كان حشداً لا يُعد ولا يُحصى من الناس يقفون على شكل دائرة وهم يتحدثون بمرح وضجيج.
وفي وسط الدائرة، كانت هناك كومةٌ من الأغصان المكدسة فوق بعضها البعض.
“يبدو أنهم يستعدون لشيءٍ ما.”
“يبدو أنهم سيشعلون النار.”
وأشار دانتي برأسه نحو جهةٍ معينة. فتابعتُ نظراته، فرأيت رجلًا يحمل شعلةً نارية ويتجه نحو المركز.
وبينما كنا نراقب، وصل الرجل إلى كومة الأغصان وأشعل فيها النار. و سرعان ما التهمت النيران الأغصان المتشابكة وارتفعت مشتعلةً بقوة.
وفجأة، بدأت الموسيقى تُعزف. عندها، بدأ الناس الذين كانوا يحيطون ببرج الأغصان يرقصون على أنغام الموسيقى، وراحوا يدورون في دائرةٍ وهم يضحكون.
‘يرقصون؟ هكذا فجأة؟’
تبادلنا أنا ودانتي النظرات بارتباكٍ شديد.
و لم نستطع أن نخرج من بين الناس، وبقينا واقفين في أماكننا نحرك أقدامنا بقلق.
‘علينا أن نسرع إلى الحفل……’
كان الجميع يرقصون بفرح ممسكين بأيدي عائلاتهم أو أحبائهم أو أصدقائهم، ووجوههم تفيض بالسعادة والابتسامات العريضة.
وفجأة، أمسك دانتي بيدي وسحبني.
“دانتي……؟”
“يبدون سعداء.”
“ماذا؟”
رفعت رأسي أنظر إليه بعد كلماته الغامضة، فإذا به يبتسم من جانب فمه، ثم بدأ يحاول تقليد رقصات الناس بخطواتٍ غير متقنة.
وبسبب يده التي تشدني، وجدت نفسي مضطرةً لمجاراته بالحركة.
لقد كان منظره مضحكًا للغاية، فانفجرت ضاحكةً دون أن أشعر.
وهكذا، رقصنا للمرة الأولى في مكان جئنا إليه لأول مرة، مع أناسٍ نراهم لأول مرة، على أنغام أغنية نسمعها لأول مرة في حياتنا.
كنت أمسك بيد دانتي، وأدور بجسدي وأنا أضبط خطواتي معه متمايلة، ثم ألتف لأواجهه من جديد.
تعثرت خطواتي أكثر من مرة وكدت أسقط، كما أنني كنت ممسكةً بباقة الزهور، فلم أدرِ ماذا أفعل بيدي، وكان الأمر مربكًا للغاية.
لكن، رغم كل ذلك، كان الناس الذين يرقصون بمرح وابتسامة مشرقة يبدون أكثر سعادة من النبلاء ذوي الوجوه المتجهمة وهم يرقصون برسميةٍ شديدة، وكان القمر الساطع في السماء أجمل من أي ثريا فاخرة في قاعة الحفل.
وبينما كنت أضحك من أعماق قلبي وأستمتع بكل لحظة، انتهت الأغنية.
ثم خرجنا أنا ودانتي من بين الحشود، دون أن نترك يد بعضنا البعض، وركضنا مبتعدين.
“هاه..…! مـ-مهلًا قليلًا! أنا….هاه…..لا أستطيع التنفس……”
لهثتُ وأنا أتنفس بصعوبة حتى وصل نفسي إلى ذقني.
كنا قد ركضنا لمسافةٍ طويلة، لكن دانتي كان يبدو وكأنه لم يتعب على الإطلاق.
أخذت أتنفس بعمقٍ مرات متتالية حتى هدأت أنفاسي واستعدت هدوئي. عندها فقط أدركت أين نحن.
“هذا……طريقٌ يؤدي إلى البوابة الخلفية للقصر.”
“ألا يجدر بكِ الدخول الآن؟”
من المكان المضيء المنبعث منه الضوء، كان يمكن سماع أصوات الناس وأنغام الموسيقى الفاخرة.
فنظرت للحظة نحو ذلك المكان، ثم أدرت رأسي بعيدًا.
“لقد تأخرتُ بالفعل، لا بأس. سيظنون أنني عدتُ بسبب أمر طارئ.”
هززت كتفي بلا مبالاة.
“ثم، بالنسبة للرقص، لقد رقصت بالفعل قبل قليل مع شريكي الخاص.”
ضحكت مجددًا بينما أتذكر ما حدث قبل قليل.
حين أفكر في الأمر، أدرك أن معظم الأشياء الجديدة التي اختبرتها في حياتي كانت مع دانتي. سواءً كانت أشياء مفرحة أو غريبة، كانت كل التجارب الأولى بصحبته.
وكل هذا……لم يكن سيئًا أبدًا. بل، على العكس، كان جميلًا.
لأنني كنتُ مع دانتي، وليس مع أي شخصٍ آخر.
“لقد استمتعت.”
قال دانتي ذلك بصوته المنخفض بنبرةٍ خفيفة.
“وأنا كذلك. ربما لأنه شعورٌ لا يُمكن تجربته إلا في المهرجان، لذا كان أجمل. أشعر أنني سأتذكره طويلًا.”
“وأنا أيضًا، لن أنساه ما حييت.”
راح دانتي يحدّق بي بهدوء، ثم ابتسم. و حين انحنت زاوية عينيه بلطف مع ابتسامته، شعرت أن قلبي سقط من مكانه فجأة.
وكأن اعتراف دانتي الذي كنت أحاول نسيانه عاد فجأةً ليطرق ذاكرتي.
فأغمضت عيني بقوة وحاولت جاهدةً أن أُبعده عن أفكاري وأنا أُلوّح برأسي نافية.
“أنا أحبكِ.”
لا، لا، يجب أن أنسى.
إن تركت نفسي تغوص في هذه الأفكار الآن، سيصبح الموقف محرجًا للغاية.
فهززت رأسي بقوة أكبر.
“أنا حقًا أحبكِ.”
لماذا أشعر أنني أسمعه مرارًا؟
“إيرفين، أنا حقًا أحبكِ كثيرًا.”
لكن……هذه الكلمات لم أسمعها من قبل، أليس كذلك؟
فتحت عيني ببطء، لتتلاقى نظراتي مباشرةً مع دانتي، الذي كان واقفًا تحت ضوء القمر خلفه. بينما كان يقترب مني ببطء.
“دون أن أشعر، أجد نفسي دائمًا أتبعكِ. لا بأس إن لم تقبلي مشاعري، ولن أطلب منكِ أن تحبيني. فقط، أرجوكِ، دعيني أبقى إلى جانبكِ.”
ضُغط صدري بشدة تحت وطأة صدقه العميق.
لم أستطع حتى أن أجيب، فاختنق صوتي ولم أتمكن إلا من الإيماء برأسي ببطء.
حينها، ابتسم دانتي بارتياح، ومد يده إليّ.
“لقد أصبح الليل عميقًا، ألا يجدر بكِ العودة إلى القصر الآن؟”
أمسكتُ بيده الممدودة، وشعرتُ بحرارة راحة يده الدافئة، فأومأت برأسي مرة أخرى.
ثم عدتُ إلى القصر وركبت العربة التي كنت قد تركتها هناك.
قلبي كان يخفق بجنون وكأنه عربةٌ معطلة و لم أعد أملك حتى الشجاعة لمواجهة دانتي، لذا تظاهرت بالنوم طوال الطريق إلى القصر.
ويبدو أنه ظن أنني متعبة، فلم يزعجني وترك الأمر بهدوء.
وعندما عدتُ إلى قصر كوينيارديل، ألقيت تحيةً سريعة على دانتي، ثم أسرعتُ بالدخول إلى الداخل.
‘يا إلهي، هذا جنون……لماذا أشعر هكذا؟’
كنت أُضرب صدري بقبضتي فوق قلبي الذي لا يزال يخفق بجنون. لكن، بدل أن يهدأ، لم أشعر سوى بالألم.
وفي النهاية، ما إن دخلتُ غرفتي حتى ألقيتُ نفسي على السرير بلا وعي.
‘لقد كنتُ بالكاد قد نسيت، لكن لا أعلم……ربما حين أراه مجددًا ستعود كل هذه المشاعر.’
تنهدتُ بعمق، وبينما أنا غارقة في أفكاري، سمعت صوتًا.
طَرقٌ خفيف-
“آه! يا إلهي!”
انتفض جسدي بفزع على صوت الطرق المفاجئ على الباب. ثم فُتح الباب بهدوء ودخلت ليج.
“أعتذر لإزعاجكِ وأنتِ ترتاحين، سمعت أنكِ عدتِ للتو، ولم أتمكن بعد من تحضير ملابس النوم لكِ.”
كانت ليج تحمل في حضنها ثوب النوم. فنهضتُ بتثاقل من مكاني واتجهتُ نحوها.
وبهدوء، بدأت ليج تقف خلفي لتساعدني على خلع ملابسي وتبديلها بسهولة، كما اعتادت دائمًا.
“كيف كان الحفل؟”
سألتني ليج بلطف.
“الحفل؟ آه……لم أحضره.”
“يا إلهي، لماذا؟ لقد جهزتُ لكِ فستانًا جميلًا لأنكِ قلتِ أنكِ سترقصين مع السيد الساحر.”
“لم أذهب إلى الحفل، لكنني رقصت مع السيد الساحر.”
فاقتربت مني ليج، التي كانت تبدو حزينةً منذ لحظات، وسألتني بصوت متحمس مليءٍ بالحماس.
“ماذا؟ ماذا تعنين؟ لم تذهبي إلى الحفل ومع ذلك رقصتما معًا؟ أخبريني بالتفصيل!”
ابتسمتُ وأنا أشاهدها تفرح كطفلةٍ صغيرة، ثم بدأتُ أحكي لها.
“لقد حدث ذلك فجأة، رقصنا في الساحة.”
“آآآه! هذا رومانسيٌ جدًا!”
لم أفهم ما هو الرومانسي في الأمر، لكنني انفجرت ضاحكةً وأنا أراقب ليج تقفز بحماس شديد.
“وماذا بعد؟ هل……هل تبادلتما قبلة؟”
“……ماذا؟ قبلة ماذا؟”
“قبلة! أعني شفاهٌ تلامس شفاه……”
كلماتها لم تناسب خديها المتوردين وخجلها الظاهر، وقد بدت متناقضة تمامًا مع ما تقوله.
تنهدتُ ساخرة، لكن فجأة، تذكرتُ ما حصل قبل قليل.
“آآآاه! لماذا احمرّ وجهكِ هكذا؟! هل هذا حقيقي؟! هل حقًا تبادلتما قبلة؟!”
لم أشعر بنفسي، لكن يبدو أن وجهي قد احمرّ فعلًا، فجعل ليج تصرخ وهي تضرب كتفي بلطف.
كنت أريد أن أنفي، لكن قلبي كان يخفق بقوة لدرجة أن الكلمات لم تخرج من فمي.
ثم فجأة، خطر في بالي سؤال.
‘عندما اعترف لي كاين، لم أشعر بهذا أبدًا……’
ما الفرق؟
فكرتُ بعمق، لكنني لم أستطع الوصول إلى أي جواب.
وبعد أن ترددت قليلًا، سألتُ ليج التي كانت تهمهم بمرح وهي تترنّم بلحن خفيف.
“ليج، اسمعي، لا تسيئي الفهم.”
“نعم! ماذا هناك؟”
عينا ليج كانتا تتلألآن بالحماس.
“هذه قصة عن……صديقةٍ لي.”
“أه، صحيح؟”
“إنها عن صديقتي فعلًا.”
“حسنًا، هيا أخبريني عن صديقتكِ.”
زفرتُ زفرةً خفيفة وتابعت الحديث.
“صديقتي مؤخرًا تلقّت اعترافًا من شاب. لكن شخصٌ آخر أيضًا اعترف لها بعد ذلك.”
“يا إلهي. وماذا بعد؟”
“لكنها عندما تلقت الاعتراف الأول، كان قلبها ينبض بجنون، لدرجة أنها لم تستطع حتى التنفس جيدًا. أما الاعتراف الثاني، فلم يكن كذلك. لماذا كان الشعور مختلفًا؟”
وبينما كانت ليج تتأمل كلماتي، سألت فجأة.
“إذًا الشخصان اللذان اعترفا لها مختلفان، صحيح؟”
“نعم، شخصان مختلفان. آه، لكن الشخص الأول اعترف لها مجددًا مؤخرًا، وفي تلك المرة أيضًا شعرت بدقات قلبها تتسارع بشدة.”
بدأت ليج تمشط شعري بلطف بالمشط الذي كانت قد أحضرته معها.
وبعد صمتٍ قصير، ابتسمت و ردّت،
“يبدو أنكِ تحبين الشخص الذي اعترف أولًا.”
“……هل هذا صحيح؟”
“لأنكِ لا تشعرين بشيء تجاه الآخر، أليس كذلك؟”
لم يكن الأمر أني لا أشعر بشيء إطلاقًا……لكنني شعرت بالذنب تجاه كاين، فعضضت شفتي بصمت.
“إذًا، ذلك الشخص الأول هو السيد الساحر، أليس كذلك؟”
“ماذا؟! لا! قلت لكِ أنها قصة صديقتي!”
صرختُ بغضب على ليج التي كانت تضحك بخبث وتغرز كوعها في جانبي، ثم بدأت ألهث من الانفعال.
فتحدثت ليج بابتسامة مشرقة،
“لكن يا سيدتي، أنتِ لا تملكين أي أصدقاء! كوني صادقة.”
“أوووه……”
كان الأمر مجحفًا……لكنه صحيح.
“كفى! اخرجي الآن.”
دفعتها بعنف من ظهرها إلى خارج الغرفة. بينما ظلّت ضحكتها تتردد طويلًا في أرجاء الممر.
فعدت إلى سريري بخطى غاضبة وألقيت بنفسي عليه.
“أنا……أحب دانتي؟”
تمتمت بالكلمات متذمرة، فبدأ قلبي يضطرب من جديد.
حاولت جاهدًة تهدئة قلبي الذي لا يكف عن النبض، ودفنت وجهي في الوسادة.
و لم أكن أعلم ما الذي قد يحدث في الغد، ثم أرغمت نفسي على النوم الذي لا يأتي.
____________________
اعترافات دانتي تجنن هاديه 🤏🏻
بس خلاص يا ايرفين اعترفي تكفين😭
المهم وهم يرقصون كان احلا مومنت صار بينهم يجننووووووون
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 72"