“آآه..…”
تثاءبت وأنا جالسةٌ على مكتب العمل في المكتب.
“سيدتي، هل أنتِ بخير؟ لقد تثاءبتِ خمس مرات متتالية حتى الآن. وعيناكِ محمرتان جدًا، ألا تودين أن تستريحي قليلًا..…؟”
سألتني ليج، التي كانت تحضّر الشاي، وهي تنظر إليّ بعينين مليئتين بالقلق.
فنظرت إليها، وتثاءبت للمرة السادسة، ثم مسحت الدموع التي تراكمت عند أطراف عينيّ.
“لا، لا بأس.”
أمسكت القلم مجددًا وتابعت التوقيع على الأوراق. بينما سمعت صوت ليج وهي تصب الشاي، ثم صوت الكوب وهو يُوضع على سطح المكتب بخفة.
“هذا شايٌ جديد وصلنا مؤخرًا. سمعتُ أنه جيدٌ لإزالة التعب.”
“شكرًا على اهتمامكٍ، ليج.”
“ألم تتمكني من النوم الليلة الماضية؟”
“مم…..نعم، تقريبًا.”
رفعت الكوب وارتشفت منه رشفةً صغيرة.
‘كيف يمكنني النوم أصلًا..…’
فما إن أغمض عينيّ، حتى يبدأ صوت دانتي يتردد في أذنيّ.
كان يتبعني حتى إلى الشرفة التي وقف فيها، وإلى أمام المكتب، بل وحتى إلى السرير.
ومهما حاولت أن أسد أذنيّ، كنت أسمع صوته المنخفض والناعم وكأنه بجانبي تمامًا.
قلبي كان ينبض بقوة شديدة، فلم أستطع النوم أبدًا. و كان عليّ أن أنشغل بالعمل لأتمكن من طرده من رأسي ولو بالقوة.
‘ربما إن أرهقتُ نفسي حتى أفقد وعيي، فسأنام على الأقل.’
بهذا التفكير، قضيت الليل بأكمله في المختبر أصنع الأدوية دون أن أغمض عيني للحظة. و كان من حسن الحظ أن الماركيز ديفونت طلب كميةً كبيرة من الأدوية.
واليوم، شعرت أنني لن أتحمل رؤية دانتي، فطلبت من كايدن أن يتولى أمر المتجر بحجة انشغالي.
“الجميع قلقٌ عليكِ، خشية أن يتعب جسدكِ بهذا الشكل.”
“ليس سوى يوم واحد، لا بأس.”
“لكن سيدتي، أنتِ ضعيفة البنية منذ زمن. لا تجهدي نفسكِ كثيرًا.”
رفعت زاوية فمي بابتسامةٍ خفيفة أمام قلق ليج الصادق.
“وبالمناسبة، لماذا فجأةً أمس سألتني ذلك السؤال؟”
“هم؟ أي سؤال؟”
رفعت ليج كتابًا من على الأرض كان قد تُرك مفتوحًا طوال الليل، ونفضت الغبار عنه.
“سألتِني لماذا ظننتُ أن الساحر يحبكِ.”
فوجئت من سؤالها لدرجة أنني حين وضعت فنجان الشاي على المكتب، سكبته دون قصد.
“آه! الأوراق!”
أسرعت في التقاط المستندات، لكن نصفها كان قد تبلل تمامًا. ثم هرعت ليج إلى جانبي لتتفقدني.
“سيدتي! هل أصبتِ بشيء؟ هل أنتِ بخير؟”
“أنا بخير، لكن…..الأوراق..…”
خرجت تنهيدةٌ من تلقاء نفسها، ثم نظرت إلى ليج بحدة.
“هذا بسببكِ! قلتِ شيئًا كهذا فجأة!”
“ماذا؟ ما الذي قلتُه أنا؟”
“لماذا تتحدثين عن الساحر؟!”
تجاهلت ليج انفعالي وبدأت تمسح الشاي المسكوب بقطعة قماش أحضرتها، ثم أجابت بكل برود،
“لأن حالتكِ كانت غريبة.”
“غريبة؟”
“نعم. كان وجهكِ يحمرُّ بشكل غير معتاد، وظللتِ شاردةً طوال اليوم. فخفتُ أن تكوني قد أُصبتِ بالزكام أو شيء ما!”
ثم ضيقت ليج عينيها وسألت بمكر.
“اعترفي بصدق…..هل تلقيتِ اعترافًا بالحب؟”
فهبط قلبي مرة أخرى بقوة. و أصبح رأسي فارغًا تمامًا، ولم أستطع إيجاد أي كلمات لأقولها.
اكتفيت بتحريك شفتيّ بلا صوت، ثم نهضت فجأةً من مكاني.
“أنتِ، أنتِ!”
ثم أشرت إلى ليج بأصبعي ورفعت ذقني في محاولةٍ لإظهار الغضب.
نظرت إليها بنظراتِ حادة وأطلقت زفرةً غاضبة، لكن لم أجد شيئًا مناسبًا لأقوله.
“لا يجوز لكِ أن تلعبي بمشاعر الناس هكذا!”
وفي النهاية، لفظت أول ما خطر في بالي وغادرت المكتب بسرعة.
و ما إن أغلقت الباب خلفي، حتى دوّى ضحك ليج من الداخل.
“توقفي عن الضحك!”
فصرخت من خلف الباب، لكن ضحكها ازداد بصوت أعلى. بينما وقفت أمام الباب أضرب الأرض بقدمي غيظًا، ثم استدرت لأبتعد.
ومنذ أن أعادت ليج فتح الموضوع، بدأ صوت دانتي يتردد في رأسي من جديد.
“حقًا…..بالكاد بدأت أنساه!”
تمتمت وأنا أمشي غاضبة دون وجهة، ثم توقفت فجأة.
كان التوتر لا يزال يغلي بداخلي، فاستدرت جانبًا. و كانت أشعة الشمس تنهمر عبر نوافذ الممر داخل القصر.
اقتربت من النافذة ونظرت إلى الأشجار التي تتمايل بفعل النسيم.
‘لكن…..هل سيصبح الجو بيني وبين دانتي غريبًا بعد كل هذا..…؟’
بينما كنت أحدق بشرودٍ في الخارج، تذكرت ما حدث البارحة.
“لأنني…..أحبك.”
“أنا..…”
في تلك اللحظة، لم أستطع أن أفتح فمي.
كان يجب أن أجيبه، لكن لم يخطر ببالي أي شيء أقوله. وحتى الآن، لا أعرف ما هو الجواب الصحيح.
‘هل الجواب الصحيح هو…..لا، أنا لا أحبك؟’
في الحقيقة، لا أعلم. لقد عشت طوال الوقت منشغلةً فقط بالبقاء، حتى أنني لا أذكر إن كنت قد أحببت أحدًا يومًا ما.
ظهر في ذهني دانتي، الذي كان ينظر إليّ بلطفٍ ويمسح على شفتيّ حين كنت أعضها بصمت.
و حين رفعت رأسي، ابتسم لي تلقائيًا، كما يفعل دائمًا.
“لا حاجة لأن تجيبي.”
“لكن..…”
“لا أريد أن أفرض مشاعري عليكِ. فقط، من الآن فصاعدًا…..ناديني باسمي.”
“سيد ساحر..…”
“أرجوكِ، اعتبري هذا طلبًا مني.”
ظل طيفه حاضرًا في ذهني، وهو يبتسم ابتسامةً مشرقة بينما يحرر معصمي من قبضته.
كانت تلك أول مرةٍ أراه يبتسم بتلك الطريقة المشاكسة، وبدت عليه السعادة بوضوح.
“أنا حقًا…..لا أعرف.”
هل سأفهم لاحقًا، حين يمر الوقت؟
***
لم يكن من الممكن أن أتغيب عن المحل ليومين متتاليين، وكايدن أيضًا كان مشغولًا اليوم بأعمال كثيرة في برج السحر، لذلك توجهت إلى المتجر منذ الصباح الباكر.
“آه، إنه ثقيلٌ جدًا حقًا..…”
كنت أئنّ وأنا أحمل صندوق الأدوية الجديد الذي صنعتُه.
وضعت الصندوق الثقيل على الأرض وهممت بفتح الباب بالمفتاح، لكنه لم يدخل في القفل كما يجب.
‘الباب…..مفتوح؟’
أدرت المقبض ودخلت، لتلتقي عيناي بعيني دانتي، الذي خرج لتوه من المخزن.
كنت قد جئت باكرًا محاوِلةً التفكير بهدوء بأي طريقةٍ سأستطيع التعامل مع دانتي بشكلٍ طبيعي.
لكن دانتي أحبط كل جهودي دون أن يدري. و استقبلني بابتسامةٍ وكأنه لا يُعلم متى ظهرت بالضبط.
“أهلًا بقدومكِ، إيرفين.”
فوجئت بظهوره الذي لم أكن أتوقعه.
ولأني لم أرد أن أبدو مندهشة، تشبثت بقلبي المتسارع ورددت التحية.
“أوه، لقد أتيتَ مبكرًا جدًا!”
“ظننتُ أنني سأتمكن من رؤيتكِ اليوم.”
آه. القلب الذي بالكاد هدأ عاد ليثور من جديد.
هل أنا شديدة التأثر لدرجة أنني أستجيب بشدة حتى لأبسط التصرفات بسبب قلة مناعتي تجاه هذه الأحاسيس؟
ودون أن يعلم بحالي، اقترب مني دانتي فوراً.
‘لماذا، لماذا تقترب! قل أي شيءٍ على الأقل!’
كانت رائحته الخاصة تفوح منه بينما اقترب مني دون أن أشعر.
وفي خطوته الأخيرة اقترب تمامًا وانحنى نحوي.
‘ما هذا. لماذا تفعل هذا؟ أعلم أنه لم يمض وقتٌ طويل منذ اعترافكَ، لكن هذا كثيرٌ في الصباح..…!’
وبينما كنت أحدق في دانتي وهو يقترب أكثر أغمضت عيني بقوة. وفي اللحظة التي شعرت فيها أنني سأفقد وعيي من رائحته القريبة التي لامست أنفي بقسوة. مرّ صوت أنفاسه بمحاذاتي، و تلاه صوت خشخشة.
‘ما هذا الصوت؟’
ثم سُمع صوت دانتي على الفور.
“هل ستقفين هناك طويلًا؟ ما زال هواء الفجر باردًا.”
فتحت عينيّ بهدوء بعدما كنت قد أغمضتهما. و كان دانتي يحمل علبة الدواء التي كنت قد وضعتها على الأرض، وهو يميل برأسه باستفهام.
“هل تشعرين بعدم الراحة في مكانٍ ما؟”
إذًا، ما كان يحاول دانتي فعله هو مساعدتي فقط في حمل شيء ثقيل. و لقد أسأت فهم نيته النقية.
‘أريد أن أختفي، حالًا…..’
ضغطت شفتي بقوة، راغبةً بالاختباء في أي جحر.
و لم أتنفس الصعداء إلا بعد أن سمعت صوت دانتي وهو يضع علبة الدواء على الطاولة، وهززت رأسي ببطء.
وعندما اقتربت منه لأرتب الدواء، سألني دانتي بقلق.
“هل أنتِ بخير؟ إن كنتِ تشعرين بتوعك، يمكنكِ الدخول للراحة. أما المتجر…..فسأتولى أمره…..بطريقةٍ ما..…”
ضحكت رغماً عني من كلماته التي كان من الواضح أنها لم تخرج من قلبه. وبفضل ذلك زال بعض من توتري وإحراجي.
“أنا بخير، سيد-آه.”
“ناديني باسمي من الآن فصاعدًا. هذا طلبٌ مني.”
تذكرت فجأةً كلماته تلك، فأخذت أتفقد تعابير وجهه.
“دانتي، أنتَ لا تجيد مثل هذه الأمور، أليس كذلك؟ هاها.”
ضحكت بغباءٍ من شدة الإحراج. بينما نظر إليّ دانتي مطولًا ثم رفع زاوية شفتيه وهز رأسه.
“صحيح، هذا مؤكد.”
شعرت بالراحة لرؤيته كما هو، بلا تغيير. فحتى وإن كان يبدو بسيطًا، أعلم تمامًا أن معاملتي بشكل طبيعي لم يكن أمرًا سهلًا عليه.
فابتسمت امتنانًا له.
***
ومضى الوقت سريعًا حتى جاء اليوم الموعود لتسليم الدواء إلى الملركيز ديفونت. وقد وصل إلى قصر كوينيارديل في صباح اليوم الخامس عشر تمامًا.
“لقد قمتِ حقًا بتجهيز الكمية المطلوبة بدقة.”
“لم يكن الأمر سهلًا، لكن بما أنها كانت طلبًا منكَ أيها الماركيز..…”
عندما قلت ذلك بابتسامةٍ لطيفة، رفع الماركيز ديفونت حاجبًا واحدًا بانحناءة خفيفة.
“سأغادر بعد غد.”
“هل تم تحديد الموعد بالفعل؟ في المرة السابقة لم يكن مؤكدًا بعد.”
“لقد أنهت فرقة الاستكشاف استعداداتها بالكامل، لذا اضطررنا لتحديد الجدول على عجل.”
هززت رأسي متفهمةً وأنا أنظر إليه، لكنه فجأة ابتسم بانسيابية.
“ألن تودعيني وداعاً حسنًا وتتمني لي حظًا موفقًا؟”
ثم مد يده طالبًا المصافحة.
“إن عدتُ سالمًا، فعليكِ أن تفي بوعدكِ.”
ضحكت من طريقته المعتادة في الحديث. وبفضل ذلك، صافحته بقلب أخف وأجبته.
“إن كنت ما أزال وحدي حتى ذلك الحين.”
فانفجر الماركيز ديفونت ضاحكًا برضًا ثم غادر.
وبعد ذلك، وكأن الشائعات انتشرت بسرعة، بدأ عدد زوار متجر نوكس يزداد. و ظننت أنني سأتمكن أخيرًا من عيش حياة هادئة.
“جلالة الملك يطلب رؤيتكِ، كونتيسة كوينيارديل.”
…..وذلك حتى جاء مبعوثو الملك.
_________________
يليل الباعوصين انتظروا مابعد ردت اعتراف دانتي
كاين من زمان عنه ودي اعرف وش بيسوي لا دوا عن الاعتراف
بس راحت عليه المسكين
دانتي يجنن رايح المحل عشان يشوفها 😭
الولد طايح بقوه
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 58"