‘إيرفين لا تتنفس.’

 

اهتزت حدقة دانتي بسرعة. بينما ابتعدت يد إيرفين الصغيرة التي كانت تلامس خده.

 

ثم مرّرها مرارًا غير مصدّق وهو يعيد يدها إلى خده، لكن يد إيرفين سقطت في النهاية بلا حول.

 

فضمّ دانتي إيرفين إليه بشدة. و لم يعرف إن كان هو من يحتضنها، أم أنه هو من احتمى بحضنها.

 

في الغرفة التي خيّم عليها السكون، لم يُسمع سوى صوت بكاءٍ مختلط بالحزن والغضب بين الحين والآخر.

 

وخلف دانتي الذي كان ينتحب، ظهر ليو وهو يلوّح بشعره الأسود الطويل الذي يشبه الليل.

 

“دانتي، ما الذي حلّ بكَ حتى تطلق كل تلك القوة السحرية المتفجّرة…..ما هذا؟”

 

و راح ينظر حوله بذهول غير مصدّق المشهد المروّع من حوله، ثم نقر لسانه بغيظ.

 

ذلك الفتى الذي كان لا يبدي أي تعبير حتى عند موت والديه، كان الآن يبكي، وفي حضنه امرأةٌ ممدّدة بلا حراك. 

 

لم يكن يرى وجهها، لكنه عرفها.

 

“الفتاة الصغيرة.”

 

احمرّت عينا ليو بعدما أدرك أنها إيرفين.

 

“أي نذلٍ فعل هذا.”

 

ظل دانتي ينتحب، و يرتجف جسده كله. 

 

و بينما كان ليو يحدق في ظهر دانتي، مرّر يده بعنف على شعره وشتَم في سره.

 

‘اللعنة، تبًّا! ما الذي حدث بينما كنت غائبًا للحظات في القارة المجاورة؟’

 

وفي غمرةٍ ضيقه، أخرج غليونه. لكن في تلك اللحظة، سُمع صوت حركة خلف الجدار المنهار.

 

و بلمح البصر، رمى ليو غليونه نحو مصدر الصوت.

 

“آه!”

 

فانطلق الغليون بخط مستقيم ليخترق كتف الشخص الذي كان يسير بمحاذاة الجدار ويثبّت جسده في الحائط.

 

“أهناك فأرٌ قذر كان يختبئ هنا؟”

 

قال ليو ذلك وهو يخطو فوق الأنقاض المتساقطة متقدّمًا. و في نهاية خطوات منخفضة وثقيلة، كان إيدن عالقًا هناك بالحائط عاجزًا عن الحركة.

 

لا، بل شخصٌ ما في هيئة إيدن.

 

“أهذا أنتَ؟”

 

“ماذا…..آااه!”

 

لوى ليو غليونه. فصرخ إيدن بألم، وكأن الألم يتسلل حادًا عبر كتفه.

 

“أجبني بوضوح. هل أنتَ من فعل هذا بالفتاة الصغيرة؟”

 

“أوه…..نعم، صحيح…..كااه!”

 

بينما كان ليو يحدق فيه بحدة، دفع الغليون أعمق في كتفه. عندها صرخ إيدن متألمًا دون تحمّل، وهو يشدّ بيده على ياقة ليو.

 

“آااااه..…!”

 

“لماذا فعلت ذلك؟ هل سئمت من الحياة؟”

 

“هاه، هاهاه. أليس هذا بديهيًا؟ من أجل أن أحصل على القوة السحرية القديمة…..ما الخطأ في أن أستولي على شيءٍ كهذا وحدي؟”

 

رغم أن ملامحه كانت ملتويةً من الألم، إلا أنه ابتسم بخبث. وعندها، تلألأت عينا ليو بضوء بارد حاد، واكتسى وجهه برودةٌ قاتلة في لحظة.

 

وما إن همّ ليو بتوجيه شتيمةٍ حادة إلى إيدن، حتى التفت فجأة ليصدّ هجومًا مباغتًا.

 

“هذا الأحمق لا يرى أمامه شيئًا…..أيحاول قتلي أيضًا؟”

 

كان دانتي هو من أطلق السحر بعيون حمراء دامية، موجّهًا إياه نحو إيدن، لكن ليو أدرك الأمر فورًا وصدّه.

 

وضع دانتي إيرفين بلطف على السرير، ثم سار ببطء نحو المكان الذي يقف فيه الاثنان.

 

كان يمشي خطوةً خطوة ببطء، دون أي تركيز أو إدراك في عينيه. وفي لمح البصر، وصل إلى وجه إيدن، ثم رفع يده عاليًا.

 

وعندما لامست يده الكبيرة عنق إيدن، تدخل ليو فأوقفه دانتي.

 

“تنحّى.”

 

“هل جُننتَ الآن؟”

 

“أعلم، لهذا قلت ابتعد…..قبل أن أقتلكَ أنتَ أيضًا.”

 

“دانتي.”

 

“قلت لكَ اغرب عن وجهي!”

 

دوّى صوت دانتي في المكان. 

 

فحدّق ليو في دانتي الذي كان يلهث باضطراب، ثم تنهد بعمق.

 

“وهل ستعود الفتاة الصغيرة لو فعلت هذا؟ هل ستقول شكراً لأنكَ انتقمت لها؟”

 

“إذاً ماذا تريدني أن أفعل؟!”

 

“هل أنا من علّمكَ أن تكون بهذا الضعف؟”

 

أمسك ليو بالغليون الذي لا يزال مغروزًا في كتف إيدن.

 

“دانتي، اسمع جيدًا، الانتقام..…”

 

ثم حرّك الغليون بعنف للأعلى والأسفل، ولليمين واليسار بلا رحمة. فصرخ إيدن بألم ممزق لا يُحتمل، لكن ليو لم يُعره أي اهتمام.

 

وصوت ليو الذي خرج بعدها كان كظلام كثيف ومخيف.

 

“لا ينبغي أن ينتهي سريعًا، بل يجب أن يكون طويلًا ومؤلمًا…..حتى لا يبقى له أي أملٍ في الحياة.”

 

ثم نزع الغليون فجأةً بقوة.

 

نقر ليو بأصابعه، وفجأة اختفى إيدن من مكانه وكأنه تبخّر. وحين همّ دانتي بالحديث بعينين مشتعلة، سبقه ليو بالكلام.

 

“لا تقلق، لقد أرسلته فقط إلى قمة البرج.”

 

قمة البرج التي يستحيل الخروج منها دون إذن ليو.

 

وما دام لم يكمل سرقة طاقة إيرفين السحرية بعد، فقد حُكم على إيدن أن يظلّ محتجزًا هناك. وسيعيش هناك حياةً أشبه بالجحيم.

 

حياةً مؤلمة لدرجة أنه سيتوسل للموت بلا تردد.

 

لكن دانتي لم يعد يهمّه أي شيءٍ الآن. فكما قال ليو، مهما فعل، لن تعود إيرفين أبدًا.

 

***

 

في السهل الواسع خلف قصر كوينيارديل، أُقيمت جنازة إيرفين.

 

ورغم أن المراسم بدت عظيمةً بالاسم، إلا أن الأجواء كانت باردةً وكئيبة للغاية. فالحاضرون لم يكونوا سوى خدم القصر، وقلةٌ قليلة ممن التقت بهم إيرفين طوال حياتها.

 

دانتي وكايدن وليو، الذين لا يمكن فصلهم عن حياتها.

 

كاين، الذي شاركها صداقةً عميقة، ورون، الذي قدّم لها العون.

 

الأخوين تيري و ثيو المحبوبين.

 

والماركيز ديفونت، الذي كان مزعجًا أحيانًا لكنه دائم المرح.

 

عدا الخدم، كان يمكن عدّ الحاضرين جميعًا على أصابع اليد.

 

بعضهم بكى بحرقة من أجل إيرفين، وآخرون ذرفوا الدموع في الخفاء، والجميع غرق في استرجاع ذكراها المتألقة.

 

باستثناء شخصٍ واحد. دانتي، الذي لم يستطع التركيز مطلقًا، وظل يتمتم بكلماتٍ لا تُفهم.

 

“دانتي، أعلم أن الأمر صعب، لكن استفق، هذه قد تكون اللحظة الأخيرة.”

 

قال ليو ذلك وهو يقترب منه. لكن دانتي لم يعِر كلامه أي اهتمام، واستمر في التمتمة بلا توقف.

 

نظر ليو إليه بطرف عينيه، ثم هز رأسه ببطء وتنهد بعمق.

 

ثم انتهت المراسم المخصّصة لإيرفين. وبدأ الناس يعودون تدريجيًا إلى أماكنهم.

 

بعضهم تساءل عن أخبار إيدن هايفن، لكن الأمر سرعان ما طُوي وتجاهله الجميع. 

 

ومن غير أن يشعروا، كان الربيع قد حلّ تمامًا. و كانت الشمس مشرقةً ودافئة، والنسيم العليل يفوح بعبقٍ يملأ الأنف عطراً.

 

و في ذلك الربيع الدافئ للغاية، بقيت إيرفين الحبيبة خالدة في قلوب الجميع.

 

***

 

دق! دق! دق!

 

كان ليو يطرق باب قبو برج السحر بعنف شديد.

 

“يا هذا، اخرج! أرجوكَ توقف واخرج الآن!”

 

زمجر بصوت منخفض، لكن لم يأتِ أي رد.

 

فتمتم ليو ببعض الشتائم بين أنفاسه، ثم تحدث بنبرة جادة،

 

“إن لم تخرج قبل أن أعد إلى ثلاثة، سأحطم هذا الباب وأدخل، لقد حذرتك.”

 

ثم بدأ يعد.

 

“واحد.”

 

ما الذي يفعله ليختفي تمامًا منذ أيام؟

 

نقر لسانه بغيظ.

 

“اثنان.”

 

أعلم أنه حزين، لكن عليه أن يفكر أيضًا في من يقلقون عليه.

 

هل ينام جيدًا؟ هل يأكل شيئًا أصلًا؟

 

‘لقد أصبحت عاجزًا عن فعل شيء من شدة القلق.’

 

راح ليو يغمغم بهذه الأفكار في داخله، وقبل أن ينطق بالعدد الأخير ويستخدم السحر لتحطيم الباب، فُتح الباب فجأة، وخرج دانتي.

 

“ضجرتُ من إزعاجكَ.”

 

كان وجه دانتي، الذي لم يُرَ منذ فترة، خاليًا تمامًا من الحياة. و أسفل عينيه كان أسوداً كالليل، ووجنتاه غائرتان وكأنه لم يأكل شيئًا.

 

لناولن ليو الطعام الذي كان قد أحضره معه وهو يتمتم وكأنه توقع هذا.

 

“كنت أعلم أنكَ ستكون بهذا الحال…..لماذا كلما حصل شيء، تحبس نفسكَ في غرفتك ولا تأكل ولا تفعل شيئاً سوى الدراسة..…؟”

 

بينما كان يُخرج الطعام والفواكه التي أحضرها، أخذ يتذمر، لكنه توقف فجأةً عندما وقعت عيناه على الأوراق المبعثرة فوق المكتب.

 

ثم أمسك بإحدى الأوراق وتمعن فيها بتركيز شديد.

 

“ما هذا يا دانتي؟ ما الذي تفعله هنا؟”

 

“ما هو هذا؟”

 

“أنا أسألكَ، ما كل هذا؟!”

 

ضرب ليو الطاولة بعنف. و كان الضرب قويًا لدرجة أن الطاولة كادت تتشقق.

 

لكن دانتي لم يرمش حتى، واكتفى بمبادلته النظرات ببرود.

 

“اخرج.”

 

“هل كنتَ تخطط لكل هذا الجنون وحدكَ؟! لو واصلت هذا، سأطردكَ من برج السحر نهائيًا!”

 

“قلتُ لك اخرج، ولا تتدخل.”

 

‘وكيف لا أتدخل، أيها الأحمق؟’

 

مسح ليو وجهه بيديه مرارًا وهو يتنفس بغيظ. ثم رمق الطاولة بنظرة ٍأخرى وزفر بقوة.

 

“دانتي، أنت تعرف جيدًا أن هذا محظور، إنها تعويذةٌ محرّمة اختفت من هذا العالم منذ زمن.”

 

ورغم أنه قال ذلك بكل جدية، إلا أن دانتي لم يُعره أي اهتمام. و كان ببساطة مستغرقًا في تدوين شيءٍ ما على الرقّ الكبير الممدّد على أرض مختبره.

 

هزّ ليو رأسه كما لو أنه استسلم لمحاولة إقناعه، لكن دون وعي، بدأ يتابع حركة قلمه بنظره.

 

وفجأة، قطّب حاجبيه بحدة.

 

“هذا..…”

 

و شعر كأن مطرقةً حديدية ضربته على رأسه وهو يحدّق في التعويذة التي كان دانتي يدونها.

 

فأسرع بالاقتراب منه ليحدق في الرقّ عن قرب.

 

“هذه…..من أين تعلّمت هذا؟!”

 

لكن دانتي اكتفى بهزّ رأسه.

 

هل يعني أنه لا يعرف؟ أم أنه لا يريد أن يجيب؟

 

مرّر ليو يده بعنف بين شعره وهو يحدّق في دائرة السحر التي رسمها دانتي.

 

“هذا السحر…..سحرٌ محظور ومختوم..…”

 

كان بوضوح سحر “العودة بالزمن إلى الوراء”.

 

____________________

 

ياعمري هو دانتي ورعي ضموووه🫂

 

ليو حلو الصدق بس شكله حبه يعبر عنه بالضرب ولا وش😂

 

المهم دانتي استحمل سحر محظور عشان ايرفين ورعي ماخلا اي مجال لباقي الابطال✨✨

 

Dana