أصبحتُ زوجة الدوق الوحش [ 2 ]
كان صوته العميق ينساب منخفضًا، لكنه حمل من الوعيد والصرامة ما كاد يخنق أنفاس إيوني للحظة، غير أنها بالكاد تمالكت نفسها لتُخرج جوابًا مقبولًا:
“فبوصفـي مواطنة للإمبراطورية… فإن خدمة سموّ الدوق شرف عظيم لي.”
فأجابها:
ـــ “لكن، على خلاف الدوق، لا يحق لكِ بعد الطلاق أن تتزوجي مجددًا.”
نعم، كانت تعرف ذلك.
فلو أن مَن اعتلت مكانة الإمبراطورة تزوجت من أحد النبلاء بعد طلاقها، لاختلطت الأنساب واضطربت السجلات.
صحيح أنّ طريق الزواج قد انسدّ أمامها، لكنه لم يكن أمرًا ذا بال عند إيوني.
“ألَنْ تندمي؟”
“أيُّ ندم يا مولاي؟ إنّ بقائي ولو لبرهة،إلى جوار سموّ الدوق سيظلُّ مجدًا يرافقني طوال حياتي.”
وقد بدا من ردة فعل الإمبراطور أنه كاد يلين لكلامها، أما هي فحرصت على إخفاء ما اعتراها من ابتهاج لتجيب بثبات.
“يا آنسة…”
ناداها الإمبراطور بصوت متردد غامض.
“هاه؟”
إذ بدد الدوق الصمت فجأة بضحكة ساخرة، بعد أن كان يراقب حديثهما من بعيد كأن الأمر لا يعنيه.
“كيف يُفترض بي أن أستوعب هذا الوضع؟”
وحين انصبت الأعين نحوه، عقد ساقيه بهدوء وحدّق ببرود وهو يتمتم:
“عروس تفكر في بالهروب حتى قبل الزواج…”
وكانت النظرات الزرقاء التي صوبها إليها حادة كسيف مصقول.
التزمت الصمت، وشعرت بانقباض في صدرها تحت وقع عينيه النافذتين فسارعت إلى رسم ابتسامة وديعة تخفي ارتباكها.
فقد كانت تدرك أنّ أي ارتجاف أو ضعف هنا يعني سقوطها.
“سأبذل كل ما بوسعي طَوال ثلاث سنوات في خدمة سموّ الدوق.”
ابتسامة نقية بدت بريئة من أي نوايا خفية، مصحوبة بعزمٍ لطيف، كانت أبلغ من مئة تبرير.
“أُجيز الأمر.”
عندها فقط، انحدرت من فم الإمبراطور كلمة الإذن التي طالما انتظرتها.
(م.قصد الدوق بالهروب انو خططت تسيبه حتى قبل الزواج)
***
‘إذن، ما دامت البوابة السحرية تُجهّز، فليسترح الدوق والآنسة قليلًا مع بعض الشاي والحلوى.’
للوهلة الأولى بدا اقتراحه كأنه مراعاة لها، لكنه كان في الحقيقة أمرًا صريحًا بمغادرتها.
ولم تُبدِ إيوني مقاومة، بل انسحبت بهدوء.
فلم يكن يسرّها البقاء بين الإمبراطور والدوق أكثر مما لزم، ثم إنها كانت مرهقة أصلًا.
“هل لسيّدتي مشروب شاي مفضل؟”
ما إن همّت بالجلوس على الأريكة في ركن غرفة الاستقبال حتى أشرق وجهها من قول الوصيفة.
منذ الفجر حين اقتحم مبعوث الإمبراطور والوصيفة دارها فجأة، جُرّت وهي بالكاد تستفيق.
وما إن استوعبت ما جرى حتى كان وقت الظهيرة قد حلّ.
ومع انقضاء أشد لحظات التوتر، اجتاحها التعب والجوع.
‘والآن شاي وحلوى؟ يا للنعيم!’
“وأي أنواع الشاي عندكم؟”
“كل ما ترغبينه سيُقدَّم بلا نقصان.”
كان صوت الوصيفة جافًا باردًا، ونبرتها متعالية تنضح بالاستعلاء.
وبينما كانت إيوني ترتب طرف فستانها، رفعت عينيها تلقائيًا نحو الوصيفة.
كان وجهها منضبط الملامح، وتصرفها مستقيمًا مهذبًا.
“…….”
‘آه… هكذا إذن، هذا هو البلاط الإمبراطوري.’
ابتلعت ملاحظتها وهي تعاود ترتيب الفستان، وتفكّر بما تطلبه من مشروب.
‘لو كان حقًّا بلا نقصان، لطلبت قهوة مثلجة بدلًا من الشاي!’
كوب آيس أمريكانو مثلّج حتى العظم مع قطعة حلوى شهية… ذلك وحده كان كفيلًا بمحو التعب والنعاس دفعة واحدة.
ولكن للأسف، القهوة غير موجودة في هذا العالم.
“إذن فليكن شاي أسود مثلجًا مع بعض الحلوى على أن تكون من النوع الحلو.”
“مع كثير من الثلج.”
ما إن نطقت بإضافتها الأخيرة حتى انحرفت ابتسامة الوصيفة الرصينة انحرافًا لافتًا.
‘ما هذا؟!’
شعرت بوخز في مؤخرة رأسها، وبدد التوتر المفاجئ كل ما بقي من النعاس.
“ألَا يوجد ثلج عندكم؟”
“ليس كذلك، غير أنّ… من غير المألوف تقديم مشروب لا يناسب الموسم.”
ثم أتبعت كلامها بزفرة خفيفة.
‘أها! إذن هذه قصتها.’
بمعنى آخر، أن تطلب شيئًا غريبًا كالشاي المثلج في غير أوانه أمر مثير للسخرية.
قطّبت إيوني حاجبيها.
لم تفهم سبب جرأة الوصيفة في التحدث معها بمثل هذه الفظاظة.
لكن فجأة انقدح في ذهنها خاطر كالبَرق:
“آه… فهمت.”
وأي سبب غير ذلك؟
إنها ببساطة السردية المرسومة للزوجة الشريرة التي يُفترض بها أن تفتعل الضوضاء وتثير المشاكل!
وأي قارئة للروايات الخيالية الكورية تعرف أن السير في طريق الأشواك هذا لا مفرّ منه… مع أن تجاهله والتصرف بغباء مصطنع لا يضر.
“يا إلهي! أليس عندكم ثلج إذن؟ لم أكن أعلم، سامحيني.”
“ليس كذلك. سأحضره حالًا.”
تغيّر وجه الوصيفة التي كانت مغرورة منذ لحظات، كأنها تلقت إهانة قاسية تُشكك في مستوى القصر الإمبراطوري نفسه، ثم اندفعت خارجًا غاضبة.
وما إن أُغلِق الباب خلفها حتى قبَضت إيوني قبضتها ولوّحت بها في الهواء وملامحها ملتوية بالغضب:
“آه، تبا!”
يا للغيظ!
أيُعقل أن تعامل الوصيفة ضيفة الإمبراطور، ورفيقة الدوق بهذا الشكل؟
مستحيل! قطعًا لا يجوز!
“هُدّئي نفسك…”
رغم فوران غضبها، وجب عليها الصبر.
لا ينبغي لها أن تنساق إلى دور الشريرة الذي يفرضه النص الأصلي.
كانت لا تزال تتذكر بوضوح تعابير والدها البارون كلارك حين أخبرها باندهاش وافتخار:
‘الكونت هاربرت هو من رشّحك لتكوني رفيقة الدوق!”
وبالرغم من أن والدها تحدّث مطولًا عن ذلك الكونت، فإن إيوني بل وحتى النص الأصلي لم يحوِ أي ذكر له من قبل.
‘هاربرت… أم غاربرت… لا يهم.’
ما يهم أنها شعرت بقوة السرد الأصلية وهي تجرّ حتى شخصيات لم تذكر من قبل لتسير الأمور كما خُطّت في الأصل.
ولمّا عادت الفكرة إلى ذهنها، اقشعر جسدها فمسحت عنقها بارتباك.
نعم، الوصيفة المتعجرفة أغضبتها، لكن ذلك لن يقتلها.
أما أن تغفل للحظة فتنجرّ وراء مجرى الرواية فالموت هو العاقبة الحتمية.
عاهدت نفسها ألا تُظهر أي رد فعل يمنح الدوق ذريعة ضدها.
فحياتها على المحك.
وإذا ما استطاعت النجاة، فحياتها بعدها ستكون في مأمن ورغد.
فالإمبراطور وعدها بمكافآت عظيمة، امتيازات وحصانات، بل وحتى مبالغ هائلة تُصرف عبر البنك.
‘لكن بحق خالق السماء ما قيمة ثلاثة مليارات غولد بالعملة الكورية؟’
لا تعرف سعر الصرف…
وأخذت تحسب بأصابعها ثم ابتسمت ابتسامة عريضة.
‘لا أعلم كم يبلغ، لكن من المؤكد أنه مبلغ هائل.’
لا دواء في الدنيا أنجع من المال لعلاج القلوب.
انطفأت نيران الغضب في لحظة، وتدفقت الحماسة في أوصاله من جديد.
‘بما أن الأمر صار على هذا النحو، فلا بد أن أعيش، وأنجو حتماً!’
***
“إياك أن تقتلها.”
“ماذا تعني بهذا جلالتك؟”
وجه جامد وصوت بارد لا دفء فيه.
ما إن خرجت إيوني وبقي أدريان وحده مع الإمبراطور، حتى انمحت عن وجهه كل مسحة اصطناع.
اختفت ابتسامة المجاملة، فبان مظهره كسيفٍ مُرهف حادّ مخيف يكفي لأن يبعث في النفوس رهبة لا تقاوم.
غير أنّ الأخ الذي عرفه منذ سنين طويلة لم يتزعزع قيد أنملة، بل ابتسم برفق ومضى في حديثه:
“ألا تشفق عليها؟”
كان كلام الإمبراطور غريباً، حتى إن أدريان لم يفهمه.
هل قالها بدافع الشفقة التي تليق بمنصب الإمبراطور؟
أم لعلّه يعتبره وحشاً يستحق أن يُحذَّر؟
“أيعقل أن يرسلوا إليك أيّ امرأة عشوائياً؟ إنما هي وحدها التي رُشِّحت، ولو لم تكن مناسبة لما أبقيتها.”
“…….”
“إنها ذكية، طيبة، ولها ملامح محببة، بل إن شخصيتها تبدو أكثر قوة من كثير من بنات النبلاء الأخريات. أليست أفضل منهن جميعاً؟”
وبينما كان أدريان يتأمل نكهة الشاي، انشغل الإمبراطور في الإطناب بمدح إيوني.
“سمعتُ أن والدتها تعاني المرض، لكنه ليس وراثياً.”
وحتى بعدما امتلأت الكؤوس من جديد، لم يتوقف سيل الحديث.
كان الحديث طويلاً مملاً، ليس مما ينبغي له أن يصغي إليه، بل ولا مما يليق بإمبراطور أن يخوض فيه.
فالمرأة التي يتحدث عنها لم تكن سوى زوجته هو نفسه، أدريان فان فريسِيس.
“أرى أن تُمسك لسانك عن ذلك.”
رماه بالتحذير لأنه تجاوز الحد، لكن الإمبراطور هزّ رأسه نافياً.
“عاهدني يا أدريان، أن تبذل جهدك طوال الأعوام الثلاثة، وحتى إن افترقتما بعد ذلك، أن تُطلق سراحها بسلام وأمان.”
“…….”
“اعلم يا أدريان، أن لا وجود لشيء اسمه القدر أو الحب. كل ما هنالك سعيٌ وبذل. فأعنها بما أوتيت من جهد، أليس كذلك؟”
نظر أدريان إلى الإمبراطور مليّاً.
ذلك الوجه الذي رآه طوال عمره، صار غريباً عنه.
صوت واحد وملامح واحدة، لكنّه بدا الآن مُثيراً للنفور.
أخذ يدحرج الكأس الفارغ بين أنامله.
لكن سبب الضيق لم يتضح له بعد:
هل لأنه شعر أن الإمبراطور يتطاول على سلطة الدوق؟
أم لأنه ضاق ذرعاً بتدخل أخيه المفرط في حياته؟
“…….”
وبينما كان غارقاً في ذلك الضيق الغامض، استوقفه صوت الإمبراطور مجدداً:
“أتصبّ لك كأساً أخرى؟”
“أرى أن هذا يكفي.”
“أيصعب عليك أن تشرب كأس شاي إضافية يا أدريان؟”
“لكننا استهلكنا إبريقين كاملين، وهذا إفراط بلا شك.”
لقد بدأ اللقاء على أنه جلسة قصيرة لشرب كأسٍ واحد.
لكن الإمبراطور واصل الإلحاح، كأساً أخرى، وأخرى بعدها حتى انتهيا من إبريقين.
شعر أدريان أن الشاي يطفح في حلقه.
الحديث لم يكن ساراً، وقد مضت ساعة كاملة، وهذا القدر من المجاملة يكفي وزيادة.
“أستأذن في الانصراف.”
“وما ضيرك لو بقيت قليلاً بعد؟”
“ألم تدعُني مراراً إلى القصر بسبب أمر الدوقة؟ والآن وقد حصلت على ما تريد، لا بد لي من إصلاح ما آل إليه حال الشمال.”
لم يكن هذا تذمراً فارغاً.
فالشمال الآن في فوضى عارمة.
كان أدريان قبل حلول الشتاء يعتاد التجوال في الأقاليم الشمالية ليطهرها من بذور الشر التي تسبق ظهور الوحوش.
فإن لم يفعل، لتضخّمت موجة الوحوش حتى تغدو في عز الشتاء كارثة هائلة.
لكن هذه المرة لم يتمكّن من ذلك، لأن الإمبراطور ظل يستدعيه بلا توقف.
صحيح أن الفرسان بذلوا جهدهم، لكن الفرسان يظلون فرساناً؛ فلا مجال للمقارنة مع أدريان المبارز الوحيد في تاريخ الإمبراطورية.
وبهذا الحال، قد يشهد الشمال في هذا الشتاء أعتى موجة وحوش في تاريخه.
“لكن الشتاء لم يشتد بعد!”
“لقد عُثر بالفعل على وحوش خرجت من بيضها دون أن تُقضى قبل أوانها.”
“أدريان!”
نهض أدريان واقترب من الإمبراطور منحنياً ليواجهه على مستوى النظر.
لم يكن الأمر مجرد جلسة شاي عابرة تتطرق للحديث عن الدوقة المستقبلية؛ بل كانت ذريعة لينتظر الإمبراطور قدوم خطيبته.
والآن وقد أدرك ذلك، لم يعد راغباً في البقاء لحظة أخرى.
“أوَتريدني أن أقولها صراحةً؟ لم أعد أريد أن أضيّع وقتي بسبب خطيبة جلالتك.”
—
ترجمة : سنو
حسابات المترجمين في الواتباد في خطر ويمكن ينحظر في اي وقت، جروب التيليجرام حيث كل رواياتي موجوده ملفات والنشر هناك اول
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل: https://t.me/snowestellee
واتباد : punnychanehe
واتباد احتياطي : punnychanehep
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات