خرجنا من غرفة نوم الملك وتوجهنا إلى الحديقة.
و كانت الحديقة لا تزال مملوءةً برائحة الزهور التي تملأ المكان، مما جعل المزاج يتحسن تلقائيًا.
لكن رغم مرور وقتٍ طويل، كان كاين جالسًا هناك يحدق في الزهور بتفكيرٍ غائب.
‘هل هو بخير، ذلك الرجل؟’
كنت ألعب بفنجان الشاي وأنا أراقب حركات كاين، بينما بدا دانتي غير مبالٍ واحتسَى شايه بهدوء.
و ربما لاحظ كاين نظراتي المتكررة، فالتفت نحوي فجأة. و التقت عيني بعضنا البعض، فابتسمت بخجل.
“يا للهول، لقد كنت مشوش الذهن أمام الضيوف.”
“لا، لا تقلق، أنا لا أبالي.”
ضحك كاين بخفةٍ وهو يراقب يدي التي تلوّح بلا هدف، ثم مدّ يده نحو فنجان الشاي الموضوع على الطاولة.
لكن يده كانت لا تزال ترتجف، مما أدى إلى سقوط الفنجان واصطدامه بالطاولة بصوتٍ مرتفع.
ففزعتُ ونهضت بسرعة وأمسكت بيد كاين على الفور.
“هل أنتَ بخير؟ ألم تصب بأذى؟”
و فحصت يده من كل زاوية، ولحسن الحظ لم أجد أي جرح أو كدمة. فتنفستُ الصعداء، ثم غطى كاين يدي بيده الكبيرة برقة.
“أنا بخير، كونتيسة كوينيارديل.”
وبهدوء، فك يده عن يدي، كأنه يحذرني ألا أقلق أكثر من اللازم.
فشعرت أن المسافة بيننا قد ازدادت، رغم أننا كنا نظن دائمًا أننا قريبين و مرتاحين مع بعضنا البعض.
‘كان هناك شيءٌ غريب منذ اللحظة التي خرجنا فيها من غرفة الملك……’
حاولت التفكير بعمق لمعرفة ما المشكلة، لكنني لم أستطع إيجاد جواب.
حتى أنني لكنني لم أكن أتوقع أن كاين سيخبرني بما يشغل باله.
‘لا داعي للقلق بلا سبب، إذا أراد أن يتحدث، سيخبرني.’
حاولت أن أبتعد بنظري عنه وشربت بعض الشاي. و ربما لاحظ أن الجو أصبح متوترًا، فكان هو من بدأ الحديث.
“لقد فوجئتِ بالاستدعاء المفاجئ، أليس كذلك؟”
“نعم، قليلًا. لم أتوقعه على الإطلاق.”
في الحقيقة، فكرت عشرات المرات إذا كنت قد فعلت شيئًا خطأ.
“لو كنت أعرف نية جلالة الملك مسبقًا، لكنت أبلغتكِ، لكنه أرسل الرسالة أثناء استيقاظه لفترة قصيرة، لذلك علمت بالأمر فقط هذا الصباح.”
حنى كاين طرف عينيه بأسف، وكان يشبه جروًا يعتذر بعد أن ارتكب خطأً.
رغم أنني لا أظن أن الخطأ كان منه حقًا……
“لا بأس، كانت رحلة العربة الملكية مريحةً إلى حد ما.”
قلت هذا مازحةً حتى لا يشعر بالقلق أكثر. فابتسم كاين وكأنه مرتاح،
“في الواقع، صحة جلالة الملك تدهورت بسرعة. كان يظن في البداية أنه مجرد نزلة بردٍ خفيفة، لكن الإجهاد المتراكم بسبب الكثير من الأمور التي تشغل باله أثرت عليه كثيرًا. خاصةً مع تقدمه في السن.”
“حقًا……لا بد أنكَ تشعر بقلقَ كبير. أتمنى له الشفاء العاجل.”
بدلًا من الإجابة، ابتسم كاين شاكراً، وأخرج فنجان شاي جديدٍ من العربة التي أحضرها الخادم.
“سمع جلالته كثيرًا عن نُوكس.”
ثم حمل الإبريق الذي لا يزال دافئًا وصب الشاي. و أضاف الحليب إلى الشاي، وحركه بملعقة صغيرة، ثم شرب رشفة،
“حالياً، جلالة الملك يتناول أدوية الصيدلي الملكي، لكن لم يكن هناك تحسنٌ يُذكر. لكن كما تعلمين، العلاقة بين القصر وبرج السحرة متوترة، لذلك لا يمكن استخدام الأدوية السحرية.”
“لذلك……”
“نعم. جلالة الملك يفكر في علاج مرضه بأدوية نُوكس السحرية. ولهذا السبب استدعى جلالته الكونتيسة.”
بفضل كلام كاين، فهمت سبب استدعاء الملك لي. لكن لم أتمكن من قبول هذا الاقتراح بسهولة.
“حتى أدوية الصيدلي الملكي لا تجدي نفعًا، هل تعتقد أن دوائي سيكون مختلفًا؟ أليس من الأفضل أن تحاولوا الحصول على الأدوية السحرية من جهةٍ أخرى؟”
“جلالة الملك لن يسمح بذلك. وإذا انكشفت الحقيقة، قد يعاقب كلٌ من شارك في الأمر.”
كنت أعرف أن شخصية الملك صارمة، لكن بهذا القدر؟
ظننت أن ذلك مجرد وسيلةٍ لإرغامنا على صنع الدواء، لكن كاين بدا جادًا جدًا.
“لكن الأدوية التي أصنعها تعتمد على وصفة والدي الموثقة. من الصعب صنع دواءٍ مخصص لحالة جلالة الملك، كما أننا لا نعرف متى سيتم الانتهاء منه، وربما قد يزيد الوضع سوءًا.”
“يوجد طبيبٌ ملكي دائم مع جلالته، لذلك لا داعي للقلق.”
لكن، كيف يعقل أن يُوكل أمرٌ بهذه الأهمية لشخص لم يمض وقتٌ طويل على افتتاح متجره؟
شعرت بثقل المسؤولية وضغط كبير كأنني سأضطر فعلاً لصنع دواءٍ للملك.
‘ربما أكون قادرة على فعل شيء……’
“أنا أضمن مهاراتكِ يا كونتيسة.”
“مع ذلك-”
في تلك اللحظة، قطع دانتي، الذي كان يستمع بصمت، الحديث فجأة،
“سيكون الأمر على ما يرام.”
و بصوته، التفتتُ أنا وكاين في نفس الوقت نحو دانتي.
كان يلعب بفنجان الشاي الفارغ على الطاولة، ثم أكمل بصوتٍ هادئ وغير مبالٍ،
“القوة السحرية القديمة قويةٌ في الشفاء، إذا صُنِع الدواء المناسب، فسيكون جيدًا.”
سحب دانتي يده التي كانت على الطاولة ووضعها في جيبه، ثم نظر إليّ ببطءٍ و بثقة.
“إيرفين يمكنها أن تفعل ذلك.”
كانت عيناه صادقتين، وتحملان إيمانًا حقيقيًا بقدرتي على النجاح.
ثم جاء صوت كاين،
“أنا أيضًا أؤمن بأن الكونتيسة قادرةٌ على ذلك. لذا أرجو منكِ أن توافقِي.”
نظرتُ بينهما بالتبادل. و كانت نظراتهما صادقة تمامًا، فاسترختُ قليلاً وأطلقت تنهيدةً خفيفة.
“هاه……”
عضضت شفتِي السفلى بشدة، ثم أغمضت عينيّ وفتحتهما بهدوء. و لا زلت أشعر بنظراتهما المثقلة عليّ.
“حسنًا، سأفعلها. ما العمل إلا أن أفعلها.”
“حقًا؟ لن أنسى هذا الجميل يا كونتيسة!”
“هذا الكلام بعد أن يشفى الملك فقط.”
أطلقت تنهيدةً ثقيلة وأنا أشعر بعبء المسؤولية الكبيرة، ثم التقيت بنظرات دانتي.
و كان يبتسم بلطف ويحدق بي بود، مما جعلني أشعر بمزيد من التوتر، فتحاشيت النظر إليه.
ثم رفعت فنجان الشاي وتظاهرت بأنني أغوص في التفكير.
‘هل سأتمكن حقًا من القيام بذلك……؟’
***
“عليكِ أن تصنعي دواءً للملك؟”
“نعم، لكن……”
عندما عدت إلى نوكس، بدأت الحقيقة تتسلل إليّ ببطء.
“صنع الدواء والتنقل داخل القصر سيأخذان الكثير من الوقت، ماذا سأفعل بالنسبة للمتجر؟”
“ألا يمكنكِ إغلاقه لفترة قصيرة؟ فالأمر لا مفر منه.”
“لا أستطيع خذلان توقعات زبائني.”
كيف يمكنني أن أخسر الثقة التي حصلت عليها؟ إذا انكسرت ثقتهم بي هذه المرة أيضًا، قد لا أحصل على فرصةٍ أخرى أبدًا.
“إذًا، ما رأيكِ في توظيف موظفٍ جديد؟”
موظف؟ جذبني كلام كايدن.
لكن هل من الممكن أن أجد شخصًا يعرف كل شيءٍ عن الأدوية العادية والسحرية خلال يوم واحد وينهي تدريبه؟
لا أظن أن هناك مثل هذا الشخص……
هززتُ رأسي مستبعدةً الفكرة، ثم نظرت إلى كايدن فجأة.
‘هو هنا. ليس فقط يعرف الأدوية العادية، بل أيضًا ماهرٌ في الأدوية السحرية ويعرف كل شيء عن نُوكس.’
وعلاوةً على ذلك، يمتلك مهاراتٍ كلامية رائعة تجعل الزبائن يحبونه.
‘حقًا، إنه أمرٌ مفاجئ.’
فاقتربت من كايدن وسألته.
“هل لديكَ الكثير من الأعمال في برج السحر، كايدن؟”
“أنا؟ حسنًا……بما أنني مبتدئ فأنا مشغولٌ بالكثير من الأعمال الصغيرة……”
ألقى نظرةً على دانتي متفقدًا ردة فعله.
“كنت أظن أن كايدن هو الأنسب للاهتمام بأمور نوكس، لكنكَ مشغولٌ جدًا، أليس كذلك؟”
“ماذا؟ أنا؟ هذا لشرفٌ كبير لي!”
بدا كايدن سعيدًا حقًا. و عادت الحيوية إلى عينيه الرماديتين الغائمتين للحظة. و لم أرَ هذا الجانب منه منذ أن قلتُ أنني سأعرفه على دانتي.
لكن سرعان ما راقب كايدن دانتي وغير مجرى الحديث.
“لا، في الحقيقة أنا مشغولٌ جدًا. هناك الكثير من الأعمال في برج السحر. علينا تعديل الأدوات السحرية التي يصنعها كبار السحرة، وصنع الأدوية السحرية التي تستغرق أيامًا، والبحث، وفحص الأخطاء في أبحاث السحرة القدامى، والمزيد من الأبحاث……”
فعاد بريق العيون عند كايدن ليختفي. بل بدا كأنه يغرق في هاويةٍ عميقة.
لا أعلم لماذا بدا الأمر محزنًا إلى هذا الحد. فربّتُّ على ظهره مرتين، وعندها فتح دانتي، الذي كان واقفًا بصمت، فمه أخيرًا.
“قومي بتوظيف كايدن.”
عند كلماته، التفتُّ أنا و كايدن إليه.
“حقًا؟!”
“هل هذا صحيح؟!”
ربما أزعجته نظراتنا المليئة بالبريق، فتراجع خطوةً إلى الخلف وأكمل حديثه.
“لن يحدث شيءٌ كارثي بغيابه، كما أن العمل الإضافي ليس ممنوعًا، لذا لا بأس في ذلك.”
بدت ملامح كايدن حزينةً قليلًا من حدة كلمات دانتي، لكنه سرعان ما ابتسم ابتسامةً مشرقة.
يبدو أنه يرى أن هذا أفضل من البقاء في برج السحر، مهما كان الأمر.
“بما أن السيد دانتي وافق……أشكركِ جزيل الشكر!”
ومنذ اليوم التالي، بدأ كايدن بالذهاب إلى نوكس بدلًا من برج السحر.
___________________
كايدن قريب ويعترل برج السحر انا متأكده
ودانتي حسبته بيغار بس شكله شافها فرصه يفتك من كايدن😂
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 60"