“تعويذة؟”
اقتربتُ من كاين الذي كان ينظر إلى الفاصل بين الصفحات باستغراب. فمددتُ يدي نحو السيف المعلق على خصره.
كاين كان يحمل سيفه دائمًا، سواءً أثناء تنقله في الخارج، أو داخل القصر الملكي، أو حتى قبل قليل أثناء الموكب.
ثم ربطتُ الفاصل بمقبض سيفه.
“كونتيسة، ما الذي……”
تراجع كاين خطوةً إلى الخلف وهو في حيرة وارتباك. و كان الفاصل المربوط بالمقبض يتأرجح مع خطواته.
لم يستطع أن ينزعه، بل راح يتأمل الفاصل بصمت، ثم ابتسم قليلًا وسأل،
“كيف يمكن لهذا أن يحميني؟”
“عندما تُلقي الخطاب ستكون مرتاحًا لوجودي أو لوجود من تعرفهم، لكن أثناء الموكب ستكون وحيدًا، فظننت أن ذلك قد يسبب لك القلق.”
“وماذا في ذلك؟”
“قلتَ أن وجودي بجانبكَ يجعلكَ تشعر بالاطمئنان، صحيح؟ إذًا اعتبر هذا الفاصل هو أنا! عندما تشعر بالضيق، انظر إليه وستشعر بقليل من القوة.”
نظرتُ إليه بطرف عيني. بينما كان يعبث بالفاصل المربوط بالمقبض.
عدم ردّه جعلني أشعر بقليل من الإحراج. و كنت أتمنى لو قال شيئًا.
وبينما هو يربّت على الفاصل لفترة، رفع رأسه فجأة،
“جميل.”
“آه، هل أعجبكَ؟”
“بالطبع. أشعر حقًا وكأنكِ بجانبي.”
مع أنني فكرتُ بهذه الطريقة في اللحظة الأخيرة، إلا أنه بدا سعيدًا بها حقًا، فشعرت بالارتياح.
“أتمنى أن تُكمل الموكب غدًا بسلام.”
بعد ذلك، عاد كاين مع المساعد والحراس الذين جاءوا للبحث عنه بعدما طال غيابه.
أما أنا، فتفقدت الملك مرة أخرى ثم عدت الى المنزل.
***
بدأ مهرجان يوم تأسيس المملكة رسميًا. وامتلأت أرديل بالناس منذ الفجر.
و اليوم فقط، كان الجميع في قصر الكونت في إجازة.
أقيم في الساحة سوقٌ ضخم لا يُرى في الأيام العادية، وكان الناس يتسكعون في سكر منذ الصباح الباكر بفعل فرحتهم. وكان الأطفال يتجولون مرتدين أقنعةً صغيرة.
جو المهرجان الذي لا يمكن الشعور به إلا في مثل هذا الوقت، بدا وكأنه يصل حتى داخل العربة، مما جعلني أشعر بالسعادة أيضًا.
‘إنه سلامٌ حقيقي فعلًا.’
وأنا أُشاهد المناظر الخارجية المزينة بألوان زاهية، وصلتُ إلى العاصمة دون أن أشعر.
الشارع الذي كان يمر فيه موكب كاين كان مكتظًا إلى درجة لا يوجد فيها موطئ قدم.
‘سيكون بخير حتى لو كان وحده.’
راودني بعض القلق للحظة، لكنني كنت واثقةً من أن كاين سيتمكن من تجاوز الأمر بصمت.
دخلتُ إلى داخل القصر من خلال الطريق المخصص للعربات، وتوجهتُ نحو المنصة المخصصة للخطاب.
على عكس الأمس، تم إعداد أماكن حول المنصة ليستطيع النبلاء الجلوس بالقرب من كاين أثناء إلقائه لخطاب التهنئة.
أولئك النبلاء الذين وصلوا مبكرًا كانوا قد جلسوا في أماكنهم بالفعل.
“إيرفين.”
هذا الصوت المألوف……إيدن؟
نظرتُ حولي أبحث عن إيدن الذي ناداني من مكان ما. ثم لمحتُه جالسًا في الجانب الأمامي.
كان في مكان مريح لا يمر به أحد ولا يتعرض لأي إزعاج أو تدخل من الآخرين.
‘كما هو متوقع من عائلة الدوق هايفن، ليس لديهم مقاعد عادية كباقي الناس.’
ولأنني عقدت العزم على ألا أقترب منه كثيرًا قبل ظهور البطلة، لوّحت له بيدي من بعيد.
تردد قليلًا، لكنه سرعان ما ابتسم بود.
‘……ألم تكن ملامحه باردةً جدًّا قبل لحظة؟’
لكن إيدن الذي كان يبتسم ويلوح لي الآن كان هو الوجه المألوف الذي أعرفه.
ربما كنتُ مخطئة، أو ربما كان يعبس بسبب الشمس.
فتجاهلتُ الأمر وجلستُ في المقعد الذي حدده كاين مسبقًا.
‘لكن متى ستصل عربة كاين يا ترى……’
وبينما كنتُ جالسةً وحدي في الانتظار، بدأ بعض النبلاء يتحدثون إليّ واحدًا تلو الآخر.
كان أغلبهم من العائلات التي كانت لها علاقةٌ قوية مع الكونت كوينيارديل السابق، أو من زملاء إيرفين في الأكاديمية.
وقد أنهكني التظاهر باللطف معهم.
ثم مر الوقت ببطء.
‘هل وصل كاين؟’
سادت القاعة حالةً من الهمهمة. ثم وقف بعض الناس من أماكنهم وأخذوا يحدقون نحو اتجاه معين.
وسرعان ما دخلت العربة.
وعندما لمحتُ عبر النافذة خصلات شعر وردي باهتة، نهضت واقفةً بسرعة. فتوجهت إليّ أنظار النبلاء بدهشة، لكنني لم أُعرهم أي اهتمام.
‘كاين. هل كاين بخير؟’
مددتُ عنقي أحاول رؤيته، لكن لم أتمكن من رؤية وجهه بوضوح.
ثم بعد لحظات، وعندما اقتربت العربة من المنصة الخلفية، نزل منها كاين.
و لم يكن عليه أي أثر للتوتر. بل إن تعابير وجهه كانت أكثر إشراقًا بكثير مقارنةً بالأمس.
‘يا للراحة..…’
اتّسعت شفتاي بابتسامة خفيفة من شدة الارتياح.
مع كل خطوةٍ واثقة كان يخطوها، كان الفاصل المربوط بمقبض سيفه يتمايل عند خصره.
صعد كاين إلى منصة الخطاب، وابتسم لي ابتسامةً مشرقة حين التقت عيناه بعيني، ثم فتح فمه متحدثًا.
“تحياتي لكم، شعب وينستاليا الأعزاء.”
بفضل تعويذة التضخيم، صدح صوته في الأرجاء. وبدأ بإلقاء خطاب التهنئة الذي تم التحضير له.
كنت أراقب كاين بنظرات جانبية وأنا أتابع حالته.
اليدان اللتان كانتا ترتجفان من شدة التوتر حتى عند قبضهما بإحكام، كانتا اليوم مستندتين بثبات على منصة الخطاب، وصوته كان مليئًا بالقوة.
عينيه الصافيتان كصفاء بحيرةٍ هادئة، وظهره المستقيم، لم يكونا مختلفين عن كاين الذي أعرفه.
‘كما توقعت، إنه حقًا جديرٌ بأن يكون ملكًا عظيمًا في المستقبل.’
وبينما كنت أنظر إليه، ارتسمت ابتسامةٌ على شفتي دون أن أشعر.
ثم أنهى كاين خطابه بثقةٍ تامة حتى اللحظة الأخيرة.
“إذًا، أتمنى لكم جميعًا الاستمتاع بالمهرجان.”
نزل كاين من المنصة وسط تصفيق حار بعد إنهائه للخطاب الطويل. وفي تلك اللحظة، أُطلقت الألعاب النارية في السماء إيذانًا بالبدء الرسمي للمهرجان.
وقبل أن يدخل القصر، أدار كاين رأسه بنظرةٍ خاطفة إلى الخلف.
وبما أنه بدا وكأنه يبحث عن أحد، تحركتُ حتى دخلتُ في نطاق رؤيته.
وبالفعل، حين التقت أعيننا، ابتسم كاين ومسح بيده على الفاصل.
‘شكرًا لكِ.’
حرّك شفتيه ناطقًا الكلمات دون صوت، فرفعت له إبهامي بابتسامة مشرقة.
‘لقد أحسنتَ حقًا.’
حرّكت شفتي بنفس الطريقة وقلت له ذلك.
ضحك كاين بصوت عالٍ وهو يدخل القصر وكأنّه راضٍ تمامًا.
وبينما كنت أُحدّق في ظهره وهو يبتعد، شعرت فجأةً بنظراتٍ غريبة من مكان ما، فارتجف جسدي لا إراديًا.
‘ما هذا الشعور……المخيف؟’
أدرتُ رأسي بسرعة أنظر حولي بتوتر. عندها، التقت عيناي بعيني إيدن الذي لم يكن بعيدًا.
‘هل كانت تلك النظرات المرعبة من إيدن؟’
لكن عينيه الموجهتين نحوي كانت ناعمةً وهادئة بلا نهاية.
ثم لوّحت له بيدي، فابتسم لي بودّ.
صحيح، لا يمكن أن يكون هو. ربما كانت نظرات بعض زملاء إيرفين من أيام الأكاديمية.
وكما توقعت، كانت آنسة سيغرينا، ابنة البارون التي أحرجتها في الحفل السابق، ومن معها من رفيقاتها، يرمقنني بنظراتٍ حاقدة.
‘متى سيتوقفن عن التصرف كالأطفال؟’
نظرت إليهن بتنهد خافت يحمل شيئًا من الشفقة، فما كان منهن إلا أن بدأن يقتربن مني بوجوه ممتلئةٍ بالغضب.
وفي تلك اللحظة، اقترب مني مساعد كاين الذي كان يقف إلى جانبه وتحدث،
“كونتيسة كويينيارديل، سمو ولي العهد كاين يطلب حضوركِ.”
“أنا؟”
“نعم، تفضلي بالقدوم معي.”
أملتُ رأسي باستغراب وتبعتُ المساعد.
وقبل أن أدخل القصر، ألقيت نظرةً خاطفة على زملائي من الأكاديمية، فوجدتهم يحدّقون بي بوجوه تتقد غضبًا.
فأخرجتُ طرف لساني لهم ساخرة، ثم توجهت نحو كاين.
“كونتيسة! من هنا!”
لوّح كاين بذراعيه بحماس عندما دخلتُ. وكان المساعد قد انسحب من المكان، فوجدتُ نفسي واقفةً وحدي أمام كاين.
“سمعت أنكَ طلبتني.”
فأجابني بابتسامة،
“كنتُ أريد أن أعبّر لكِ عن امتناني.”
“هاه؟! لا، لا داعي لذلك. أنا فقط فعلت ما أردتُ فعله……”
أشرت بيدي نافية، لكن كاين تابع كلامه مبتسمًا وكأنه لم يسمعني.
“شكرًا لكِ، لأنك منحتني القوة لأتجاوز صدمةً ظلت تؤرقني لسنواتٍ طويلة. صحيحٌ أنني لن أتغلب عليها كلها في يومٍ واحد، لكن……أصبح لدي الشجاعة.”
كان وجهه يبدو مرتاحًا على نحوٍ لا يمكن وصفه بالكلمات.
“وهناك شيءٌ آخر……أريد أن أخبركِ به.”
رفعتُ زاوية شفتي وفتحتُ عينيّ باتساع، مشيرةً له بأنني أُصغي بانتباه.
فنظر إليّ من الأعلى وابتسم بخفة، ثم تحركت شفتاه.
“لقد فكّرت طوال الليل……لماذا تصل كلماتكِ إلى قلبي لا إلى رأسي، وتبقى فيه طويلًا؟ لماذا لا تبدو كنصائح أو ثرثرة تافهة كما يفعل الآخرون؟ لقد فكّرت في الأمر كثيرًا.”
استمرت كلماته تتدفق كأنها نغمةٌ هادئة.
“لا أعرف إن كان السبب هو أنكِ تساعدينني كثيرًا، أو لأن جرأتكِ تجعلكِ أحيانًا تتصرفين وكأنكِ تنسين أنني أمير، لكن النتيجة واحدة.”
تنفّس بعمق قليلًا، ثم،
“قلبي ممتلئٌ بكِ. لدرجة لا يمكن لأي كلمات، كأن أقول أنني أحبكِ أو أنني معجبٌ بكِ، أن تعبّر عنها.”
اهتز صوته قليلًا رغم أنه قال كلماته بهدوء.
“لذا، هل لكِ أن تبقي إلى جانبي……وتعيشي معي؟”
____________________
ياعمري خلااااص يالمؤلفه ثلاث فصول كاين شوي واصدق انه البطل 😭
دانتي لو يدري بتطير شياطينه
احب كاين بس حتى دانتي يجنن يالله لا تحير مسلم
كله من ايرفين مارفقت بذا الضعوف😂
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 69"