4
أصبحتُ زوجة الدوق الوحش [ 4 ]
بعد تلك الحادثة لُصِق بآدريان لقبٌ مشين.
كلب الإمبراطور المسعور.
القاتل النبيل.
أن يُنعَت بهذه الألقاب رجل مُبارَك من التنين نفسه!
حاول الإمبراطور بكل وسيلة أن يمحو هذه السمعة السوداء عن آدريان، لكن بلا جدوى.
بل إن محاولاته المضطربة لم تزد الناس إلا خوفًا منه، حتى ترسّخ ذلك الرعب أكثر فأكثر.
كان آدريان يراه جهدًا عقيمًا، ومع ذلك لم يتراجع الإمبراطور بسهولة.
مرّ عامان على تلك الحال، حتى أذعن الإمبراطور أخيرًا، وتوقف عن محاولاته المستميتة لتبرئة آدريان، وذلك بعد حادثة صغيرة وقعت في حفل الربيع العام الماضي.
لذا لم يكن آدريان يتوقع شيئًا حين جاءه الخبر متأخرًا، أن الإمبراطور يبحث له عن رفيقة دوق كبرى.
وعندما اكتشف ذلك، كان الأمر قد انتهى بالفعل.
وهكذا التقى بزوجته إيوني.
تنفّس آدريان ببطء وهو يتذكر.
قالوا إنها ابنة البارون كلارك ذاك الذي يعيش في أقاصي الجنوب.
شُهِرَت بعنايتها البالغة بأمها المريضة، ولذلك رُشِّحت لتكون زوجة دوق كبرى.
لكن الألسن كما هو معلوم، لا تنقل الأخبار إلا وقد غُلِّفت بالسمّ.
فما جرى قبل ثلاث سنوات لا شك وصل إلى الجنوب مشوّهًا، وربما فظيعًا أكثر مما كان.
صحيح أن العاصمة استعادت استقرارها بعد صدمة تلك المأساة، لكن أطراف الإمبراطورية لم يصلها إلا الصدى البعيد.
وبالنسبة لزوجته الجديدة، فآدريان لم يكن سوى القاتل النبيل حتى هذه اللحظة.
“……”
تراجع آدريان خطوتين إلى الوراء، مشيرًا بذقنه نحو النافذة.
وقال بنبرة هادئة لم يبدُ عليها اختلاف:
“يكفي هذا، عودي إلى رشدكِ. نحتاج إلى استخدام دائرة الانتقال حتى قصر الدوقية، ثم علينا أن نتابع بالعربة ساعتين إضافيتين. ومع هذا الثلج، قد يستغرق الأمر أكثر. من الأفضل أن نغادر فورًا.”
***
إيوني في داخل العربة
‘لقد جُننتُ! جُننتُ تمامًا! لا بد أنني سأموت قهرًا!’
صحيح أنها ارتاعت عند رؤية آدريان حين استيقظت، لكن ردة فعلها كانت أشد ما يكون من الفضيحة.
كأنها صرخت كما لو واجهت دودة مقززة، حتى إن آدريان نفسه الذي اعتاد أن يقابل المواقف بابتسامة روتينية، أظلم وجهه ببرود.
‘هل فقدت صوابي؟ ما الذي دفعني إلى الصراخ هكذا! هل كنتُ أتوسل الموت؟!’
لحسن الحظ أنه لم يكن قد صعد إلى العربة بعد.
فانفجرت وحدها داخلها، تُفرغ روعها بلا شاهد.
‘كل ما أرجوه حياة طويلة سالمة! لا أن أموت قبل الأوان كما يروي النص الأصلي!’
ارتطمت برأسها بجدار العربة بقوة.
قبل أن تتجسد في إيوني، كانت جسارتها الجسدية تسمح لها بالسهر ثلاثة أيام متواصلة دون عناء.
هيئتها الرشيقة كانت توهم الناس بضعفها، لكن الحقيقة أنها عوّضت قلة قوتها بـ عناد صلب.
لهذا كان الأمر محيرًا أن يخونها هذا الجسد الجديد في أوقات غير متوقعة… مثل الآن!
‘أيعقل أنني انهرتُ لمجرد أنني استيقظتُ باكرًا وتحركت قليلًا؟!’
والأدهى أنها لم تنتبه حتى إلى أنها غفت!
“ظننتُ أنني صرتُ أفضل حالًا…”
تمتمت بغيظ، دون أن تخفي خيبة أملها.
تذكرت الأيام الأولى بعد قدومها إلى هذا العالم:
كم مرة انهارت فجأة وهي ترعى أمها المريضة!
فـ الجميلة الواهنة كانت سمة رئيسية للبطلة، أما كونها عاجزة الجسد فقد كان تعويضه دائمًا في العقل والحيلة.
لكن أيّ شخصية ثانوية تجرؤ أن تسرق هذا الموقع؟!
كانت عائلتها المتداعية تحتاجها أن تسعى ليلًا ونهارًا لإصلاح ما انهدم.
ولهذا اجتهدت إيوني بكل ما أوتيت لتقوي جسدها.
ومؤخرًا، ظنّت أنها قد تجاوزت الضعف تمامًا.
لكن ها هي تنهار في اللحظة الحرجة!
‘أيها الناس! جسدي هذا يشنّ هجومًا على فريقه بنفسه!’
كادت تبكي، غير أن دموعها عصت عليها.
‘حتى دوري التافه كزوجة أولى مهجورة جاء عسيرًا إلى هذا الحد… فكيف كان حال أولئك اللاتي تجسدن شخصيات الشريرات الرئيسيات؟ كم كانت حياتهن شاقة!’
“هاه…”
أطلقت تنهيدة، وأرهفت السمع.
كان يمكنها أن تسمع بوضوح، من خلف جدار العربة السميك صفير الرياح الباردة وصوت حبات الثلج الثقيلة وهي تضرب الجدران.
“حقًا… ما أشد ما يحدث لي.”
لم ترَ عاصفة ثلجية إلا على شاشة وثائقي، أما الآن فهي تعيشها لأول مرة.
ثم تذكرت أن وجهتها هذه المرة هي الشمال، حيث لا يُقارن برد العاصمة بما ينتظرها هناك.
أحسّت بالقلق، لكن سرعان ما استحضرت أحداث الرواية الأصلية، فهدأت نفسها:
“لا أذكر أن هناك سطرًا قال إن إيوني تجمدت حتى الموت.”
الأصل كان يزوّج كل شخص حيّ بلا استثناء، فهل يتركها لتموت من البرد؟ مستحيل.
حين فكرت هكذا، خفّ عنها القلق قليلًا.
أسندت جسدها إلى المقعد الوثير، وظلت تنتظر.
حتى عاد آدريان بعد برهة.
“هل انتظرتِ طويلًا؟”
قالها وهو يفتح باب العربة بابتسامة رائقة.
فجأة—
دقّ قلبها دفعةً واحدة.
وكأنها خُيِّل إليها أنها اضطربت من وقع جماله.
‘يا ترى… هل سيأتي يوم أعتاد فيه هذا الوجه؟’
***
اختفت العربة الضخمة التابعة لبيت الدوق، وقد غمرها الضوء المتفجر من دائرة الانتقال في القصر الإمبراطوري.
وما إن انتهى وداعهم حتى انطلق أحد الخدم الصغار يعدو مسرعاً نحو القصر الداخلي.
وهناك، التقى برئيس الخدم الذي كان يذرع المكان جيئة وذهاباً بملامح يعلوها القلق.
قال العجوز بلهفة:
“كيف جرى الأمر؟”
فأجاب الصغير بصلابة:
“لقد غادروا يا سيدي.”
ارتسمت على وجه العجوز ملامح ارتياح أقرب إلى البهجة، ثم قال بلهجة متعجلة:
“إذن أسرع الآن، واذهب لاستدعاء الحكيمة.”
وبأمره الحاد، انطلق الخادم الصغير مرة أخرى حتى غاب عن نظر رئيس الخدم.
أما هذا العجوز فرفع يده ومسح وجهه المرهق بقوة، إذ كان ما حدث فظيعاً حقاً.
فقد كان الدوق قبل قليل يحتسي الشاي مع جلالته في هدوء، ثم أعلن فجأة أنه سيعود إلى إقطاعته برفقة الدوقة.
وفيما خرج رئيس الخدم ليشرف على تجهيز دائرة الانتقال، وقع الحادث.
وعندما عاد بعد أن تأكد مع السحرة من سلامة الدائرة، وجد أن هواء الطابق الأول من القصر الداخلي قد غدا ثقيلاً، كأنما مشبع برطوبة كثيفة.
ولو صُوّر ذلك المشهد بلون، لكان أقرب إلى الأحمر القاتم.
ارتعدت أوصال رئيس الخدم، وكاد الغثيان يعلوه وهو يستعيد المنظر.
فما إن التقط أنفه تلك الرائحة المعدنية النافذة، حتى اندفع أحد الخدم الصغار صارخاً ووجهه قد شحب كالجليد:
“سيدي رئيس الخدم! كارثة! الدوق…!”
لم يحتج العجوز إلا إلى كلمة واحدة:
“هيا بنا!”
ومن ثم انطلق يعدو بكل ما أوتي من قوة خلف الخادم.
وخلال أربعين عاماً من خدمة البيت الإمبراطوري، لم يفقد وقاره قط، لكنه في تلك اللحظة ركض حتى كاد أنفاسه تنقطع، بينما قلبه يخفق كالمطرقة، وأصابعه تبرد من الفزع.
كانت وجهته قاعة الاستقبال الواقعة خلف البهو الرئيسي والطابق الأرضي.
وعندما دفع بابها وهو يلهث، جمد الدم في عروقه لما رأى، وانحلت قواه حتى خرّ على الأرض.
ففي الداخل وقف الدوق وسيفه في يده وأربع وصيفات مطروحات أرضاً.
كان يترك نصل سيفه يتدلى بهدوء، ومهابته الصارمة تناقض وحشة المشهد.
قال بصوت متزن:
“ما الأمر؟”
عندها فقط استعاد رئيس الخدم وعيه، وانحنى وهو يتمتم:
“لقد تجاوزت حدودي.”
“قلتُ ما الأمر؟”
لم يتحرك الدوق قيد أنملة، ومع ذلك شعر رئيس الخدم وكأن حبلاً يخنق عنقه، وأن هذا الوحش النبيل أمامه قادر أن يزهق روحه في طرفة عين.
لكنه أرغم نفسه على الكلام عارفاً أن صمته يعني هلاكه:
“ج-جلالتك، دائرة الانتقال أصبحت جاهزة.”
لقد أخفى ذعره بمهارة، محاولاً تحويل انتباه الدوق.
وعلى الرغم من أن هول المنظر أعاده إلى كابوس قبل ثلاث سنوات، ظلّ محتفظاً بصلابته.
فهو رئيس الخدم الأكبر، من صمد في وجه المحنة الماضية، وهو من أشرف على غسل دماء أنهار بأكملها.
استعاد في ذهنه صورة الرجل الذي يقف أمامه، الدوق أدريان، وريث اسم فان، الرجل الذي يقلّ في طباعه كل أثر للعاطفة، البارد حتى الغرابة، والعقلاني إلى حد القسوة.
ولذلك، كان يوقن أنه لا يقدم على القتل دون سبب.
فأحنَى رأسه أكثر، وقال بتضرع مهذب:
“الدوقة بانتظارك يا سيدي.”
لقد كان رجاءً صريحاً بأن يقف عند هذا الحد.
فقد وثق سيباستيان (رئيس الخدم) برجاحة عقل أدريان، مثلما فعل قبل ثلاث سنوات.
فهو وإن لم يعرف للرحمة مكاناً، لم يكن يتجاوز الحدود عبثاً، بل كانت أحكامه شديدة الصرامة، حتى بدت أكثر رهبة من القتل.
وبينما ظل رأسه منكسراً، أدار عينيه بخفة ليتفقد حال الوصيفات، فطبق شفتيه بإحكام ولم ينبس ببنت شفة.
قال أدريان وهو ينظر إلى نصله الأبيض الناصع:
“سيباستيان.”
“نعم يا مولاي.”
ثم أعاد سيفه إلى غمده بحركة رصينة، وتابع وهو يمر بجانبه مغادراً القاعة:
“إفهام المرؤوسين قدرهم أجدى بكثير من التماس رحمة لا محل لها.”
“صدقت يا مولاي.”
ظل سيباستيان منحنياً حتى ابتعد ظل الدوق المهيب عن بصره، ثم شيّعه بالانحناء مرة أخرى حتى بوابة القصر الأمامية، وفاءً لحرمة البيت الإمبراطوري.
والآن، كان يقف بانتظار الحكيمة بقلب واجف.
فالدوق يعلم تماماً كيف يبعث برسائل صارمة بأكثر الطرق تأثيراً.
الوصيفات لم يمتْن، والحكيمة بارعة في علاجهن، لكنه كان قلقاً؛ فكلما كان التدخل أسرع تحسنت فرص نجاتهن.
وربما، إن أسعفهن الحظ، عادت ألسنتهن وأيديهن إلى ما كانت عليه.
زفر سيباستيان بعمق وهو يهمس:
“أي ورطة هذه…”
فالمصابات لم يكنّ سوى الوصيفات اللواتي خُصّصن اليوم لخدمة الدوقة الجديدة، الآنسة إيوني كلارك.
وحين لمح وجوههن قبل قليل، أظلمت الدنيا في عينيه.
فهن جميعاً من بيوتٍ عريقة موالية للعرش، من الذين ظلوا حتى النهاية مخلصين للإمبراطور ونجوا من المحنة السابقة، ولذلك كانوا يفيضون كبرياء.
وكانوا يرون في أدريان إلهاً حياً، إذ هو من أباد بمفرده كل من تجرأ على العصيان أمام الإمبراطور.
ومع أنه لم يكن بمقدورهم الاقتراب منه، إلا أنهم لم يحتملوا رؤية امرأة وضيعة في نظرهم مثل إيوني كلارك تقف إلى جانبه.
في أعينهم، لم تكن سوى نجاسة ألقيت على هيبة الدوق.
—
ترجمة : سنو
حسابات المترجمين في الواتباد في خطر ويمكن ينحظر في اي وقت، جروب التيليجرام حيث كل رواياتي موجوده ملفات والنشر هناك اول
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل: https://t.me/snowestellee
واتباد : punnychanehe
واتباد احتياطي : punnychanehep
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

📢 المنتدى العام عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.

🎨 إمبراطورية المانجا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

📖 نادي الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 4"