5
أصبحتُ زوجة الدوق الوحش [ 5 ]
ظلّ كبير الخدم يهدّئ وصيفات القصر الغاضبات منذ أن جرى اختيار رفيقة الدوق.
كان يقول لهنّ إن الآنسة إيوني كلارك شجاعةٌ بما يكفي لتتقدّم للزواج ممن يخشاه الجميع، كما أنها طيبة القلب ترعى والدتها المريضة بكل إخلاص.
“ظننت أنكن قد استوعبتن الأمر…”
رفع سيباستيان يده المليئة بالتجاعيد ليمسح ببطء عينيه المرهقتين.
حاول أن يستحضر بصيص أمل، غير أنّ عينيه اللتين رأتا أكثر مما ينبغي لم تعودا بسهولة إلى صفائهما.
وما تحت الجفنين المطبقين لم يكن سوى ظلمة سحيقة.
***
“آتسـشـو!”
قبضت إيوني على أنفها المتجمد وهي تلتفت مراراً إلى أدريان بطرف عينها.
كانت تحاول قدر الإمكان أن تتحمّل، لكن الأمر بلغ حدّه.
فأيّ حرارة تلك إذا كان جسدها قد تجمّد بالكامل بعد ساعة كاملة من تعرّضها لرياح لاذعة كهذه؟!
‘أليس هذه مبالغة؟! لِنَقُلْ إن الدوق الشمالي معتاد على مثل هذا البرد، لكن أنا ابنة الجنوب! لست مثله أبداً.’
زمّت شفتيها ونظرت إليه بضيق.
‘أين ذهب ضميرك؟’
مهما فكّرت، لم تجد إلا أنه رجل سيّئ.
قال بكل بساطة:
“الجو حار، لِنفتح النافذة قليلاً.”
لكن عادةً ما تُترك النافذة مفتوحة بضع دقائق فقط، أليس كذلك؟
أما أن يصرّ على إبقائها مفتوحة ساعةً كاملة في هذا الصقيع، فأيّ عقلية تلك؟
ربما هو جبر الرواية الأصلية، لكن مع ذلك…
‘ألا يعرف معنى الاعتدال؟!’
شهقت بعمق غضباً، لكن الهواء القارس لسع صدرها حتى شعرت بأن قلبها تجمّد، فصارت تتنفس سريعاً وسطحياً ككلب لاهث.
كان منظراً قبيحاً، لكنه جعلها تتنفّس تلك الأجواء الخانقة بسهولة أكبر.
‘يا للّعنة، ما كنت أود أن أجرّب هذا في حياتي أبداً.’
أرسلت نظرة جانبية إلى أدريان مجدداً.
كان طوال الوقت جالساً متكئاً وذراعيه مشبوكتين وعيناه مغمضتان.
‘أغفى وهو يتلذذ بهذه الرياح الشمالية المألوفة لديه؟’
‘لو أغلقتُ النافذة قليلاً، فلن يضرّ، أليس كذلك؟’
‘على أية حال، هو إنسان أيضاً. ماذا لو أُصيب بالزكام؟’
وسوس لها الشيطان بمبرّر معقول.
‘حسناً، هذه مجرّد لفتة رقيقة… وبالمرة أنقذ هذا الجسد البائس.’
تزحزحت على ركبتيها نحو نافذة العربة وبدأت تغلقها شيئاً فشيئاً مع اهتزاز الطريق.
كانت النافذة سلسة الحركة، لم تحتج إلى جهد ولم تُصدر صوتاً.
بقي منها نحو نصف شبر مفتوحاً، ولمّا دفعتْها لتغلقها تماماً—
دَرْك!
اهتزّت العربة بشدّة، وانفتحت عينا أدريان.
“……”
“آه! أ-أستطيع أن أفسر!”
وما إن تلاقت عيناهما حتى ارتبكت وحاولت أن تختلق عذراً.
سْرَنج—!
دوى صرير فولاذي يخدش السمع، وإذا به يشهر سيفه.
كـوآك!
غرز النصل الأبيض القاطع في إطار النافذة دون أدنى رحمة.
“هاه…!”
كانت جدران العربة أصلب بكثير مما تبدو عليه، صُممت لتحمِل الأثقال وتقاوم ارتجاج العجلات.
‘لكنه غرسها وكأنها بودينغ يُثقب بشوكة!’
[لقد كان أول سيّاف سحري في تاريخ الإمبراطورية. بخلاف المبارزين العاديين، كان قادراً على تسخير السحر، متجاوزاً بذلك حدود الجسد البشري.]
ارتجفت إيوني وهي تستحضر سطور الرواية الأصلية.
‘أنا الآن أمام شخص لا تحدّه قيود الجسد، فماذا ارتكبتُ بحق السماء؟! مجرد كلمة أو تصرّف طائش قد يودي بي!’
تساقطت في ذهنها عشرات العبارات المستجدية للرحمة:
‘أرجوك أنقذني!’
‘أخطأت، سامحني!’
‘لا تقتلني!’
ابتسمت بتكلف وجسدها متيبّس:
“ه-هل أترك النافذة م-مفتوحة إذن؟”
“……لا تغلقيها.”
“لكن… سيدي، وأنت نائم، قد تصاب بالزكام—”
“أما أنتِ يا سيدتي، فاقتربي من النافذة، فالرائحة فائحة منك.”
‘ماذا؟!’
تجمدت من وقع ملاحظته غير المتوقعة، وقبل أن تفيق، كان سيفه يهبط أمام وجهها.
“م-ماذا الآن؟!”
“انظري.”
ظنّت أنه يهدّد حياتها، لكن تبيّن أنّ على طرف النصل شيءٌ متعلّق.
كان يشبه قطرة ماء بحجم قبضة اليد.
“م-ما هذا؟!”
وفي اللحظة نفسها، إذ خُفّف البرد قليلاً بعد أن أغلقت النافذة جزئياً، انساب سيل من المخاط من أنفها المثلّج.
ارتبكت وأسرعت تجذب أنفها بصوت مسموع:
“هـنـك!”
التفت إليها أدريان، لكنها لم تملك منديلاً.
ولم يكن خيار أن تتركه يسيل مطروحاً، فاضطرت لتكرار الصوت مرة أخرى.
“……”
وكأن التعاطف لا مكان له في قلبه، لم يخطر بباله أن يعطيها منديله.
‘حسناً، أتفهّم ذلك. حتى أنا لا أحب المنديل الملطّخ بالمخاط.’
أعاد نظره إلى ما في يده وقال:
“انظري جيداً.”
“ن-نعم!”
فتشبثت بالحديث الدائر بعزم، محاولة صرف الانتباه عن موقفها المحرج.
“هذا سلايم متحوِّل. بخلاف السلايم العادي الذي لا يضرّ البشر كثيراً—”
توقف لبرهة، ثم عضّ طرف قفازه بأسنانه ونزعه، ومدّ سبابته نحو السلايم.
وما إن لمس إصبعه حتى اهتزّ الكائن اللزج وأطلق خيطاً مائياً التفّ بإحكام حول أصبعه.
“ماذا… ما هذا؟!”
“لا تقلقي. فقط تابعي النظر.”
‘لا تقلقي؟! أنا التي لم أعد بخير أصلاً!’
ارتجفت إيوني في حيرة، بينما ظلّ أدريان محتفظاً ببروده وهدوئه.
‘في الجنوب لم أرَ شيئاً كهذا قط… هل هو أمر اعتيادي في الشمال؟’
ظنّت أنه لا بأس ما دام أدريان لم يُبدِ رد فعل، لكن ذلك كان وهماً منها.
فالخيط المائي الملتصق بإصبعه أخذ يتماوج، ثم بدأ يحمرّ شيئاً فشيئاً.
حتى الأحمق لا يمكن أن يخطئ في فهم ذلك.
“يمتصّ الدم؟”
“الأصل أنه يتغذّى في أطراف المستنقعات، لكن شمالنا المتجمّد يخلو من ذلك، لذا…”
أهذا هو المقصود بقولهم سلايم متحوِّل؟
هزّت رأسها متفهمة، لكنها سرعان ما أمالت رأسها مترددة.
هل تتوهم؟ بدا أن حجم السلايم الذي كان في حجم قبضة اليد قد ازداد قليلاً…
وبغمضة عين، كبر أكثر.
“م-مهلاً، إنه الآن…”
فما كان من أدريان إلا أن نفض يده، فانتزع السلايم بسهولة.
كان مخلوقاً تافهاً ليُسمّى وحشاً.
‘هاه؟ إذاً لا شيء مهم. ليس إلا علقة شفافة!’
وبينما هي تتذمّر في سرّها مطمئنة، كان أدريان يقبض على السلايم بيده ويقول بنبرة صارمة:
“لا يجوز الاستهانة بالسلايم المتحوّل. أنا لست إنساناً عادياً، كما تعلمين.”
بدت كلماته وكأنها قراءة لما في خاطرها.
“أما البشر العاديون، فليس سهلاً أن يتخلّصوا منه. أثناء امتصاصه للدم ينمو بسرعة. يبدأ من إصبع أو موضع صغير، ثم خلال دقائق يلتهم الجسد كله.”
شهقت إيوني مذهولة حتى فغرت فاها، غير قادرة على إخفاء الصدمة.
فمدّ أدريان يده ببطء وأغلق فكّها برفق.
“لهذا السبب، جميع سكان الشمال يحملون ما يُسمّى بالـ الخَتم.”
“الختم؟ ما ذاك؟”
“ببساطة، هو علامة تدلّ على أن المرء لي.”
“ماذا؟!”
‘أهو… تملّك؟!’
رمقها أدريان بجدية مضيفاً:
“لا، ليس بالمعنى الذي تتصورينه.”
‘أكنتُ أفكّر بصوت مسموع؟ لا بد أنّ ملامحي فضحتني.’
ابتسمت إيوني ابتسامة محرجة. عندها تابع أدريان:
“التنين هو ملك الوحوش. فإذا وُسم الجسد بهالته، هابته الوحوش وفرّت منه.”
انحنى نحوها قائلاً:
“هكذا بالضبط.”
ضغط بأصبعه الطويل والبارد على جبهتها المستديرة.
“لقد وسمتُ جميع أهل الشمال بذلك.”
أصابتها برودة سبابته بالقشعريرة.
“بختم الملك… تُطمس رائحة البشر.”
‘آه… إذن حين قال تفوح مني رائحة كان يقصد هذا المعنى!’
“لكيلا تكوني هدفاً للوحوش.”
“…ولكي لا أموت؟”
ردّدت كلماته بدهشة، وفهمت للتو أنها كانت قبل قليل على وشك أن تُفترس.
‘يا إلهي… هذا الجزء لم يكن في الرواية الأصلية! أمر مربك حقاً.’
لكنها سرعان ما عقدت حاجبيها:
‘ولِمَ لم يضع هذا الختم عليّ منذ البداية؟! ألم يكن أفضل لو بادر وشرح الأمر؟’
رفعت عينيها نحوه ببراءة وهي تمسح أنفها:
“وماذا عني إذن…؟”
“من الطبيعي أن يُطبع الختم على رفيقتي أيضاً.”
لكنه لم يتحرك مطلقاً.
‘أيُعقل؟! لقد كدتُ أموت لتوّي!’
انقبض صدرها، لكنها تجرّعت حنقها وتوسلت بصوت مرتجف يفيض شفقة:
“ألا يمكن أن تفعل ذلك الآن؟ كلامك أخافني حقاً…”
“لقد شرحتُ الأمر باختصار لتفهمي، لكن في الحقيقة، نقش الختم على جسد إنسان أمرٌ بالغ التعقيد. يحتاج إلى وجود ساحرَين على الأقل.”
“أفلا تستطيع أنت يا سيدي؟”
“أنا سيّاف سحري، لا ساحر.”
ما إن انتهى من كلامه الواضح حتى سال المخاط من أنفها من جديد.
“هـنـك!”
ربما لأن توترها انحلّ، أو لأن النافذة التي كانت قد أغلقتها فُتحت ثانية… لكنها كانت على يقين من شيء واحد:
‘برد… لم أعد أحتمل ثانية أخرى!’
وليس الأمر لأنني غاضبة.
أبداً.
“إذن… بما أن السلايم يمكن أن يدخل ثانية، ألا نغلق النافذة؟”
“لا يجوز.”
“لِمَ؟!”
تساؤلها الصريح جعل حاجبَي أدريان يرتفعان قليلاً.
لكن إيوني وقد استبدّ بها الذعر من تهديد جديد محتمل، لم تعد تملك توازناً في التفكير.
‘ماذا لو تسلّل ذلك الشيء ثانية— سواء كان سلايماً أو علقة؟!’
“لِمَ؟ أنا أشعر بالبرد… وبالخوف أيضاً!”
—
ترجمة : سنو
حسابات المترجمين في الواتباد في خطر ويمكن ينحظر في اي وقت، جروب التيليجرام حيث كل رواياتي موجوده ملفات والنشر هناك اول
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل: https://t.me/snowestellee
واتباد : punnychanehe
واتباد احتياطي : punnychanehep
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

📢 المنتدى العام عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.

🎨 إمبراطورية المانجا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

📖 نادي الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 5"