وفجأة اجتاحتني موجةٌ من الإحراج، وكأنها لم تجد طريقها إليّ إلا الآن.
ماذا دهاني لأتحدث بهذا الشكل أمام كل هؤلاء الناس؟
لكنني لم أندم. فقد شعرت أنني إن لم أفعل ذلك، فلن تسنح لي أبدًا فرصةٌ أخرى للتقاطع مع كاين.
“حسنًا.”
“عفوًا؟”
“أقول أنني أوافق على عرضكِ.”
فارتسمت ابتسامةٌ تلقائية على وجهي. و أخذت أتحرك في مقعدي بحماس وكأنني على وشك النهوض، وأملت جسدي للأمام مقتربةً من كاين أكثر.
“حقًا؟ ستصبح صديقي إذًا؟”
ضحك كاين ضحكةً خافتة مجيبًا على سؤالي.
“نعم، لكن فقط إن كان الدواء الذي صنعته فعّالًا كما تقولين.”
“هذا كافٍ! لا يمكن لدوائي أن يفشل.”
“أحقًا؟”
نظر إليّ كاين للحظة وهو يضحك بخفّة.
“لكن، هل التقينا من قبل في وقتٍ ما؟”
“…..نعم؟ لماذا تسأل؟”
ما الدافع وراء سؤاله هذا؟ رغم أنه لم يكن يتذكر شيئًا.
“فقط…..شعرت وكأنني التقيت بكِ في مكان ما من قبل.”
“ربما رأيتني في إحدى الحفلات؟ لقد حضرت بعض المناسبات في القصر الملكي.”
“آه، صحيح. قد يكون ذلك بالفعل.”
شعرت أنه إن بقيت أكثر، فقد أفلت من فمي كل شيء—بأنني عدت من الماضي، وكل ما حدث—لذا نهضت من مكاني.
“عليّ الانصراف الآن. شكرًا جزيلًا على وقتك، سموّ الأمير.”
“آه، يبدو أنكِ مشغولة. كنت أود إطالة الحديث أكثر، فقد كانت محادثتنا ممتعة.”
“أعتذر، لدي بعض الأمور التي عليّ إنجازها..…”
“لا بأس، سنتحدث مجددًا عندما تجدين وقتًا لاحقًا.”
ودّعت كاين وهممت بمغادرة الحديقة، لكنني توقفت فجأة واستدرت للخلف. فنظر إليّ متسائلًا، وكأنّه يسأل إن كان هناك أمرٌ ما.
“أتعلم…..هذه الحديقة جميلةٌ حقًا. أشعر أنها ستكون المكان الذي سيتبادر إلى ذهني كلما احتجت إلى بعض الراحة.”
نظر كاين إليّ بصمت، ثم ابتسم بلطف،
“إن كانت قد منحتكِ بعض الراحة، فهذا يسعدني.”
ثم تلعثمت بتحيةٍ سريعة و غادرت القصر الملكي.
وفجأة بدا لي دانتي، الذي سار بصمت إلى جانبي طوال الوقت، شخصًا عظيمًا بحق.
“لا بد أنكَ كنت حزينًا جدًا حين فقدتُ ذاكرتي، أليس كذلك؟”
“نعم، لقد شعرت بالحزن فعلًا.”
“ولو أنني لم أصدقكَ ولم أستخدم حجر الذكرى، لما كنّا هنا الآن، أليس كذلك؟”
“ربما بالفعل.”
وبينما كنّا نسير معًا على نفس الوتيرة، أمسك دانتي بيدي فجأة، بينما كنت أنظر إلى الأرض شاردة الذهن.
فتاجأت ونظرت إليه بسرعة، و إذا به يبتسم لي ابتسامةً خفيفة.
“مع ذلك، كنت أكثر سعادةً فقط لأني التقيت بإيرفين مجددًا. أن تجهليني كان أهون بكثير من ألا أراكِ أبدًا.”
فارتميت بين ذراعي دانتي وأنا أندسّ في حضنه. و اطمأننت لصوت دقّات قلبه التي كانت تنبض بعنف.
ثم تملكني الخجل من أن يرانا أحد، فابتعدت بسرعة، لكنني كنت أعلم تمامًا أن كلماته كانت صادقة.
حتى وإن لم يعرفني كاين أو كايدن، فمجرد أنني أملك ذكريات معهم أعيش بها، كان ذلك نعمة.
بعد تلقيت من دانتي عزاءً عميقًا صعدت الى العربة.
وأثناء طريقنا إلى قصر هايفن، تحدّث دانتي فجأة.
“إيرفين، هذا هو ما طلبتِه البارحة.”
أخرج دانتي من جيبه صندوقًا صغيرًا. فأخذته منه وفتحته، و وجدت أداةً سحرية مسطحة على شكل زر.
“لقد وضعت عليها سحر تسجيل صوتي. يمكنها تسجيل الأصوات لعدة أيام.”
“واو، شكرًا لك. لم أظن أنك ستتمكن من إنجازه بهذه السرعة.”
كنت قد طلبت من دانتي شيئًا الليلة الماضية.
لجعل إيدن يعترف بخطئه أمام الجميع، كنت أحتاج إلى دليل قبل أي شيء. فلو شعر بشيء وحاول التهرب، فكل شيء سيكون بلا جدوى.
لذا، طلبت منه أن يصنع لي أداةً سحرية يمكنها تسجيل الأصوات، ولم أتصور أبدًا أنه سينهيها في يوم واحد فقط.
كلما فكّرت بالأمر، تأكدت أن دانتي شخصٌ مذهل بحق.
“لكن…..ظهرت مشكلةٌ ما.”
“ماذا؟ أي نوع من المشاكل؟ هل تشعر بمرض؟”
“لا، الأمر ليس كذلك. فقط..…”
تردد دانتي بطريقة لا تشبهه، ثم تابع حديثه بصعوبة.
“في الواقع، سحر الرجوع بالزمن يتطلب كميةً هائلة من الطاقة السحرية. لدرجة أنني اضطررت لاستهلاك أغلب ما أملكه من طاقة.”
“إذًا، هذا أمر مذهل فعلًا، أليس كذلك؟ هل هذا ما جعلك متعبًا بسبب السحر؟”
شعرت بالقلق، متسائلةً إن كان قد تدهورت حالته بسببي. لكن دانتي اقترب مني وربت على رأسي ليطمئنني.
“من حسن الحظ أن إيرفين كانت قد ملأت بلّورة التحفيز بالكامل بالطاقة. بفضل الطاقة الموجودة فيها إلى جانب طاقتي، تمكّنا من تفعيل السحر، وكانت النتيجة ناجحة.”
“لكن، إذًا ما الأكر..…؟”
“مع ذلك، وبالرغم من ذلك، فقد استهلك الأمر قدرًا كبيرًا من طاقتي، وقد وصلت إلى أقصى حدود قدرتي الجسدية حين حاولت صنع الأداة السحرية قبل أن أستعيد كامل طاقتي.”
في النهاية، دانتي أُنهك بسببي. فشعرت بذنب عميق يعتصرني.
لكنني كنت أعلم أن قول ذلك سيجعل دانتي يقلق أكثر. فنظرت إليه بعينين يملؤهما القلق، وكنت بالكاد أخفي تعبير الحزن على وجهي.
ثم أخذ يقبّلني بلطف حتى صدر صوت خافتٌ من قبلته.
“لا بأس. سأتحسّن إن ارتحت لبضعة أيام. لكن ما يقلقني هو أننا بهذه الوتيرة سنستغرق وقتًا أطول للإمساك بذلك الشخص. لذا…..لدي فكرة.”
أخذ دانتي نفسًا عميقًا وتابع كلامه.
“ما رأيك أن نذهب لنستعيد بلّورة التحفيز؟”
“…..بلّورة التحفيز؟”
نبض قلبي بشدة وأنا أنظر إلى دانتي الذي أومأ برأسه.
بالنسبة لي، هذا خبرٌ رائع! فقد أردت أن أذهب فورًا لاستعادتها!
“هل سيكون الأمر على ما يرام؟ ماذا لو اكتشف ليو ذلك؟”
“لن يعرف. على الأرجح نسي أمرها تمامًا. فالوحيدان اللذان ما زالا يحتفظان بذكريات الماضي هما أنا وإيرفين.”
“إذًا…..فلنذهب؟”
طلبت من السائق أن يغيّر مسار العربة نحو منطقة أرديل. فلو دخلت إلى أرديل على متن عربة تحمل شعار العائلة الملكية الكبير، فمن المؤكد أن الأمر سيثير ضجة، لذا نزلت في منتصف الطريق.
ومن هناك، استخدم دانتي سحر الانتقال الفوري حتى وصلنا إلى السوق.
“هل أنتَ بخير؟ طاقتكَ السحرية لم تتعافَ بعد..…”
سألتُه بقلق، فأجابني دانتي بابتسامةٍ خافتة.
“إيرفين، هل ترين الغبار الذي يطفو في الهواء هنا؟”
“هاه؟ لا، لا أراه.”
“تمامًا، هذا مقدار ما استهلكته من طاقتي السحرية، فلا تقلقي.”
إن كان كذلك، فيا للراحة.
نظرت إليه من جديد وابتسمت بارتياح. ثم دخلنا مبنى نوكس من الباب الخلفي.
ولأن رون لم يكن قد قام بتجديده بعد، كانت طبقات الغبار تملأ المكان، ورائحة العفن عالقةٌ في الجو.
و فور أن وقعت عيناي على المشهد، شهقت بدهشة ممزوجة بالحنين.
“واو! هذا هو نوكس كما كان من قبل! أشعر ببعض الحزن…..لكنه هذا يثير الدهشة فعلًا.”
بدأت أنظر من حولي بحماس. وأول ما لفت انتباهي كان الخزانة التي كانت قد تحطّمت عندما ألقيتُ ليو بعيدًا، وقد عادت إلى هيئتها الأصلية.
فمررت بكفيّ على سطحها السليم.
‘من المؤكد أن ليو لن يتذكرني أيضًا..…’
لا كايدن، ولا كاين، ولا حتى ليو. كل من التقيت بهم في الماضي لن يتذكروني على الأرجح.
كان في ذلك شعورٌ مؤلم، بل مخيّب للآمال بعض الشيء.
‘لا، لا بأس. سأصنع معهم ذكريات جديدة من البداية. لا وقت للحزن.’
صفعت وجنتيّ بخفة لأستعيد رباطة جأشي. فرأيت نظرة الدهشة في وجه دانتي، لكنه لم يقل شيئًا.
ثم توجهت معه مباشرةً إلى المخزن. و فتحت بابه بترقّب، فأصدر صوت صرير وهو يُفتح ليكشف ما بداخله.
“ما الذي حدث هنا؟”
“…..آه.”
كان من المؤكد أن جهاز تصنيع الإكسير السحري موجودٌ في المخزن. لكن في ذلك المكان، لم يكن هناك لا الجهاز، ولا حتى بلّورة التحفيز مرميةً على الأرض.
“هل…..هل اختفى؟ هل تغيّر شيءٌ أثناء العودة بالزمن؟ مثلما لم يظهر كاين بنفسه في برج السحر؟”
تقدّم دانتي نحو الموضع الذي كان ينبغي أن يكون فيه الجهاز. و انحنى والتقط شيئًا من الأرض، ثم مرّر يده بعنف عبر شعره.
“لا أظن أن الأمر كذلك. انظري إلى هذا.”
ناولني ورقةً صغيرة أشبه بورقة ملاحظات.
وكان مكتوبٌ فيها،
[دانتي، أيها الصغير. تفاجأتَ، أليس كذلك؟ إذا كنت قد عدت، كان يجب أن تأتي لرؤيتي أولًا، لا أن تتجول هكذا. تعال إلى البرج فورًا. – الوسيم ليو –]
لسألت دانتي بصوت يرتجف.
“لـ-ليو…..ليو ما زال يتذكرني؟”
“يبدو ذلك. إنه غريب الأطوار، لا بد أنه استخدم وسيلةً ما.”
تأملت دانتي وهو يجيب دون اكتراث، وفجأة انفجرت دموعي دون سابق إنذار.
“إ-إيرفين؟”
فربّت دانتي على ظهري في ارتباك واضح.
ولأنه لم يفهم سبب بكائي، بدا عليه التوتر، ثم احتضنني فجأة. فتعلّقت بثيابه وبكيت بحرقةٍ بين ذراعيه.
“أخـ-أخيرًا…..يا إلهي…..هناك شخص…..شخصٌ إصافيٌ فقط ما زال يتذكرني..…”
ومع أنني بكيت فجأة، إلا أن الدموع لم تكن لتتوقف بسهولة.
__________________
ياعمري😭
ليو مجنون يجنن شلون تذكر يستاهل لقب سيد البرج صدق
المهم خلاص يكفون ليو وكاين ودانتي مب لازم كايدن
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 84"