الطاقة السحرية عنصرٌ لا غنى عنه للسحرة.
تمامًا كما يموت الإنسان العادي إن فقد دمه، يموت الساحر إذا استُنزفت طاقته السحرية بالكامل. و رغم أن كمية الطاقة وصفاتها تختلف من شخصٍ إلى آخر، فإن هذه الحقيقة لا تتغير.
عادةً ما يمتلك كل ساحر قدرًا معينًا من الطاقة السحرية، وهي تشبه القدرة البدنية، تنقص مع الاستخدام وتُستعاد بالراحة.
بل إن طريقة استعادتها تختلف حسب طبيعة الطاقة، فبعض السحرة يتجددون من الرياح، وآخرون من الماء، وآخرون من الضوء.
لكن عدم استخدام الطاقة السحرية أيضًا مشكلة، فإن تراكمت داخل الجسد فقد تسبب آلامًا عضلية أو صداعًا.
‘……هكذا ورد في الكتاب الذي طلب دانتي مني قراءته’
أما أنا، فكنتُ حالةً خاصة……بل شديدةَ التفرّد
الطاقة التي أمتلكها هي طاقةٌ سحرية قديمة، يمكن اعتبارها القوة الأولى، طاقة نقية من الأصل. و كمية الطاقة التي أمتلكها كانت هائلة، لدرجة أنني قادرةٌ على تنفيذ أقوى أنواع السحر.
كنت أستطيع شحن طاقتي من كل مكان، من الهواء، من الماء، من ضوء الشمس، بل وحتى من الأثاث الخشبي.
وكان ذلك سبب وفاة إيرفين.
‘نشأت إيرفين في مكانٍ مغلق، بجسد ضعيف، ولا وجود لسحرةٍ من حولها، فلم تعرف كيف تفرّغ الطاقة المتراكمة داخلها، فانفجرت.’
لكنني الآن……تلبستُ جسدها. و بعد الكثير من الصعوبات، تمكنتُ أخيرًا من لقاء دانتي، وقد وافق على أن يعلّمني السحر.
دروسٌ خاصة من كبير السحرة بنفسه!
امتلكت طاقةً سحرية هائلة، لذا لم يكن عليّ سوى إطلاق قدراتي الكامنة.
لكن، ما حدث كان مختلفًا تمامًا عما توقعت.
“آه……فشلت مجددًا.”
نفذت التعاويذ كما علّمني دانتي مرارًا وتكرارًا، لكنني فشلت أكثر من ثلاثين مرة.
دانتي لم يُبدِ أي تعب، بل واصل شرح الخطوات بهدوءٍ وتكرار. أما كايدن، الذي كان يعلّق من الجانب تحت ستار النصيحة، فقد غلبه النعاس وبدأ يغفو.
“لم تغرب الشمس بعد، جرّبي مرة أخرى.”
المشكلة لم تكن في الوقت، بل في أن طاقتي الجسدية أوشكت على النفاد. لكن تعابير وجه دانتي كانت صارمة، وكأنه لا ينوي منحي أي استراحة.
ركّزت من جديد كل حواسي في راحتي يدي.
فوق كفّي المفتوحتين، بدأ شيء أبيض كالشرارة يظهر ويختفي. لكن هذا كل ما حدث، لم يكن هناك أي تقدم.
‘آه، لا أستطيع، هذا فوق طاقتي!’
استمرّ الصداع من شدة التركيز المتواصل دون راحة. إن واصلت بهذا الشكل، سأنهار مجددًا.
“دعنا نأخذ استراحة قصيرة، أرجوكَ؟”
بينما كنت أتنهد بعمق وأهمّ بخفض يدي، اقترب دانتي مني خطوةً دون أن ينبس ببنت شفة.
“سيدي الساحر؟”
لكنه لم يُجب، بل تحرّك خلفي بهدوء، و تحدث بصوتٍ بارد:
“هل يمكنني لمسُكِ قليلاً؟”
“هاه؟!”
“أود أن أُعلّمكِ كيفية استخدام الطاقة السحرية جسديًا.”
هل لديه طريقةٌ خاصة به؟ إن كان الأمر كذلك……
“لا بأس.”
وما إن خرجت الكلمات من فمي حتى اقترب دانتي تمامًا من ظهري.
رغم أنني كنت أراه لطيف الطبع من مظهره، إلا أن حجمه الكبير جعل حضوره اليوم يبدو مُهيبًا، بل مقلقًا بعض الشيء.
سمعت صوت أنفاسه الهادئة فوق رأسي، وشعرت بتوترٍ يجتاح جسدي.
“افردي يديكِ كما فعلتِ قبل قليل.”
مال برأسه قليلاً وهمس بجواري.
صوته المنخفض المتدفق عند أذني جعلني ألتقط أنفاسي بارتباك. و رائحته كانت مزيجًا من عطر بارد خفيف ونفحة عشبية حادة.
حاولت أن أبدو طبيعية وأنا أمد كفّيّ، لكن ارتجاف أطراف أصابعي كان واضحًا.
‘هل أنا……أرتجف؟’
ثم سمعت صوت حفيفٍ خفيف، وشعرت بيده الكبيرة تلامس ذراعي.
ثم وضع يده ببطء على ظاهر يدي، بينما كاد دفء حرارته العالية يُشعل أعصابي.
“حسنًا، ركّزي مجددًا. كما في المرات السابقة، حاولي تجميع الطاقة السحرية في راحة يدكِ.”
‘هل يستطيع أحد التركيز في موقفٍ كهذا؟’
تمتمت في داخلي متذمرة، ثم أخذت نفسًا عميقًا في محاولةٍ للتهدئة.
وبعد لحظات من استعادة رباطة جأشي، بدأت أركّز كل انتباهي مجددًا. وفعلًا، كما في السابق، بدأ الشرر الأبيض يتطاير من راحة يدي.
لكن فجأة……
“آه!”
شعرت بشيءٍ غريب. وكأنني لا أتحكم بنفسي، بل يسحبني شيءٌ ما من الداخل.
بدأ هذا الإحساس من ناحية القلب، ثم انساب نزولًا نحو باطن قدمي، صاعدًا مجددًا عبر جسدي حتى وصل إلى أطراف أصابعي.
كان إحساسًا جديدًا بالكامل، وكأن تيارًا كهربائيًا ناعمًا يتغلغل في عروقي.
ثم فجأة……
“نـ-نجحت! يااااه!”
تكوّرت كرةٌ ضوء بيضاء صغيرة فوق راحة يدي، تطفو بلطفٍ في الهواء.
“وواااه! مبروك! نجحتِ!”
صفق أحدهم بحرارة. كان كايدن، الذي كان قبل قليل نائمًا ويسيل لعابه، يصفّق الآن بحماس وكأن شيئًا لم يكن.
وبمجرد أن سحب دانتي يده وتراجع قليلاً، اختفى الضوء في الحال.
“هل كان ذلك بفضل مساعدتكَ، سيد ساحر؟”
“لقد ساعدتكِ فقط في جعل طاقتكِ السحرية تتدفق بسلاسة.”
“واو……! لا يوجد شيء لا تستطيع فعله، أليس كذلك؟”
وفجأة صرخ كايدن بحماس،
“بالطبع! سيدي دانتي عبقريٰ بكل معنى الكلمة! لقد أطلق كرةً نارية حتى قبل أن يتعلم المشي!”
لكن المدهش هنا هو دانتي، لا كايدن……فلماذا يبدو كايدن وكأنه الفخور بنفسه؟
“هل يمكنني أن أصبح مثله؟ أريد على الأقل أن أتمكن من تجميع الطاقة السحرية بسهولةٍ مثله. سيكون من الأسهل بكثير صناعة الجرعات السحرية بهذه الطريقة.”
في هذه الأثناء، كان دانتي يكتب شيئًا في دفتر على الطاولة، وردّ ببرود،
“الأمر يحتاج إلى محفّز.”
“محفّز؟”
“لحظةً تدفعكِ لتفجير طاقتكِ السحرية. وستأتيك تلك اللحظة حتمًا.”
وهنا تدخل كايدن مجددًا بحماس،
“صحيح! حدث ذلك لي أيضًا! كنت أظنني إنسانًا عاديًا لا أملك طاقةً سحرية. لكن في ليلة ميلادي العشرين، بينما كنت أعود للمنزل مع صديقً بعد احتساء بعض الكحول، هاجمني مستذئب! وعندما حاولت الهرب، وجدت نفسي أتنقل آنيًا من غير قصد! تلك كانت لحظتي الحاسمة.”
محفّز، إذاً……
“معظم السحرة مرّوا بلحظاتٍ مماثلة. وستمرين أنتِ بها أيضًا، بلا شك.”
تلألأت عينا دانتي تحت الضوء.
“تلك ستكون البداية.”
***
طَرق طَرق.
“آنستي، هل ناديتني؟”
في ليلة زرقاء أضاءها القمر ساطعًا. طرقت ليج الباب بحذر ودخلت، وعلى غير عادتها، ظهرت عليها علامات التوتر بوضوح.
“ماذا تفعلين هناك؟ تعالي إلى هنا.”
اقتربت ليج ببطء وهي تراقب ردات فعلي بحذر.
“هل تعلمين، آنستي، كلما تنادينني بهذه الطريقة، أشعر بالقشعريرة دون أن أدري؟”
“حقًا، هكذا الأمر؟”
كما هو متوقع من ليج، التي قضت أطول وقتٍ بجانبي من بين جميع الخادمات. لا يبدو أن هناك شيئًا لا تعرفه عني.
تابعت بنظري عينيها، وهي تحاول بجهد ألا تلتقي بنظري وتتظاهر بالنظر إلى الفراغ.
عندها انفجرت ليج بنبرةٍ مختلطة بالضيق والانزعاج.
“لماذا؟ ما الذي تريدين أن تطلبينه مني هذه المرة؟”
“ليج، لماذا تتكلمين بهذه الطريقة المؤلمة؟”
“تكلمي بسرعة، قبل أن أغير رأيي.”
يُقال أنك لا تستطيع البصق في وجهٍ مبتسم، لذا حاولت الحفاظ على مظهري مشرقًا قدر الإمكان.
ضممت ذراعيّ وابتسمت باتجاه ليج التي كانت تزم شفتيها بامتعاض.
“أرسلي هذا بالبريد من فضلكِ، حتى أتمكن من استلامه بأسرع ما يمكن غدًا.”
“آنستي! لا تقولي أنكِ ما زلت ترغبين في لقاء ذلك الساحر المجنون؟!”
عضضت شفتَي السفلى لأمنع نفسي من الانفجار ضاحكة.
الساحر المجنون……يا له من وصفٍ يليق بدانتي.
تخيلت دانتي وهو يجري أبحاثه السحرية وحيدًا في أدنى طوابق برج السحر المهجورة، وكدت أنفجر ضاحكة.
تنفست بعمقٍ وهدأت نفسي بالكاد، ثم أجبت ليج أخيرًا.
“ليج، الأمر ليس كما تظنين.”
“إذاً، ما هذا بالضبط……؟”
بينما كانت تنظر إلى الرسالة بوجهٍ حائر، تجمّد تعبير وجهها حين قرأت الكلمات المكتوبة في زاوية الظرف.
ثم تنهدت تنهيدةً قصيرة.
“آنستي……هل تنوين حقًا إرسال هذا بالبريد؟”
“نعم، أعني ذلك تمامًا.”
“لكن لماذا؟”
حتى ليج، التي اعتادت عليّ ولم تعد تتفاجأ بسهولة، بدا أنها قد فقدت صبرها وارتفع صوتها قليلًا.
كنت أعلم السبب……كنت أعلم أن ليج تقول ذلك من قلقها عليّ.
“هناك أشياء لم أتمكن من أخذها من القصر، وأمورٌ أرغب في قولها لعمي أيضًا.”
كانت الرسالة التي أعطيتها لليج عبارة عن خطاب يُبلغهم بأنني سأزور قصر كوينياردل قريبًا.
“آنستي تودين لقاء ذلك الشخص……لا يعجبني الأمر. من المؤكد أنكِ ستكونين الوحيدة التي ستتأذى.”
“هل أبدو لك كشخصٍ يسمح للآخرين بإيذائه هكذا بسهولة؟ لا تقلقي.”
عضّت ليج شفتيها وأخرجت تنهيدةً خفيفة وهي تتمتم،
“لكن مع ذلك……”
بهذا الشكل، لن تنتهي المحادثة أبدًا. يجب أن أغيّر الموضوع.
“بالمناسبة، ليج. ألم تقولي أنكِ مقربة من السيد جان، بائع الفاكهة في السوق؟”
تذكرت فجأة أنها أصبحت قريبةً منه بعد أن اصطدمت به عن طريق الخطأ عندما كانت ذاهبة لإصلاح قبعتي في أحد الأيام.
وبما أن السيد جان يُعرف بأنه أكثر شخص ثرثارٍ في إقليم الدوقية، فقد يكون مفيدًا في خطتي التي أعدّها ضد ولي العهد كاين.
نظرت إليّ ليج بوجهٍ منزعج وهي ترد بابتسامة ماكرة.
“……حسنًا، صحيح؟ حتى الشائعات التي كانت آنستي تبحث عنها بلهفة عن ذلك الساحر العظيم، أخبرني بها السيد جان!”
كما توقعت، لم تكن حقيقية ضحلة.
“حقًا؟ إنه شخصٌ رائع إذًا. أحتاجكِ أن تفعلي لي شيئًا.”
“ترى ما الذي تخطط له آنستي الآن، حتى تتأنى هكذا في الكلام؟”
ابتسمتُ ابتسامةً مشرقة وتابعت حديثي.
“ليس بالأمر الكبير. فقط قولي للسيد جان إن منوّمًا جديدًا تم تطويره في برج السحر، وأن فعاليته مذهلة.”
عندما قلت ذلك، رمقتني ليج بنظرةٍ مليئة بالشك دون أن تحاول إخفاءها.
“آنستي، ماذا تفعلين بالخارج بالضبط؟”
“هم؟ فقط……نوعًا ما……”
فقط، أحاول النجاة رغم أن عمري محدود؟
_____________________
دانتي اخيرا تربى شوي ومسكها يوم كان بتطيح 😂
كايدن وظيفته في الروايه مهرج✨
بس احسه حليو لو نشبكه مع ليج ياسلاام
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 9"