“هل أنتِ بخير؟ لون وجهكِ سيئٌ للغاية. ألم تنامي جيدًا؟”
كان صوت ليج وهي تقدم لي الماء مليئًا بالحماسة. و ربما لأنها كانت تعرف تمامًا لماذا لم أنم، فلم تبدُ عليها ملامح القلق حقًا.
فرمقتها بنظرةٍ غاضبة قبل أن آخذ كوب الماء الذي ناولتني إياه.
“آه، أنا متعبة. أريد أن أنام أكثر.”
“تناولي الإفطار ثم نامي قليلاً بعده. أليس من الأفضل أن تذهبي إلى القصر الملكي بعد أن تستريحي؟”
“همم، هل أفعل ذلك؟ ماذا عن الجريدة اليوم؟”
كعادتي بدأت أبحث عن الجريدة أولًا.
ليج، وكأنها كانت تتوقع طلبي، ابتسمت وسلمتني الجريدة.
في الصفحة الأولى ظهرت صورة كاين وهو يلقي الكلمة بنجاح، وقد احتلت وجهه الصورة الكبيرة.
وكانت الصفحة مليئةً بأخبار المهرجان تحته.
‘يا للراحة.’
بعكس ما كنت أخشاه، كانت البداية ناجحة، فتنفست الصعداء. ثم قلّبت الصفحة التالية مباشرة.
“ما هذا……؟”
لم أصدق ما قرأته، فقبضت على الجريدة بشدة و جعّدتها.
ليج، التي كانت ترتب الفراش المبعثر طوال الليل وتفتح الشرفة للتهوية، أسرعت إليّ مذعورة.
“ما الأمر؟ هل تتألمين في مكان ما؟”
“……لا، ليس كذلك.”
لكن رأسي كان ينبض بالألم.
وضعت يدي على جبيني، فزادت ليج من قلقها وركعت لتكون في مستوى نظري.
“هل……هل أستدعي الطبيب؟”
“لا، أنا بخير.”
“إذًا، سأحضر لكِ الدواء حالًا!”
“أنا بخير، ليج.”
“لكن حالتكِ سيئةٌ جدًا!”
لوّحت بيدي بتعب، محاوِلةً أن أبتسم بهدوء. فنظرت إليّ ليج بوجه مليء بالقلق.
“ليج، أريد أن أبقى وحدي. هل يمكنكِ تركي للحظة؟”
“سيدتي……”
“أنا بخير، هيا الآن. حسناً؟”
ظلت تنظر إليّ مرارًا وتكرارًا قبل أن تغادر الغرفة.
ثم تنهدت بعمق وعدت أتفحص الصحيفة من جديد.
“أرجوكَ، أرجوك لا تقل أن ذلك صحيح.”
فتحت الجريدة المجعدة بحذر. و بعد الصفحة التي يظهر فيها كاين مبتسمًا، ظهرت أمامي صفحةٌ بعنوان عريض.
[عاجل: غرق السفينة بريليانت ومصرع ثلاثين راكبًا وفقدان اثنين وخمسين آخرين]
حبست أنفاسي المرتجفة وبدأت أقرأ الخبر.
[غادرت السفينة بريليانت من إمبراطورية تشيرتا لكنها لم تتمكن من الوصول إلى مملكة وينستاليا، إذ اصطدمت بصخورٍ وغرقت. و بدأت عمليات البحث فورًا، لكن الثلاثين الذين تم العثور عليهم حتى الآن كانوا جميعًا جثثًا، وما زال مصير اثنين وخمسين آخرين مجهولًا.
للاطلاع على قائمة القتلى والمفقودين، يُرجى مراجعة الأسماء أدناه.]
أغمضت عيني بقوة ثم فتحتهما ونظرت إلى القائمة.
و بحثت مجددًا عن الاسم الذي رأيته سابقًا.
لم يكن موجودًا في قائمة المفقودين. فأنزلت نظري إلى الأسفل لأتأكد من قائمة المتوفين.
كان هناك اسمٌ لافت للنظر بين الأسماء.
[ماي تورتينا (متوفاة)]
فأطلقت تنهيدةً قصيرة.
“هذا غير معقول……ما الذي يحدث بحق……؟”
أمسكت رأسي الذي بدأ ينبض بالألم كما لو أنه سينفجر، وأطلقت أنفاسي بصعوبة.
ماي تورتينا. ابنة البارون تورتينا، والزوجة المستقبلية لدوق عائلة هيفن، وكانت بطلة هذه الرواية.
‘ماي تورتينا ماتت؟’
لم أستطع تصديق ذلك.
ظننت أني قرأت الاسم خطأ، ففركت عيني مرارًا. لكن اسمها بقي هناك، في مكانه، دون تغيير.
“كيف يمكن لشيء كهذا أن يحدث؟”
هل من الممكن أن تموت البطلة؟
أليس هناك ما يُعرف بحماية البطل؟ حتى لو ظهر أشرارٌ أقوياء، فإن البطل هو من يتغلب عليهم دائمًا.
الرواية بأكملها كانت تُروى من منظور البطلة ماي، فماذا سيحدث إن لم تعد موجودة؟
كنت بحاجةٍ لأن أرتب أفكاري المشوشة أولًا.
‘بما أن احتفال تأسيس المملكة بدأ البارحة، فلم يتبقَ سوى أقل من أسبوع على موعد ظهور ماي.’
لكن بسبب حادثة الغرق التي لم تحدث أصلًا في الرواية الأصلية، ماتت البطلة.
‘إذا لم تكن هناك بطلة، فماذا سيحدث للرواية؟ هل ستنتهي هكذا فجأة؟ أم أنني……سأعود بالزمن إلى ما قبل موت ماي؟’
قمت بسحق الجريدة بيدي ورميتها بعيدًا. ثم ألقيت بنفسي على السرير.
“أي ترتيب أفكار؟ كلما فكرت أكثر، ازداد الأمر تعقيدًا.”
وبينما كنت أفكر وأنا مستلقية، خطر ببالي أمرٌ فجأة.
‘أليس من الممكن أن يكون هناك تشابه أسماءٍ فقط؟’
فنهضت فجأةً من السرير وغادرت الغرفة.
ثم فتحت الباب على مصراعيه وتوجهت فورًا إلى غرفة الملابس. فمهما كنت مستعجلة، لا يمكنني الخروج بملابس النوم.
“سيدتي!”
رأتني ليج وأنا أقطع الرواق بخطواتٍ سريعة، فأسرعت للحاق بي.
“سأخرج قليلًا.”
“ماذا؟ لكنكِ قلتِ أنكِ ستستريحين اليوم!”
“حدث أمرٌ طارئ. آسفة، لكن أخبري كبير الخدم أن يرسل رسالةً إلى القصر. يبدو أنني لن أتمكن من الذهاب اليوم.”
“أ- أجل! سأُخبره بنفسي!”
“هلا تفعلين ذلك من أجلي؟”
لأنني كنت أتصرف بعجلة وارتباك، أصبحت ليج بدورها متوترة. فأومأت برأسها وركضت على الفور إلى حيث يوجد كبير الخدم.
دخلت إلى الغرفة بمفردي، وبدّلت ملابسي إلى زيّ خارجي خفيف، ثم أخذت عباءتي وغادرت القصر.
***
استقليت العربة وتوجهت مباشرةً إلى الميناء.
في ميناء لوكيل، الذي تمر فيه عشرات السفن يوميًا، كانت هناك سفينةٌ ضخمة موضوعة على اليابسة، وكان المئات من الناس يتجمعون حولها.
بدت السفينة المحطمة التي ظهرت في الخبر أمامي.
فغطيت رأسي جيدًا بقلنسوة الرداء واقتربت أكثر.
“لم يحدث شيءٌ كهذا من قبل، ما الذي جرى يا ترى……”
“لم يجدوا أيًا من المفقودين حتى الآن……أشعر بالحزن حقًا.”
و اختبأت بين الحشود أراقب الموقف.
لكن بما أن الحادث وقع قبيل الفجر، فقد كانت الأمور قد نُظمت بالفعل، فلم أتمكن من الحصول على أي خيط مهم.
وفي اللحظة التي كنت على وشك أن أُدير ظهري بخطواتٍ ثقيلة……
“ذلك الرجل……”
كان هناك رجلٌ يقف بلا حراك، يحدّق تارةً في البحر وتارةً في السفينة، بعينين دامعتين.
رجلٌ يملك عينين زرقاوين صافيتين لا تناسبان شعره البني العادي.
بمجرد أن رأيت تلك العينين، لم أستطع منع تنهيدةٍ خرجت من صدري. لقد كان ذلك الرجل بلا شك هو البارون تورتينا، والد ماي تورتينا.
‘وجوده هنا يعني أن ماي تورتينا التي ورد اسمها في الصحيفة هي فعلًا بطلة الرواية.’
خرج تنهدٌ طويل كنت أحاول كبحه.
و ربما لأنني كنت مرهقةً نفسيًا للغاية، أصبحت الدنيا تدور أمامي وفقدت طاقتي. فتعثرت دون وعيٍ مني.
لحظة، البحر بجانبي مباشرة……
أغمضت عيني على الفور، ظنًا أن الأوان قد فات. لكن فجأة، شعرت بيد تمسك بي بثبات. و لولا ذلك الشخص، لسقطت في البحر.
“شكرًا……جزيلًا.”
شكرت منقذي بشكل انعكاسي ورفعت رأسي.
“دانتي……”
ظهر دانتي فجأة، وهو يمسك بذراعي وعبوسٌ خفيف يتشكل بين حاجبيه.
“ماذا تفعلُ هنا؟”
“هذا ما يجب أن أسألكِ أنا. ماذا تفعلين هنا؟”
كان صوته غاضبًا.
“كان عليّ التأكد من شيءٍ فقط. شكرًا لكَ، لقد أنقذتني.”
أجبت بابتسامةٍ خفيفة، لكن دانتي لم يُبدِ ارتياحًا، بل ازدادت عقدة الحاجبين بين عينيه.
“كِدتِ تموتين. هل ترين أن الوقت مناسبٌ للابتسام؟”
“لا، لا. فقدت توازني للحظة فقط، لا شيء كبير.”
“إيرفين.”
حتى بعد كلامي، زمجر باسمي بنبرة تحذير.
لم يكن هناك مجالٌ للتبرير، فقد كانت بالفعل لحظةً خطرة، لذا اكتفيت بابتسامة معتذرة.
فتنهد دانتي بعمق وسحبني إلى مكان آمن.
“قد يكون من المقبول أن تُنفذي خططًا متهورةً بوجودي، لأنني سأحميكِ حتى لو اضطررتُ للتضحية بحياتي. لكن عندما لا أكون معكِ، أرجوكِ توخي الحذر. فإن أصابكِ مكروه، لن أستطيع مسامحة نفسي.”
ابتسمت بهدوء لكلامه المليء بالقلق. عندها فقط أفلت دانتي يدي.
و كان لا يزال منزعجًا، فسألته بتردد،
“لكن……كيف عرفتَ أنني هنا؟”
“ذهبت إلى القصر، فقالت لي امرأةٌ ذات شعر بني أنكِ خرجتِ على عجل إلى مكان ما، فتتبعت أثر طاقتكِ السحرية.”
امرأة ذات شعر بني……لعلها ليج؟
تخيلت ليج وهي تؤلف قصصًا في رأسها مجددًا وبدأت أهز رأسي.
عندها سألني دانتي بهدوء،
“ما الذي يجري هنا بالضبط؟”
“قلت لكَ، أردت فقط التأكد من شيءٍ بسيط.”
“في هذا المكان؟”
أشار دانتي بذقنه نحو السفينة المحطمة.
صحيح، من منظوره، كل ما يراه هو أنني جئت إلى موقع الحادث وكدت أتعرض للخطر.
بدأت أفكر من أين عليّ أن أبدأ لشرح الأمر له، ثم عقدت العزم أخيرًا.
“ما رأيكَ أن ننتقل إلى مكان آخر أولًا؟ سأخبركَ بكل ما أعرفه.”
فأومأ دانتي برأسه.
وقبل أن أغادر الميناء معه، استدرت إلى الخلف. و كان البارون تورتينا لا يزال واقفًا في مكانه، يحدق في البحر بلا حراك.
نظرت أنا أيضًا إلى البحر، ووقفت لحظة في صمت ترحّم.
“لا أعرف ما الذي حدث بالضبط، لكنني سأبحث عن الحقيقة، يا ماي.”
همست بوداعٍ لن يصل، ثم غادرت الميناء.
__________________
تخيلوا ايدن له يد؟ مب بعيده
ما امدانا نستانس ايرفين بدت تفكر في دانت جا بوووم
بطلة قصة وفطست قبل تطلع؟ شقومهم ذولا😭
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 73"