“كيف حال جلالة الملك؟”
“لا يوجد فرقٌ كبير عن الأمس. لقد تعرّق ببرودةٍ طوال الليل، لكنه الآن بحال أفضل.”
بينما كنت أراقب كاين الجالس مجددًا إلى جانب الملك، ينظر إليه بقلق، بدأت أفتش في حقيبتي.
سمع كاين صوت الحقيبة وهي تتحرك، فأدار رأسه إليّ وأماله باستغراب.
ثم أخرجت زجاجات الدواء من الحقيبة وقدّمتها له.
“هذا دواءٌ فعّال ضد الزكام، وهذا جيّدٌ لاستعادة النشاط. لكن بالنظر إلى حالته، أظن أنه من الأفضل عدم إعطائه منشّط الطاقة الآن.”
أخذ كاين الزجاجات مني وسأل،
“هل قمتِ بتحضيرها بنفسكِ……؟”
“لا. بما أنني لم أتمكّن من فحص حالة جلالته بعد، أحضرت فقط ما كان متوفرًا في المتجر.”
فتنفّس كاين الصعداء بارتياح، وكأنه قد زال عنه عبء.
“كنت قلقًا من أنني حمّلتكِ ما لا طاقة لكِ به. بالطبع، سلامة جلالته هي الأهم، لكني لا أريد أن تتضرري أنتِ أيضًا.”
“لا تقلق. أنا أقوى مما أبدو.”
بفضل تفريغ السحر بانتظام من خلال متجر الأدوية، كنت في أفضل حالاتي مؤخرًا.
ولم أكن أظن أنني سأقول ذلك عن نفسي بهذه الثقة يومًا ما، لقد كان شعورًا رائعًا.
‘رغم أن الفخر بهذا أمام مريض ليس مناسبًا……’
أخذ كاين زجاجة الدواء مني وفتح الغطاء ليتفقد رائحته.
“أعتذر، إنه إجراءٌ ضروري……”
“بالطبع، أفهم ذلك تمامًا. لا تهتم لأجلي.”
رفعت كتفيّ بابتسامة مشرقة، فسكب كاين قليلًا من الدواء على ظهر يده ولعقه بلسانه.
لكن فجأة، بدا عليه شيءٌ غريب.
“كخ……!”
و أطلق أنفاسًا سريعة متوترة، وبدأت ملامحه تتقلّب من الانزعاج.
“هذا……!”
“صاحب السمو، هل أنتَ بخير؟!”
هل أعددتُ شيئًا خاطئًا؟
لكنها أدويةٌ تُباع في السوق أصلًا……هل سببت مشكلةً لأحد من قبل؟
هل كاين بخير؟
تدافعت الأسئلة والقلق في رأسي بلا توقف. وبينما كنت أرتبك و على وشك البكاء، اقترب مني كاين مترنّحًا وهمس في أذني،
“طعمه……مرٌّ جدًا……”
آه……لقد أفزعني حقًا……
فقدت قواي فجأةً وجلست على الأرض. عندها انحنى كاين سريعًا ليقابل نظري، وقد بدا عليه الذهول.
“آه، يبدو أنني تماديتُ في المزاح. هل أنتِ بخير؟”
فرفعت رأسي ببطء. وعندما رأيت ملامحه القلقة والمحرجة، خرجت الكلمات من فمي مع زفرة خفيفة،
“هل……أنتَ بخير فعلًا؟”
أومأ كاين برأسه. ثم رفع يده ببطء ولمس خدي برفق.
فجسدت يده الكبيرة والباردة على بشرتي رد فعل فوري، جعل جسدي ينكمش لا إراديًا.
“أنا من أخطأ، فلا تبكي.”
ثم مسح كاين برفق طرف عيني بإبهامه. و شعرت ببشرتي وقد ابتلّت في الموضع الذي مرّت عليه أصابعه.
على ما يبدو، كنت أبكي دون أن أشعر.
مسح كاين دموعي بحذر، وهمس لي مرارًا ألا أبكي.
“لا تبكي، أرجوكِ. كل هذا خطئي، لذا لا تبكي……”
وكانت ملامحه وهو يقول ذلك، تبدو وكأنه هو من سيبكي بدلًا مني من شدّة شعوره بالذنب.
هززت رأسي موافقةً لكاين وهو يتمتم مرارًا بلا توقف.
و رأيت كاين وهو يرفع شفتيه بصعوبة، ثم مسح الدموع التي علقت برموشي للمرة الأخيرة، ونهض من مكانه.
اقترب مني بينما لا أزال جالسةً على الأرض، ومدّ يده. فقبضت على يده ووقفت.
“أعتذر، كنت أمزح بشكلٍ مبالغ فيه. يمكنكِ أن تغضب مني.”
انحنى كاين برأسه بعمق وقدم اعتذاره. فحدقت به في قمة رأسه وأنا أتنهد.
“هممم……لا بأس، قف الآن.”
“لا، يمكنكِ أن تضربيني حتى تستريحي.”
“حقًا، قلت لكَ لا بأس.”
لكن كاين أصر على عدم رفع رأسه. وأثناء نظرتي المستمرة لشعره الكثيف والمموج، بدأ شعورٌ غريب يتسلل إليّ.
‘آه، لا……يجب أن أتحكم بنفسي. لا يمكنني أن أفعل هذا مع الأمير……’
لكن في كل مرة أنظر إليه، كنت أقاوم الرغبة!
وفي النهاية لم أتمكن من كبح جماح نفسي، ومددت يدي.
“……كونتيسة؟ ماذا تفعلين؟”
كان ملمس شعره الناعم والطري تحت أطراف أصابعي مبهجًا. و كنت غارقةً في الإحساس لدرجة أنني لم أسمع صوت كاين.
ثم فجأة أدركت ما أفعله بعدما لمست رأسه حوالي خمس عشرة مرة.
‘يا إلهي.’
فتوقفت يدُي تلقائيًا، وسألني كاين،
“هل انتهيتِ من اللمس؟”
تشنّجت أصابعي وانكمشت.
آه، ناعمٌ جدًا. لا، لا، ليس الوقت المناسب لأشعر بالملمس الآن.
ثم سحبت يدي بسرعة.
“آسفةٌ جدًا……لم أقصد ذلك، فقد حدث دون أن أشعر……”
رفع كاين ظهره مستقيمًا، ثم مرّر يده على شعره الذي عبثتُ به. و بدا أن النعومة التي شعرت بها في يدي قبل قليل عادت مجددًا.
القى كاين نظرةً نحوّي بعد أن رتّب شعره. و كنت أخشى أن يقول شيئًا سيئًا، حتى أنني لم أكن أعرف ماذا سأقول.
“بهذا، هل تغفرين لي؟”
“……ماذا؟”
رددت بدهشة وكأني حمقاء على هذه الكلمات غير المتوقعة.
و بكل سعادة، ضحك كاين،
“كنت أعلم أن هناك من يرغب بلمس شعري، لكن لم أسبق أن رأيت أحدًا يمد يده مباشرةً كما فعلتِ أنت، يا كونتيسة.”
وبينما كان يضحك، حاولت تبرير تصرفي بلا جدوى.
“حسنًا، لقد حاولت أن أقاوم، حقًا.”
“بصفتكِ كونتيسة، يمكنكِ لمس شعري متى ما شئتِ.”
“لا، يجب أن أتحلى بالصبر. لا يمكنني أن ألمس شعر صاحب السمو هكذا بسهولة.”
يا لها من محادثةٍ غريبة!
ثم هززت رأسي مبتعدةً عن الحديث الطفولي، وغيّرت الموضوع.
“على أي حال، أظن أنه من الأفضل أن يأخذ جلالته الدواء.”
ألقى كاين نظرةً خاطفة إلى الملك النائم بعمق، ثم جلس بجانب رأسه. وبحذر، وضع رأس الملك على ركبته، ثم فتح فمه للحديث.
“عذرًا، هل يمكنكِ أن تعطيني زجاجة الدواء؟”
بعد أن بدأت بالبكاء، وضع كاين زجاجة الدواء على الكرسي على عجل.
أمسكت بالزجاجة ومددتها له.
‘كنت أظنه مرحاً، لكن بدا لي جانبٌ آخر منه……لقد رأيته بشكل مختلف بعد هذه الحادثة.’
فتح كاين شفتي الملك ببطء وأمال الزجاجة. و كنت أراقب بهدوء الدواء البنفسجي يتسلل إلى فم الملك، وازداد قلقي.
‘أتمنى حقًا أن يتحسن مرضه.’
عندما فرغت الزجاجة تمامًا، و أعاد كاين الملك إلى فراشه. بينما بدت ملامح الملك تتحسن قليلًا، ربما بفضل الدواء.
و بعد أن غطّى الكتف والرقبة بالبطانية، خاطبني كاين،
“هل يمكنكِ البقاء معي حتى يبدأ الدواء بالتأثير؟”
“بالطبع، يجب عليّ متابعة حالة جلالته.”
ابتسم كاين وتحرك نحو طاولةٍ صغيرة قرب النافذة. و قال لي: “تفضلي هنا.”
خطوت نحو المكان، فابتسم كاين وسحب الكرسي ليجلس قبالتي. و استند إلى ظهر الكرسي وجاء في صوته تعبٌ واضح.
“هل أنتَ متعب؟”
هز رأسه بنعومة وهو يبتسم قليلاً، وكان التعب واضحًا عليه.
كيف ينوي إنجاز أي شيء وهو بهذا التعب؟
“يمكنكَ أن تأخذ قسطًا من الراحة.”
“لا، لستُ متعبًا حقًا.”
“إن كنت قلقاً على جلالته، فأنا هنا لأساعد.”
“حقًا، لا بأس يا كونتيسة. لا تقلقي من أجلي.”
أصر كاين على موقفه بثبات. لكنني شعرت بعدم ارتياحٍ وأنا أرى وجهه المرهق وكأنه استنزف طاقة الآخرين معه.
“إذاً، أغلق عينيكَ للحظةٍ فقط. إنهما محمرتان ومتعبتان.”
“ماذا عنكِ……”
فأخرجت كتابًا من حقيبتي ورفعته مبتسمة.
“في الواقع، لدي الكثير من العمل لأقوم به. عليّ إجراء بحث. هل يمكنني قراءة الكتاب لفترة؟”
ظننت أن كاين لن يصدقني، فبدأت فورًا بفتح الكتاب وقراءة الصفحات. فأطلق كاين سعالاً خجولًا ثم أغلق عينيه برفق.
وبعد قليل، تنفس بعمق وغرق في النوم.
‘كم كان متعبًا حتى غط في النوم هكذا بسرعة؟’
شعرت بالشفقة تجاهه، فهو لم ينم جيدًا منذ مرض الملك.
قلبت الصفحات بحذرٍ وبهدوء، محاولةً إعداد دواء يشفي الملك بأسرع وقت ممكن. بينما حرصت على ألا أوقظه.
***
“يا صاحب السمو! يا صاحب السمو!”
هززت كتفي كاين الذي كان قد نام وهو متشابك اليدين. ففتح عينيه على الفور.
“……كونتيسة.”
بدا وكأنه ما زال نصف نائمٍ ومرتعب.
رمش كاين ببطءٍ بعينين لا تزالا متعبتين، ثم استعاد وعيه.
“هل غفوت؟”
“هل تشعر بتحسنٍ الآن؟”
“……كم من الوقت نمت؟”
بدا على وجه كاين علامات عدم تصديقٍ أنه نام حقًا، حتى صار وجهه جامدًا. فشعرت بالأسى تجاهه، و رفعت كتفيّ بشكل غير مبالٍ.
“لقد نمت حوالي ثلاث ساعات.”
فتفاجأ كاين بضحكة خافتة خرجت من شفتيه.
“هل تعنيت أنني نمت ثلاث ساعاتٍ متواصلة دون أن أستيقظ حتى مرةً واحدة؟، وبوضعية غير مريحة كهذه؟”
في الحقيقة، كنت أفكر في أن أجعله ينام على السرير لأنه كان يغفو وهو جالس، لكنني خفت أنه إذا استيقظ مرة، فلن ينام ثانيةً، لذا لم أفعل.
لكن فعلاً، لم يستيقظ مرةً واحدة طوال الوقت.
“يبدو أنكَ كنت متعبًا جدًا.”
“……لقد ارحت نفسي لأكثر من مرة، لكني لم أنم هكذا من قبل.”
و تذكرت أن أول مرة جاءني فيها كان ليطلب مني منومًا.
وها هي الذكريات التي نسيتها تعود إليّ مثل موجة، وتملأ رأسي بوصفه في القصة الأصلية.
___________________
مسكين كاين طرف ثالث في القصة الاصليه وهنا بعد 😭
يوم قومته حسبت الملك تشالى بس لوء
المهم اشوا ايدن مادخل معها ذا النشبه
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 62"