ركبتُ العربة التي كانت متوقفةً قرب الميناء مع دانتي. و بما أن الطريق إلى أرديل كان طويلاً إلى حد ما، فقد كان مناسبًا لتبادل الحديث.

 

لكن المشكلة كانت في كيفية البدء بالكلام.

 

دانتي، الذي كان يراقبني وأنا أفكر، هو من بدأ الحديث أولاً.

 

“هل ستخبرينني الآن؟”

 

“هممم……من أين يجب أن أبدأ الحديث يا ترى.”

 

ترددت للحظة ثم واصلت الكلام.

 

“لقد أخبرتكَ سابقًا أنني متجسدة، في الحقيقة هذه ليست أول مرةٍ أتجسد فيها.”

 

“ليست أول مرة؟”

 

“حسب ما أتذكر، هذه هي حياتي الرابعة. في الحيوات السابقة كلها، متّ في وقتٍ مبكر.”

 

أطلق دانتي تنهيدةً خفيفة. ولكي لا يقلق أكثر، حاولت أن أبدو مشرقةً قدر الإمكان وأنا أتابع الحديث.

 

“لكن رغم كل شيء، كنتُ أميرةً سابقًا! طبعًا، انتهى الأمر بسقوط المملكة بسبب التمرد……”

 

هذا ليس ما أردتُ قوله.

 

“آه! وقد سافرت مع أناسٍ إلى برج عالٍ! رغم أنني قُتلت على يد قاتل مجنون……”

 

كلما أكملت الحديث، كان دانتي ينظر إليّ بوجه يغمره القلق. وفي النهاية، غيرت الموضوع.

 

“هذا المكان هو داخل كتابٍ قرأته في حياتي الأولى.”

 

“كتاب؟”

 

“نعم، عالم روايةٍ كنت أحبها.”

 

بدا دانتي مشوشًا. وهذا طبيعي، فمن ذا الذي لن يُصدم حين يكتشف أن العالم الذي عاش فيه كان مجرد عالم داخل رواية، وأنه مجرد شخصيةٍ فيها؟

 

لكن دانتي بدا وكأنه تكيّف مع الأمر بسرعة نوعًا ما.

 

“في الرواية، هل إيرفين……ماتت؟”

 

كان الحديث عن موتي يبدو أصعب حتى من كل ما سبق.

 

فأومأت برأسي بخفة على سؤال دانتي الحذر.

 

“نعم، صحيح. هذه الرواية هي روايةٌ رومانسية، وتدور حول قصة حب جذابة بين بطل غير عادي وبطلة تبدو عاديةً نوعًا ما لكنها تخفي قوة بداخلها.”

 

“هل إيرفين هي البطلة؟”

 

“لا. البطلة لا تمو—”

 

كنت على وشك قول أنها لا تموت، لكني توقفت. فلاحظ دانتي ترددي،

 

“هذا يبعث على الارتياح.”

 

كيف يمكن أن يكون هناك شخصٌ مثله؟

 

لو علم الناس أن العالم الذي يعيشون فيه ما هو إلا عالم داخل كتاب، وأنهم مجرد شخصيات فيه، ألن يسألوا من يكونون أو ماذا سيكون مصيرهم؟

 

لكن دانتي لم يسأل شيئًا عن نفسه إطلاقًا. و كان كل ما يشغله هو الاطمئنان عليّ والقلق من أجلي.

 

تبادلت النظر مع دانتي ثم أضفت،

 

“أنا أظهر في الرواية كصديقةٍ مقربة للبطل. فقدت والديّ في سن مبكرة، وكنت أعيش في منزل عائلة البطل منذ الصغر……لكن للأسف، لم أقدر ذلك الجميل، بل كنتُ أشعر بالغيرة من العلاقة بينه وبين البطلة. لذلك كنتُ أؤذيها أحيانًا.”

 

توقفت لبرهة ثم واصلت،

 

“بعدها تم طردي من قصر الدوق هايفن. لكن إيرفين كانت ضعيفةً جسديًا منذ الطفولة. و لم يعرف أحدٌ سبب مرضها رغم استدعاء أفضل الأطباء. في الحقيقة، السبب كان امتلاكها لكمية هائلة من القوة السحرية……وفي النهاية، بينما كانت تتجول في الشوارع بعد طردها، انفجرت تلك القوة غير المفرغة داخلها وماتت.”

 

استمع دانتي لكلامي في هدوء. وأثناء إيمائه برأسه، نطق فجأة.

 

“هل من الممكن أن يكون بطل الرواية هو ذلك الشخص الذي رأيته من قبل؟”

 

“نعم، كما توقعت، إنه إيدن. رأيته مرة في القصر الملكي، أليس كذلك؟ أما البطلة فهي……”

 

تعذر عليّ إخراج الكلمات بسهولة. فما زلت غير مصدقةٍ للواقع، و ترددت كثيرًا قبل أن أتابع الحديث.

 

“إنها ماي، ابنة البارون توريتينا. لم يتبقَ أسبوعٌ على لقائها الأول مع إيدن، لكنها……”

 

أخذت نفسًا عميقًا مرارًا وتكرارًا.

 

“ماي توريتينا ماتت. في حادث السفينة الذي حدث قبل قليل.”

 

كانت ماي في طريق عودتها اليوم من بعثة دراسية قصيرة. وتبدأ الرواية حين تُجبرها والدتها على حضور حفل الماركيزة نيل.

 

ماي، التي كانت تفضل الدراسة على الرقص أو الاختلاط بالناس، جلست تقرأ كتابًا في زاوية قاعة الحفل، وهناك اقترب منها إيدن بعدما راقبها باهتمام.

 

وهكذا تبدأ علاقتهما وتزدهر قصة حبهما……لكن الآن……

 

“ماذا يحدث إذا ماتت البطلة؟”

 

تمتمت كمن يحدث نفسه. وكما هو متوقع، دانتي لم يستطع الرد، فاكتفى بالنظر إليّ بصمت.

 

ما الذي سيحدث لرواية اختفت بطلتها؟

 

لم أعد أستطيع التنبؤ بشيء.

 

‘هل يمكن أن يكون ذلك بسببي؟’

 

من مرض ملك وينستالياً إلى وفاة ماي، هل كل ذلك حصل لأنني خرجت من قصر هايفن محاولًة تغيير النهاية؟

 

حين فكرت بهذا الشكل، تسرب عرق بارد فجأة على ظهري، وخرج نفسٌ ضعيف من بين شفتي المرتجفتين.

 

وبينما كنت أعض شفتي بقلق، خاطبني دانتي،

 

“كنت أنوي قول هذا قبل قليل في الميناء، لكن لم أستطع بسبب أن ملامحكِ كانت قاتمة، وقبل كل شيء، كنتِ على وشك الوقوع في أمر خطير.”

 

وعندما سمعت كلماته، رفعت رأسي فجأةً وقد صدمت، فالتقت عيناي بنظرته الجادة.

 

و بدأ التوتر يتسلل إليّ بلا سبب حتى بدأت يداي تتعرقان.

 

ثم أخذ دانتي نفسًا عميقًا ثم فتح فمه ليتحدث.

 

“لقد شعرت بوجود سحر أسود في السفينة التي تحطمت.”

 

فتحتُ شفتاي تلقائيًا. و الشيء الذي كنت قد نسيته عاد فجأة إلى ذهني.

 

“……سحرٌ أسود؟”

 

“نعم، تمامًا.”

 

دانتي وليو قالا في السابق أن ساحرًا أسودًا هو من سرق طاقتي السحرية. لكن ما الغرض من إغراق السفينة بالسحر؟

 

لم أستطع فهم الأمر على الإطلاق.

 

‘هل كان على متن السفينة أحدٌ يحمل له الحقد؟’

 

واصلت التفكير حتى بدأ رأسي يؤلمني.

 

ثم راودتني فجأةً فكرةٌ أخرى.

 

‘هل يمكن أن يكون الساحر الأسود متجسدًا أيضًا؟’

 

لا يمكنني الجزم بأنه لا يوجد متجسدٌ غيري. 

 

وإن كان الأمر كذلك، فلماذا استهدف ماي توريتينا، بطلة الرواية؟

 

من دون البطلة، لا يمكن للرواية أن تتقدم.

 

لكن، ماذا لو أن القصة لن تتوقف حتى من دون وجود البطلة؟

 

‘هل يمكن أنه يحاول أخذ مكان البطلة؟’

 

ظلت الأفكار تتوالى واحدة تلو الأخرى، فبدأت أعصر رأسي بيديّ في إحباط وارتسمت على وجهي ملامح الحزن.

 

دانتي، الذي كان يراقبني، سألني بهدوء،

 

“هل أنتِ بخير؟”

 

“لا……لا أفهم أي شيء. ولا أعرف ماذا يجب أن أفعل.”

 

أرخيت جسدي وأسندت رأسي على جانب العربة هامسةً بصوت خافت.

 

“يجب أن أُجري تحقيقًا. لا بد أن أكشف من هو الساحر الأسود، وسأفعل ذلك حقًا.”

 

وهكذا، بعد أن عدت إلى القصر، بدأت أضع خطةً جادة لبدء التحقيق.

 

إن أمسكته فعلًا، فلن أدعه يفلت دون عقاب.

 

***

 

في اليوم التالي. تركت نوكس مع كايدن وتوجهت مجددًا نحو الميناء.

 

و في غضون يومٍ واحد، انخفض عدد المفقودين وازداد عدد القتلى.

 

عندما وصلت إلى الميناء، كان الناس محتشدين أمام حطام السفينة. و وسط ذلك الحشد، تمايل شعر زهري باهت اللون في الهواء.

 

يبدو أن كاين قد تولى الأمر بنفسه نظرًا لضخامة الحادث على مستوى الدولة.

 

‘هل تكون السيدة ذات الشعر الأشقر بجانبه هي أميرة الإمبراطورية؟’

 

عندما رأيت شعرها الطويل الذهبي الممتد حتى خصرها، وعينيها الحمراوين المتقدتين، خطرت على بالي فورًا.

 

في الرواية الأصلية، كانت الأميرة تتلقى المساعدة من ماي. ومنذ ذلك الحين، تصبح حليفتها وتدعمها بكل ما أوتيت من قوة.

 

‘قالوا أن كاريزمتها لا تُضاهى، ويبدو أني أشعر بذلك حتى من هذه المسافة.’

 

مع ظهور شخصيةٍ جديدة وسط المزاج الكئيب المخيم على المكان، أخذت نفسًا عميقًا وتقدمت للأمام.

 

لم يأتِ دانتي معي، ربما بسبب ازدحام الناس.

 

و كانت مراسم الصلاة من أجل الضحايا وأُسرهم قد انتهت بالفعل.

 

كاين، الذي لمحني من بعيد، رحّب بي بابتسامة خفيفة.

 

“كونتيسة كوينيارديل. لم أكن أتوقع رؤيتكِ هنا.”

 

“هل كنتَ بخير طوال هذا الوقت، سموّك؟”

 

“ما الذي أتى بكِ إلى هذا المكان؟”

 

تفاجأت قليلًا من سؤاله غير المتوقع، ثم تلعثمت.

 

“آه…..سمعت أن أحد أصدقائي كان من ضحايا الحادث.”

 

“يا للأسف، لم أكن أعلم أنكِ مررتِ بأمر كهذا.”

 

“أنا أيضًا لم أعلم إلا مع بزوغ الفجر اليوم، ولهذا أتيت مسرعة، لكن يبدو أن الأمور بدأت تُنظم بالفعل.”

 

في تلك اللحظة، اقتربت الأميرة التي كانت تشرف على موقع الحادث وبدأت الحديث.

 

“كاين، من تكون هذه السيدة؟”

 

تفاجأت قليلًا من نبرة صوتها المهيبة فانحنيت برأسي بسرعة.

 

بينما أجاب كاين بصوت منخفض على غير عادته، بخلاف نبرته اللطيفة التي كان يحدثني بها.

 

“هذه السيدة هي إيرفين كوينيارديل، كونتيسة عائلة كوينيارديل.”

 

“هكذاً إذاً، سررتُ بلقائكِ. أنا إغنييل جين دو شيرتا.”

 

كنت أنظر خلسةً إلى حوارهما ورأسي منخفض، حتى أفقت فجأةً على نفسي.

 

فتظاهرت بالهدوء وعدلت نبرة صوتي ثم انحنيت مؤديةً التحية باحترام.

 

“يشرفني رؤية صاحبة السمو، أميرة إمبراطورية شيرتا العظيمة.”

 

شعرت بالتوتر يملأني دون وعي، حتى أن قدمي التي سحبتها للخلف أخذت ترتجف.

 

“ارفعي رأسكِ.”

 

عندما سمعت كلمات إغنييل، رفعت رأسي ونظرت إليها بطرف عيني، فبدت ملامحها ساحرةً لدرجة أني انبهرت دون إرادة.

 

وجدت نفسي أحدق فيها بشرود، ولم أعد إلى صوابي إلا حين ابتسمت إغنييل برفع زاوية شفتيها تجاه نظرتي الملتصقة بها.

 

ثم تحدثت إليّ مجددًا وأنا أحاول التظاهر باللامبالاة.

 

“كوينيارديل…..لقد سمعت عن نوكس. يقال إنه محبوبٌ من قبل الجميع، ليس فقط في مقاطعتكِ بل في المملكة كلها.”

 

“هذا غير صحيح. الناس يأتون فقط ثقةً في الكونت السابق.”

 

بعد ذلك، دار بيننا حديثٌ بسيط. من حديث عن رغبتها في زيارة نوكس يومًا ما، إلى اقتراحها بفتح فرع في شيرتا.

 

كنت أستمع بدهشة دون أن أتمكن من الرد، ثم استدرت بلا وعي.

 

وفي تلك اللحظة، لفتَ بصري هيئة مألوفة تمامًا.

 

__________________

 

وناسه دامها عرفت تعلم دانتي يعني باقي الاعتراف✨

 

كاين واضح ماتخطى حتى صوته معها توه حنون😭

 

المهم ودي ايرفين تصير صديقة الاميره🤏🏻

 

Dana