تفاجأتُ بالكلمات التي خرجت مني دون قصد، فبادرت بتغطية فمي بسرعة.
لكن يبدو أن الأوان قد فات. فقد فوجئ دانتي أيضًا ونظر إلي وهو لا يزال ممسكًا بأداةٍ تجريبية لم يتمكن من إنزالها.
أمام نظرته شعرت بالحرج فحككت خدي بلا سبب.
“هاها…..آسفة. خرجت مني دون قصد.”
نظر إلي دانتي لفترةٍ وكأنني شخصْ غريب ثم أدار رأسه ببطء.
لكن هل توهمت فقط أم أنه نقر بلسانه بخفة؟
لمحت من فوق كتفه الطاولة التي لا تزال فوضويةً كما هي. وكان دانتي قد عاد للتركيز على صنع الجرعة السحرية وكأنني لم أكن موجودة أصلاً.
‘بهذا الشكل، لن يلاحظ حتى لو اختفيت.’
نظرتُ إلى ظهر دانتي المنهمك في أدوات التجربة ثم بدأت بالتحرك ببطء.
خطوةً حذرة، ثم أخرى دون إصدار صوت. وهكذا وجدت نفسي أمام الباب.
كتمت أنفاسي وأمسكت بالمقبض.
طقطق، كييييك-
بدا أن الباب قديمٌ فأصدر صوتًا مزعجًا، والتفتُ لا إراديًا نحو دانتي. و لحسن الحظ، كان لا يزال منشغلًا ولم يلاحظ شيئًا.
‘يجب أن أستغل هذه الفرصة..…’
خرجت من الغرفة بأقصى ما أستطيع من هدوء.
***
خرجت من مختبر دانتي وصعدت الدرج.
وحين وصلت إلى الطابق الأول، الذي كنت دائمًا أتشاجر فيه مع كايدن، بدأتُ أرى السحرة يتنقلون هنا وهناك.
ساحرٌ يركض مسرعًا وهو يحمل رزمةً من الأوراق، وساحر آخر يسير بمحاذاة الحائط وغطاء رداءه يغطي وجهه، وآخر يتمتم بشيء ما بعينين فارغتين.
الجميع بدوا مشغولين كعادتهم اليوم أيضًا.
‘على أي حال، أين ذهب كايدن؟ هو الوحيد الذي يسهل علي طلب المساعدة منه.’
كايدن، الذي كان دائمًا ما يفتح لي الباب وكأنه كان بانتظاري، لم يكن له أثرٌ هذه المرة.
كنت أظنه غير مشغول لأنه الوحيد الذي كنت أراه كل مرة، لكن يبدو أنني كنت مخطئة.
‘لا يمكنني أن أفتح كل الغرف بحثًا عنه.’
وفي النهاية، قررت أن أوقف أحد السحرة المارين وأسأله عن مكانه.
“عذرًا، لو سمحت…..”
“واااه!”
تحططم!
الساحر الذي كان يمشي في الممر بعينين شاردتين فزع فجأةً من ندائي، فأفلت الزجاجة التي كانت في يده.
ثم جلس على الأرض مباشرةً وهو يصرخ.
“آآه! هذا الدواء الجديد الذي سهرت عليه أربعة أيام بلياليها!”
أربعة أيامٍ بلياليها؟ هل أسقط شيئًا ثمينًا بسببي؟
“آسفة، هل أنتَ بخير؟”
رفع رأسه فجأة وحدق بي بعينين مليئتين باللوم.
“كيف تنادينني بهذه الطريقة المفاجئة، أنتِ..…!”
لكن لم تدم نظرته المليئة باللوم طويلًا، و سرعان ما لمع بريقٌ في عينيه وهو ينظر إليّ.
“أنا آسفة حقًا، أنا فقط أبحث بسرعةٍ عن شخص ما.”
“أنتِ…..ضيفة السيد دانتي..…”
“لقد تلف هذا الدواء الثمين، ماذا يمكنني أن أفعل لأساعدكَ؟”
“نعم؟ آه، لا بأس! فأنتِ ضيفةٌ عزيزة على السيد دانتي! لا تقلقي، يمكنني صنع هذا الدواء مرة أخرى بسهولة!”
ما هذا؟ ألم تقل أنكَ سهرت أربع ليالٍ كاملة لصنعه، لكن لمجرد أنني ضيفة دانتي تعتبره شيئًا تافهًا؟
كنت أشعر بهذا منذ أن التقيت بكايدن، لكن يبدو أن سحرة برج السحر يكنّون احترامًا شديدًا لدانتي بالفعل.
ومع ذلك، لم يكن يعجبني أن يُعاملني الناس بشكل خاص فقط لأنني ضيفته.
“دعني أساعدكَ على الأقل في التنظيف.”
“لا داعي! يمكنني تنظيف هذا بسهولة. على أي حال، قلتِ أنكِ تبحثين عن شخص ما، أهو السيد دانتي؟ إن كان الأمر كذلك، فالسيد دانتي في مثل هذا الوقت يكون عادةً…”
بينما كنت أحدق في عينيه اللامعتين، تراءى لي كايدن فجأة.
كان هناك شيءٌ غريب في الطريقة التي يلمع فيها بصرهم فقط عند الحديث عن دانتي، وكأنه متطابقون تمامًا.
“لا، ليس السيد دانتي، بل أبحث عن كايدن.”
“…..كايدن؟”
آه. هذه أول مرة أرى شخصًا يُصاب بخيبة أمل بهذا الشكل أمامي مباشرة.
هل يمكن للروح أن تغادر الجسد إلى هذا الحد؟
“إن كنتِ تبحثين عن كايدن، فهو غالبًا في أول غرفةٍ على اليسار بالممر.”
قال ذلك دون أن يُخفي خيبة أمله، ثم نقر بأصابعه فاختفت بقايا الدواء والزجاج المكسور عن الأرض بسهولة، وسار مبتعدًا بخطواتٍ مثقلة.
الساحر، الذي كان يطلق زفرات عميقة وكتفاه متدليان، اختفى بعد قليل. أما أنا، فاتجهت نحو الغرفة التي دلّني عليها.
‘إذًا هي الغرفة الأقرب إلى المدخل.’
هل هذا هو السبب في أن كايدن هو من كان يفتح الباب دائمًا؟
طرقت الباب وأنا غارقةٌ في هذه الأفكار التافهة.
“كايدن، إنها أنا. هل أنتَ بالداخل؟”
مهما انتظرت، لم يأتِ أي رد. رغم أشعر بوجوده في الداخل، لا بد أنه هناك.
‘هل أطرق مجددًا؟’
طَرق، طَرق-
“كايدن، أنتَ في الداخل، صحيح؟ افتح الباب من فضلك، لدي ما أقوله لك!”
وبعد لحظات.
ككييييك—
فُتح الباب بصوتٍ صاخب.
“أهلاً…..كايدن؟”
“ما الأمر.”
“هل تنوي التحدث إليّ وأنت على هذه الحال؟”
“نعم، تفضلي.”
فتح كايدن الباب بالكاد لدرجة لم يظهر منها سوى نصف وجهه، وكان صوته ونظراته عبر فتحة الباب مشحونَين بالبرود والانزعاج.
هل من الممكن أن يكون هذا الشخص…..
“كايدن، هل أنت مستاء؟”
“….لا.”
“هل هذا لأنني لم تساعدني في لقاء دانتي، أليس كذلك؟”
“هل تظنين أنني شخصٌ ضيق الأفق إلى هذا الحد؟”
نعم. كثيرًا جدًا. وإلا فلمَ كنت تنظر إليّ بتلك النظرات الممتلئة باللوم؟
هذا ما أردت قوله، لكن كان علي أن أتحمل، فلدي ما أطلبه منه.
“لكن الأمر لم يكن بيدي، دانتي لا يحب مقابلة الناس.”
“…..مع ذلك، كان يمكنكِ أن تقولي له شيئًا واحدًا على الأقل. كيف تطردينني بذلك الشكل القاسي؟”
همم، يبدو أنه لن يهدأ بسهولة. لا مفر إذًا.
“حسنًا، إذا التقيتُ دانتي، سأتحدث معه عنكَ إن سنحت الفرصة. ربما يتم اللقاء بينكما بطريقةٍ أو بأخرى؟”
“خدعتني مرة، لكن لن تنطلي علي الحيلة مجددًا.”
ومع ذلك، وبينما يقول ذلك، فتح كايدن الباب أكثر قليلًا.
“أنا جادة! أعدكَ بذلك.”
“…..هل تعدينني حقًا؟”
ككييك-
هذه المرة فُتح الباب بمقدار شبر تقريبًا. وبدا وجه كايدن واضحًا تمامًا.
“بالطبع! لا داعي للقلق، إنه وعد.”
بدت على كايدن علامات التردد وهو يعبس قليلاً، ثم أطلق زفرةً طويلة. و انخفض رأسه وارتجفت كتفاه قليلًا.
ثم فجأة رفع وجهه بسرعة، وعلى فمه الذي كان متجهمًا قبل قليل ظهرت ابتسامةٌ خفيفة.
آه…..هل كان يكتم ضحكته طوال الوقت؟
خاطبني كايدن بصوتٍ حاول أن يبقيه هادئًا قدر الإمكان.
“ما هو الأمر الذي تودين طلبه مني؟”
***
“ألن تنتهي بعد؟!”
صرخةُ كايدن جعلتني أتوقف عن تقليب الدفاتر التي كنت أتصفحها بسرعة، ونظرت إليه.
كان يضع أذنه على الباب بتركيز شديد، لكن علامات التوتر بدأت تظهر على وجهه.
نظرت إليه وهو يتململ من القلق، ثم أشرت بإصبعي إلى شفتيّ محذّرة.
“شش. إن سمعنا أحدٌ فسيكون الأمر مكشوفًا.”
“إذًا رجاءً أسرعي ولو قليلًا..…!”
رفع كايدن صوته دون أن يشعر، ثم سارع بتغطية فمه وهو يحدق في الخارج بحذر.
بينما كنت أحدق في ظهره، عدت لأركّز من جديد على رزمة الأوراق التي في يدي.
“ابنة اللورد ماكغرينيا الكبرى، رايتشل، التي قيل أنها تزوجت مؤخرًا، اشترت عشرين جرعة من منشط الطاقة خلال الشهرين الماضيين؟ ثم…”
بعد أن هدّأت كايدن، جئت إلى أرشيف برج السحر.
في هذا الأرشيف تُحفظ كل سجلات ما يحدث داخل البرج، بالإضافة إلى سجلات بيع الأدوات السحرية والجرعات التي تم تداولها.
ما كنت أبحث عنه بالتحديد هو سجل تجارة الجرعات السحرية. وبشكلٍ أدق، كنت أبحث عن أي أثر يُثبت أن ولي العهد قام بشراء جرعاتٍ من البرج.
ولي العهد هو ثاني أقوى شخصية تأثيرًا في المملكة بعد الملك. ومنذ صغره، عانى من الأرق المزمن بسبب الضغوط الهائلة. ثم تظهر البطلة التي تملك قوة الشفاء، فتُخلّصه ويصبح حليفها.
أما أنا، فكنت أنوي مساعدته مؤقتًا قبل ظهور البطلة، مستغلة سلطته فقط.
كنت أخطط لإعطائه منومًا فعّالًا يريحه من معاناته، مقابل أن يساعدني في كشف فساد جوزيف.
أسرع وأسهل طريقة كانت التحقيق مباشرةً في قصر العائلة، لكنني مطرودةٌ من العائلة، لذا لم يكن الأمر ممكنًا. و الحرس بالتأكيد سيمنعونني من الدخول.
لكن تصفّح هذا الكم الهائل من السجلات كان مهمة شاقة. خصوصًا وأن ولي العهد بدأ في طلب وصفات المنومات منذ عشر سنوات على الأقل، ما يعني أن عليّ فحص سجلات عقد كامل.
[جراهام فايموند ـ 10 جرعات لعلاج الصلع]
[دين فويهين ـ 1 جرعة اعتراف، 1 منشط سحري]
[روبين تارتوس ـ 2 معزز طاقة سحرية]
كنت بحاجة ماسّة لمساعدة كايدن، لذا قدمت له عرضًا قد يغريه.
وكما توقعت، لم يعد بنفس الصلابة التي كان عليها قبل لحظات، بل بدأ يظهر عليه التردد بوضوح.
جيد. عليّ أن أضغط عليه أكثر قليلًا الآن.
“ومن يدري؟ قد تكون تلك الفرصة بداية لأن تصبح مساعده في الأبحاث. أليس كذلك؟”
وفي النهاية، أجاب كايدن،
“…..ما الذي عليّ أن أبحث عنه؟”
لقد قبل كلامي غير المعقولة.
إلى أي درجة يمكن أن يعجب أحدهم بشخص ليقتنع بمثل هذا الكلام؟ شعرت ببعض الشفقة تجاه كايدن.
“علينا أن نبحث عن شخصٍ اشترى نوعًا واحدًا من الجرعات السحرية بشكلٍ متكرر خلال السنوات العشر الماضية، وربما أكثر. لا أعرف اسمه، لكن لا بد أن تكرار الشراء سيجعله يبرز في السجلات.”
“عشر سنوات، هذا وقت طويل جدًا. ما نوع الجرعة؟”
“منوّم.”
ردّد كايدن الكلمة بصوت منخفض: “منوّم، هه..…”
ثم التقط واحدًا من الدفاتر المكدّسة بجانبي، وبدأ يتصفحه بعينيه بسرعة، ثم فجأة توقف ليسألني وكأنه تذكّر شيئًا.
“هل هناك سببٌ خاص يجعلكِ تبحثين عن هذا الشخص؟”
“فقط…..أحتاجه لشيءٍ ما..…”
تعمّدت إنهاء الجملة بنبرةٍ غامضة، فمال كايدن برأسه وكأنه لم يفهم تمامًا.
نظرت إليه وابتسمت بخفة وأنا أُكمل،
“أحاول أن أكون المُخلِّصة، لا أكثر.”
_________________
دانتي توه ماصار رئيس برج وعنهم يقدسونه اجل لو صار رئيس برج وش بيسوون؟😭
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 6"