هاه……لا زلت أشعر بنظرات من حولي مركّزةً عليّ.
“يبدو أن الآنسة سيغرين اضطرت للذهاب إلى دورة المياه على عجل.”
تمتمت بهذه الجملة بصوتٍ مرتفع عن قصد وكأنني أحدث نفسي. ثم ابتعدت من المكان بصحبة دانتي.
لكن لم يكن هناك وجهةٌ محددة لنذهب إليها.
‘لو لم يأتِ دانتي مسبقًا، لكنتُ اكتفيت بقراءة كتب الأعشاب في مكتبة القصر الملكي.’
لكن لسببٍ ما، وجوده معي جعلني أشعر بأنني مسؤولةٌ عن الاهتمام به.
في تلك اللحظة، سمعت ضحكاتٍ قادمة من خارج القصر.
“دانتي، هل سبق أن شاهدت احتفال يوم تأسيس المملكة؟”
هز دانتي رأسه نافيًا.
أها، إذًا لم يشاهده من قبل؟
“إذًا، هل تود أن تشاهده معي اليوم؟”
“الاحتفال؟”
“آه، ربما لا تحب الزحام، أليس كذلك؟”
كنت قد نسيت للحظةٍ أنه في الفترة الأخيرة أصبح يخرج معي كثيرًا. لكن هذا الشخص في الأصل كان منطويًا بشكل يصعب التعامل معه.
ولذلك، عندما تذكّرت أنه قد يكره الخروج، بدأت أفكّر مجددًا: ماذا يمكنني أن أفعل بدلًا من ذلك؟
لكن دانتي ردّ عندها،
“لا بأس.”
“عفوًا؟ ما الذي لا بأس به؟”
“إن كنتُ مع إيرفين……فلا بأس بالخروج.”
إذا قلتَ أنك لا تمانع بهذا الوجه وكأنكَ ستلفظ أنفاسك في أي لحظة، أتظن أنني سأقول: “رائع! لنخرج!”؟
“إذًا، هلا نخرج؟”
طبعًا سأقول ذلك! فقد كنت في الواقع أشعر ببعض الفضول تجاه المهرجان!
صحيحٌ أنني قلقةٌ من دانتي، لكنه بنفسه قال أنه لا بأس.
يمكن أن يكون الأمر كذلك، نعم، ممكن.
قلت لنفسي ذلك لأهدّئ قلقي، ثم نظرت إلى دانتي. و كان يتحرّك بخطوات ثقيلة وكأنه جادٌ فعلًا في الخروج.
لكنه بدا كمن يصعد إلى المقصلة، مما جعلني أضحك من مظهره المتردد.
“لنذهب معًا!”
قلت ذلك وأنا أضحك، وركضت خلفه، لكن سرعان ما شعرت مجددًا بتلك النظرة.
تلك النظرة الباردة المرعبة التي شعرت بها قبل قليل.
‘من هذا؟ أليست يوريا؟’
بما أن عدد الأشخاص انخفض الآن، شعرت أنني أستطيع تحديد من يكون.
فمن تبقّى هنا لم يكونوا كثيرين: خمسة من النبلاء الكبار الذين كانوا يتحدثون مع مجموعة إيدن وهم يضحكون، وعددٌ قليل من الفتيات النبيلات الصغيرات، وثلاثة نبلاء آخرين كانوا يتفاخرون بأعمالهم وممتلكاتهم على شكل مجموعات صغيرة.
أخذت ألتفت بسرعة يمينًا ويسارًا وأنا أراقب الوجوه، لكن لم يكن هناك أحدٌ يولي اهتمامًا بي.
‘من هو هذا اللعين؟ ولماذا يحدّق بي بهذه الطريقة؟’
وقفت هناك لمدة خمس دقائق بينما دانتي ينظر إليّ باستغراب وكأنه يقول: “ألن تأتي؟”، ولم أشعر بأي حركة أو نظرة أخرى.
رغم أن الشعور كان مزعجًا، قررت أن الرحيل من هنا أفضل، فتابعت المشي مع دانتي.
‘سأدخل اصبعي في عينيه إن أمسكته، من كان؟ لا أحد من الموجودين الآن لي به علاقة خاصة……’
طوال الوقت الذي استغرقناه في مغادرة القصر، ظل دانتي يرمقني بنظرات جانبية. و يبدو أن عبوسي وتفكيري العميق أثناء المشي قد أقلقه.
ثم نفضت أفكاري المزعجة، وخرجت برفقته من القصر.
“واو! لم أكن أعلم أنهم زيّنوا المكان بهذا الشكل!”
كان مدخل القصر الملكي، حيث سيصل كاين، مزينًا بالزهور الزاهية والفوانيس وغيرها من الزينة الرائعة.
عندما توجّهنا إلى منصة الخطاب، دخلنا من الباب الخلفي. ولأن الطريق الخلفي مختلفٌ تمامًا عن طريق البوابة الأمامية، لم أتمكن من رؤية هذا المنظر من قبل.
بمجرد أن رأيت هذا المنظر الجميل، شعرت وكأن كل همومي قد تلاشت.
“يبدو أن الزينة تمتد حتى الساحة. هل نذهب لنراها؟”
أومأ دانتي برأسه بخفة، رغم أن عينيه بدتا قلقتين قليلًا.
و كنت قلقةً بعض الشيء، لكن عندما رأيت خطواته تتقدم أمامي، شعرت أنه سيكون بخير.
لم تكن المسافة من القصر إلى الساحة بعيدة. فقط حوالي عشرين دقيقةً مشيًا كانت كافية للوصول بسرعة.
‘من حسن الحظ أنني ارتديت اليوم حذاءً بكعب منخفض.’
مهما كانت المسافة قصيرة، لو ارتديت حذاءً عادياً بكعب عالٍ، لكنت جلست من شدة التعب منذ فترة.
وبينما كنت أمشي ببطء حرصًا على ألا أتعب، وجدت أن دانتي قد خفّف سرعته أيضًا ليلائم سرعتي.
“إنها أول مرة أرى فيها احتفال يوم التأسيس.”
فردّ دانتي بنبرة هادئة وهو ينظر إليّ بطرف عينه.
“حقًا؟”
“نعم. كنت طفلةً مريضة دون سبب واضح منذ صغري، لذلك كنت دائمًا حبيسة المنزل.”
إيرفين الصغيرة كانت تحلم بهذا الاحتفال.
كانت تتمنى، إن كان لا بد أن تموت مبكرًا بسبب المرض، أن ترى المهرجان مرةً واحدة على الأقل قبل أن ترحل.
“تلك الطفلة الصغيرة كانت تضع ذقنها على حافة النافذة في كل مرة يأتي فيها الاحتفال، تراقب الخارج……رغم أن الساحة لا تكاد تُرى من قصر الدوق.”
بدأت ذكريات إيرفين تنبثق بوضوح في رأسي.
“لكن، في كل مرة، كان إيدن يجلب لي شيئًا من المهرجان. مثل غزل البنات، أو حليّ صغيرة، أو أشياء لا أعرف حتى كيف تُستخدم.”
كانت إيرفين في كل ليلة من ليالي المهرجان تتجول أمام المدخل منتظرةً إيدن.
وعندما يعود إيدن، كانت تأخذ منه سلةً مملوءة بالتذكارات و تتفقدها، ثم تستمع إليه عما حدث في المهرجان وتنهي يومها هكذا.
بالطبع أنا أيضًا، بسبب أنني في الحيوات السابقة كنت أموت دائمًا قلقةً ومذعورة دون أن أحظى بفرصة الاستمتاع بالمهرجانات، كان الأمر غريبًا علي.
شدّدت قبضتي ورفعتها بعزم لأعبر عن عزيمتي.
“هذه أول مرة في حياتي أستمتع فيها بالمهرجان بهذه الطمأنينة، لذا سأستمتع به إلى أقصى حد!”
حينها، دانتي الذي كان يحدّق بي بهدوء، فتح فمه متحدثًا.
“عندما جاءت إيرفين لأول مرة إلى برج السحر، قالت ذلك، قالت أنها تعلم بأنها ستموت.”
“آه……”
الآن بعد أن فكرت في الأمر، نعم، لقد حصل ذلك فعلًا.
“نعم، لقد حصل ذلك.”
“وهل ما زال الأمر كذلك الآن؟”
ولأنني لم أفهم ما يقصده، مال رأسي بتساؤل، فتابع دانتي حديثه بلهجة مباشرة.
“هل ما زال هناك خطر موتٍ الآن أيضًا؟”
حدّقت به طويلًا، وهو يبدو قلقًا وملامحه متجهمة، ثم هززت رأسي نافية.
“لا، ليس كذلك. وهذا بفضل دانتي.”
“بفضلي أنا؟”
“نعم. أنا لم أكن أعلم بوجود الطاقة السحرية، وفي النهاية تراكمت داخلي طاقةٌ سحرية هائلة حتى فقدت السيطرة عليها ومُتّ. لكن دانتي علّمني طريقة التحكم في الطاقة السحرية. الآن، لن أموت.”
على الأرجح.
علينا أن ننتظر حتى نهاية القصة الأصلية لنتأكد، لكن هذا هو الوضع الآن.
على أي حال، أظن أن هذه هي المرة الأولى التي أقول فيها مثل هذا الكلام لدانتي، ومع ذلك لا يبدو عليه الذهول أبدًا.
بل على العكس، كان يومئ برأسه بهدوء.
“هل كنتَ تتوقع أنني أعرف بأني سأموت؟”
“لقد شعرتُ بطاقةٍ سحرية خافتة مختلفة عن طاقة السحر القديمة المعتادة لديكِ.”
“طاقة……مختلفة؟”
استغربتُ من كلماته التي يصعب فهمها وسألته ببلادة.
“لقد قرأتُ ذات مرةٍ في كتاب قديم، أنه في العادة لا يُشعر إلا بطاقة سحرية أو هالة واحدة داخل الإنسان. لكن في حالات نادرة، يمكن الشعور بوجود طاقتين سحريتين معًا، وغالبًا ما يكون أولئك الأشخاص قد جاؤوا من عالم آخر، كأن يكونوا متلبّسين أو قد مرّوا بتجربة ولادةٍ جديدة.”
للمرة الأولى منذ مدة، لمعت عينا دانتي ببريق الفضول العلمي. و كان يتحدث بحماس شديد حتى إنه لم ينتبه للناس الذين يمرّون بجانبه.
“حين شعرتُ بتلك الطاقة الخافتة، قلت في نفسي، ربما يكون الأمر كذلك، وانتظرتُ أن تتحدثي من تلقاء نفسكِ.”
لقد أدهشني وجود كتبٍ تتحدث عن التلبّس أو التناسخ، لكن الأكثر إدهاشًا كان تعامل دانتي مع الأمر بكل بساطة.
مع أنني كنت أشعر بالتوتر الشديد لأني أبوح بهذا السر للمرة الأولى، إلا أنني شعرت أن قلقي كان بلا داعٍ. و شعرتُ بالاطمئنان أمام ثبات دانتي المعتاد.
وبينما كنا نتحدث، وجدنا أنفسنا نصل إلى الساحة.
“يا إلهي، الناس كثيرون جدًّا……هل أنتَ بخير؟”
نظرتُ إلى دانتي بطرف عيني. و كان يحدّق في السماء بوجهٍ متجهم ويتنهد بعمق.
‘يا ترى، إلى أي درجة يكره الزحام……’
شعرتُ بالأسى تجاهه، لكنني في الوقت نفسه كدتُ أضحك، بل شعرتُ بالفخر أيضًا.
وفي لحظة، وبينما كنا نستعد للتقدم خطوةً إلى الأمام، ظهرت أمامنا عجوزٌ مسنّة.
“يا إلهي، يا لكِ من عروسٍ جميلة. هل أتيتِ مع زوجكِ لتشاهدي المهرجان؟”
“زوجي؟ آه، لا! الأمر ليس كما تظنين……”
أخذتُ ألوّح بيدي نافية، وأنا أراقب دانتي بتوتر. أما هو، فبعكس ما كنت أتوقع، كان يبتسم برضا كما لو أنه لم يكن منزعجًا قبل قليل.
وما زاد الطين بلّة، أن العجوز لم تُعر انتباهًا لكلامي، بل أخرجت من باقة الزهور التي كانت تحملها في حضنها واحدة وقدمتها لي.
“زوجكِ يحبكِ كثيرًا، تبدوان رائعين معًا. هذه الزهرة هديةٌ حتى تظلا سعيدين طوال حياتكما.”
وضعت العجوز الزهرة في يدي رغماً عني، ثم اختفت فجأة.
فحدّقتُ بذهول في باقة الزهور التي بقيت في يدي، وكانت مكوّنةً من خمس أو ست زهرات من القطيفة.
و انتابني شعورٌ جميل من عبير الزهور الذي انتشر بهدوء.
ثم فجأة، شعرت بالحرج وأنا أُخدّش خدي بسبب نظرات دانتي التي كانت تحدّق بي.
“يبدو أن الجدة قد أساءت الفهم قليلًا.”
“إنه سوء فهمٍ جميل.”
لم أدرِ لماذا، لكن صراحته غير المعتادة جعلتني أشعر بالحرج.
بعدها بدأنا نتجول معًا في أرجاء المهرجان ونستمتع به بالكامل. و تناولنا طعام الشوارع لأول مرة منذ مدة، وزرنا شارع صناديق الموسيقى لنشاهد صناديق الموسيقى الساحرة.
حقًا، لم يكن هناك أي وجه للمقارنة بين حجم مهرجان ساحة العاصمة والمهرجان الذي شاهدته في آرديل.
بينما كنا نتجول مستمتعين دون أن نشعر بمرور الوقت، بدأ الغروب يرسم ظلاله على السماء.
“هل نعود الآن؟ إذا غادرنا في هذه اللحظة، سنصل تمامًا مع بدء الحفل.”
وحين كنت على وشك العودة إلى القصر مع دانتي، لاحظت أن الجميع بدأ يتحرك فجأةً نحو اتجاه واحد.
فتملكني الفضول، أين يذهب الجميع؟
نظرتُ إلى المكان الذي يتجهون إليه، ثم رفعت رأسي أنظر إلى دانتي.
“هممم……هل نتبعهم؟”
فأومأ دانتي برأسه. وانطلقتُ بحماس، ممسكةً بكمّه، وأنا أجرّه خلفي نحو الاتجاه الذي يسير إليه الناس.
____________________
سوء فهم جميل! ياخي اخطبها فداك😭🤏🏻
شسمه طلع ذاتتي عارف من زمان وساكت ضحكني ذاه اول بطل يكشفها بنفسه بدون تعترف
وايدن من يومه مجنون اشك انه كان يدري ليه ايرفين تعبانه بس ساكت ومايبيها تتعالج عشان تقعد عندهم🤨
كأني قد قلت ذا الكلام بس ما علينا
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 71"