المبارَكين قوة في التاريخ.”
لم يبالِ بما يجول في خاطرها من خوف وارتباك، بل أكمل كلماته بهدوء:
“وهذا يعني أنّ نسبة فقدان العاطفة لديّ مرتفعة.”
“…….”
“أنا لا أنخدع بالكلمات المزيّنة.”
أيقنت إيوني عندها أنها لم تخدع الإمبراطور ولا هذا الرجل أيضاً.
ثم ختم كلامه بصوت بارد حاد، يُلقي الكلمة تلو الأخرى وكأنها سيوف:
“احذري. إن رغبتكِ في الهرب بادية أكثر مما تظنين.”
ثم ابتسم.
ابتسم أدريان ابتسامة خالية من المشاعر، وقد انسجمت تماماً مع المشهد الأبيض البارد لشمال الإمبراطورية.
لكن إيوني وما إن شاهدت تلك الابتسامة، شعرت بالقشعريرة تتسلّل إلى مؤخرة رقبتها.
‘ثلاث سنوات حتى تظهر البطلة… هل سأتمكن من الصبر حتى ذلك الحين؟’
***
كانت العاصفة الثلجية الشديدة مع اهتزاز العربة مزيجاً كارثياً.
وصلت خطيبة الإمبراطور غارنيت باسيل إلى القصر الإمبراطوري بعد فترة طويلة من مغادرة الدوق وزوجته.
ولمدة طويلة، حُبِسَت الآنسة باسيل داخل العربة فكان جسدها المسكين متجمداً بالكامل.
“باسيل، من حسن الحظ أنّه لم يحدث لكِ مكروه.”
تغيّر تعبير وجهها فور سماع كلمات الإمبراطور الحانية، وتشوّهت ملامحها.
“أ-أعذرني، جلالة الإمبراطور… كنتُ… في مكان مهم للغاية…”
“شش…”
استمرّ صوت تلامس الأسنان القاسية بسبب ارتعاش جسدها المتجمّد.
“باسيل، لا تتكلّمي هكذا.”
“ل-لكن الاجتماع العائلي…”
وبينما كانت تضغط على لسانها لترد، حاولت جاهدة الإجابة.
فابتسم الإمبراطور ابتسامة خفيفة.
“صحيح. لقد كنت أتوق بشدة ليوم تجتمع فيه العائلة كلها في مكان واحد، وأنتِ تعلمين ذلك.”
“أعذر-“
رفع الإمبراطور سبابته المستقيمة ليوقف كلام باسيل.
“لكنّكِ كنتِ تعلمين أيضاً… أن هذا مجرد إصرار مني.”
همس لنفسه قائلاً ‘أليس كذلك؟’ ثم ابتسم شيلبارك ابتسامة قصيرة.
“أنا أعلم أيضاً.”
كانت عيناه الخضراوان اللتان يلمعان عادةً دفئاً، قد غاصتا هذه المرّة في برودة مروعة تكاد تقشعرّ لها الأبدان، بينما كان ينظر إلى باسيل.
“إيوني كلارك ليست نصف أدرِيان المحتوم.”
“لقد نظر أدريان إلى دوقة الدوقية بنظرة أكثر برودة من سيفي.”
وانتقلت عينا الإمبراطور الخضراوان، المحملتان بالهدوء، عبر باسيل إلى مكان بعيد، تشع منه ضوءاً شاحباً.
“لكن لم يكن هناك خيار آخر. كان لا بدّ من إيجاد شريكة لأدريان بأي وسيلة.”
تذكر الإمبراطور تماماً مشاعره عندما رأى أدريان في حفل الربيع، حيث كانت حدقة عينيه متوهجة بحيوية قوية.
كانت عينان تمثلان اكتشاف الشريك الحقيقي لمُبارك.
لكنها لم تدم سوى لحظة.
بردت مشاعر أدريان خلال أحداث الحفل، ولم تعد أبداً.
ولم يكن بإمكان الإمبراطور نسيان ذلك التعبير،
حدقة متسعة، شفتان جافتان، ووجه يبدو متوتراً.
أدريان المتحمس لدرجة رفع طرف عينه قليلاً…
ذكريات الإمبراطور جعلته يشعر بانفعال مماثل.
“هاه…”
أطلق الإمبراطور تنهيدة طويلة، ثم أسقط نظره على باسيل.
كانت عيناها الصافية تمتلئ بـ شليبارك نفسه.
وشعر بامتلاء صدره بشيء ثقيل ومؤثر.
“آه…”
لن يشعر أدريان بهذا الإحساس أبداً في حياته.
شعر الإمبراطور بمزيج معقد من المشاعر.
“باسيل.”
“نعم، جلالة الإمبراطور.”
“أترين؟ أعلم أنّ إيوني كلارك ليست شريكته، لكنني دفعت الزواج رغبةً في أن يجد أدريان شريكاً. هل تفهمين هذه الرغبة؟”
رمشت باسيل ببطء، ثم أجابت بصوت هادئ:
“بالطبع.”
ومن الواضح أنّ جمود شفتيها قد ذاب، فقالت بصوت واضح:
“هل تعني أنّك تفهم حقاً؟”
“نعم. لقد فعلت ذلك من أجل الدوق.”
ابتسم الإمبراطور بخفة، وقد تلوّت ملامحه بين الضحك والبكاء.
لكن ما يهم باسيل كان شيلبارك نفسه.
ما أراده الآن لم يكن إجابة صحيحة أو خاطئة، بل راحة لقلقه، أو تأكيداً أنه قام بالعمل الصحيح.
فهمست له مجدداً:
“جلالتك دائماً على صواب.”
وأخيراً، أطلق الإمبراطور تنهيدة صغيرة وفتح ذراعيه مبتسماً:
“تعالي.”
اندفعت باسيل في أحضانه دون تردد.
كان حضنه قوياً كما كان في الماضي.
“باسيل.”
ربتت على ظهره بلطف.
وكان جسدها المتجمد يبدو بعيداً عن إحساسها، لكنها حاولت مواساته.
ومع كل ربتة متكررة، تلاشى التصلب في أطراف أصابعها تدريجياً.
“باسيل، هل سنتزوج عندما يأتي الربيع؟”
—
ترجمة : سنو
حسابات المترجمين في الواتباد في خطر ويمكن ينحظر في اي وقت، جروب التيليجرام حيث كل رواياتي موجوده ملفات والنشر هناك اول
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل: https://t.me/snowestellee
واتباد : punnychanehe
واتباد احتياطي : punnychanehep
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

📢 المنتدى العام عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.

🎨 إمبراطورية المانجا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

📖 نادي الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 6"