تنهدت وأنا أحدق في شعري الكثيف ذي اللون الكستنائي الفاتح المنعكس في المرآة، وفي حدقتيّ اللامعتين بلون يشبه البيريدوت المصهور.
*صورته اول فصل
“لماذا عيني يجب أن تكون بلون البيريدوت بالذات! لو كانت زمرديةً فقط، لكنت تجسدتُ في رواية مختلفة!”
هكذا بدأت وانتهت حياتي الرابعة في آنٍ واحد. لأني تجسدت في شخصية مريضة بمرض عضال.
‘أليس من المفترض أن اتجسد في حياة طبيعية ولو لمرة واحدة؟ تباً! ليذهب العالم إلى الجحيم!’
غضبي تجاه العالم كان له ما يبرره. فليست هذه أول مرة أتجسد فيها بجسدٍ مريضة بمرض عضال.
في حياتي الأولى، كنت طالبةً بائسة تدرس للامتحانات ليلًا ونهارًا حتى سقطت ميتة من الإرهاق.
أما الثانية، فكنت أميرةً في سيناريو درامي لدولة منهارة. ولأن الانهيار جاء فجأةً ودون مقدمات، لم يكن هناك مجالٌ للتدخل.
وفي الثالثة، كنت شخصيةً ثانوية في لعبة رعب، لكن المشكلة أنني لم ألعبها من قبل. فقررت التمسك بالفتى الجميل والهزيل الذي بدا أضعفهم، لكنه كان العدو الرئيسي في النهاية! وفي الأخير، قُتلت على يد هذا القاتل السيكوباتي بوحشية.
‘لكن على الأقل هذه المرة أنا داخل رواية سبق أن قرأتها.’
خلافًا لحيواتي السابقة التي لم أكن أعرف نهايتها، هذه المرة أعرف تفاصيل القصة الأصلية. و من السهل أن أجد طريقة للنجاة.
بل يجب أن أجدها.
أليس من الظلم أن أموت أربع مرات بعد كل ذلك الصراع؟
‘إيرفين كوينيارديل، الابنة الوحيدة لأسرة الكونت كوينيارديل.’
إيرفين كانت شخصيةً ثانوية في رواية فانتازيا رومانسية قرأتها في حياتي الأولى. بل وكانت شريرةً مزعجة تضايق البطلة طمعًا في البطل.
“من الزينة الفخمة في كل مكان، يبدو أنني بالفعل داخل قصر الدوق هايفن.”
إيرفين هي الصديقة الوحيدة من الجنس الآخر لإيدن هايفن، الابن البكر لدوق هايفن وبطل الرواية.
فقدت والديها في حادث عندما كانت صغيرة، ومنذ ذلك الحين تعيش في قصره.
وبعد أن تذكرتُ معظم ما يتعلق بإيرفين، أخذت أضرب الأرض بقدمي من شدة الفرح.
لكن فجأة شعرت بدوار شديد وكدت أتقيأ.
“أوه…..ما خطب هذا الجسد؟ قفزةٌ واحدة فقط جعلتني هكذا.”
إيرفين كانت ضعيفة البنية منذ الطفولة. و كانت تتناول المسكنات عدة مرات يوميًا حتى بات الإغماء جزءًا من يومها، ومع ذلك لم يتمكن أحد من تحديد السبب.
استدعى الدوق هايفن وزوجته أفضل الأطباء ليس فقط في المملكة بل من الإمبراطورية أيضًا، لكن لم يستطع أحدٌ معرفة السبب.
وهذا طبيعي. لأنها لم تكن مريضة، بل كان جسدها يختزن كميات هائلة من الطاقة السحرية!
“سحر أو غيره، عليّ أن أستلقي أولًا. أشعر بالغثيان وسأموت إن بقي الأمر هكذا.”
تمدّدت على السرير بهدوء وأخذت أحدق في السقف المزين برسوم متقنة.
“لننجُ هذه المرة. لا بد أن أنجو.”
تمتمت لنفسي بإصرار مليء بالعزيمة. وفي تلك اللحظة بالذات.
طق. طق. طق-
صدر صوتٌ غريب من نافذة الشرفة. فنهضت من مكاني فجأة.
“يا إلهي.”
و شعرت بدوار شديد. فقط لأنني نهضت من السرير، شعرت بالدوار والغثيان.
وضعت يدي على جبهتي وانتظرت حتى أتحسن، لكن الصوت تكرر مجددًا.
طق. طق. طق-
تنهدت تنهيدةً طويلة، و التقطت أنفاسي، ثم نهضت من مكاني.
و لحسن الحظ، كنت أفضل حالًا بكثير من ذي قبل.
“هل من يطرق هو طائرٌ ما؟”
اقتربت بحذر. و أزحت الستارة التي تسرب من بين طياتها ضوء القمر.
لكن لم يكن هناك أي طائر، ولا أي شيء آخر.
“ما هذا؟”
فتحت النافذة وخرجت. و كانت نسائم أوائل الربيع لا تزال باردة.
ثم اقتربت من سور الشرفة ونظرت للأسفل، لكن كالعادة، لم يكن هناك شيء.
“هل كان مجرد صوت الريح؟”
استدرت دون أن أعير الأمر اهتمامًا. لكن فجأة، ظهرت أمامي هيئةٌ لم تكن موجودةً قبل لحظات.
“آآااه!”
فصرخت بفزع وتراجعت إلى الوراء. و أمسكت صدري المتسارع وأطلقت أنفاسي المضطربة.
“مـ-من أنت؟!”
تقدم الغريب خطوةً بخطوة. و كلما اقترب، تراجعت أكثر، لكنني اصطدمت بسور الشرفة، ولم يعد هناك مجالٌ للهرب.
وفي تلك اللحظة، انزاحت الظلال عن وجهه.
‘يا إلهي، ما هذا…..مذهلٌ حقًا.’
شعره الداكن الذي يشبه سماء الليل تمايل مع نسمات الرياح. و كانت عيناه المرتفعتان قليلًا تبدوان حادتين، لكن الشامتين الصغيرتين تحت إحدى عينيه منحتاه هالةً غامضة تناسبه تمامًا.
بكلمة واحدة، كان وسيماً بشكلٍ جنوني.
حين داعبت الرياح غُرّته ولامست أطراف عينيه، مرر يده بلا اكتراث بين خصلات شعره.
كان يبدو متراخيًا، ومع ذلك كانت تنبعث منه جاذبيةٌ مشبعة بالإغواء، ليمنح من يقف أمامه هالةً من الانبهار الآسر.
‘كيف لإنسان أن يكون وسيمًا إلى هذا الحد؟ هل هذا معقول؟’
كنت أحدّق بذهول في ملامحه.
“هـ…..هاه؟ ما…..ما الذي يحدث؟”
ثم امتلأت عيناه بالدموع، و انسابت بهدوء على وجنتيه.
و قبل أن أتمكن حتى من التفكير في هويته، تحركت شفتاه.
“إيرفين..…”
لم يكن وقع اسمي الخارج من فم غريب هو ما أربكني، بل كان حزنه الصامت الذي تساقط كثلج الشتاء هو ما أوغر قلبي بالأسى.
و الغريب أن دموعه بدت وكأنها تتساقط مباشرةً فوق قلبي، تشد صدري بقوة.
كنت في حيرة من أمري، وعيناي تتنقلان في توتر، حينها تحدّث،
“فاجأتكِ، أليس كذلك؟ لأنكِ لا تعرفينني.”
“آه…..نعم..…”
ابتسم ابتسامةً رقيقة ودموعه لا تزال تلمع في عينيه.
كانت عينيه تشبه حجر التوباز حين يلمع تحت ضوء القمر، قبل أن تنزلق دمعةٌ أخرى على خده.
ثم واصل حديثه.
“اسمي دانتي. أنا…..”
مهلًا، دانتي؟ إن كان هو دانتي..…!
كان ذلك اسم الساحر العظيم الذي ظهر في الرواية الأصلية للحظة فقط.
فتحدثت إليه مبتسمةً بفرح غامر،
“أنتَ الساحر؟”
لكن ربما لم يكن علي التظاهر بمعرفته. فما إن قلتها، حتى امتلأت عيناه بالدموع مجددًا، وقضم شفتيه وكأنه يحاول كبحها.
فوقفت في مكاني، عاجزة عن الفهم، أحدّق فيه بصمت.
“…..أعتذر. لم أسمع هذه الكلمة منذ وقتٍ طويل.”
“لا، لا بأس! أنا بخير.”
“لدي ما أقوله لإيرفين. قد يبدو مفاجئًا، لكن أرجوكِ استمعي لي.”
لم أكن أعرف أبدًا ما الذي سيقوله، لكنني أومأت برأسي على أي حال.
فإن كان دانتي فعلًا كما ظننت، فقد يستطيع مساعدتي بتعليمي السحر أو شيءٍ من هذا القبيل، لذا كان من الأفضل أن أبدو متفهمةً أمامه.
“لقد التقيت بإيرفين من قبل.”
“بي أنا؟”
لكن ما خرج من فم دانتي كان اعترافًا غريبًا وغير متوقع.
هل كانت هناك صلةٌ بيننا قبل بدء القصة الأصلية؟
“نعم. أنا وأنتِ التقينا في المستقبل.”
“…..في المستقبل؟”
لكن ما قاله بعدها كان أكثر صدمة بكثير.
قال أنني كنت في هذا العالم منذ مدة، وإنني بالفعل تعلمت منه كيفية استخدام الطاقة السحرية وتحررت من مصيري كمريضة ميؤوس منها.
لكني قُتلت لاحقًا على يد شرير كان يخفي هويته.
والأدهى من ذلك، أن دانتي لم يستطع تحمل حزنه على فقداني، فلجأ إلى تعويذة محرّمة تُعيد الزمن إلى الوراء.
أما أكثر ما صدمني على الإطلاق، فكان أن القاتل لم يكن سوى إيدن، الذي تجسّد فيه شخصٌ آخر.
“لا أستطيع تصديق هذا..…”
كل هذه المعلومات التي انهمرت دفعةً واحدة جعلت رأسي ينبض بالألم.
ثم مد دانتي يده نحوي بعد أن أنهى كلامه. و كان في يده قطعتا حجر صغيرتان.
“ما هذان؟”
“إنهما حجرا ذاكرة. جلبت فيهما ذكرياتكِ.”
“لكن، لماذا اثنان؟”
“إحدى القطعتين تحتوي على معظم ذكرياتكِ. أما الأخرى..…”
تردد دانتي قليلًا ولم يستطع إكمال كلامه بسهولة. ففتح فمه وأغلقه مرتين قبل أن يتكلم أخيرًا.
“الأخرى تحتوي على ذكرياتكِ في لحظة موتكِ. خشيت أن يكون من الصعب عليكِ تقبّلها دفعةً واحدة، لذا قسمتهما.”
حدقتُ في حجري الذاكرة اللذين كانا على راحة يده وسألته بتردد،
“هل يحتويان على كل ذكرياتي؟”
“ليس كل شيءٍ تمامًا. لم أكن في وعيي الكامل حينها.”
أخذت نفسًا عميقًا من أنفي وزفرته ببطء. ثم مددت يدي والتقطت كلا الحجرين معًا.
نظر إليّ دانتي بقلق وقد بدت الدهشة واضحةً في عينيه.
“هل ستكونين بخير؟”
“همم…..لا أعلم، لكن إن كان قدري أن أعرف، فلا مهرب من تقبّله.”
فابتسم دانتي بهدوء،
“توقعت هذا من إيرفين.”
ثم مد يده الكبيرة ووضعها بلطف فوق ظهر يدي.
“وبما أنكِ لا تعرفين كيفية استخدام السحر بعد، فسأساعدك.”
السحر!
قلبي نبض بسرعة رغم أن اللحظة لم تكن مناسبة. فرفعت بصري إليه بقليلٍ من الترقب، ثم رأيت وهجًا أزرق يلمع حوله.
الضوء الأزرق امتد من ذراعه إلى يدي، ثم بدأ يلفّ جسدي. وفجأة، اندفعت إلى ذهني شظايا من الذكريات كموج البحر.
نعم. هكذا كان الأمر. لقد كنت أعيش حياتي الثانية بشخصية إيرفين.
وما إن عادت إليّ كل الذكريات، حتى خارت قواي وانهرت جالسةً على الأرض.
“هل أنتِ بخير؟”
فزع دانتي وجثا على الأرض أمامي بسرعة، ثم التقت أعيننا.
فحدقت في عينيه المليئتين بالعاطفة، لكن رؤيتي بدأت تزداد ضبابية.
“دانتي..…”
و ما إن نطقت اسمه حتى سمعت صوت أنفاسه المرتجفة المنخفضة.
كانت دموعي تتساقط بغزارة حتى أنني لم أعد أرى ملامحه بوضوح. لمسحت عينيّ بكمّي بقوة، و رأيت دانتي وقد احمرّت عيناه بالدموع تمامًا مثلي.
“كنت دائمًا أرغب أن أقول شيئًا إن التقيت بكَ مجددًا يا دانتي.”
حاولت النهوض، لكن جسدي ترنّح من الوهن. فسرعان ما احتضنني دانتي بذراعيه.
“أنا أحبكَ.”
ثم تجمدت يده التي كانت تلامس خصري عند كلماتي المفاجئة. وبدا وكأنه نسي حتى كيف يرمش.
“لقد عدتُ…..وكان بيننا وعد، أليس كذلك؟”
رفعت ذراعي لأحيط بعنقه، وابتسمت له بعينين دامعتين.
“ألن تمنحني قبلة؟”
وما إن نطقت بذلك، حتى التصقت شفتاه بشفتيّ.
و في مطلع ربيعٍ يضيئه قمرٌ مكتمل، واصلنا التأكد من وجود بعضنا البعض بلا نهاية.
____________________
اسرع رجعة بس شلون كيف وش سحر العودة بالزمن ذاه بعد😭
الصدق اشوااا حسبتها بتتجسد في عالم ثاني وتتذكره ثم هو يسافر بين العوالت وكذاته بس طلع خيالي شاطح😂
بس يجنننن فصل ذكريات موتها عشان مايوجعها😔🫂
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 77"