1
أصبحتُ زوجة الدوق الوحش [ 1 ]
“وقّعي هنا.”
كان الرجل الذي دفع بعقدٍ أمامها جميلاً إلى حدٍّ يَخلب الأبصار.
أنفٌ شامخ ينحدر بخطٍ آسر، وعينان عميقتان يمتدان بسحرٍ غامض.
ملامحه البارزة بكل تفاصيلها بدت كأنها تحفٌ فنية متقنة لا يشوبها نقص.
حتى إنّ غروره وتعاليه بديا وكأنهما أمران طبيعيان في حضرة ذلك الجمال المهيب.
لمجرد أن تقع عيناك عليه، يتملكك دوارٌ وضبابٌ يشتت ذهنك؛ لذلك شبكت إيوني يديها أمام صدرها وأخذت نفساً عميقاً.
فابتسم الرجل، ظنًّا منه أنها متوترة.
“بمجرّد توقيعك، سيصبح كل شيء حقيقة.”
لكن ابتسامته لم تَرقَ إلى عينيه، بل اقتصرَت على ارتسامٍ خفيف عند طرف شفتيه خالٍ من أي مشاعر؛ أشبه بابتسامةٍ مصطنعة اعتادها بالتدريب.
ومع ذلك كانت ابتسامةً أخّاذة تخطف الأبصار، حتى إن إيوني مع معرفتها التامة بمن هو، شعرت بقلبها يخفق بقوة.
أدريان فان بريسيس.
الوحيد الذي يحمل لقب الدوق الأكبر في الإمبراطورية، والذي سيصبح قريباً زوج إيوني… والبطل الذي سيقتلها في النهاية.
***
لم يمضِ وقتٌ طويل على كون إيون مجرّد موظفة عادية في كوريا الجنوبية تُدعى تشوي إيوني يونغ.
وكانت آخر ذكرياتها بصفتها إيوني يونغ هي لحظة عودتها من العمل وجلوسها لتقرأ الصفحة الأخيرة من رواية زوجة الدوق الوحش.
[تماماً كما تتراكم الثلوج البيضاء، ستزداد سعادتهما رسوخاً لحظة بعد أخرى.]
كانت هذه الجملة المثالية الختامية نهاية سعيدة بكل ما للكلمة من معنى.
ابتسمت، وأغمضت عينيها بعد قراءتها.
ظنّت أنها غفت فحسب.
شعرت بدوارٍ في رأسها، لكنها عزته إلى الإرهاق.
لكن حين فتحت عينيها من جديد، كان أوّل ما رأت أجنبياً يجهش بالبكاء والنحيب أمامها.
‘يا إلهي!’
وبدا واضحاً أن ذلك الانفعال لم يكن تمثيلاً على الإطلاق.
لم تفهم إيوني يونغ ما الذي يجري، لكنها لم تشعر بأن الموقف غريب عليها.
‘… أيمكن أن يكون هذا انتقال روح؟’
لو صحّ ذلك، فالأمر يُفسِّر كل شيء.
وإن كان غريباً أنها انتقلت فجأة دون أن تدهسها شاحنة الانتقال الشهيرة كما في الروايات.
بدلاً من أن تتفوّه بعبارةٍ ساذجة مثل “عذراً، من أنتم؟”، آثرت أن تنصت.
“إيوني! يا للعجب، لقد استيقظتِ! ظننّا حقاً أنك فارقتِ الحياة!”
الاسم: إيوني.
“يا للعار! كيف لبيتٍ نبيلٍ مثل آل كلارك ألا يستدعي حتى كاهناً؟ لقد انهارت هيبة أسرتنا تماماً!”
الاسم الكامل: إيوني كلارك.
ابنة بارونٍ تلاشى مجده وهيبته.
“أمكِ وهي على فراش المرض كانت لا تزال تعتني بك… لقد كاد القلق يفتك بي وأنا أرى كل هذا يصيبكما!”
إيوني كلارك، ابنة البارون التي تلاشى مجد أسرتها، وأمّها طريحة الفراش من وطأة المرض.
وبينما استمعت إلى بكاء الأب ونحيبه، اتضح لإيوني يونغ تماماً أين انتهى بها المطاف.
إنها داخل رواية زوجة الدوق الوحش، الرواية التي كانت تقرؤها قبل أن تغفو!
والكارثة أنها لم تتجسّد في شخصيةٍ عابرة، بل في إيوني كلارك، الزوجة الأولى التي تُقتل شرَّ قتلة على يد البطل.
لحسن الحظ أنها لم تنسَ تفاصيل الرواية بعد، لكن موقع هذه الشخصية بائس إلى أبعد حد.
إيوني كلارك لم تكن سوى شخصية فاشلة تماماً.
“صحيح… لقد حاولت قتل البطل الذي ورث قوة التنين….”
ففي الأسرة الإمبراطورية، يولد أحياناً طفلٌ يحظى ببركة التنين.
وكانت إيوني زوجة الدوق الأكبر الذي حاز تلك البركة.
رجل وُلد مكتمل النسب، والقدرات، والجمال… لم يكن ينقصه سوى أمرٍ واحد:
المشاعر.
فهذا النقص كان نتيجة قيدٍ وضعه التنين نفسه.
في زمنٍ بعيد، أنقذ مؤسس الإمبراطورية تنيناً يحتضر.
وبعد أن استعاد التنين صحته، أراد ردَّ الجميل، فطلب المؤسس أمنيةً:
[“أقسمْ لي جزءاً من قوّتك العظمى، ودعها تنتقل إلى نسلي من بعدي.”]
لكن التنين تردّد؛ فتمكين البشر من قوةٍ عظيمة كتلك، خطرها يفوق إعطاء سيفٍ حادّ لطفلٍ صغير.
لذلك فرض قيداً، أن تُختَم مشاعر مَن يرث القوة، فلا ينقاد بها لأهوائه.
غير أن المؤسس كان ذكياً، فاشترط شرطاً يقي نسله من أن يعيشوا كالأشباه.
“إن وُجد الرفيق المقدَّر، استعاد المُبارك مشاعره.”
شرطٌ رومانسي بامتياز.
ومنذ ذلك الحين، غدا ورثة البركة يُسمَّون “آل فان”، ويسافرون مدفوعين بغريزة البحث عن “النصف الآخر” ليستعيدوا مشاعرهم.
لكن البطل أدريان كان مختلفاً.
إذ كان الأشدّ قوة في التاريخ، حتى إن غريزة البحث عن رفيقته لم تَنبض في داخله.
كانت مشاعره شبه منعدمة.
فتدخّل شقيقه الإمبراطور.
نظّم له حفلاتٍ وجولات ليلتقي أناساً شتى، لكنه لم يُبدِ اهتماماً بأحد.
إلى أن وقعت الفاجعة.
قتل أدريان بلا رحمة كلَّ مَن حاول التلاعب بالإمبراطور.
ومنذ ذلك الحين، صار يُلقَّب بـ الوحش النبيل، وأصبح الناس يهابونه.
لكن الإمبراطور لم ييأس.
عرض لقباً شرفياً وثروةً هائلة وعفواً عن أي جريمة مهما كانت… مقابل من تتطوّع للقاء الدوق الأكبر.
وهكذا تقدّمت إيوني كلارك.
فقد احتاجت مالاً لعلاج أمها المريضة.
كانت قصتها تصلح لبداية بطلة مأساوية، لكنها لم تكن سوى شخصية ثانوية.
وقعت في غرام الدوق من النظرة الأولى، ثم غرقت في هوسٍ أعمى قادها إلى السقوط والتحوّل إلى الشريرة.
[“إن لم يكن لي، فلن يكون لأحد!”]
بعد أن غاصت إيوني في الظلام وتحوّلت، بدا أنّها لم تفقد عقلها فحسب، بل حتى ذكاءها أيضاً.
إذ حاولت قتل الدوق، فانتهى بها الأمر متهمةً بمحاولة اغتيال أحد أفراد العائلة الإمبراطورية، فحُكم عليها بالإعدام.
‘لا… لن أُقتل بتلك الطريقة.’
فترة تكيّفها مع واقعها الجديد لم تدم طويلاً.
لكنها ربما بسبب ذكريات حياتها السابقة حيث استُنزفت حتى العظم، لم تفكر إلا في شيء واحد:
أن تنال بعض الراحة.
لم يبقَ في داخلها سوى السأم واللامبالاة.
فما جدوى البطل والقدر إذا كانت مهدَّدة بالموت في أي لحظة؟
وبعد أن رتّبت أفكارها، لم تلتفت إلى العاصمة قط.
بدلاً من ذلك، صبّت جهدها على رعاية أمها بكل إخلاص، كي تحول دون إفلاس أسرة كلارك البائسة بسبب تكاليف الدواء.
وقد استجيبت دعواتها، فتحسّنت صحة الأم تدريجياً.
وبفضل ذلك، نجا بيت كلارك أيضاً من الانهيار تحت وطأة الديون الطائلة.
سارت الأمور على خير ما يرام…
إلى أن ذاع صيت برّها ووفائها، فطُرحت فجأة كمرشحة لتكون زوجة الدوق الأكبر.
‘ومن ذا الذي طلب منكم هذا التدخّل السخيف؟!’
***
“هاه…”
زفرت بحرقة، وكلما استرجعت الأحداث ازداد غضبها.
“ما الأمر؟ أهناك ما يثقل قلبك؟”
لم تدرك إيوني أنها غارقة في ذكرياتها إلا حين دوّى صوت الإمبراطور.
لقد كانت الآن على وشك الزواج من الدوق كما جرى في الرواية الأصلية.
رفعت بصرها تتفحّص الإمبراطور أولاً، ثم الدوق.
عينان زمرديتان متلألئتان تنتمي للإمبراطور، يقابلهما زرقة باردة كالجليد في عيني الدوق، تخلو من أي أثر للحياة.
كان ينبغي أن يثير فيها هذا المشهد الخوف.
وكان ينبغي أن ترتعد أمامه.
لكنها ما أن أبعدت نظرها عنه بصعوبة حتى أطبقت أسنانها في غيظ.
‘يا للجنون… ما هذا الجمال الذي يقمع حتى غريزة البقاء؟!’
( م.تقصد يقمع غريزه محاوله النجاة )
لقد تعهدت ألا تنجرف في مسار الرواية، لكن المقاومة لم تكن سهلة.
إن كانت هي العالمة بمصير القصة تكاد تستسلم… فكيف بإيوني الأصلية الجاهلة بما سيؤول إليه مستقبلها؟ لا شك أنّها لم تكن تملك أدنى فرصة.
إن لم تتمالك نفسها، فسوف تلقى المصير ذاته.
“آنسة كلارك، إن كان هناك ما يثير قلقك، أو ما ترغبين به، فأخبِريني دون حرج. لقد اجتهدنا في الترتيب، لكن لا بد أن هناك ما فاتنا.”
‘مهلاً…’
آذنت أذناها بالانتباه. كانت هذه فرصة.
صحيح أنها لحظة تدخلها في خط سير الرواية، لكنها قد تكون نافذة للنجاة.
“إذن يا جلالة الإمبراطور…”
“نعم، تكلّمي بما شئتِ يا آنسة كلارك، بلا تردّد.”
استجمعت شجاعتها مستندةً إلى صوته الرقيق قائلةً:
“أرجو أن تَحصروا هذا الزواج في ثلاث سنوات فقط.”
‘فالبطلة ستظهر بعد ثلاث سنوات.’
“ثلاث سنوات فقط…؟”
في لحظة، انطفأت اللطافة من ملامح الإمبراطور، وتحوّل وجهه بارداً صارماً، نسخةً طبق الأصل عن الدوق الجالس إلى جواره.
وعندما ارتسمت على محياه تلك الصرامة، أدركت فجأة كم هما متشابهان… كالتوأم حقاً.
حبست أنفاسها للحظة.
لقد أساءت الظن بلطف الإمبراطور، فظنّت أنّه حنون… بينما لم يُظهر لها في الحقيقة سوى رحمة مؤقتة.
ارتعد جسدها ووقف شعر عنقها، لكنها كانت تعلم إن أبدت ضعفاً الآن، أو ترددت في كلامها، فستُدان بالوقاحة ويُحكم عليها بالموت.
شدّت قبضتيها المرتجفتين، وحرّكت شفتيها بابتسامة متكلّفة رغم تصلب وجهها من التوتر.
“إن أذنتم لي، فسأشرح السبب.”
ورغم جمود ملامحه المخيفة، أومأ الإمبراطور برأسه.
ابتلعت ريقها، ثم تابعت:
“إن كنتُ حقاً رفيقته المقدَّرة، فذلك شرفٌ عظيم، أما إن لم أكن، فلن يكون لدى سمو الدوق سببٌ للاحتفاظ بي قربه. لكن لو طُلّقتُ بعد فترة قصيرة من الزواج، فسوف تنتشر الألسنة بالهمز واللمز.”
ما إن أنهت كلامها حتى انطلقت من شفتي الإمبراطور قهقهة قصيرة ساخرة.
‘الطلاق؟ ومن قال إننا سنسمح به؟’
ومع ذلك، تابعت بثبات:
“جلالتك، لستُ أرى أن من الصواب أن أستأثر بسمو الدوق مدى الحياة إن لم أكن رفيقته الحقيقية. فذلك لا يليق بمستقبل الإمبراطورية.”
“…لكن، ماذا لو كنتِ أنتِ الرفيقة؟”
‘أحسنت! لقد وقعت في الفخ.’
لعلّ كلماتها عن الإمبراطورية أثّرت فيه، إذ بدا وجهه أقل حدّة، مما شجّعها على الاسترسال:
“قد أكون، وقد لا أكون. لذلك أطلب وضع مهلة يا جلالة الإمبراطور. فإذا انقضت ثلاث سنوات ولم يتبيّن أنني القرينة، فلن يلوم أحد سمو الدوق إن تخلّى عني.”
“لكن لا ضمان أن تظهر القرينة الحقيقية بعد ثلاث سنوات.”
“إذن فليكن بعد السنوات الثلاث الأولى تجديدٌ سنوي للعقد. ومتى ظهرت القرينة الحقيقية، سأنسحب فوراً.”
كانت إجابتها منسابة وذكية، وكلها تصب في مصلحة الدوق.
فتضيق عينا الإمبراطور قليلاً وهو يسأل:
“آنسة كلارك… ما الذي يدفعكِ حقاً إلى كل هذا؟”
‘ألستُ واضحة؟ كي لا أموت!’
—
ترجمة : سنو
حسابات المترجمين في الواتباد في خطر ويمكن ينحظر في اي وقت، جروب التيليجرام حيث كل رواياتي موجوده ملفات والنشر هناك اول
بس اكتبو في سيرش التيليجرام : snowestellee
او هذا اللينك صوروه وادخلو له من عدسه قوقل: https://t.me/snowestellee
واتباد : punnychanehe
واتباد احتياطي : punnychanehep
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

📢 المنتدى العام عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.

🎨 إمبراطورية المانجا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

📖 نادي الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 1"