في صباح اليوم التالي. استيقظتُ في غرفة الضيوف التي خصصتها للطفل.
كان الطفل نائمًا بجانبي، وعلى الجهة الأخرى كان دانتي.
في الليلة الماضية، لم يكن دانتي مرتاحًا للفكرة حتى النهاية، لكن عندما غلبني النعاس ولم أعد أستطيع المقاومة، لم يجد خيارًا سوى الانضمام إلينا على السرير.
حمل الطفل بحذر ووضعه في المنتصف، ثم جهّز لي مكانًا لأنام فيه.
‘آه، نمتُ أفضل مما توقعت.’
نهضت بحذر كي لا أوقظ الطفل. و يبدو أنه كان في نوم عميق، إذ انسحب طرف ثوبي من يده بهدوء عندما نزلت من السرير.
سحبت اللحاف لأعلى عنقه ورتبته بلطف وهممت بالخروج، لكن فجأة شعرت بأن دانتي يعانقني من الخلف.
“هل تنوين الرحيل وتركي هنا؟”
كان صوته لا يزال مفعمًا بالنعاس.
و نغمة صوته العميقة والواطئة التي لامست أذني بعثت فيّ شعورًا غريبًا بالدغدغة.
حاولت الإفلات منه بتململ، لكنه لم يُظهر نية لترك ذراعيه عني.
“هذا يسبب لي الدغدغة.”
“مر وقتٌ طويل، تحملي قليلًا.”
“يا إلهي، أين تلمسني الآن؟”
“إيرفين، جسدكِ دافيء. يصعب التوقف عن لمسه.”
“أنت لا تكف عن الكلام الغريب من الصباح! وإن رأى الطفل شيئًا فماذا ستفعل أوووه! آه!”
كنت قد استدرت لأتفقد الطفل فإذا بعيوننا تتلاقى مباشرة. ففزعت ودفعت دانتي عن صدري بسرعة.
دانتي، وقد بدا عليه الارتباك، بدأ يفرك صدره وهو ينظر إليّ وإلى الطفل بالتناوب.
“هـ، هـ، هذا يعني…..أقصد……”
عجزت عن اختلاق عذر مناسب، واكتفيت بتدوير عينيّ بارتباك.
عندها، الطفل الذي كان يحدّق بي حتى اللحظة الماضية أغلق عينيه بهدوء، ثم بدأ يصدر صوت تنفس ناعس.
“كهووو…….”
كان يتظاهر بالنوم بوضوح.
رغم صغر سنه، إلا أن بديهته كانت مذهلة. بل ربما أذكى من دانتي نفسه.
‘بل هذا أفضل في الواقع.’
تنهدت تنهيدةً خفيفة وتقدّمت نحوه.
ثم ابتسمت أنا أيضًا متظاهرةً بعدم المبالاة وقلت،
“يا إلهي، ما زلتَ نائمًا؟ خذ قسطًا إضافيًا من الراحة قبل أن تستعد.”
***
برج السحر الذي لم أره منذ زمن بدا أكثر إشراقًا مما كان عليه في السابق.
“أوه يا برج السحر! كم مضى منذ رأيتكَ! لقد اشتقت إليكَ!”
كان كايدن قد أتى معنا، وفتح ذراعيه ليعانق البرج بل حتى طبع قبلةً عليه.
ماذا لو قرر الآن العودة للانضمام للبرج؟ سيكون الأمر مزعجًا، فأنا أيضًا أعاني من نقص في الأيدي العاملة.
لكن ما لبث أن راح يربّت على البرج ويعده بأنه سيعود لاحقًا، مما أشعرني بالارتياح.
“هل ندخل؟”
الطفل تردد في دخول البرج، وكأنه يشعر بما سيواجهه في المستقبل. لكنه خطا إلى الداخل سريعًا عندما مددت له يدي ودعوته للدخول.
شعرت وكأنني أرتكب خطيئة. وكأن هناك من يعتصر قلبي بقبضته بكل قوته.
نعم، لقد تعلّقت به. في هذه المدة القصيرة، بهذه السرعة.
‘لم أكن أريد أن أصل إلى هذا الحد.’
عضضت أسناني وحسمت أمري ثم بدأت أصعد في البرج.
انفصل كايدن عنّا ليحيّي زملاءه القدامى، و على الأرجح لأنه لا يزال يخشى ليو.
ثم ركبنا المصعد المتجه إلى قمة البرج، وما إن نفخ دانتي القليل من السحر حتى بدأ المصعد يتحرك.
و نظر الطفل حوله بانبهار، وقد امتلأت عيناه بالدهشة.
‘حين ينظر حوله بتلك النظرات، وهو يحمل ملامح تشبه دانتي…..يبدو لطيفًا بشكل لا يُحتمل. ربما لهذا السبب تعلّقت به بهذه السرعة؟’
وبينما كانت تلك الأفكار تتردد بداخلي، توقف المصعد.
“حسنًا، انزل بحذر.”
“نعم.”
صار يجيب بسهولة الآن. و للأسف، أصبح متعلقًا بي كثيرًا.
‘ليتني لم آتِ.’
كان عليّ أن أترك الأمر لدانتي وأبقى في القصر. لكن أي قرار كنت سأندم عليه أكثر؟
لم أجد جوابًا، وقبل أن أُكمل التفكير، فُتح باب غرفة ليو.
“أوه! دانتي العزيز، لقد أتيتَ!”
ركض ليو نحو دانتي في لحظة واحدة ليرحب به بحرارة. وتصرف كأنني غير موجودة، فلم يُلقِ عليّ حتى نظرة.
“عذرًا، أنا أيضًا جئت، ألا تراني؟”
عندها فقط رمقني ليو بنظرة خاطفة إلى الأسفل ورد بفتور،
“آه، فعلًا؟ يبدو أنني لم أركِ لصِغَر حجمكِ. تبدين بخير على أية حال. جيد، جيد.”
يا له من مغرور بغيض.
اغتنمت لحظة غفلته عني لألوّح نحوه بلكمة في الهواء، لكن ذلك لم يُخفف من غيظي.
حين أنزل بصره ورأى الطفل، انحنى فجأة حتى أصبح بمستوى عينيه. فارتبك الطفل واختبأ خلف ظهري.
“لا تقل لي…..أهذا هو؟”
قال ليو ذلك ساخراً وهو يشير إلى الطفل بإصبعه.
فرمقه دانتي بنظرة جانبية و ردّ ببرود،
“نعم. لقد أرهقتَ الجميع بسببه.”
تفحّص ليو الطفل باهتمام، ثم صفق يديه فجأة.
“واو! إنه نسخةٌ مطابقة لدانتي في صغره! كيف يكون الشبه بهذا الشكل؟”
“حقًا؟ حتى أنت تراه يشبه دانتي؟”
“أجل! ملامح عينيه وأنفه مذهلة!”
ولأنه الشخص الوحيد الذي يعرف شكل دانتي في طفولته، بدا الأمر أكثر إثارةً للدهشة.
كما أنني بدأت أشعر ببعض الطمأنينة، فبما أن ليو يقدّر دانتي كثيرًا، لعلّه لن يؤذي هذا الطفل.
“حسنًا، هذا كل شيء. سأرحل الآن.”
قال دانتي ذلك وهو يدير ظهره على الفور، وكأنه لا يريد البقاء هنا أكثر. لكن ليو أوقفه فجأة.
“لكن…..ثمة مشكلة. هذا ليس ما كنت أبحث عنه.”
“ماذا؟ ماذا تقصد..…؟”
بدا صوتي و كأنه يتدحرج من أعلى برج السحر. حتى دانتي بدا غير مصدّق، فعبس وسأله،
“ما الذي تقوله؟ هذا هو التنين الذي كنتَ تبحث عنه.”
“لا، ليس هو. ما أبحث عنه شيءٌ مختلف.”
“هل تمزح؟”
“أنا لا أمزح! فعلاً إنه ليس هو نفسه!”
عندما اقترب دانتي منه بنبرة تهديدية، لوّح ليو بيده بسرعة وهو يصرخ،
“ما كنت أبحث عنه هو تنينٌ أحمر! أما هذا فهو تنينٌ مظلم! أنا كنت بحاجة إلى قلب تنين أحمر!”
الذي تفاجأ حقًا من صراخ ليو اليائس لم يكن دانتي بل أنا.
قلب؟ ليس قرنًا أو حرشفًا، بل قلب تنين؟
كنت أعلم أن قلب التنين يُستخدم لصنع أدوات سحرية أو كعنصر في الترياق السحري، لكن لأني تعلّقت بالطفل، بدا الأمر صادمًا أكثر.
‘لكن بما أنه قال أنه تنينٌ مختلف…..فلن يأخذ شيئًا من هذا الطفل، صحيح؟’
نظرت إلى دانتي الذي لا يزال يهدد، وإلى ليو الذي يحاول تجنب المواجهة، و تحدثت،
“إذًا….ما الذي سيحدث لهذا الطفل؟”
حينها فقط توقف الاثنان عن الجدال.
نظر ليو إليّ وإلى الطفل بالتناوب، ثم قال بفتور،
“التنين المظلم لا حاجة لي به. فلا فائدة تُرجى منه.”
“أه، فهمت..…”
“طباعه عنيفة، ومن الصعب ترويضه. حتى لو احتفظتِ به، لن يفيدكِ بشيء.”
“صحيح..…”
فهل يعني هذا أنه سيتُرك، أو يُتخلّى عنه؟
“إذا كان الأمر يزعجكِ إلى هذا الحد، خذيه معكِ.”
“……ماذا؟”
“قومِي بتربيته.”
“هل أنتَ جاد؟”
“نعم. لم يعد ذا فائدة لي. ويبدو أنه متعلقٌ بكِ أيضًا.”
لم أكن أعير كلام ليو اهتمامًا في العادة، لكن…..
“جربي تربيته بنفسكِ.”
لماذا أشعر هذه المرة أن كلماته وقعت في قلبي مباشرة؟
***
وفي النهاية، عدنا إلى القصر كما نحن.
تركت الطفل مع ليج لبعض الوقت، ودخلت الغرفة مع دانتي فقط. ثم صببت الشاي، وظللنا نتأمل كوبينا بصمت.
كان يجب أن أسأل عما سنفعل بذلك التنين الصغير، لكن لساني لم يسعفني. و ظللت أعبث بمقبض الفنجان، حينها سبقني دانتي بالكلام.
“هل يشغل بالكِ ذلك التنين؟”
نظرت إليه باندهاش.
بدا و كأنه لاحظ سوء حالتي، فابتسم لي ليطمئنني.
فحاولت بدوري أن أرسم ابتسامةً مصطنعة،
“في الحقيقة…..نعم، يشغلني. ذلك الطفل.”
“إنه تنين. ليس من المفترض أن تهتمي به، إيرفين.”
“لكنه ما يزال صغيرًا. ويخاف كثيرًا، ثم إنه..…”
“قريبًا، سيُظهر طبيعته الحقيقية. سيكون عدوانيًا، عنيفًا، وسيهاجم دون تمييز.”
كنت قد قرأت الشيء ذاته في كتب مكتبة دانتي.
التنين المظلم أكثر شراسة من بقية التنانين. بل يحب التصرف من تلقاء نفسه، ويهاجم أي مخلوق يدخل نطاقه، حتى لو كان من بني جنسه. كما أنه يميل لاستخدام السم في هجماته، مما يُسبب أذى لمن حوله.
عقلي كان يدرك ذلك تمامًا، لكن قلبي لم يستطع تقبله.
“لكن، إن تم تعليمه جيدًا منذ صغره، ألن يكون الأمر مختلفًا؟”
“إيرفين، الأمر خطير.”
“لن نعرف قبل أن نحاول. أعدكَ، لن يكون الأمر طويلًا. فقط إلى أن يستطيع الاعتماد على نفسه، إلى ألا يعود بحاجة إليّ، فقط إلى ذلك الحين.”
“لا يمكنني السماح بتعريضكِ للخطر.”
“لكن دانتي، ألم تقل أنهم يتبعون مصدر السحر القوي؟ أنا قادرةٌ على السيطرة عليه.”
كررت ذلك مرارًا وتكرارًا، لكن دانتي بقي مصرًا.
“ما لا يجوز، لا يجوز.”
“لكن يا دانتي..…”
“كما قلت لكِ، لا يجوز. سأحميكِ، هذا ما سأفعله.”
شعرت بالضيق من إجابته المتكررة.
“أنا أستطيع حماية نفسي! لست تلك التي كانت تعتمد عليكَ دائمًا، وأنتَ تعلم هذا جيدًا!”
“……أعلم. جيدًا جدًا.”
رد دانتي وكأنه يكبح غضبه، يضغط على أسنانه بصمت.
في وقت آخر، كنت سأتساءل عن سبب ردّة فعله. لكن مع ما أشعر به من ضيق الآن، لم أستطع.
“لهذا السبب أقول، أنا من ستتحمّل المسؤولية!”
دانتي بدا غاضبًا منذ لحظة قليلة. و لم يحدث أن تصرف هكذا من قبل، لكنه رفع صوته عليّ.
“هل تدركين كم من الناس تقع مسؤوليتهم عليكِ؟ آلاف الأرواح معلّقةٌ بيديكِ، ثم تتفوهين بكلام غير مسؤول كهذا؟”
كلام دانتي لم يكن خاطئًا. فكل مرة كان يحذرني فيها من الخطر، كانت وجوه خدم القصر والتجار القريبين وأحيانًا سكان أرديل الذين التقيتهم في لحظةٍ عابرة تتراءى أمامي.
لكنني كلما نظرت إلى الطفل، أتذكر الأيام التي قضيتها وحدي.
حياتي السابقة التي عشتها في صراع، وتلك الأيام التي قضيتها أعيش على الحذر في منزل الدوق هايفن وحدي.
وفي المقابل، رغم أنني لم أختبر ذلك بنفسي، كانت طفولة إيرفين السعيدة العالقة في ذهني تتشكل بوضوح.
طفولةٌ عاشتها كطفلةٍ حقيقية، تتلقى الحب و تعيش بأمان.
ضربت المكتب بقوة ونهضت من مكاني.
“حسنًا. دعنا نأخذ بعض الوقت للتفكير، نحن الاثنان.”
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 93"