ركبتُ العربة منذ الصباح متجهةً نحو القصر الملكي.
و قد تأخرت قليلاً لأنني اضطررت للتخلص من دانتي الذي أصرّ على مرافقتي.
‘كلما ألاحظ الأمر، يبدو أنه لا يحب مقابلة كاين.’
كنت أعتزم اليوم فقط الاطمئنان على حالة الملك والعودة. واحتياطًا، جلبت معي أدويةً للبرد والإرهاق كما نصحني كاين.
‘إن لم تنفع الأدوية التي أحضرتها، فسأضطر لصنع غيرها، وسيزداد الأمر تعقيدًا…..’
وبينما كنت غارقةً في هذه الأفكار، إذا بالقصر الملكي يلوح أمامي.
ما إن نزلت من العربة حتى وقف الحراس في طريقي وكأنهم كانوا بانتظاري.
أخرجتُ من الحقيبة تصريح الدخول إلى القصر الذي زودني به كاين وأريته لهم.
عندها أعادوا سيوفهم إلى أغمادها وفتحوا البوابة الحديدية.
“المجيء وحدي هكذا له سلبياته..…”
فقد كنت دائمًا آتي برفقة كاين، أو بناءً على استدعاء من الملك.
أعدت تصريح الدخول إلى أعماق الحقيبة وسرت بحذر إلى الداخل.
لم أكن ألاحظ سابقًا، لكن الحراس كانوا منتشرين في كل زاوية، يتفقدون الجميع.
و كانوا يراقبون الداخلين وكل من في الجوار بحذر شديد. فشعرت بالتوتر وضممت الحقيبة إلى صدري، مسرعةً في خطواتي، حتى ناداني أحدهم.
“إيرفين؟ هل أنتِ إيرفين؟”
ارتعبت قليلاً والتفت بسرعة، فرأيت شعرًا فضيًا يلمع تحت الشمس.
“إيدن!”
لماذا نشعر بسعادة غامرة عندما نلتقي بشخصٍ نعرفه في مكان غريب؟
رغم أنني لا أفعل ذلك عادة، إلا أنني لوّحت له بذراعي بحرارة وقد انزاح عني التوتر. فضحك إيدن وتقدم نحوي بخفة.
“رؤيتكَ في هذا المكان تسعدني حقًا!”
اقترب حتى صار أمامي تمامًا، فحييته بتحية دافئة. عندها ربّت على رأسي مرتين بابتسامة.
“إيرفين، ما الذي أتى بكِ إلى هنا؟”
“أنا؟ جلالته سمع أن أدوية نوكس فعالة، فطلب مني أن أُحضّر له بعضها…..وأنتَ؟ ماذا تفعل في القصر؟”
رفعت رأسي لأنظر إلى إيدن، لكن الشمس الساطعة أزعجتني. فضيّقت عينيّ ورفعت يدي لأحجب الضوء، و لاحظ إيدن ذلك فاقترب خطوةً ليحجب الشمس عني وبدأ بالكلام.
“أنا هنا لنفس السبب تقريبًا. تلقيت أمرًا بتعزيز الحراسة في القصر الملكي. فأسرة الدوق هايفن هي درع وسيفٌ للعائلة المالكة.”
“لهذا السبب ازداد حذر الحراس مقارنةً بالمرات السابقة، إذًا.”
“…..هل ضايقكِ أحدهم؟”
فجأة تغير تعبير إيدن وصوته، وأصبح باردًا وحادًا.
ثم نظر من حوله بحذر، وكأنه مستعدٌ لتحطيم أي شخص يقترب. فلوّحت له بيدي بسرعة وابتسمت مطمئنة.
“أوه، لا لا! أبدًا! فقط شعرت بأن الأجواء مشحونةٌ لا أكثر!”
فعاد وجه إيدن ليشعّ بدفئه المعتاد وابتسم ابتسامةً ناعمة.
“حقًا؟ إذا كان كذلك، فهذا جيّد. لكن إن ضايقكِ أحدهم يومًا، فأخبريني فورًا، فهمتِ؟”
“أ-أجل! فهمت. كما هو متوقّع، دائمًا يمكن الاعتماد عليكَ يا صديقي!”
ضحكت بخجل وربتّ على ذراعه بخفة.
من يجرؤ أصلًا على إزعاج كونت؟
‘حقًا، لديه ميلٌ للمبالغة في الحماية…..لا أحتاج لكل هذا.’
ففي أسوأ الأحوال، يمكنني الدفاع عن نفسي بالسحر.
و فكّرت أنه عليّ أن أخبر إيدن قريبًا أنني أستطيع استخدام السحر، ثم خاطبته.
“أظن أنني يجب أن أذهب الآن، ماذا عنكَ؟”
“سأرافقكِ إذًا. على أي حال، أنا مكلفٌ بحراسة غرفة جلالته. كنت فقط أتفقد محيط القصر.”
“آه، صحيح؟ إذًا هيا بنا معًا. يسعدني أن تكون برفقتي!”
بل كان الأمر في صالحي.
‘فأنا برفقة نائب قائد فرقة الفرسان الأولى الملكية، لذا من المؤكد ألا يجرؤ أحدٌ حتى على النظر نحوي.’
…..لكن ذلك كان وهمًا كبيرًا.
بل على العكس، كل الأنظار كانت موجّهةً إلينا.
فطوال الطريق عبر أروقة القصر، كان الناس يتهامسون بمجرد رؤيتنا.
“هي تلك، أليس كذلك؟”
“من؟”
“ألا تعرف؟ تلك التي يُقال أنها ستكون زوجة دوق هايفن المستقبلي.”
“آه، صديقة الطفولة لنائب قائد فرقة الفرسان الأولى؟ سمعت إشاعةً أنها تعيش مع عائلة هايفن عمدًا لتضمن مكان الزوجة.”
الحارسان الواقفان في الممر تماديا في الحديث بصوت منخفض.
عندما أكون مع كاين، لا يرفع أحدٌ نظره عن الأرض، لكن يبدو أن هؤلاء لا يمانعون إن سمع إيدن ما يقولونه، فقد كانوا مشغولين بنقل الإشاعات لبعضهم البعض.
لكن أكثر من الإشاعات السخيفة، ما أقلقني هو حال إيدن الواقف بجانبي.
‘يا إلهي، إنه غاضب حقًا، ماذا أفعل؟’
فعينيه أصبحتا حادتين وباردتين، وكأنه سيستل سيفه ويقطع رأسيهما في أي لحظة.
لم يكن بيدي حيلة. و لم يكن أمامي سوى أن أُسرع الخطى نحو جناح الملك.
‘أرجوكم، لا تقولوا شيئًا آخر! قد تعتقدون أنكم تتهامسون، لكننا نسمع كل كلمة!’
تمنيتُ من أعماق قلبي أن يتوقفوا، لكن أمنياتي لم تتحقق.
“هل هذا ما يُسمّى بالمكر؟ مخيفةٌ بالفعل~.”
“آه، أشفق على نائب القائد.”
فاستدرت فورًا ونظرت إلى جانبي.
‘مصيبة..…’
إيدن لم يكن هناك.
و سرعان ما استدرت الى الخلف حيث كان الحارسان واقفين. و لا أعلم متى تحرّك، لكن إيدن كان قد استلّ سيفه ووجّهه نحوهما.
“كك…..سـ-سيدي نائب القائد..…”
تمكّن الحارسان بصعوبةٍ من فتح أفواههما، وقد أُسقط في أيديهما من الهالة التي كان إيدن يُطلقها.
“هل تعرفان من تكون هذه السيدة؟”
“كوهك…..نـ-نعتذر، ككك..…”
“ألَم أسألكما من تكون؟ هل تجرؤان على الاستهانة بي الآن أيضًا؟”
“لـ-لا، أبدًا..…!”
ردّ الحارس بصعوبة، لكن نظرة إيدن الضيقة دلّت على أنه غير راضٍ بالإجابة.
ثم تقدّم خطوةً وهو لا يزال يوجّه السيف إليهما.
و عندما لامس الحارس حد السيف الذي بدا وكأنه سيقطع رأسه في أي لحظة، ارتبك وتراجع خطوةً إلى الخلف.
عندها تحدث إيدن بصوت منخفضٍ قاتم،
“حقًا؟”
فتجمد الحارس في مكانه من تلك الكلمة الوحيدة. و حتى أنفاسه التي كان يخرجها بصعوبة توقفت.
“ارجع إلى مكانكَ.”
بلع الحارس ريقه بمرارة وعاد إلى موقعه الأصلي. لكن الغضب في عيني إيدن لم يكن قد هدأ بعد.
‘إن استمر على هذه الحال، فسيحدث أمرٌ خطير فعلًا.’
فأسرعت واقتربت منه. وبمجرد أن سمع خطواتي، تراجعت الهالة من حوله فجأة.
فأخذ الحارسان نفسًا عميقًا وكأنهما كانا تحت الماء، وبدآ بالسعال.
اقتربت من إيدن وأمسكت بذراعه التي كانت لا تزال مرفوعةً وهي تمسك بالسيف،
“أ-ألا تعتقد أنه يكفي إلى هذا الحد؟”
فارتجفت ذراعه قليلًا في يدي.
ثم أدار إيدن رأسه ببطء ناحيتي بعد أن كان ينظر إلى الأمام. و نظر إليّ وابتسم ابتسامةً ناعمة، وكأن الغضب لم يمرّ على وجهه منذ لحظة.
“إيرفين، أمثال هؤلاء لا يفهمون إلا إذا تُركوا شبه موتى.”
لكن الكلمات التي خرجت من فمه لم تكن ناعمةً أبدًا.
فسحبت ذراعه مرة أخرى نحو الأسفل.
“سأتولى الأمر. أنا أيضًا غاضبةٌ جدًا.”
“إيرفين.”
“حسنا؟ إيدن؟”
عندها فقط انخفض سيفه بهدوء بعد أن كان جامدًا بلا حراك. ثم تنهد إيدن بعمق، وأعاد السيف إلى غمده بعد لحظة من التردد.
ثم وقف في مكانه ناظرًا إليّ، وكأنه يقول لي: عبّري عن غضبكِ بدلًا مني.
‘ليس لدي الكثير لأقوله…..لكن التحدث بسوءٍ عن الآخرين من خلفهم ليس أمرًا جيدًا.’
استدرت عن إيدن، ووقفت مواجِهةً الحارسين. ثم فتحت فمي.
“هل تجرؤون على تكرار ما قلتموه قبل قليل أمامي مباشرة؟”
فارتجف الحارسان قليلًا وبدآ يراقبان ردات فعل بعضهما البعض.
“هل تقدرون على ذلك؟”
فأشارا برأسيهما بالنفي. و تنهدت بخفة، ثم تابعت كلامي.
“إن لم تكن لديكم الشجاعة لقول شيءٍ أمام من يعنيه، فلا يجب أن تقولوه خلف ظهره أيضًا. وخصوصًا حين لا تعرفون الشخص حق المعرفة. فإطلاق الأحكام دون فهم أمر لا يليق بفارس.”
فانخفضت رؤوس الحارسين قليلًا، ثم أومآ ببطء. بينما شعرت وكأنني أصبحت معلمةً تلقي التوبيخ على تلاميذها.
“احذروا في المرة القادمة. سأتجاوز عن هذه، لكنها لن تتكرر مرة أخرى.”
“نعتذر يا كونيسة كوينيارديل، لقد تصرفنا دون تفكير. لن يتكرر هذا الأمر مرةً أخرى.”
نظرتُ خلفي بحذر. و كان إيدن لا يزال يحدّق في الحارسين، ويبدو أن الغضب لم يهدأ تمامًا في عينيه.
لكن حين لاحظ أنني أراقب ردّة فعله، تنهد بخفّة وأنزل بصره.
“إذًا انتبهوا في المستقبل، وعودوا لأعمالكم.”
رغم أنه لا يزال غير راضٍ، إلا أنه لا يمكننا ضربهم لمجرد أنهم تكلموا.
فربّتُّ على أكتاف الحارسين بخفة ثم عدت إلى جانب إيدن.
“هلا نذهب؟”
كان يحدّق بي بعينين نصف مغمضتين، ثم أطلق تنهيدةً مبالغًا فيها.
“إيرفين، أنتِ طيبةٌ أكثر مما ينبغي، وهذا ليس دائمًا في صالحكِ.”
“أنا؟ لا أظن.”
ابتسمت وأنا أحك خدّي بخجل، ثم بدأت في السير.
فابتسم إيدن بدوره، وكأنه استسلم للأمر، وتبعني.
***
“أوه، أنتَ هنا يا صاحب الجلالة.”
بمرافقة إيدن، دخلت جناح الملك، فوجدنا الملك يلهث بصعوبة، وبجواره كاين يلازمه كظلّه.
التفت كاين عندما سمع صوتي، ونهض من على كرسيه فورًا.
“أهلاً بكِ.”
ثم اقتربت من كاين الذي ابتسم ابتسامةً خفيفة. لكن رؤيته من القرب، بدا وجهه مرهقًا وشعره باهتًا ومبعثرًا.
“هل نِمتَ قليلًا على الأقل؟”
ضحك كاين بخفة، وانعطفت زوايا عينيه بابتسامةٍ تدل على أن الإجابة: لا.
“هل بقيت بجوار جلالته طوال الليل؟”
“كنت أجلس على الكرسي وأغفو بين الحين والآخر.”
و ابتسم بخجل، لكن وجهه كان ممتلئًا بالقلق والتعب.
___________________
ياحرام ياوليدي خايف على ابوه😔🫂
ايدن الزفت من زمان ماطلع لدرجة اول ماقالت ايدن قعد احاول استوعب منهو😭
الذاكره 0%
المهم لو ان دانتي جا معها كان كشف ان ايدن يستعمل السحر الاسود وافتكينا!
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 61"