تفاجأت تمامًا من كلام دانتي المفاجئ، ولم أستطع إخفاء ارتباكي.
“ماذا…..ماذا قلت للتو؟”
ربما لم يظن أنني صُدمت، بل اعتقد أنني لم أسمعه جيدًا، فتقدم خطوةً وانحنى نحوي قليلًا.
“إيرفين دائمًا تبدو سعيدةً في الأماكن التي لا أكون فيها. أما أنا، فلا أجد في ذلك أي متعة.”
نظرت إليه بصمت، وفجأة انفلتت مني ضحكةٌ خفيفة.
أما دانتي، فقد بدا وكأنه لا يفهم السبب، فتجهم وجهه بوضوح.
ولأن ملامحه ازدادت عبوسًا، انتشرت ضحكتي بشكل أوسع.
“لمَ تضحكين؟”
قال ذلك بوجه متجهم وكأنه قرر أن يظهر استيائه عن عمد.
من كان يصدق أن هذا الشخص هو نفسه الذي كان دائمًا بلا تعبير، يجيب فقط بنعم أو لا، ويقضي وقته منغلقًا في البرج لا يخرج منه إلا نادرًا لأبحاث السحر؟
حتى أنا بالكاد أتذكر دانتي في ذلك الوقت.
ولإرضائه، بدأت أشرح له السبب.
“أعتقد أنني سأتمكن من علاج جلالته قريبًا.”
“…..حقًا؟”
“نعم! ألم يقل سمو ولي العهد كاين أن جلالته يعاني من أعراض برد؟ لهذا السبب أخذت معي دواءً للبرد اليوم. وتخيل ماذا؟ لقد بدأ يظهر مفعوله!”
رؤية الدواء الذي صنعته يعطي نتائج فعالة، كانت دائمًا لحظةً سعيدة بالنسبة لي.
تمامًا كما حصل حين خفّضت حرارة ثيو، أو عندما عالجت أحد سكان المقاطعة المصابين.
تحمّست كثيرًا وبدأت أتحدث بحيوية، فرفع دانتي زاوية شفتيه بابتسامة خفيفة، و هو ينظر إليّ.
“إذًا هذا ما جعلكِ سعيدة؟”
“نعم! لكن أعتقد أنه يمكنني تعزيز فعالية الدواء أكثر. فالوصفة الحالية كانت تعتمد على تقليل التكلفة. برأيكَ، ما الذي يمكنني إضافته ليصبح أكثر تأثيرًا؟”
نظر دانتي إلى المكونات التي كنتُ قد بعثرتها على الطاولة وإلى كتب الكونت السابق،
“ما دمتِ لا تنوين بيع الدواء، فلماذا تهتمين كثيرًا بالأمر؟ إن كان له مفعولٌ بالفعل، فحتى لو كان بطيئًا، سيتعافى الملك في النهاية.”
كان دانتي أحيانًا يتحدث وكأن شؤون الآخرين لا تعنيه على الإطلاق، ولم يكن يملك أي حس اجتماعي، مما جعلني أتنهد دون قصد.
“لكن ما دام شخصٌ ما مريض، فعلينا إنقاذه أولًا، وإن أمكن، بسرعة.”
فأمال دانتي رأسه كأنه لا يفهم، لكنه تكلم أخيرًا.
“أعتقد أن هناك مكوناتٌ في البرج.”
“حقًا؟”
“نعم. المواد التي نستخدمها في برج السحر كلها من الأنواع ذات الفعالية العالية.”
شعرت بالحماس من كلامه، لكن سرعان ما تبدد ذلك بسبب ما قاله بعد ذلك.
“لكنها باهظة الثمن. هل أنتِ بخيرٍ مع ذلك؟”
“…..ألم تكن ستعطيني إياها مجانًا؟”
بالطبع، لو طلب المال سأدفع، لكن مجرد أن يطالبني دانتي بالسعر الكامل جعلني أشعر بالضيق.
فنظر إليّ صامتًا للحظة،
“في الأصل، كنتُ أنوي إعطائها لكِ مجانًا.”
“إذًا لماذا..…!”
“غيّرت رأيي. لا أعلم، لكنكِ تثيرين غيظي وأنتِ تهتمين كثيرًا بهم.”
فبقيت أنظر إليه عاجزةً عن الرد، وفجأة، اختفى دانتي تمامًا.
لابد أنه استخدم سحر الانتقال الآني، فلم يتبقَّ سوى أثر من طاقته يطفو في الهواء.
“هَه! حقًا!”
تنهدت وضحكت بسخرية، مستغلةً غيابه. ولم يمضِ وقتٌ طويل حتى عاد دانتي مجددًا.
“ها هي.”
وكان يحمل في يده كميةً كبيرة من الأعشاب النادرة التي يصعب الحصول عليها.
بعد أن حسبت السعر في رأسي، ظللت مترددةً طويلًا بين قبوله أو رفضه، ثم استسلمت ودموعي في عيني و أخذته.
“سأدفع على أقساط..…”
وبما أنني وصلت إلى هذه المرحلة، فسأصنع دواءً يجعل من يتناوله يشعر بالحيوية من أول رشفة!
بفضل دانتي، أو بسببه، غرزت أسناني في شفتي وأشعلت الحماس في عيني، ثم قضيت الليل كله أخلط الأعشاب بلا توقف.
وبعد أن نجح تحضيري أخيرًا، نفخت فيه القليل من السحر ووضعت الدواء في زجاجات.
***
“سأعود بسرعة، انتظرني هنا.”
أخذت الدواء الذي سهرت الليل لأجله، وكنت على وشك التوجه به إلى القصر الملكي في الصباح، لكن دانتي أصر على مرافقتي وصعد إلى العربة معي.
غير أنه لم يكن يملك إذنًا رسميًا لدخول القصر، لذا لم يُسمح له بالدخول.
أخرجت تصريح الدخول الذي يحمل اسمي فقط من حقيبتي، وقدمته للحراس.
و كانوا نفس الحراس الذين التقيتهم بالأمس، لكنهم لم يتحركوا قيد أنملة قبل أن أُريهم الورقة، مما جعلني أُعجب باختيارهم الدقيق.
نظرت إلى دانتي من فوق كتفي وهددته بنبرة حازمة،
“لا تتبعني! إطلاقًا!”
ثم خطوت بثبات إلى الداخل.
يبدو أن الحرّاس وموظفي القصر اعتادوا وجودي خلال هذا اليوم القصير، أو ربما سمعوا عن تأنيبي لحراس الأمس، لأن نظرات الفضول والهمسات انخفضت بشكل ملحوظ، و هذا أفضل.
ووسط هذا الهدوء، التقيت مجددًا بإيدن، كما حصل بالأمس.
“إيرفين!”
لوّح بيده نحوي بفرح وهو يقترب، فابتسمت له بهدوء. وما إن وصل إليّ حتى سأل فجأة،
“من هذا الذي بجانبكِ؟”
فتفاجأت والتفتُّ بسرعة إلى جانبي. و كان دانتي واقفًا هناك، يبتسم بهدوء.
“قلتُ لكَ ألا تأتي-!”
لكن فجأة تذكرت أن إيدن موجود أيضًا، فقطعت حديثي وضغطت شفتيّ معًا.
أما دانتي، فلم يفهم ما يجري، واكتفى بإمالة رأسه باستغراب.
“هل تعرفينه؟”
انخفض صوت إيدن بشكل ملحوظ.
وبينما كان يتحدث، تحركت يده تدريجيًا، وفجأة أصبح يمسك سيفه. فسارعت لتفسير الموقف.
“هـ-هذا الشخص هو ساحر الحماية الخاص بي!”
“…..ساحر الحماية؟”
“نـ-نعم! بل هو أيضًا شريكي الثمين الذي لا يمكنني الاستغناء عنه، هو من يصنع أدوية السحر الخاصة بمتجر نوكس!”
ارتسمت ابتسامة رضا على وجه دانتي بعد كلامي. أما إيدن، فلم يجب بشيء، وكأنه غرق في التفكير، ثم تحدث فجأة،
“حقًا؟ لم أسمع بهذا من قبل.”
“آه…..ألم أخبركَ؟ كنت أظن أنني ذكرت ذلك من قبل..…”
رددت بتلعثم، فعبس إيدن وتجعد ما بين حاجبيه.
“لم تقولي شيئًا، إطلاقًا.”
لحسن الحظ، لم يبدُ عليه أنه سيشهر سيفه، لكن يده بقيت ممسكةً بمقبضه بإحكام.
وكأنه غاضب لأنه اكتشف جانبًا مني لم يكن يعرفه، فتنهد بعمق و ردّ بصعوبة،
“لو كان أمرًا بهذه الأهمية، كان عليكِ أن تخبريني. أنا لم أكن أعرف شيئًا.”
“كنت مشغولةً كثيرًا على ما يبدو، ونسيت. ظننت أنكَ تعرف.”
“لو كنتُ أول من قدمتِه إليه، لكنتُ عرفت ما نوع هذا الشخص. ماذا لو كان شخصًا قد يؤذيكِ؟”
نظر إيدن إلى دانتي بنظرة حادة، فالتفتُّ إلى دانتي بسرعة أراقب ردة فعله، لأن كلمات إيدن تجاوزت الحد.
ويبدو أن دانتي هو الآخر لم يكن في مزاج جيد، فقد قطّب حاجبيه وراح يحدق بإيدن بنظرةٍ مستفزة.
ولمنع أي شجار قد ينشب بينهما داخل القصر، سارعت بالوقوف بينهما لأحجب الرؤية.
“لا تتحدث بهذه الطريقة، دانتي شخصٌ طيب، وأنا متأكدة من ذلك لأنني تعاملت معه عن قرب.”
عندها، رفع دانتي حاجبيه بانتصار وبدت على وجهه علامات الفخر. أما إيدن، فقد خفّض صوته أكثر،
“إيرفين، أنتِ عطوفةٌ لدرجة أنكِ قد تعطفين على فأر عابر. لا يعني هذا أنني لا أثق بكِ، لكني قلقٌ عليكِ.”
“لكنني الآن مسؤولةٌ عن أسرة بأكملها يا إيدن، أعلم أنكَ تقلق، لكن أتمنى أن تثق بي أكثر.”
بعكس المعتاد، تكلمت بثبات ودون أن أتنازل. فتراجع إيدن قليلًا وأطلق زفيرًا خفيفًا.
“أجل، أعلم ذلك جيدًا…..حسنًا، بما أنكِ تتحدثين عنه بهذه الطريقة، فلا بد أنه جديرٌ بالثقة. فهمت.”
رغم أن في كلامه بعض المجاملة القسرية، شعرت بالارتياح لأنه بدأ يتقبّل وجود دانتي.
فمع الوقت، حتى لو لم يلتقيا كثيرًا، لا بد أن كلًا منهما سيكتشف أن الآخر شخصٌ جيد.
“إيدن، هذا دانتي. ساحر الحماية الخاص بي، وهو أيضًا من يصنع أدوية السحر الخاصة بنوكس.”
“تشرفت بمعرفتكَ.”
“ودانتي، هذا إيدن هايفن، وريث دوقية هايفن، ونائب قائد فرقة الفرسان الأولى التابعة للقصر الملكي.”
مدّ إيدن يده تحيةً منه، لكن دانتي اكتفى بهز رأسه دون أن يردّ التحية.
فوخزته بكوعي برفق لأدفعه إلى التصرف بأدب، لكنه تراجع خطوةً ليتفاداني.
‘حقًا…..في مثل هذه المواقف لا يمكن الاعتماد عليه أبدًا.’
ابتسمتُ لإيدن ابتسامةً متكلفة وقلت له محاولةً تلطيف الجو،
“دانتي قضى وقتًا طويلًا في برج السحر، لذا هو حذرٌ قليلًا من الناس. لكن مع الوقت، ستصبحان صديقين، أنا واثقة.”
ثم أشرت إلى برج الساعة متظاهرةً بالانشغال، ورفعت صوتي فجأة،
“آه! الوقت تأخر! سمو ولي العهد بانتظارنا! علينا أن نذهب الآن! اعمل بجد! إلى اللقاء!”
ثم أمسكت بمعصم دانتي وركضت به بسرعة بعيدًا.
***
بعد أن هرولت طوال الطريق دون توقف، وقفت أمام الباب ألهث بصعوبة، وحاولت تنظيم أنفاسي قدر الإمكان قبل أن أفتحه متظاهرةً بأن كل شيء طبيعي.
“سمو…..ولي العهد؟”
كنت أتوقع رؤية كاين، لكن من استقبلني كان طبيب القصر الذي رأيته سابقًا.
كان اسمه هيوز، على ما أذكر؟
فحييته بخجل شديد.
“أه…..مرحبًا.”
وقد لاحظ وجودي أخيرًا، بعد أن كان منشغلًا بفحص الملك، فالتفت إليّ،
“مرحبًا بكِ، كونتيسة.”
بعد تبادل التحية، اجتاحتني موجةٌ من الإحراج، فتقدمت بخطوات مترددة،
“يبدو أن سمو ولي العهد قد ذهب ليستريح..…”
“آه، سموه مشغولٌ حاليًا بالتحضيرات ليوم تأسيس المملكة. لقد مرّ هنا في الصباح فقط ثم غادر.”
فنظرت إليه مذهولةً وسألته مجددًا،
“ماذا؟ ماذا قلتَ للتو؟”
“قلتُ أنه مرّ في الصباح فقط..…”
“لا، قبل ذلك!”
“آه…..سمو الأمير مشغولٌ بتحضيرات يوم التأسيس..…”
ففتحت فمي ببطء وذهلت.
يوم تأسيس المملكة؟ هل مرّ الوقت بهذه السرعة؟
بعد أسبوع من يوم التأسيس…..تظهر البطلة في القصة.
___________________
دانتي قابل ايدن اخيراااااا
الا ان كان ايدن خاش طاقته بس عادي حتى دانتي قوي
المهم البطل بعد لاتكون تستس زي بطلها ؟
ودانتي يجنن وهو يتبوسم عشانه عرف ليه هي مستانسه بس قلبها يوم جاب الاعشاب😭
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 64"