أطلق الماركيز ديفونت ضحكةً عالية وهو يرفع نظره إليّ بهدوء.
كان يضحك من أعماقه، و يضرب فخذه بقوة وهو يكاد يختنق من الضحك.
“يا له من أمرٍ مذهل! هل كنتِ دائمًا بهذه الظرافة؟”
ثم مسح دموع عينيه وأضاف،
“لو كنت أعلم أنكِ بهذه الطرافة، لكنت قد تقدمت للزواج بجديةٍ أكبر.”
كتمت غيظي بصعوبة، ووددت أن أقول: “ومن قال أنني سأوافق؟” لكنني لم أستطع التفوه بذلك، فاكتفيت بابتسامةٍ هادئة مصطنعة.
“زواج؟!”
صرخ كايدن فجأةً بدهشة، بعدما كان يستمع بصمت طوال الوقت. فاستدار رأسي نحوه تلقائيًّا، وفي تلك اللحظة التقت عيناي بعيني دانتي.
كان وجهه خاليًا من التعبير كما هو دائمًا، لكن لسبب ما، اجتاحني شعورٌ بالقشعريرة والبرد. فأبعدت بصري عنه على الفور، وحاولت تغيير الموضوع.
“إذًا، سأجهز الكمية التي طلبتها خلال أسبوعين. أما التسليم..…”
“سآتي لأخذها بنفسي من قصر كوينيارديل بعد أسبوعين.”
“نعم، مفهوم.”
“أعتقد أنه حان وقت الرحيل. حتى إن انطلقت الآن، سيستغرق الأمر يومين للوصول.”
وقف الماركيز ديفونت من مكانه مستعدًا للمغادرة، لكنه قبل أن يدير مقبض الباب، استدار فجأةً ناحيتي.
“إن لم يكن لديكِ مانع…..هل يمكنني إرسال طلب زواج مرةً أخرى؟”
“عذرًا؟”
“حين أعود من الحملة. فهل ستقبلين حينها؟”
رغم أنها كانت على الأرجح مزحة، إلا أن سماع تلك الكلمات من وجه شابٍ يافع جعل الموقف يبدو طريفًا.
و لم أحاول كبح الابتسامة التي ارتسمت على وجهي، بل تركتها تظهر بوضوح.
“إن بقيتُ وحيدةً حتى ذلك الوقت، فسأفكر في الأمر، ماركيز.”
ثم غادر الماركيز ديفونت المتجر وهو يرسم على شفتيه ابتسامة راضية.
و ما إن اختفى حتى خيّم الصمت على المكان.
“هل…..أرسل لكِ طلب زواج؟”
كسر الصمت صوت دانتي البارد كالجليد.
لم أكن قد ارتكبت أي خطأ، لكن شعرت بوخز داخلي وجعل من الصعب علي النظر في عينيه.
“أه…..نـ-نعم.…”
فضاقت عيناه قليلًا وهو ينظر إليّ، ثم استدار فجأةً ودخل إلى المخزن.
و ظل الجو مشحونًا بذلك التوتر حتى حلول الليل.
***
أغلقت المتجر وعدت إلى القصر بأمان بمساعدة دانتي.
“شكرًا لأنكَ أوصلتني، أيها الساحر. عد سالمًا.”
وبما أننا جئنا عبر سحر الانتقال الفوري، كنت أودعه من على الشرفة. فنظر دانتي حوله مبتسمًا بسخرية،
“لا يبدو هذا المكان مناسبًا تمامًا لتوديع أحد.”
فكتمت ضحكتي بشدة كي لا تنفجر.
“آه، حقًا…..كنت أفكر في نفس الشيء داخليًّا، كيف لك أن تقوله بصوت عالٍ؟ لقد أفلتت مني الضحكة.”
“إيرفين هي من ضحكت أولًا.”
أوه، أيريد أن يُلقي باللوم عليّ الآن؟
“من جعلني أضحك أولًا هو أنتَ يا دانتي!”
رفعت صوتي قليلًا، لكن الضحكة كانت لا تزال تتسلل من شفتيّ. و كنت أظن أنه سيجادلني، لكنه ظل يحدّق بي بصمت، دون أن ينبس بكلمة.
“ما بكَ؟”
ظننت أن شيئًا ما على وجهي، فمررت يدي بلطف عليه. لكنه ظل يحدق فيّ طويلًا، ثم حرك شفتيه ببطء.
“الاسم..…”
فكرت قليلًا فيما قاله، ثم ارتسمت الدهشة على وجهي.
‘حقًا، من دون أن أدرك، كنت أناديه باسمه.’
“آه! أنا آسفة! لم أقصد ذلك! لقد أزعجتكَ، أليس كذلك؟”
رغم أنني اعتذرت، يبدو أن الأمر لم يرق له. فتحدث دانتي وهو يقطب حاجبيه قليلًا.
“لا، بل على العكس..…”
و توقف في منتصف الجملة، ثم أخذ يعبث بطرف كم قميصي.
“الساحر؟”
ناديت دانتي، لكنه فقط ارتجف قليلًا دون أن يجيب. بينما ظل يعبث بكم قميصي، ثم انحنى برأسه وهمهم بشيء ما.
“…..أكثر.”
كانت همسته خافتةً للغاية فلم أسمعها بوضوح.
“عذرًا، لم أسمع جيدًا. ماذا قلتَ؟”
“مرةً أخرى..…”
لكنني لم أسمعها مجددًا.
“آه، آسفة يا سيد ساحر. لم أتمكن من سماعكَ مرةً أخرى.”
وبينما أكرر اعتذاري، رفع دانتي رأسه أخيرًا. ثم نظر إليّ مباشرةً وحرك شفتيه بوضوح.
“ناديني مرة أخرى. باسمي.”
حين التقت أعيننا من هذه المسافة القريبة، شعرت وكأنني مسحورةٌ، وفلت اسمه من شفتي دون وعي.
“…..دانتي.”
هل كان راضيًا إلى هذا الحد؟ فقد ارتسمت ابتسامةٌ خفيفة بين شفتيه.
و طوى عينيه كمن يرسم هلالًا وهمس،
“جميل.”
ثم دفن وجهه في كتفي مباشرة.
لم أفهم ما الذي أسعده بهذا الشكل، لكنني شعرت بارتجافه بوضوح.
ظل هكذا لفترة طويلة، ثم أدار رأسه ببطء. و حين التقت عيناي بعينيه فجأة، انحبس نفسي في صدري.
لم أستطع التنفس حتى امتلأت رئتاي إلى حدهما، ومع وخز مؤلم في صدري أطلقت زفيرًا خافتًا.
“يروق لي الأمر حين تنادين اسمي.”
كان دانتي يبتسم لي بصفاء، وفي عينيه كنت أنا أملأ كامل انعكاسه.
حدقت للحظةٍ في نظرته الدافئة، التي كانت دافئةً لدرجة أنني غرتُ من نفسي التي ظهرت في عينيه، ثم سألته دون وعي.
“هل تحبني؟”
لابد أنني كنت واقعةً تحت تأثيره. أو ربما استخدم سحرًا علي. فمن المستحيل قول شيءٍ كهذا بعقل صافٍ.
استعدت وعيي في اللحظة التي رمش فيها دانتي، أي حين اختفى انعكاسي من عينيه للحظة.
“آسفة، آسفة! خرجت الكلمات دون قصد! انسى ما قلت، أرجوكَ، أنا آسفةٌ حقًا..…”
بدأت أتمتم بكلمات مبعثرة محاوِلةً الابتعاد عنه، لكنه أمسك بمعصمي بقوة.
“أنا محرجةٌ للغاية، أيمكنكَ أن تتركني من فضلكَ..…؟”
ظننت أنه أمسك بي بخفة، لكن قبضته كانت قويةً بشكل لا يصدق.
لم تؤلمني، لكن مهما حاولت لم أستطع أن أحرر نفسي.
لو بقيت على هذا الحال أكثر، سأنفجر من شدة الإحراج!
‘ليته يقول أي شيء، أي شيءٍ فقط…..’
وكأن أمنيتي وصلت إليه، إذ جاء صوته بهدوء من فوق رأسي،
“أنا أحبكِ.”
فرفعت رأسي بسرعة، و التقت أعيننا على الفور.
أجواؤه الهادئة جعلتني أنسى كيف أرمش هذه المرة. و راقبت كيف ارتسمت ابتسامةٌ أوسع على شفتيه، وكيف لعبت نسمات الليل بشعره المتموج.
كنت شديدة الإدراك لكل تفصيل صغير، كأن الزمن توقف.
وقفت شاردةً وكأنني نسيت ما أردت قوله، فبادر دانتي بالكلام من جديد.
“الآن فقط فهمت، لماذا كنتُ أبتسم كلما رأيتكِ، ولما لم يكن يهمني إلى أين نمضي ما دمت واقفاً الى جواركِ.”
سقط نجمٌ خلف دانتي. ثم بدأ نجم تلو الآخر يتهاوى، وسرعان ما انهمرت النجوم كالمطر.
“هذا لأنني…..أحبكِ.”
في هذه المسافة القريبة، دوّى خفقان قلبٍ لا أعلم إن كان قلبي أم قلبه.
“أنا..…”
***
كنت مستلقيةً على السرير أحدق في السقف بشرود.
و لم أستطع إيقاف الدفء الذي اجتاح وجهي كلما تذكرت نظرات دانتي الحانية وصوته الرقيق.
منذ فترة بدأ دانتي يتحدث أكثر حين يكون معي، وصار يخرج برفقتي إلى الخارج، وكنت أستغرب ذلك…..والآن علمت أن كل ذلك لأنه…..يحبني.
“هذا غير معقول..…”
ما زال صوته يتردد في أذني مرارًا وتكرارًا. حتى حين أرمش.
“أنا أحبكِ.”
وحتى وأنا أتنفس بعمق.
“أنا أحبكِ.”
حتى عندما كنت أركل الغطاء بخجل شديد، كان صوته لا يغادر رأسي.
عشت أربع حيوات، لكن هذه أول مرة أتلقى فيها اعترافًا بالحب، ولم أكن أعرف إطلاقًا كيف يجب أن أتصرف.
و لم أستطع حتى كبح التنهدات المتكررة، وكل ما فعلته هو أن أبقى ممدةً على السرير.
عندها دخلت ليج إلى الغرفة.
“سيدتي، أما زلتِ مستيقظة؟”
“لم أستطع النوم..…”
بدّلت ليج الماء الموضوع على الطاولة الجانبية. ثم بدأت بترتيب الأغراض من حولي.
“سيدتي، لماذا الغطاء مرميٌ على الأرض؟”
“لا أدرييي..…”
“حقًا لا يمكنني التعامل معكِ أحيانًا.”
نظرت إلى ليج وهي تضحك بخفة، وفجأة تذكرت ما قالته من قبل. فنهضت من السرير فوراً وسألتها،
“ليج.”
“أوه، لقد أفزعتِني! ما الأمر؟”
“أتذكرين ما قلتِه في السابق..…؟”
“ما قلته؟ متى بالضبط؟”
“أنت تعلمين…..ذاك الكلام!”
أمالت ليج رأسها باستغراب وكأنها لا تفهم ما أعنيه. فعضضت على شفتي بصعوبة، ثم نطقت أخيرًا،
“قلتِ أن الساحر يحبني…..أتتذكرين؟”
“آآآه! نعم، طبعًا. أتذكر تمامًا.”
“كنتِ واثقةً جدًا وقتها. لماذا كنتِ تظنين ذلك؟ كيف عرفتِ أن الساحر يحبني؟”
وقفت ليج بهدوءٍ تحدّق بي. ثم ابتسمت برقة وعيناها تنحنيان بلطف.
“أرأيتِ؟ قلت لكِ أنني كنت على حق.”
“…..كيف عرفتِ؟”
بدت وكأنها لا تنوي إخباري، واكتفت بالضحك بخفة وهي تتابع ترتيب الأشياء من حولي.
كنت أفتح وأغلق كفي المبتل بالعرق، وأبتلع ريقي بتوتر. وبعد وقت طويل، نطقت أخيرًا،
“العينان.”
“…..العينان؟”
أشارت ليج إلى عينيها وأكملت كلامها.
“ذلك الساحر، حين كان ينظر إليكِ يا سيدتي، كانت عيناه تتلألآن كما لو كان يرى شيئًا ثمينًا وعزيزًا ومليئًا بالحب.”
هبط قلبي دفعةً واحدة. و تذكرت فورًا نظرات دانتي التي شعرت بها قبل قليل وكأنني أراها من جديد.
“يقولون أن الحب، حتى لو حاولتِ إخفاءه، لا يمكن إخفاؤه من عينيكِ حقًا.”
أغمضت عينيّ بقوة. و شعرت بنظراتٍ دافئة تحيط بي، من جانبي، أو من أمامي، أو ربما من خلفي.
“لذلك عرفتُه فورًا.”
ترددت كلمات ليج في أذني، ومعها عاد صوت دانتي الخافت والعذب يتردد بجانبها.
فبدأ قلبي ينبض بسرعة. وكان يخفق بقوة حتى شعرت وكأنه سينفجر ويخرج من صدري.
‘آه…..لقد كان حبًا، بالفعل.’
_________________
طيب وش رديتي؟؟؟ يمه اعترف بسرعه انفدا ورعي تربيتي🤏🏻
ياويلها ترفضه يعني متعنز على كتفس ويتبوسم واعترف وش ناقص؟
ناقصه الفلوس؟ حتنى ابيها
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 57"