3
أصبحتُ زوجة الدوق الوحش [ 3 ]
لم يستطع الإمبراطور أن يرد على كلام أدريان الصريح.
فهو أيضًا كان يظن أن الأمر قد بلغ حدَّه.
لقد كان عازمًا اليوم على أن يعرّف أخاه على خطيبته الآنسة غارنيت.
والذريعة التي استدعاه بها من الشمال كانت مرتبطة بمسألة رفيقة الدوق، غير أنه وقد جرى الأمر على ما يرام، فلن تتاح له فرص أخرى لرؤيته قريبًا.
‘لكن ما الذي جعلها تتأخر هذا اليوم بالذات من غير حتى أن ترسل خبرًا؟’
لقد بعث الإمبراطور فرسانه في منتصف الطريق يتحققون من الأمر قلقًا عليها، لكن لم يأتِ أي رد.
ووووش—.
دوّى صوت الريح وهي تضرب النوافذ.
فالتفت أدريان نحوها، وإذا بالثلج الذي بدأ يتساقط منذ الصباح قد تحول الآن إلى عاصفة جليدية عاتية.
قال ببرود:
“في مثل هذا الطقس، تقع حوادث العربات كثيرًا.”
تقطّعت خواطر الإمبراطور بكلمات أدريان الجافة.
“حوادث عربات؟”
“فالسبب في هذا التأخير من غير أن تبعث بخبر، واضح لا يحتاج إلى تفسير.”
وأشار أدريان بحدّة ذقنه إلى العاصفة الثلجية المزمجرة خلف النافذة.
فابتسم الإمبراطور بسخرية مُرّة.
‘اليوم بالذات…’
وأخيرًا، لم يستطع الإمبراطور أن يثني أخاه عن مغادرة المكان بعد أن ودّعه بانحناءة أنيقة.
***
خرج أدريان من قاعة الاستقبال الخاصة بالإمبراطور، وتوجّه مباشرة إلى غرفة السيدات في الطابق الأول من جناح الإمبراطورة.
كانت هذه الغرفة في الأصل مخصّصة لاستقبال ضيفات الإمبراطورة، لكن بعد غياب صاحبتها أكثر من عشرين عامًا، صار الناس يطلقون عليها اسم غرفة السيدات، وفتحت أبوابها لاستقبال سيدات المجتمع النبيل بين الحين والآخر.
غير أنها كانت خالية تمامًا.
ألقى أدريان نظرة على القاعة الفارغة، ثم سأل:
“أين الرفيقة الدوقية؟”
“صاحبة السمو الرفيقة… تقصد؟”
تجمّد وجها الفارسين المكلفين بحراسة المكان عند سماع سؤاله وارتجفت حواجبهما قليلًا ثم تبادلا نظرات سريعة.
دقّ… دقّ…
تسارع نبضهما مسموعًا في أذنيه.
وكان أدريان يعرف تمامًا ما تعنيه مثل تلك التصرفات.
يجهلان الأمر… مفاجأة غير متوقعة.
“هاه…”
وفجأة تذكّر المشهد الذي رأى فيه وصيفات القصر وهنّ يدفعن إيوني كلارك خارج القاعة حين صدر أمر المُغادرة.
لقد ترددت قليلًا بدهشة، فما كان منهن إلا أن دفعنها بلا رحمة إلى الخارج.
“سيدي الدوق…؟”
“يبدو أنني أخطأت المكان.”
خطا خطوة واسعة، فإذا به يبتعد عن غرفة السيدات في لحظة.
وسرعان ما وصل إلى صالون الاستقبال في الطابق الأول من القصر الإمبراطوري، وهو المكان الذي يستطيع أي زائر للقصر أن يستريح فيه.
وما إن وضع يده على الباب المغلق، حتى انفتح بخفة على مصراعيه كأنه قد تمرّس على الطاعة.
وما ظهر له كان مشهدًا واحدًا:
إيوني وقد أسندت رأسها إلى الأريكة وأغمضت عينيها.
لم يكن ثمة فارس يحرسها ولا وصيفة إلى جانبها ولا خادم في الانتظار.
“…….”
خطا أدريان إلى الداخل، والدفء الخفيف يملأ الغرفة.
ومع أن مستوى الخدمة فيها لم يكن سيئًا، فهي لا تليق أبدًا باستقبال أحد من النبلاء، فضلًا عن رفيقة الدوق.
ومع ذلك، ها هي زوجته هناك.
وحيدة.
رفيقة دوق بلا حراسة، نائمة في مكان مفتوح هكذا.
اقترب بخطوات قليلة حتى وقف أمامها.
“…….”
لم يبقَ أمامها إلا كوب شاي باهت اللون، أما صحن الحلوى ففارغ، وأبريق الشاي غائب تمامًا.
تقطّبت ملامح أدريان لأول مرة بحدة.
زوجة أدريان فان برِيسيس، الوريث لدماء التنانين، تظهر في مثل هذا الحال؟
الإمبراطور يحكم الإمبراطورية، أما من يحمل اسم “فان” فيذود عنها ويحميها.
وحتى لو كان الإمبراطور هو من أهداه هذه الرفيقة، فإن إيوني تبقى رفيقة دوق بحقها الكامل.
فغياب الخدم والوصيفات عن جانبها لم يكن إلا ازدراءً لاسم “فان”.
“يا لهم من متجاسرين…”
اشتعلتا عينيه ببريق كالشفرتين، وقد انقسمت حدقتهما إلى شقّين.
دماء التنين الجبارة تفجرت في عروقه لتذكي غضبه شُعلةً بعد أخرى.
لقد استثير فيه شعور لم يذق طعمه منذ زمن، فزاد ذلك من حدته.
وكاد أن يجرّ المذنبين جَرًّا ليجثوا أمامه راكعين ويكسر أيديهم التي نسيت حدودها ويحطّم رؤوسهم التي تجاوزت مقامها…
“آه.”
لكن أفكاره العاصفة توقفت فجأة حين وقعت عيناه من جديد على إيوني.
لقد نسي لوهلة أنها موجودة هنا.
إيوني كلارك.
زوجته الجبانة، التي لا تعرف الخجل.
جاءت مدفوعة بضغط الترشيح، وأغرَتها الشروط الفاخرة التي عرضها الإمبراطور فقبلت بلا تردد.
لكن ما إن وقّعت العقد، حتى بدا وكأنها أدركت حقيقة الأمر، فابتدرت تقول:
“أرجو أن تحددوا مدة هذا الزواج بثلاث سنوات فقط.”
كان منظرها وهي تحاول التملص والهرب مثيرًا للشفقة.
تأملها أدريان بنظرة جديدة، فإذا بالشعر الأسود الأملس يعانق بشرتها الباهتة حدّ الشحوب.
وظلال الرموش الطويلة تستقر فوق وجنتيها.
أما ملامحها الدقيقة، فقد كانت بلا شك ملامح حسناء.
ولكن، هل لعل السبب افتقارها إلى الحيوية؟
لو لم يكن صدرها يعلو ويهبط بخفة، لظننتها جثة هامدة.
‘إياك أن تقتلها.’
في تلك اللحظة خطرت بباله وصية الإمبراطور قبل قليل:
‘أليست الآنسة كلارك مسكينة؟’
“زوجتي.”
كانت المرأة النائمة كالميتة تبدو رغم لامبالاتها بالتقاليد بالغة الشفقة كما قال الإمبراطور.
“زوجتي، انهضي.”
ومع ذلك لم تفتح عينيها المغمضتين.
مدّ أدريان يده متنهداً في هدوء، ورفع إيوني بين ذراعيه.
جسدها كان خفيفاً إلى حدّ يصعب تصديق أنه جسد امرأة بالغة، ويتأرجح كدمية جوفاء.
‘هل هو الوزن الطبيعي؟’
غير أن هذا الخفّة البالغة دفعته إلى أن يضمها بقوة إلى صدره.
عندها انفتحت عيناها المغمضتان فجأة.
“آه… لقد استيقظتِ—”
“أه؟”
وقبل أن يتم كلمته، التقى بصره بوجهها.
عندها—
“آآآه!”
شهقت إيوني كأنها رأت شبحاً، وارتعش جسدها بشدة حتى شحب لونها.
“ماذا— ماذا فعلتُ! لا بد أنني جننت!”
كان صوتها صافياً كجرس، قوياً في نبرته، ففاجأ أدريان الذي جمد لحظة.
وبينما هو متوقف، كانت هي قد أفلتت من بين ذراعيه، تنزع جسدها بسرعة من قبضته قبل أن يحكمها، ثم نهضت واقفة مستقيمة في طرفة عين.
“أ-أعتذر… لا، ما الذي يحدث هنا؟”
وضعت إيوني كفها على فمها، تحدّق به مذعورة، والهلع مرتسم في وجهها بوضوح.
عقد أدريان حاجبيه بخفة.
‘كأنها وطِئت نجاسة…’
كان الناس أمامه لا ينقسمون إلا إلى صنفين، إما خائفون أو مبهورون به.
أما أن يعامل بهذه الصورة؟ فذلك لم يحدث قط.
أدريان فان بريسيس.
المبارز الوحيد بالسيف والسحر في الإمبراطورية، ذو الدم النبيل، الأول في وراثة العرش، والمبارك بدماء التنانين.
رجل فائق الجمال حتى قيل إنه غير بشري.
والآن هذه المرأة أي زوجته تعاملُه على هذا النحو؟
كيف لها أن تكون بهذا القدر من التجرؤ والفظاظة المتواصلة؟
“لا… لا يعقل أن يكون هو… لعلني لم أفق بعد من النوم؟”
تمتمت إيوني بكلمات غير مفهومة وهي ترفع يدها وتقرص خدها بحدة.
“آه!”
قُطع تيار أفكار أدريان بأنينها وهي تلهب خدها.
“ما الذي تفعلينه؟”
قبض أدريان على يدها بصرامة وانتزعها من خدها بلا رأفة.
لكن الأثر كان قد ظهر، علامة حمراء مطبوعة على بشرتها البيضاء.
“هذا ليس حلماً.”
“لم أسمع من قبل أن بكِ علّة.”
نقر أدريان لسانه، ولم يُخفِ نبرة التهكم في صوته.
لكن عندها فقط، وقعت عيناه على ملامحها الحقيقية التي فاتته:
نبض متسارع يفوق المعتاد، حدقة متوسعة، عنق متصلب من التوتر، وفي عينيها الخضراوين الصافيتين رفضٌ صريح وخوف واضح موجَّه إليه.
“آه…”
تذكّر أدريان عندها لقبه المنسي “القاتل النبيل.”
ذلك الوصف الذي التصق به منذ ثلاث سنوات، حين قرر أن يلوّث يديه بالدماء بلا تردد.
لم يكن يُعيره اهتماماً غالباً، لكن بين حين وآخر كان يؤرقه.
كما هو الحال الآن تماماً.
***
قبل عشر سنوات، حين اعتلى الإمبراطور العرش وهو صغير السن، خالف التوقعات وأدار الإمبراطورية بدهاء.
كانت قراراته رشيدة وحكيمة، بل ومليئة بالرأفة.
وعاشت الإمبراطورية في عهده طفرة ازدهار غير مسبوقة.
صار الغد الأفضل أمراً طبيعياً، وشعب الإمبراطورية بات يحلم بغدٍ أزهى.
لكن المعضلة أنّ النبلاء أيضاً طمعوا بما لا يُعقل.
‘ذكي… لكنه ما يزال طفلاً!’
‘إن نحن أحسنا ملاطفة الإمبراطور الصغير، فسنحكمه بين أيدينا!’
كبر الوهم حتى جرّ الخراب قبل ثلاث سنوات.
إذ ظلّوا يعاملونه كرجلٍ صغير، ناسين أنه نفسه الطفل الذي كان قد أفشل مؤامراتهم الدنيئة قبل عقد بمهارة فائقة.
‘يا جلالة الإمبراطور، لو سعى الدوق إلى العرش فسيكون خطراً عظيماً. عليك أن تنتزع منه قَسَم الولاء!’
لكنهم لم يدركوا أنّهم تجاوزوا الحدّ مع شخصٍ آخر غير الإمبراطور.
أن يشكّوا في فان ذاته… كانت جريمة لا تُغتفر.
حينها فقط، أدريان الذي كان يراقب بصمت، سلّ سيفه.
إذ لو جعل الاستثناءات، لتحوّلت المجزرة إلى قتلٍ عبثي بلا معنى.
لكن أدريان لم يعرف الاستثناء قط.
لقد اجتاحهم جميعاً بلا رحمة.
وسقط عدد لا يحصى منهم صرعى، غير قادرين على النجاة من الموت.
—
ترجمة : سنو
حسابات المترجمين في الواتباد في خطر ويمكن ينحظر في اي وقت، جروب التيليجرام حيث كل رواياتي موجوده ملفات والنشر هناك اول
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل: https://t.me/snowestellee
واتباد : punnychanehe
واتباد احتياطي : punnychanehep
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

📢 المنتدى العام عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.

🎨 إمبراطورية المانجا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

📖 نادي الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 3"