منذ ذلك الحين، أمضيت وقتًا طويلاً مع كايدن ونحن نتفحّص الدفاتر.
لكن العثور على أثر لولي العهد لم يكن بالأمر السهل، وكلما مرّ الوقت، ساءت حالة كايدن أكثر فأكثر.
“علينا أن نعثر عليه بسرعة. إن لاحظ أحدهم غيابي، ستكون مصيبة.”
ظل كايدن يكرر هذه الجملة منذ قليل، وهو يتصفح الدفاتر بعجلة وكأن أحدهم يطارده.
ونظرًا لكونه لا يقرأها جيدًا، كان علينا مراجعتها مرة أخرى، مما أضاع وقتًا إضافيًا. لكن يبدو أن الرعب شلّ تفكيره تمامًا.
“أسرع!”
كان يصرخ فجأة، ويتصرف بشكل لافت للنظر وكأنه يتعمّد لفت الانتباه.
لم يعد البقاء هنا ممكنًا، فقد كان من الواضح أننا سنُكشف إن واصلنا البقاء. كما مر وقتٌ طويل على خروجي سرًا من غرفة دانتي.
يجب أولًا تهدئة كايدن، ثم نعود لاحقًا إن لزم الأمر.
“سيد كايدن، دعنا نخرج الآن، حسنًا؟”
“لا يمكن. لا أريد العودة إلى هذا المكان مجددًا. فقط تابعي البحث!”
بدأ كايدن يرفع صوته مجددًا، وكنت على وشك أن أوبّخه حينها.
“شش! سيد كايدن، صوتكَ مرتفع جدًا. إن سمعنا أحدهم..…! لقد جاء!”
ظهرت أمامنا فجأة هيئة ضخمة.
“ما الذي تفعلانه هنا؟”
“آه…..!”
صدر عن كايدن صوت شهقة مرتجفة من شدة المفاجأة بسبب ظهورٍ غير متوقّع.
رفعت رأسي ببطء ونظرت إليه.
“الساحر دانتي؟”
الذي ظهر في غرفة الأرشيف لم يكن سوى دانتي.
اقترب دانتي نحوي، لكنه توقف حين رأى كايدن يقف بجانبي.
“كنت أتساءل إلى أين ذهبت، فتبين أنكِ هنا.”
انتقلت نظرات دانتي إلى الدفتر الذي في يدي، ثم راح يمسح المكان من حولي بنظره ببطء.
ربما لأننا ضُبطنا متلبسين بفعل شيء مريب، بدأ قلبي ينبض بشكلٍ غير منتظم.
حاولت رسم ابتسامةٍ على وجهي، ونهضت بتوتر من مكاني.
“كيف عرفت أننا هنا؟”
“تتبعت طاقتكٍ السحرية.”
“آه، لم أكن أعلم أن ذلك ممكن…..”
بدا أن دانتي أصبح مهتمًا بغرفة الأرشيف، فقد أخذ يتصفح الكتب المحيطة بنا. وكانت عيناه تلمعان بالحيوية بينما يقرأ عن طرق تصنيع الأدوات السحرية، على عكس ما كان عليه قبل قليل.
“لقد عشت في برج السحر لفترة لا بأس بها، لكن هذه أول مرة أدخل فيها إلى هذا المكان.”
“حقًا؟ هذا غريبٌ بعض الشيء.”
ظننت أنه يتردد على هذا المكان وكأنه غرفته الخاصة، خاصةً وأنه يحتوي على أبحاث سحرة البرج عبر العصور.
“ولكن، لم أكن أعلم أن دخول المدنيين إلى هذا المكان مسموح.”
ظننت أنه منشغل بالأوراق، لكنه التفت فجأةً نحونا. وعادت تلك النظرات الحادة اللامعة لتخترقني أنا وكايدن مجددًا.
كان صوت كايدن وهو يلهث مسموعًا بوضوح شديد.
“لا بد أنكِ لم تدخلي بمفردكِ.”
قال دانتي ذلك وهو يحدّق في الدفاتر المبعثرة من حوله واقترب ببطء.
“تلقيتِ مساعدةً من شخص آخر، بل ودخلت إلى غرفة الأرشيف الممتلئة بالوثائق السرية، ما السبب؟”
اقترب دانتي حتى صار أمامي مباشرة، وانحنى ليلتقط الدفتر الذي كان موضوعًا عند قدمي.
رغم أن نبرة صوته كانت دومًا متزنة، إلا أنها لم تبدُ باردة بهذا الشكل من قبل.
كنا نعبث دون إذن في مكان يحوي وثائق برج السحر، ومن الطبيعي أن يُساء فهمنا.
والأسوأ أن الشخص الذي ضبطنا هو من سيصبح سيد البرج القادم.
كان عليّ أن أقول شيئًا، أن أقدّم تبريرًا، لكن شفتيّ بدتا وكأنهما ملتصقتان بالغراء.
“يبدو أنكِ تبحثين عن شيء.”
تكفّل قلبي بالحديث بدلًا عني، وهو ينبض بعنف.
أومأت برأسي بصعوبة، ونظرت بطرف عيني إلى كايدن فوجدته على وشك الإغماء.
كان عرقه البارد واضحاً، وكان جسده كله يرتجف من الخوف، كأن عينيه وحدهما لا تكفيان للتعبير عنه.
رؤيته بتلك الحالة جعلتني أشعر بموجةٍ عارمة من الذنب تغمرني.
“الساحر دانتي..…”
نظر دانتي إلى كايدن ثم أعاد نظره إليّ.
“نعم.”
يا لها من مفارقة، لم تكن تلك المرة الأولى التي يجيب فيها دانتي بكلمة واحدة، لكن لا أدري لماذا بدت مخيفةً إلى هذا الحد.
ربما لهذا السبب يُقال أن الضمير لا يترك الإنسان ينعم بالراحة بعد ارتكابه للذنب.
“أنا من هدد السيد كايدن ودخلتُ من تلقاء نفسي. كان هناك شيء عليّ أن أبحث عنه…..أنا آسفةٌ حقًا.”
ظل دانتي يحدق بي بصمت دون أن يرد، ثم فجأة فتح فمه وتكلم.
“هل وجدته؟”
“نعم؟ ماذا تقصد؟”
“قلتِ أنك تبحثين عن شيء، أليس كذلك؟”
“آه…..”
رد فعله غير المتوقع جعلني أنظر إلى كايدن من دون وعي، لكنه أيضًا بدا وكأنه لا يفهم شيئًا مما يحدث.
“لا…..ليس بعد..…”
ناولني دانتي الدفتر الذي كان يتصفحه بطريقة غير مبالية، و تحدث ببرود،
“سيتطلب الأمر وقتًا طويلًا لتفحّص كل هذه الوثائق.”
ماذا؟ هل هذا كل شيء؟
“ألستَ…..غاضبًا؟”
“هل يجب أن أغضب؟”
“لقد تم الإمساك بنا ونحن نعبث بغرفةٍ مليئة بأسرار برج السحر! كان من الممكن أن يُعرضكَ هذا للخطر!”
لكن دانتي ردّ برأسٍ مائل وكأنه هو من لم يفهم كلامي.
“خطر؟”
ردد الكلمة وكأنه يتفحصها في ذهنه، ثم رفع ذقنه وخفّض نظره وتابع بنبرةٍ باردة،
“ساحرٌ من الدرجة الدنيا لا يستطيع حتى تصنيع أداة سحرية بمفرده، وإنسانةٌ هشة لا يمكنها التحكم حتى بقواها السحرية كما تشاء….. فأي خطر؟”
ثم راح يتفحّص غرفة الأرشيف مجددًا، وكأن ما يحدث لا يُفهم على الإطلاق. ولم يكن بوسعي سوى النظر إلى ظهره.
‘كيف يمكن لشخص أن يكون هكذا…..’
“رائع.”
نعم، رائع…..
‘ماذا؟! لا! ما الرائع فيه؟ إنه مزعجٌ ليس إلا!’
التفتُّ بسرعة إلى مصدر الصوت غير المعقول، فرأيت كايدن بوجه شخصٍ واقع في الحب.
هل يمكن أن يُعجب به إلى هذا الحد؟ حتى بعدما تعرّض للإهانة أمامه؟
ربما لأنني قضيت حياتي محكومةً بمصير محدد دون فرصة لأحب أو أُعجب بأحد، شعرت بأن هذه المشاعر الخام غريبة عليّ.
كان كايدن يخشى أن يُثير غضب دانتي، فحبس أنفاسه وحاول إخفاء وجوده قدر الإمكان.
ترك كايدن خلفي بينما تقدّمتُ نحو دانتي لأكلّمه.
“الساحر دانتي.”
التفتت عينا دانتي إليّ بينما كان يقرأ سجلًا موثقًا كالكتاب.
“أريد أن أطلب منكَ طلبًا.”
وضع دانتي السجل الذي كان في يده على الرف بهدوء، ثم أنصت لكلامي.
“هل يمكنني أخذ الدفتر الذي كنت أقرأه إلى القصر؟ لا زال هناك من أبحث عنه ولم أنتهِ من قراءته. إن لم يكن مسموحًا، فسأقرأه هنا بالطبع..…”
“لا مانع.”
“حقًا؟”
“نعم.”
أجاب دانتي ببرود، ثم عاد ليتفحّص السجل الذي كان بين يديه بهدوء.
يبدو أنه لم يكن يظن أنني قد أُشكّل أي خطر. فماذا يمكن أن يفعل جسد هش مهدد بالموت أصلًا؟
رغم أن هذه الحقيقة التي لا تتغير مهما حاولت كانت تثير غضبي قليلًا، فإن دانتي كان محقًا.
وفوق ذلك، كان من الأسهل لي التحرك حين يمنحني أحدهم ثقته، ولو بهذا الشكل.
‘رغم أنه ما زال مزعجًا…..’
انحنيت له قليلًا تعبيرًا عن امتناني، ثم جمعت بعض صفحات الدفتر حسب التواريخ، ووضعتها في الحقيبة التي جلبتها.
عندها، همس كايدن بصوتٍ خافت وهو لا يزال واقفًا كمن يحبس أنفاسه.
“ما أنتِ بالضبط؟”
“نعم؟”
ما به هذا؟ ظل صامتًا طوال الوقت، والآن فجأة يفتعل نقاشًا غريباً؟
نظرت إليه بعبوس، فراح يتنفس بعمق وبدا عليه الارتباك، ثم تحدث بسرعة كما لو كان يزفر الكلمات.
“كيف تستطيعين الحديث مع السيد دانتي بهذه السهولة؟ ألا تشعرين بالخوف منه؟”
فكرت في كلماته، ثم التفتّ لأنظر إلى دانتي.
ذاك الرجل الذي يقرأ السجلات بكل اهتمام وعيناه تلمعان وكأن بإمكانه إرسال شخصٍ ما إلى حتفه بكلمة واحدة…..ألا أخاف منه؟
ذاك الرجل الذي ما إن التقت عيناه بعيني حتى أدار وجهه فجأة وكأن الحياة فارقته؟
“لا. ليس كثيرًا..…”
عندها فتح كايدن فمه بدهشة، وكأنه لا يصدق ما يسمعه.
ذلك الساحر الذي التقيته سابقًا، و كايدن أيضًا…..ماذا فعل دانتي ليكون الجميع خائفًا منه إلى هذا الحد؟
أما بالنسبة لي، لم يكن سوى رجلٍ غريب الأطوار يحب دراسة السحر.
***
في النهاية، قررتُ تأجيل بحثي في طاقة السحر إلى الغد، وعدت إلى قصر الدوق هايفن.
بعد الانتهاء من تناول العشاء، كان الليل قد أسدل ستاره بلون أزرق داكن يغمر السماء.
جلست على طرف السرير، وأخرجت الدفتر الذي أخذته من برج السحر، وبدأت أتصفحه من البداية.
ثم فجأة، خطرت ببالي فكرة.
‘هل أقوم بشيء لا فائدة منه؟’
فربما لم يكن هو من اشترى المهدئات بنفسه، بل أوكل الأمر إلى شخصٍ آخر. وفي مكانته، من الممكن أنه أجرى المعاملة متخفيًا دون كشف هويته.
‘لا، لا…..هذا مستبعد.’
العلاقة بين برج السحر والعائلة الملكية لم تكن وطيدة بما يكفي ليسمحوا بذلك بسهولة. وفوق ذلك، لم يكن يريد أن يعرف الآخرون بمرضه، لذا لابد أنه تولّى الشراء بنفسه.
‘إذاً، ما الطريقة التي استخدمها؟’
لكي أنفذ خطتي الطائشة، كنت بحاجة إلى قوته بصفته من العائلة الملكية…..
نشرت بعض الصفحات من الدفتر على السرير، ولكن مهما تمعّنت فيها، لم أجد إجابة.
وضعت ذراعيّ على صدري ونظرت إليها بتركيز، وفجأة اتسعت عيناي من الدهشة.
‘مهلًا، لحظة…..لا يمكن أن يكون هذا هو…..’
وبسرعة، فتحت بقيّة الدفاتر وبدأت بترتيبها حسب التسلسل الزمني.
“كاريا، هيوين، إيكاريس..…”
كانت هذه أسماء أشخاص اشتروا المهدئات على فترات متباعدة، كل شهرين أو ثلاثة.
في الظاهر، لا يبدو أن هناك أي رابطٍ بينهم. لكن عند إعادة ترتيب الأحرف الأولى من أسمائهم، يتكوَّن اسم ولي عهد مملكة وينستاليريا، كاين هايس وينستاليريا.
“كما توقعت تمامًا.”
ما إن عثرت على اسمه، حتى ركضت فورًا إلى الرف وسحبت كتب إيرفين واحدةً تلو الأخرى.
‘أعتقد أنه كان في هذا الجزء تقريبًا…..’
هذا الجسد اللعين…..بمجرّد سحب بعض الكتب جعلني أشعر بالإرهاق.
لكنني عضضت على أسناني وأخرجت عددًا من الكتب من أعمق نقطة في الرف. و اخترت من بينها أقدم كتاب، وفتحته.
“وجدته.”
كان هذا من المقتنيات القليلة التي تمكّنت إيرفين من أخذها معها قبل أن يُنتزع منها لقب عائلة كوينياردل على يد عمها جوزيف.
__________________
دانتي لطحن الخواطر😭😭😭😭
المهم مدري وش خطتها بس دامها من الاحداث خلها تمشي
وكايدت المجنون شكله يسمع السب من دانتي انه مدح ولا وش؟😭
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 7"