الكونت كوينياردل هو سيد عائلة كوينياردل العريقة ويدير في الوقت ذاته أكبر متجر أدويةٍ في المملكة.
كان الكونت كوينياردل بارعًا في علم الأعشاب منذ أيامه في الأكاديمية، وكان دائمًا ما يقول أن الأدوية يجب أن تكون مخصصةً للعامة لا للنبلاء فقط.
لذا أنشأ متجرًا يبيع الأدوية بأسعارٍ أرخص، من خلال طريقة تصنيعٍ ابتكرها بعد سنوات شبابه التي قضاها في البحث، وبالطبع حظي بدعمٍ كبير من عامة الشعب.
أما الآن، فقد ورث جوزيف تلك السمعة الطيبة وأصبح هو من يدير المتجر.
كان كل شيء يسير على ما يرام حتى الآن، ولكن من غير المعقول أن يستمر الحال كذلك. فلا بد أن هناك مشكلة ما في مكان ما.
‘ولهذا نحتاج إلى الأمير كاين كي نكتشفها.’
راودته فكرة الاستعانة بقوة عائلة الدوق هايفن، لكن بالنظر إلى كره إيدن الشديد لجوزيف، بدا أن ذلك سيكون صعبًا.
“لا خيار سوى استدراج كاين.”
العائلة المالكة إذًا……يبدو أن الأمور تتعقّد شيئًا فشيئًا، ومع ذلك شعر بانقباض مهيب في صدره.
مدّ يده إلى تركة الكونت كوينياردل وتأمل الكتاب الذي يحمل آثار الاستعمال الطويل، ثم قلب صفحاته بحذر لتقع عيناه على خط أنيق.
كان كتابًا قد دُوِّن بخط اليد بالكامل، وكل جزءٍ فيه يحمل جهدًا ظاهرًا لا يمكن تجاهله.
بدت شخصية الكونت كوينياردل المخلصة والمتفانية جلية في كل صفحة.
[سأحاول أن أُنقذ إيرفين……يا أبي.]
قرأ مجددًا طريقة صنع المهدئات، وأعاد ترتيب عزيمته.
***
رفعتُ يدي أمام باب مختبر دانتي، الذي لطالما بدا مألوفًا لي.
لقد زرت هذا المكان عدة مرات، فلماذا أشعر اليوم بالتوتر عند طرق هذا الباب؟ لكن لم يكن هناك مفر، كان عليّ أن أفعل ذلك.
تنفست بعمق للحظة، ثم طرقت الباب.
“أيها الساحر، لقد أتيت.”
طرقت الباب الخشبي العتيق مرتين، وبعد مرور لحظات، فُتح الباب. وظهر دانتي من خلفه.
كان الأمر كما اعتدت دائمًا. فقد فتح دانتي الباب ببطء بعد أن سمع صوتي، ثم نظر إليّ بنظرة باردة كعادته.
لكن سرعان ما نظر من خلفي بطريقة غير معتادة……ثم أغلق الباب بعنف.
“كنت أعلم أن هذا سيحدث.”
زفرت وأنا أحدّق في الباب الذي أُغلق بإحكام من جديد. وحين التفتّ بسرعة، رأيت كايدن بوجهٍ شاحب يكاد يبكي.
لقد كان الوضع مجحفًا. من الذي يستحق البكاء الآن غيري!
“ألم أقل لكَ ألا تأتي حتى أخبر الساحر أولًا؟”
“لم أتمالك نفسي……”
“أنا حقًا قلقةٌ من أن أفقد ثقة الساحر بسببكَ، كايدن.”
“وماذا سنفعل الآن؟”
بل كان هذا ما وددتُ سؤاله أنا!
بعد فترة من التوتر، بدأ رأسي يؤلمني بشدة.
“سيد ساحر……هلّا فتحتَ الباب من فضلكَ؟”
طرقت الباب مرة أخرى، لكن لم يصدر أي صوتٍ من الداخل.
‘يا إلهي، كم تعبت لأكسب ثقته، والآن دمّرها كايدن بالكامل!’
اشتد الصداع أكثر. وضعت يدي على رأسي بينما طرقت الباب مجددًا باليد الأخرى.
“سيدي الساحر دانتي…+أنا حقًا آسفة لأنني جلبتُ كايدن معي. أعلم تمامًا أنكَ لا تحب التعامل مع الناس……لم أقصد أن أضعكَ في هذا الموقف……”
آه، تباً. بدأت الرؤية تَغيم أمام عيني، وشعرت كأن ساقي ستخوناني.
لقد مضى وقتٌ لا بأس به منذ أن بدأت التدريب مع دانتي، لكنني ما زلت عاجزةً عن التحكم في السحر، وجسدي لا يتعاون إطلاقًا.
ولا يزال هناك الكثير من المهام بانتظاري.
دفعت الأفكار التي زادت من صداعي جانبًا، ورفعت يدي لأطرق الباب من جديد.
لكن فجأة، فقدت قوتي كليًا، واضطررت لترك يدي تسقط من تلقاء نفسها.
“سيدي الساحر……”
أنا حقًا لم أعد أتحمّل أكثر من هذا.
وفي تلك اللحظة، أصدر الباب المغلق صوت “طَق” خافتًا، وانفتح. ولأني كنت لا أزال أتكئ على الباب، فقد فقدت توازني وسقطت إلى الأمام.
“هاه، آه؟”
“إيرفين!”
سمعت صوت كايدن يناديني من الخلف بلهفة. و شعرت بقواي تنهار تمامًا، وكل طاقتي تتسرب من جسدي.
عندها مرّ في ذهني شريطٌ سريع من الذكريات، منذ اللحظة التي تلبستُ فيها جسد إيرفين وحتى بحثي عن اسم كاين في السجلات.
“هل يعقل……أنها أضواء الحياة الأخيرة؟ لا، لا! لا أريد أن أموت هكذا!”
أغمضت عيني بشدة استعدادًا للألم القادم. لكن فجأة، شعرت بشيءٍ يلامس جبهتي برفق.
همم؟ لم يكن الألم كما توقعت؟
بل، لم يكن هناك ألمٌ أصلًا……بل كان شيئًا دافئًا، ومريحًا……
‘كأن جسدي لم يلمس الأرض حتى.’
ثم سمعت صوت دانتي العميق يهمس قريبًا جدًا من أذني،
“هل أنتِ بخير؟”
فتحت عيني فجأةً على وقع صوته. ولم أكن مستلقيةً على الأرض القاسية المفروشة بسجاد أحمر كما توقعت، بل كنتُ بين ذراعي دانتي، حيث شعرت بحرارة جسده الدافئة.
“آه……شكرًا لكَ.”
ولأن دانتي لا يحب التعامل مع الناس، كان عليّ أن أخرج من بين ذراعيه بسرعة حتى لا أثير انزعاجه،
لكن جسدي كان مرهقًا، ولم أستطع الحركة بسهولة.
ولسببٍ ما، بدا وكأن الأمر لا يزعجه كثيرًا.
“ولماذا، بالضبط، أحضرته معكِ إلى هنا؟”
لا، لم يكن غير مكترث، بل على العكس……وجود كايدن هو ما أزعجه أكثر من أي شيءٍ آخر.
بذلت جهدًا كبيرًا لتحريك شفتيّ رغم الإعياء، وأجبت بصعوبة،
“لم يكن برغبتي.”
“إيرفين!”
سمعت صوت كايدن اليائس يناديني، لكن ما الذي يمكنني فعله؟ عليّ أن أنجو أولًا. لا يمكنني أن أسمح بخسارة ثقة دانتي بهذه البساطة.
زفر دانتي زفرةً عميقة شعرت بها تهبط فوق رأسي. وقبل أن يفتح فمه ويقول شيئًا، سارعت بالحديث أولًا.
“ما رأيكَ أن تجعل من كايدن مساعدًا لك؟”
“……لا حاجة لي به.”
“على الأقل اجعله يعتني بي. ألا يقلقكَ أن تنهار عيّنتك التجريبية بهذا الشكل المتكرر؟”
وبينما كنت لا أزال في حضنه، بدأت أستعيد توازني شيئًا فشيئًا، فشدّدت على ساقي وظهري ونهضت بسرعة.
“شكرًا لإنقاذي.”
“لا حاجة لي بمساعد.”
أمسكني دانتي بقوة حتى آخر لحظة وأنا أترنّح، وأجاب بحزمٍ قاطع.
‘إنه أقوى مما توقعت……’
وحين فكرت أن كايدن سيواصل الإلحاح لرؤية دانتي مرة أخرى، عرفت أن عليّ أن أحسم الأمر الآن. فابتسمت باتجاه دانتي،
“كايدن مهتمٌ كثيرًا بأبحاث السحر القديم. وهو من علم أنني أملك قوةً سحرية قديمة، بل إنه من قدّمني إليكَ، سيدي الساحر.”
مرّر دانتي يده بعصبية بين خصلات شعره. وكانت تجاعيد العبوس الواضحة على جبينه تشير بجلاء إلى مدى توتره.
تردد للحظة، ثم أطلق زفرةً خفيفة، وأومأ أخيرًا برأسه.
“حسنًا.”
ثم أضاف بسرعة،
“لكن فقط……عندما أطلبه. مفهوم؟”
“نعم!”
كان هذا تقدمًا هائلًا.
لن يكون هناك إزعاجٌ من كايدن بعد الآن، بل وسيكون مساعدًا كما كان يتمنى، لذا من المؤكد أنه سيعاملني بلطفٍ أكثر.
رسمت على شفتيّ ابتسامةَ رضا تلقائية.
“تفضلِ بالدخول……أنتَ أيضًا.”
بدأ كايدن يومئ برأسه مرارًا بوجهٍ تغمره مشاعر التأثر. ومن نظرتي إليه، بدا واضحًا أن التأثر قد بلغ به حدًّا جعله عاجزًا حتى عن الكلام.
ما إن دخلت غرفة دانتي حتى جلست على الكرسي فورًا. فقد تنهار قواي في أي لحظة، لذا كان عليّ أن أكون مستعدة.
أما كايدن، فبدا عليه أنه يزور غرفة دانتي لأول مرة، إذ كان يضغط شفتيه ببعضهما ويدور بعينيه في كل الاتجاهات بفضولٍ واضح.
تركت كايدن خلفي وتوجّهت بالكلام إلى دانتي.
“سيد ساحر، في الكتاب الذي أعطيتني إياه المرة الماضية، كان مكتوبًا أن السحر القديم يتمتع بقوةٍ عالية في الشفاء. هل هذا صحيح؟”
أجابني بتعبير منزعج، وكأنه لم يكن مرتاحًا لوجود أكثر من شخص في غرفته.
“نعم، هذا صحيح.”
“إذًا، ينطبق ذلك عليّ أيضًا، صحيح؟”
“غالبًا.”
كانت إجابته أكثر حدةً من المعتاد، لكني لم أُعر الأمر اهتمامًا وتابعت الحديث.
“ولكن ليس سحر الشفاء وحده ما يُعد فعّالًا، أليس كذلك؟”
ارتجف حاجباه قليلًا. وظلّ يحرك شفتيه دون أن ينطق، وكأنه في صراع بين الرغبة في الإجابة والتردد.
نظرت إلى حيث كان يحدّق، فرأيت كايدن. و بدا واضحًا أنه لا يرغب في الكلام بوجوده.
وأخيرًا، أطلق دانتي تنهيدةً قصيرة وبدأ بالكلام.
“السحر القديم هو الأقرب إلى طاقة السحر الأولى، النقية. يتفاعل بقوةٍ وصفاء مع جميع أنواع السحر. صحيح أن نوع السحر الذي يظهر يختلف من شخصٍ لآخر، لكن سحر الشفاء يُعد أساس السحر القديم وأبسط أشكاله.”
لو أردت تلخيص كلامه بطريقةٍ سهلة، فستكون: هل يمكن أن أكون ساحرةً عبقرية محتملة في هذا العالم بعد أن كنت الأضعف في عالمي السابق؟!
بمجرد أن فكرت بهذه الطريقة، ترسّخ المعنى في رأسي تمامًا.
“هل هذا يعني أن فعالية الجرعات السحرية التي أعدّها قد تكون أفضل من تلك التي يصنعها سحرة برج السحر؟”
“غالبًا نعم. لم أشهد ذلك بنفسي، لذا لا أستطيع التأكيد، لكن نظريًا……نعم.”
من شابة نبيلة عادية إلى سيّدة الجرعات السحرية الأسطورية!
لم أستطع منع ابتسامتي التي اتسعت حتى كادت تلامس السماء، فحاولت جاهدًة أن أخفيها.
“إذاً، علّمني طريقة صناعة الجرعات السحرية!”
ثم أخرجت من حقيبتي كتاب الكونت كوينيارديل حول طرق صناعة العقاقير، وفتحته أمامه.
“أليس من المفترض أن تمرّر السحر داخل الوصفة العادية لتتحول إلى جرعةٍ سحرية؟ أرني كيف أفعل ذلك.”
أخذ دانتي الكتاب مني وأجاب،
“ليست مسألة صعبة بالذات، لكن……”
توقّف فجأة، ثم سكن تمامًا كما لو أن تركيزه قد غاص في أعماق الكتاب. و بدأت عيناه تتوهّج بنور من الدهشة.
وفي تلك اللحظة، كان كايدن قد اقترب بخطى هادئة، ينظر الو الكتاب من فوق كتف دانتي……وكانت عيناه هو الآخر تتلألأ من الحماس.
“هذا مذهلٌ حقًا.”
قال دانتي ذلك بانبهار، وقد بدا عليه الانشراح بشكلٍ نقيّ، حتى ليخاله المرء طفلًا صغيرًا أُعجب بلعبته المفضلة.
“هل مؤلف هذا الكتاب هو والدكِ؟”
“نعم، إنه إرثٰ من والدي.”
“من المدهش أن يتمكن شخصٌ عادي من إجراء أبحاث بهذه الجودة……وددت لو تمكنت من مقابلته.”
“سيكون هذا صعبًا بعض الشيء.”
“ولِمَ؟”
“لأن والدي توفي منذ وقتٍ طويل.”
كان كايدن يستمع إلى الحديث، وبدت على وجهه صدمةٌ كبيرة وحيرة واضحة. أما دانتي، فعبّر عن أسفه لعدم تمكنه من لقاء الكونت كوينيارديل، وزمّ شفتيه بخيبة.
“الطرق المكتوبة هنا تصف كيفية صناعة أدويةٍ بأفضل جودة باستخدام مكونات بسيطة وسهلة المنال. تحضير الجرعة بحد ذاته ليس بالأمر المعقد، لذا هناك شيء واحد فقط عليكِ تعلّمه.”
فتح دانتي كفه، فاجتمعت فوق راحته الكبيرة طاقةٌ زرقاء لامعة تشكلت على هيئة كرة.
“كيفية استخدام السحر.”
وكان ذلك……السبيل الوحيد الذي يُمكّنني من النجاة.
_______________________
تعجبني شخصية ايرفين انانية وتقدم نفسها بس في النهايه ساعدت كايدن🤏🏻
يلبا بنتي المربية🫂
شسمه اول الفصل كان ذاه عمها المجنون يعني هو يحب العائلة ويبي يخلي مجدها مستمر بس يكره ايرفين عشانها الوريثه؟ ياكثر المجانين
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 8"