وقد كانت كلماته الأخيرة، التي ظن فيها أنني شخصٌ بلا مسؤولية، لا تكف عن التردد في رأسي، فتارةً تثير غضبي، وتارةً أخرى تجعلني أشعر بالكآبة من نفسي البائسة.
حاول دانتي مرارًا أن يفتح معي حديثًا، لكنني في كل مرة كنت إما أغادر أو أتجاهله.
و كنا مشغولين للغاية حتى أن وجودنا معًا كان أمرًا صعبًا.
أما أنا، فكنت غارقةً بين أعمال نوكس، وأمور القصر، ومحاولتي — للمرة الأولى في حياتي — القيام برعاية طفل، حتى صار ذهني مشتتًا تمامًا.
‘متى كانت آخر مرة نمت فيها أكثر من أربع ساعات؟’
لحسن الحظ، كان الطفل هادئًا. لكنه ما زال يخاف الظلام، وكان خجولًا، و مشغولًا باتباعي أينما ذهبت.
ومنذ فترة قصيرة بدأ يتعلم القراءة والكتابة على يد كايدن. وقد رحّب كايدن بوجود التنين، بل أعجبه الأمر، قائلاً: متى سنحظى بفرصة تعليم تنين؟
وفاجأني بأنه كان يجيد التعامل مع الطفل، حقًا لم أكن أتوقع ذلك.
كانت تلك الأوقات تمنحني فرصةً لأن أكون بمفردي، فأغرق أحيانًا في التفكير.
‘عليّ أن أصلح علاقتي مع دانتي……’
لكن يبدو أنني اعتدت تجنّب الحديث معه، حتى صرت أشعر بالحرج كلما التقيت به.
أسندت رأسي إلى يدي وبدأت أعبث بالقلم بلا هدف، وحين لم أجد حلاً جيدًا، قررت التركيز على الأوراق أمامي.
ومضى الوقت حتى فُتح الباب بهدوء.
“هل أنتِ مشغولة؟ هل يمكنني الدخول قليلًا؟”
اقترب الطفل بابتسامة خجولة.
“هل كان الدرس ممتعًا؟”
“نعم! اليوم علّمني السيد كايدن السحر!”
“……السحر؟”
“نعم……هل هناك ما يقلقكِ؟”
يبدو أن وجهي لم يخفِ انزعاجي حين سمعت عن السحر، فبدأ الطفل يراقب تعابيري بحذر. فغيّرت ملامحي بسرعة وهززت رأسي.
“لا، لا شيء على الإطلاق.”
السحر، هاه……كرهت نفسي لأن أول ما خطر في بالي هو ما إذا كان ذلك الأمر المقلق الذي تحدّث عنه دانتي قد بدأ بالحدوث.
كيف لي أن أتحدث عن تحمّل المسؤولية وأنا عاجزةٌ حتى عن منح الطفل ثقتي؟ يا لحقارتي.
ربتُّ على رأسه مرتين ثم نهضت.
“لنعد إلى القصر قبل أن يحلّ المساء.”
“حاضر!”
ودّعنا كايدن، وصعدنا إلى العربة.
وما إن جلس الطفل في مقعده حتى فتح كتاب السحر الذي أعطاه إياه كايدن، وراح يقرأه باهتمام شديد.
سرعان ما دارت العجلات ببطء، وبدأت العربة تتحرك. ومع دخولنا الطريق الجبلي واهتزاز العربة بين الحين والآخر، لم يرفع الطفل عينيه عن الكتاب.
‘حقًا……كم هو محبوب.’
كانت ملامحه تتغير باستمرار؛ أحيانًا يقطب حاجبيه بتركيز شديد، وأحيانًا تتسع عيناه دهشةً كأن شيئًا مدهشًا قد ظهر أمامه.
كان منظره لطيفًا إلى درجة يصعب معها صرف بصري عنه.
لكن فجأة، أغلق الكتاب بحدة. ثم أخذ يدير عينيه في كل اتجاه، كمن يترقب خطرًا.
و تألّق بصره الحاد كوميض سيف، فابتلعت ريقي.
“ماذا……ماذا هناك؟”
نظر الطفل من نافذة العربة وهمس بصوت منخفض،
“شيءٌ ما يقترب……احترسي.”
لم أستوعب بعدُ ما قصده، حتى اهتزت العربة بعنف شديد، كأنها اصطدمت بصخرة هائلة. و فقدت توازني وسقطت إلى الأمام.
“آااه! أوي……أوه……”
“هل أنتِ بخير؟”
كنت أتدحرج على أرضية العربة، بينما الطفل واقف بثبات يسأل عن حالي. ثم جلست مذهولة، لا أفهم ما الذي يحدث.
وفجأة دوّى في الخارج صوت تحطّم شجرة، تلاه صراخ السائق،
“آآآااه!”
لم أستطع البقاء جالسةً أكثر من ذلك. ففتحت باب العربة بقوة وخرجت، فرأيت السائق مطروحًا أرضًا والدماء تسيل منه.
أسرعت نحوه لأتحقق من حاله.
“هل أنتَ بخير؟ أفق!”
“آه…!يا سيدتي….اهربي……”
لحسن الحظ، لم يبدو أن إصاباته مميتة.
و بصعوبة، حملته على ظهري وأدخلته إلى العربة، ثم مددته على أرضها.
ثم خرجت من جديد لأتفقد الوضع، وعيني تبحثان في كل اتجاه.
لحق بي الطفل ووقف إلى جانبي، ولا أدري لماذا أشعر بهذا القدر من الطمأنينة لمجرد وجوده قربي.
فربتُّ على رأسه مرة أخرى، ثم مسحت بنظري الأرجاء.
كان المكان هادئًا على نحو مريب، لكنني كنت واثقةً أن العدو ما زال قريبًا، فملامح الطفل المتحفزة لم تهدأ بعد.
‘ما الذي يجعله بهذه الحدة يا ترى؟’
وسرعان ما انكشف الأمر. فمن بين الأشجار الكثيفة، ظهر وحشٌ سحري، ضخم وعنيف، من النوع الذي لا يظهر أبدًا في الجبال القريبة من القرى.
كان يمتلك قوةً تكفي لإسقاط ثلاث أشجار بإيماءة واحدة من يده.
فحدقت فيه مذهولة للحظة قبل أن أستعيد وعيي.
“ادخل إلى العربة، هذا خطرٌ جدًا.”
“سأتكفل أنا بإيقافه، وأنتِ اهربي في تلك اللحظة. فهذا خطرٌ عليكِ.”
يا للعجب……من يقلق على من هنا؟
ابتسمت بسخريةٍ وتقدمت خطوة، جاعلة الطفل خلفي كحاجز.
ولحسن الحظ، بدا أن الوحش لم يلاحظ وجودنا بعد، ربما لأن العربة تحجبنا عن نظره.
كان رسم الدائرة السحرية سيستغرق بعض الوقت، لكن المسافة بيننا وبينه كانت لا تزال كافيةً لاستخدام السحر.
وبينما كنت أرسم الدائرة على الأرض وأراقب الوحش بطرف عيني، دوّى صوت تحطم الأشجار من جديد، ففزعت الخيول وأخذت تصهل بجنون.
حينها، حدّد الوحش هدفه نحو الخيول، وانطلق نحونا بسرعة لا تتناسب مع ضخامته.
‘تبًّا……ماذا أفعل الآن؟’
بدأت أفكر إن اضطررت لحمل الطفل والهرب، لكن عندها سمعت صوته الصغير،
“هل يمكنكِ إصابة ساقه اليسرى بالسحر؟”
“ماذا……؟”
“إن كانت الساق صعبة، فالعين تصلح أيضًا. المهم أن تصيبيه في أي موضع تستطيعينه.”
يا لها من سرعة بديهة وقدرةٍ على تقدير الموقف.
كان لذلك الوحش السحري ساقان نحيلتان نسبيًا، وهما نقطة ضعفه.
لقد حاولت كثيرًا أن أتذكر ذلك من قبل فلم أفلح، أما هو فقد أدركه من أول نظرة……مذهلٌ حقًا.
أومأت برأسي محمّلةً إيماءتي بالتركيز والتوتر.
“نعم، أظن أنني أستطيع ذلك.”
“كل ما عليكِ هو تشتيت انتباهه فحسب، فلا تقلقي كثيرًا.”
حتى في تلك اللحظة الحرجة، كان يطمئنني ويهتم بسلامتي.
لكن لم يكن هناك وقتٌ لأغرق في التأثر، فأطلقت فورًا تعويذة هجوم بسيطة. شكّلت قوسًا وسهمًا من النور وصوّبت الهدف.
كنت أريد إصابة ساقه اليسرى، لكن وعورة المكان وكثرة الأشجار جعلت الأمر صعبًا. وفي النهاية، حولت السهم نحو رأسه.
اقترب الوحش من مدى التصويب، فأفلتُّ الوتر. و انطلق السهم الأبيض بخط مستقيم، ليصيب عين الوحش بدقة متناهية.
ثم دوّى صوته في الجبال، يهز الهواء من شدته. وفي تلك اللحظة……
دوّى صوت انفجار خافت، وتحوّل الطفل أمام عيني.
صار على هيئة تنين أسود تمامًا كالذي رأيته في الكتب، إلا أن الفارق الوحيد أن التنين البالغ يكبر حجم بيت بأكمله، بينما هو — لكونه صغيرًا — كان أكبر من الحصان وأصغر من العربة.
‘إذا كان بهذا الحجم الآن……فكم سيصبح عندما يكبر؟’
لم أستطع إخفاء دهشتي وإعجابي، فيما كان التنين الأسود يفرد جناحيه وينقض بسرعة نحو الوحش. و كل تلك الأشجار التي اعترضت طريقه تحطمت بفعل اندفاعه.
وبينما كان الوحش يتلوى ألمًا من السهم المغروس في عينه، هاجمه التنين بجسده، ومزّقه بمخالبه، وعضّه بأسنانه الحادة.
لم أستطع أن أظل متفرجة، فأعدت تشكيل سهم من النور وصوّبت، مطلقةً عدة سهام متتالية.
وكان التنين يهاجم الجرح نفسه الذي أحدثته سهامي، حتى هوى الوحش أرضًا بلا حراك.
“لقد……نجحنا……”
يا لها من لحظة خطيرة، فلولا هذا التنين الصغير لكنت الآن جثةً هامدة.
اقتربت منه لأنطق بكلمات الشكر، والسماء فوقنا مشرقة بعدما تهشّمت الأشجار من حولنا.
دار التنين الأسود دورةً كاملة في السماء، ثم هبط بهدوء يرفرف بجناحيه بثقة.
ثم عاد فجأةً ومع صوت طَقطَقة ليصبح طفلًا من جديد.
“هل أصبتَ في مكان ما؟”
“هذا ما أريد أنا أن أسألكِ إياه، هل أنتِ بخير؟”
“نعم، كما ترى.”
دار الطفل بجسده دورةً كاملة ثم ابتسم بخجل.
“هذا جيد إذاً……لكن، لماذا لم تستخدم السحر؟ ألم تقل أنكَ تعلمته من كايدن؟ أم أنكَ ما زلت لا تجيد استخدامه؟”
“آه……”
توقف الطفل عن الابتسام ومسح بالقرب من حاجبيه. و كان يبدو في موقف محرج جعلني أشعر بالحرج معه.
لكن سرعان ما فتح فمه ليتحدث.
“سحري هو ‘السم’……كان سيلحق الأذى بمن حولي، ثم إن أصاب السم الأشجار فلن تصلح حتى لصنع الأثاث.”
كان يمكن أن يعرّض نفسه للخطر، ومع ذلك فكر في سلامة الآخرين، بل وحتى في الأشجار التي لن تصلح لتصبح أثاثًا.
هل حقًا سيصبح هذا الطفل حين يكبر كائنًا يؤذي الآخرين؟
هل سيأتي يومٌ أندم فيه وألوم نفسي لأني كنت مخطئةً في حكمي؟
لا، لن يأتي مثل هذا اليوم أبدًا.
جلست على ركبتي لأقابل الطفل بعيني.
“شكرًا لكَ، لقد أنقذتَ حياتي.”
عندما مسدت على رأسه، ابتسم بلطافة وهو يضحك ضحكةً بريئة.
“أتظنين أن العم سيحبني أيضًا؟”
“هم؟ أي عم؟”
“العم دانتي، الذي لا يحبني. أنا أحبه، وأتمنى أن تكون هذه الحادثة فرصةً ليحبني هو أيضًا. وأتمنى أن تتصالحا أنتما الاثنان سريعًا.”
في النهاية، كان الطفل يقرأ ردود الأفعال ويتحسس الموقف.
و لم أرغب في ذلك، لكنني وجدت نفسي أفعل الأمر نفسه. فضممت الطفل إلى صدري وربتّ على ظهره الصغير.
“نعم، بالتأكيد، العم دانتي سيحبكَ.”
“حقًا؟”
“بالطبع، بل وسيمسح على رأسكَ أيضًا ويقول لكَ أحسنتَ.”
“واو! سيكون ذلك رائعًا جدًا! قلبي يخفق حماسًا!”
“وهذا سر، لكننا في الحقيقة لم نتشاجر أبدًا، بل كنا نتبادل القبل خفيةً في الغرفة.”
حينها، احمرّت وجنتا الطفل وهو يضحك ضحكةً عالية.
***
عدنا إلى القصر بسلام، وتلقى السائق العلاج.
وبعد قليل، وصل دانتي مسرعًا بمجرد أن وصله الخبر، وتقدم نحوي بلهفة.
“هل أصبتِ في أي مكان؟”
“لا، أنا بخير.”
“هل تشعرين بأي ألمٍ أو انزعاج؟”
“لا، لا شيء، وهذا كله بفضل ذاك الطفل.”
وأشرت إلى الطفل، فالتفت دانتي برأسه في نفس الاتجاه. و ظل يحدّق بالطفل الذي كان يحرك أصابعه بتوتر، ثم اقترب منه.
“لقد سمعت بما حدث، قيل أنكَ حميتَ إيرفين.”
سأل بنبرة رسمية جافة، فتوتر الطفل لدرجة أنه لم يستطع فتح فمه، واكتفى بهز رأسه.
ثن اقترب دانتي أكثر وانحنى قليلًا ليلتقي بعينيه. و كان الطفل يراه عن قرب لأول مرة، فبدا عليه الارتباك والدهشة.
رفع دانتي يده بلا مبالاة. و قد نظر الطفل إلى يد دانتي الكبيرة، ثم أغمض عينيه بشدة.
وما هي إلا لحظة حتى وُضعت اليد على رأسه. و مسحت برفق ثلاث مرات، لا أكثر ولا أقل.
“أحسنتَ، أنا فخورٌ بكَ.”
حرّك الطفل عينيه نحو دانتي ثم ألقى بنظرةٍ عليّ، وكأنه يقول: “أرأيتِ؟” أو “هل سمعتِ ذلك؟”.
كانت عيناه تلمعان بدموعٍ خفيفة بينما ارتسمت على وجهه ابتسامة رضا.
______________________
طيب عطوه اسم😭
بس ىقلبوووووس سسبسنسنسننسنسسمسنسنمسمم🤏🏻
ايرفين تجنن معه والحين حتى دانتي ربت عليه ياحظه😔🤏🏻
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 94"