كان كاين يحدّق بي بصمتٍ ثم ابتسم.
“ألم نتفق على أن نُبقي الأمر سراً؟”
“دانتي مستثنى. على أية حال، هو لا يهتم، وليس هناك من يخبره حتى لو أراد.”
بل في الحقيقة، لا يوجد من ينقل له الكلام من الأصل. لكن لم أشأ أن أقول ذلك صراحة.
لم كاين يقل شيئاً، بل اكتفى بالابتسام وكأنه يثق بدانتي.
و كنا على وشك الدخول إلى السكن حين سمعنا صوت إيدن.
“إيرفين، ماذا تفعلين هنا؟”
استدرنا أنا ودانتي وكاين في الوقت نفسه نحو إيدن. فساد صمتٌ قصير، وكان كاين أول من تحدث.
“سيد هايفن، ألم تراني مع الكونتيسة كوينياردل؟ هذا مؤسفٌ بعض الشيء.”
إيدن، الذي يعرف تماماً أن كاين يمزح، ابتسم وأجاب.
“أعتذر، سموّك. عندما التقيت بصديقٍ أثناء عملي، غلبتني الفرحة دون أن أشعر.”
وأنا أراقب حديثهما، خطرت لي فكرةٌ فجأة.
‘الآن بعد أن فكرت بالأمر، أليست هذه أول مرة نجتمع فيها نحن الأربعة؟’
قد نكون التقينا كلٌ على حدة، لكن اجتماعنا معاً لم يحدث من قبل.
‘كنت أحاول تفادي لقاء إيدن قدر المستطاع قبل ظهور البطلة……’
في لقاءٍ لم يكن مرحباً به كثيراً، لم أجد ما أفعله سوى العبث بأظافري. و لاحظ دانتي ذلك فأمسك بيدي ليوقفني.
فتحولت أنظار كاين وإيدن، اللذين كانا يتحدثان بود، نحونا.
إيدن، الذي لم يعجبه المشهد، تحدث بنبرة غير مريحة.
“قيل أنكَ ساحرة حماية، لكن يبدو أن علاقتكما أقرب مما تخيلت.”
“آه؟ نـ-نعم، نوعاً ما. لأننا نكون معاً طوال الوقت.”
“حقاً؟ فهمت. لكن رغم ذلك، في مكانٍ يراقبكما فيه الكثيرون، أليس من الأفضل تجنب هذا النوع من الاتصال الجسدي؟ فقد كانت هناك شائعاتٌ في المرة الماضية أيضاً.”
“صحيح، ربما سيكون ذلك أفضل……”
رغم أنني أستطيع التصرف وحدي، يبدو أن إيدن لا يزال منشغلاً بالأمر.
و فجأة، تدخل كاين في الحديث.
“هل سمعتِ بعض الشائعات؟ داخل القصر الملكي؟”
فلوّحت بيدي مرتبكةً عند نبرة صوته وتعبير وجهه المنزعجين.
“لا، لا! الأمر ليس كذلك. هو فقط يبالغ في حمايتي. كان هكذا منذ أن كنا صغاراً.”
لكن كاين لم يصدقني أبداً.
“من هو هذا الشخص الذي تجرأ على التفوه بتلك التفاهات؟ وجود أشخاصٍ تافهين كهؤلاء في القصر أمرٌ لا يُغتفر.”
“أرأيتِ، إيرفين؟ هذه هي ردة الفعل الطبيعية. أنتِ فقط طيبةٌ أكثر من اللازم.”
كان كاين يلحّ بالسؤال عن هويته، وإيدن يوبخني قائلاً أن عليّ أن أتعلم كيف أكون أكثر حذراً، فبدأت أفقد أعصابي.
كل ما كنت أفكر فيه هو أن أغادر المكان في أسرع وقت.
وفي اللحظة التي كاد فيها تنفسي المكبوت ينفجر من الضيق……
“هاه……”
هم؟ لم أتنهد بعد، أليس كذلك؟
عندما التفتُّ، رأيت دانتي يزفر وهو يعقد حاجبيه بانزعاج شديد.
“أنتم الاثنين مزعجان حتى الموت.”
تفاجأت من صوته الحاد الذي لم أسمعه من قبل، فنظرت إليه بارتباك. بينما مسح دانتي شعره بيده بخشونة ثم تابع الكلام.
“اتركوها وشأنها لتعيش حياتها كما تريد. هل ستعيشان بدلاً منها؟ لماذا كل هذا الكلام؟”
قال عباراته كلمةً كلمة، وكأنه يمضغها غضباً، وهو يحدق بإيدن بعينين حادتين. ثم شد قبضته على معصمي وسار بي إلى الأمام.
دانتي، الذي لا يخاطب الغرباء بالكلام غير الرسمي بسهولة، استخدمه الآن مع إيدن مباشرة.
لا بد أنه غاضبٌ جداً.
لكن ما راعني أكثر أن ما فعله كان من أجلي، فشعرت بنبضٍ في قلبي.
‘نبض؟ لماذا أشعر بذلك؟ هل لأنه أسدى لي معروفاً؟’
وفي النهاية، ركزت على الامتنان الذي شعرت به وسرت خلفه بخطى خفيفة.
تابع دانتي السير للأمام دون هدفٍ لفترة طويلة، ولم يتوقف إلا عندما وصل إلى حيث تقف عربة كوينياردل.
عندما وقف أمام العربة، خفف قبضته عن يدي. وربما لأنه لم يكن يشدّ عليها بقوةٍ منذ البداية، لم أشعر بفارق كبير.
لكن دانتي لم يتمكن من النظر في عينيّ حين تحدث.
“أعتذر.”
“نعم؟ على ماذا؟”
أملت رأسي بحيرة، غير مدركةٍ سبب اعتذاره المفاجئ. فواصل دانتي حديثه.
“كان صديقاً قديماً لكِ، و الآخر هو ولي العهد الذي عليكِ الاهتمام بأمره……ومع ذلك، صرختُ عليهما وجررتكِ رغماً عنكِ، وأعتقد أنني سببت لكِ الإحراج.”
صحيحٌ أن ما قاله منطقي، لكن ما فاجأني أكثر هو أنه فكر في الأمر من هذا المنظور، وهذا بحد ذاته كان غريباً ومثيراً للاهتمام.
لكن يبدو أن دانتي لم يدرك ذلك بنفسه. فابتسمت له وأنا أراه متوترًا من شدة قلقه، و تحدثت بلطف،
“لا بأس، الأمر عادي.”
“لكن……”
“لو لم تفعل ذلك، لكنت أنا من قالها أولاً. هل ستعيش حياتي بدلاً مني؟ كنت سأقولها لهم أيضاً.”
نظر إليّ دانتي، ثم ابتسم بدوره.
“لذا، لا داعي لأن تقلق.”
“هذا يريحني.”
بقينا نبتسم لبعضنا البعض، كأننا نتنافس فيمن يصرف نظره أولاً.
ثم تذكرت فجأةً شيئًا كنت قد أردت سؤاله لدانتي في وقتٍ سابق ولم تسنح لي الفرصة.
“أوه، دانتي. كان هناك شيءٌ أردت سؤالكَ عنه في المرة الماضية.”
“نعم، تفضلي واسألي.”
“ذلك……”
فتحت فمي وأغلقته عدة مرات، ثم تشجعت أخيراً وتكلمت.
“لا يمكن أن يكون إيدن……ساحرٌ أسود، صحيح؟”
كنت أتساءل عن هذا منذ مدة. لكنني لم أكن أملك فرصةً لأسأل دانتي، فلم أره منذ فترة.
وفي المرة السابقة، لم أتذكر إلا بعد أن افترقنا عن إيدن، فلم أستطع سؤاله.
أما البارحة، فقد انشغلت تماماً بتحضير الدواء طوال الليل بعد أن أغراني دانتي بكلماته، فلم أجد الفرصة أيضاً.
لا أدري إن كان دانتي يعلم كم أنا مشتاقةٌ لسماع الإجابة، لكنه بقي صامتاً. وكان هذا الصمت يقتلني.
‘أرجوكَ أجبني بسرعة……!’
وأخيراً، بعد لحظةٍ طويلة، فتح دانتي شفتيه.
“صديق إيرفين، إيدن هايفن……”
كان التوتر قد بلغ ذروته حتى بدأ العرق يتشكل في راحتي. و دقّات قلبي تدوي في رأسي وكأنها موسيقى خلفية تشتغل تلقائياً.
ثم ابتلعت ريقي بصعوبة، بينما تحدث دانتي،
“ليس ساحرًا أسود. لا أشعر منه بشيء سوى الهالة العادية.”
“آه……”
تنهدت دون وعي، وقد غمرني الارتياح.
‘كنت أعلم! مستحيل أن يكون بطل القصة شخصاً شريراً يتورط بأعمال قذرة!’
كان من الجيد أن إيدن بريء، لكن في المقابل شعرت بالقلق من جديد.
إذا لم يكن هو، ولم يكن رون كذلك، فمن هو ساحر الظلام إذًا؟
‘هل يمكن أن يكون أحد سكان قصر هايفن فعلاً؟’
إن كان الأمر كذلك، فلا بد من الذهاب إلى القصر والتحقيق بنفسي.
لكن كان من الصعب تحديد الوقت المناسب.
هل من الأفضل الذهاب بعد لقاء البطلة، أم قبل ظهورها؟ لم أكن أستطيع أن أحسم أمري.
و قررت أن أكتفي حالياً بالشعور بالامتنان لأن إيدن ليس ساحراً أسود.
“شكراً لك. بفضلكَ أشعر أن حملاً ثقيلاً قد زال عن قلبي.”
ثم عدنا إلى القصر.
وكان ما استقبلني هناك هو بطاقة دعوة إلى حفل بمناسبة ذكرى تأسيس المملكة.
***
ذهبت إلى المتجر لأول مرة منذ مدة وأنا أحمل ظرف الدعوة في يدي.
كان الوقت قد حان أيضاً لشحن دائرة التعويذة السحرية، وكنت أتساءل ما إذا كان كايدن يدير المكان جيداً بمفرده.
جلست أعبث بالظرف بينما أنتظر كايدن. وفي تلك اللحظة، فتح كايدن الباب ودخل.
“سيدة إيرفين! هل كنتِ بخيرٍ طوال هذه المدة؟ أشعر أنني لم أركِ منذ وقت طويل!”
اقترب مني مسرعاً، ثم ثبت نظره على الظرف الذي كنت أحمله.
“سيدة إيرفين، ما هذا الذي تحملينه؟”
“هممم……بطاقة دعوة لحفل؟”
“حفل؟ أي نوع من الحفلات؟”
“إنه حفل بمناسبة يوم تأسيس المملكة.”
عندها أشرق وجه كايدن فجأةً بابتسامةٍ كبيرة.
“واو! هذا يعني أنكِ سترتدين ثوباً جميلاً وتدخلين قاعة الحفل مع شريك أنيق، أليس كذلك؟ أريد أن أراها أيضاً!”
فوجئت قليلاً بحماسه، فهذه أول مرة أراه بهذا القدر من الحيوية. ربما لأنه كان محبوساً في برج السحر لفترة طويلة.
يبدو أنه يحب الخروج كثيراً.
كايدن كان يبدو سعيداً جداً، لكنني كنت أعاني من مشكلة كبيرة واحدة.
وهي……
“لكن……ليس لدي شريكٌ بعد.”
أي أنني لم أحدد بعد شريكاً للرقص.
كنت قد عقدت العزم على تجنّب إيدن قدر الإمكان، وكاين هو المنظّم، لذا لم أكن أتوقع أن يكون شريكي.
وبالطبع، لا يمكنني اصطحاب كايدن، وهو من برج السحر، إلى حفلة ملكية.
‘أريد فقط أن أذهب وحدي……’
صحيح أن ذلك ممكن، لكن هناك أسطورة تتناقلها الألسن بشأن حفلة ذكرى تأسيس المملكة.
“من يحضر حفلة ذكرى التأسيس وحيداً، سيُلاحقه سوء الحظ لثلاث سنوات.”
يا لها من قصة لا تليق بعالم خيالي كهذا.
كنت أرغب في تجاهلها بسخرية، لكن لا شعورياً بدأت أفكر بها.
‘حظي سيء بما فيه الكفاية، وليس بوسعي تحمّل المزيد……’
وبينما كنت أحاول التفكير في حلّ آخر، لَمَعَت عينا كايدن فجأة،
“ماذا عن السيد دانتي؟!”
“……عفواً؟”
“حتى لو كان السيد دانتي ساحراً من برج السحر، فهو ذهب معكِ إلى القصر الملكي عدة مرات وأصبح معروفاً هناك، أليس كذلك؟ إنه الخيار الأمثل!”
وكما يقال: “اذكروا النمر يظهر”، إذ ظهر دانتي في تلك اللحظة.
“هل كنتما تتحدثان عني؟”
_____________________
جا على طاريه ارررررحب
بس لحظه كيف ايدن مب ساحر اسود🤨؟
شكله قوي لدرجة خش طاقته او يمكن ابوه؟ امه؟ اويلاو
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 66"