كانت عربة عائلة الماركيز ديفونت متواضعةً للغاية. لم تكن مزينةً بشيء سوى ختم عائلة الماركيز، وكان الداخل كذلك بسيطًا.
و نظرًا لكثرة تجوالي بعينيّ، خاطبني الماركيز ديفونت وهو مكتفٍ ذراعيه.
“أحقًا لا تودين الذهاب في عربة عائلة الكونت؟”
“لا داعي للقلق، لدي وسائل كثيرة للعودة.”
وإن اضطررت، يمكنني الاستعانة بدانتي.
لم أظنه أمرًا ذا أهمية، لكن يبدو أن الماركيز ديفونت كان منشغل البال بالأمر.
هل يمتلك الحد الأدنى من الأدب؟
“وعلى ذكر ذلك، فقدت الكونتيسة والديها في حادث وهي صغيرة، أليس كذلك؟”
ألغي ما فكرتُ به تَوًّا. فمن يسأل سؤالًا كهذا مباشرةً ليس لديه ذرةٌ من تهذيب.
“نعم، يمكنكَ قول ذلك..…”
“لا بد أن عمر الكونتيسة حينها كان-”
“كان عمري عشر سنوات.”
حين أجبته بهدوء، فتح الماركيز ديفونت فمه على وسعه وصرخ بصوت عالٍ.
“واو! مذهل! لقد كنتِ صغيرةً جدًا!”
بل وأشار بإبهامه علامةً على الإعجاب.
“ومنذ ذلك الحين، استولى عمكِ على العائلة واضطررت للعيش في قصر الدوق هايفن، صحيح؟”
“نوعًا ما، يبدو أنكَ تعرف الكثير.”
“وأي نبيل في هذا المملكة لا يعرف عن عائلة كوينيارديل؟”
هز الماركيز ديفونت كتفيه وضحك بخفة. فابتسمت مجاملةً له، لكنني لمحْتُ في انعكاس النافذة على وجهي مسحةً من المرارة.
“لا بد أنكِ عانيت كثيرًا. فقد اضطررتِ لأن تبقى وحيدةً في ذلك العمر الصغير.”
“لقد كنت محظوظةً بوجود أناس طيبين من حولي، لذلك تمكنت من الصمود بفضلهم.”
“أظن أن معاناتكِ كانت أصعب بكثير من معاناتي.”
على وجه الماركيز ديفونت الذي قال ذلك، ارتسمت مرارةٌ وحنين.
مهما حاول أن يبدو جريئًا في حديثه، يبدو أن قلبه لا يستطيع إخفاء مشاعره.
ترددت قليلًا أبحث عن كلماتٍ مناسبة للمواساة، ثم تنهدت بخفة.
“لا يمكن لأحد أن يقارن حجم الحزن على فقدان من يحب، فلكلٍّ ألمه.”
فاهتزت عيناه قليلًا.
و ترددت إن كان من الصواب أن أواصل، لكنني في النهاية أكملت.
“لقد عانيتَ كثيرًا أيضًا، ماركيز.”
لسببٍ ما، شعرت أنه يرى نفسه فيّ، ويقول ما كان يتمنى سماعه.
عند كلامي، عض الماركيز ديفونت على أسنانه بقوة حتى برز فكّه. و كان يحدق بي وكأننا في تحدٍ للأنظار، ثم أسند ظهره إلى العربة وأغمض عينيه بهدوء.
“ركوب العربة لفترة طويلةٍ أنهكني. سأرتاح قليلًا، فأيقظيني عندما نصل.”
قال ذلك، ثم شبك ذراعيه مجددًا وأخذ نفسًا عميقًا منتظمًا.
كانت نبرته جافة، لكنني رأيت ذلك قبل أن يغمض عينيه. فقد كانت هناك دمعةٌ علقت عند طرف عينيه، تحمل حنينًا دفينًا.
لم أستطع أن أتكلم أو أتظاهر بأني رأيت شيئًا.
‘فلكل شخص قصته الخاصة..…’
عدت أنظر عبر النافذة من جديد.
وبعد وقت قصير، وصلت العربة إلى شارع المتاجر. وبدا أن الماركيز ديفونت شعر بتباطؤ العربة، ففتح عينيه قبل أن أوقظه.
عندما اعتدل في جلسته، تدفقت خصلات شعره الرمادي الفاتح متمايلةً مع حركته.
وما إن توقفت العربة تمامًا حتى نزل الماركيز ديفونت أولًا بشكل طبيعي، ثم مد يده إليّ.
“تفضلي بالنزول، كونتيسة.”
لم أتمالك نفسي من الابتسام حين رأيت وجهه الوقح المعتاد، وقد اختفت ملامح الضعف التي بدت عليه قبل قليل دون أثر.
رغم أنه يثير الغيظ أحيانًا، إلا أنه كان شخصًا قويًّا.
أمسكت بيده ونزلت من العربة. وحين بدأت أسير معه في شارع المتاجر، شعرت بنظرات الناس تلاحقنا.
و كان من الممكن أن يرتبك أو يشعر بالحرج من تلك العيون الملاحقة، لكنه بدا كأنه يستمتع بها.
“أخشى أن تظهر فضيحتنا في الصفحة الأولى من صحيفة أرديل ذات يوم.”
أطلق ضحكةً ماكرة وهو يقول عبارته الهزلية، فنفخت ساخرةً من أنفي.
“فضيحةٌ مع طالب في الإعدادية؟ يا له من هراء..…”
وبينما نحن نتهكم ونتبادل المزاح، وصلنا إلى نوكس دون أن نشعر.
و حين دخلنا من الباب، كان هناك خمسةٌ أو ستة زبائن في الداخل.
“آه! سيدة إيرفين..…؟”
كاد كايدن يرحب بي، لكنه تجمد فجأةً حين رأى الماركيز ديفونت يدخل معي، فتوقف عن الكلام بدهشة. أما الماركيز ديفونت، فقد كان مشغولًا بالنظر من حوله بعينين تلمعان بالفضول.
ثم توجهت إلى طاولة المحاسبة وخاطبت كايدن.
“كل شيءٍ على ما يرام، أليس كذلك؟”
فأجاب كايدن وهو يلمح الماركيز ديفونت بطرف عينه باستمرار.
“نعم…..لا شيء حدث. لكن يبدو أن شيئًا على وشك أن يحدث.”
ماذا يقصد؟ لم أفهم ما يعنيه كايدن بكلامه.
ثم تمتم لنفسه.
“ستهبّ الليلة عاصفةٌ دامية..…”
و راح يزفر زفراتٍ طويلة.
بدا أكثر غرابةً من المعتاد اليوم، فقررت ألا أوليه اهتمامًا.
‘أين دانتي؟’
لم يكن في الزاوية بجانب طاولة المحاسبة، حيث كان يجلس دائمًا على الأرض يقرأ الكتب.
ظننت أنه قد يكون في المخزن لوضع أداة التحفيز في مكانها، ففتحت الباب.
“أيها الساحر!”
و كما توقعت، كان في الداخل.
أغلق دانتي الكتاب الذي كان يقرأه ونهض واقفًا عندما سمع صوتي. وحين رأيته، بدأت أتحدث بحماسٍ عما حدث معي دون أن أدري.
“هل تعلم أنني تلقيت طلبيةً كبيرة اليوم؟”
“حقًا؟”
أخذ دانتي أداة التحفيز من يدي ووضعها في مكانها، يتابع كلامي.
“نعم! هل سمعت عن عائلة الماركيز ديفونت؟”
هز دانتي رأسه نفيًا.
“على أي حال، هي عائلةٌ تحرس الحدود وتقوم بصيد الوحوش والمشاركة في حملات القضاء على التنانين. وقد كُلّفتُ هذه المرة بصنع أدويةٍ لهم استعدادًا لمهمة اصطياد تنين! لذا يجب أن أبدأ بجمع الطاقة السحرية بجد من اليوم.”
“هذا رائع. إنه خبرٌ جيد فعلًا.”
ابتسم دانتي بلطف.
“نعم! إذا نجحت هذه المهمة، فسيزداد عدد الزبائن بالتأكيد.”
“ويبدو أنكِ ستصبحين أكثر انشغالًا من الآن.”
“حين يحين ذلك الوقت، يجب أن أتدرب لأتمكن من تخزين كميةٍ أكبر من الطاقة السحرية، أليس كذلك؟”
“نعم، من الأفضل أن تفعلي ذلك.”
ضحكنا ونحن نحلم بمستقبل لم يأتِ بعد. و في تلك اللحظة، سمعنا صوت الماركيز ديفونت من الخارج.
“كونتيسة كوينيارديل! إلى أين ذهبتِ وتركتِني؟”
عند سماع صوته، تجمدت ملامح دانتي فورًا، وحدق عبر المخزن بنظراتٍ حادة.
خشيت أن ينفجر ويطرده حالًا، فأمسكت بطرف ردائه برفق.
“هذا هو الماركيز ديفونت الذي حدثتكَ عنه. جئتُ به لأريه بعض الأشياء، منها الأدوية التي طلبها.”
لا أعلم لماذا بدا كلامي وكأنه تبرير. و رغم محاولتي تهدئة الموقف، إلا أن تعبير دانتي لم يتغير.
ثم ارتفع صوت الماركيز من جديد.
“كونتيسة~. سأغادر إن لم تظهري!”
كان قد فهم ما أرغب به، فأطلق تهديدًا مبطنًا.
نظرت إلى دانتي أتحسس ردة فعله، ثم أمسكت بخفة بطرف سترته وخرجت معه من المخزن.
ولدهشتي، تبعني دانتي بسهولةٍ دون مقاومة.
كان الماركيز ديفونت يتجول داخل المتجر يناديني بلا توقف، وما إن رآني حتى ابتسم في ارتياح.
“ظننت أنكِ تركتيني هنا و عدتِ إلى المنزل.”
“كيف لي أن أفعل ذلك يا ماركيز؟”
بادلت ابتسامته بأخرى لطيفة.
ثم نظر الماركيز إلى دانتي وكايدن بالتناوب وكأنهما أثارا فضوله. فتقدمت خطوةً وقدمته لهما.
“هذان هما: السيد كايدن، ساحرٌ مسجل رسميًا في برج السحر، والسيد دانتي، الساحر العظيم الذي سيصبح سيد البرج القادم.”
عندما نطقتُ باسم دانتي، ارتجف جسده قليلًا. فظننت أن به شيئًا، لكنه سرعان ما تظاهر بالهدوء، فتركته وشأنه.
وبعد لحظات، خرج جميع الزبائن من المتجر. ثم أجلست الماركيز ديفونت على كرسي مخصص في أحد أركان المتجر.
“انتظر هنا قليلًا، سأعود فورًا بالأدوية.”
ثم سارعت في جمع أنواع مختلفة من الأدوية.
وضعت أمام الماركيز أدويةً خافضة للحرارة، وأدوية للزكام، ولرشح الأنف، وللحساسية.
“آه، نسيت هذا.”
كنت قد نسيت مسكن الألم، فنهضت مرة أخرى لأحضره. فنظرت إلى دانتي الذي كان يقف أمام رفوف العرض،
“سيد ساحر، هل يمكنكَ أن تفسح لي الطريق قليلًا؟”
في العادة، كان ليومئ برأسه ويتنحى جانبًا، لكن هذه المرة لم يصدر منه أي رد فعل. بل وقف هناك ينظر إليّ بهدوء، ويداه في جيبيه.
“أه…..سيدي الساحر؟”
ناديت عليه مرةً أخرى، فعبس بجبينه قليلًا. ثم مد يده وأخذ عبوة مسكن الألم الموضوعة في أعلى الرف، وناولني إياها.
فأخذت الدواء منه بشكل تلقائي، دون أن أستوعب ما يحدث.
‘ما به؟ لماذا يتصرف بتجهم هكذا فجأة؟’
حتى وأنا أقترب من الماركيز ديفونت، لم أستطع فهم سلوكه، وظللت أومئ برأسي بحيرة.
لكن لم يكن من اللائق أن أظهر شيئًا أمام الماركيز، فوضعت العبوة أمامه بابتسامة. ثم بدأت أشرح له الأدوية واحدًا تلو الآخر.
“بدءًا من هنا بالتسلسل: مسكن للألم، خافضٌ للحرارة، دواءٌ شامل للزكام، دواءٌ للرشح، دواءٌ للحساسية، منشطٌ عام، دواءٌ لاستعادة اللياقة، ودواءٌ لاستعادة الطاقة السحرية. خاصةً هذه الثلاثة الأخيرة هي أدويةٌ سحرية، لذا ستكون فعاليتها أعلا من الأدوية العادية. و إذا كان هناك شيءٌ تريده ولم تجده، فقط أخبرني وسأقوم بصنعه إن كان ذلك ممكنًا.”
أطلق الماركيز ديفونت صوتًا يدل على اهتمامه بينما كان مكتفًا ذراعيه. ثم أمسك بزجاجة دواء استعادة اللياقة وتحدث.
“أريد مئتي عبوةٍ من كل نوع. هل يمكن تجهيزها خلال أسبوعين؟”
“مئتان من كل نوع..…؟”
“هل هذا صعبٌ جدًا؟ إن كان كذلك..…”
و حين بدأ في التراجع عن الطلب، أمسكت بذراعه فجأةً،
“هذا ممكن. شعاري من اليوم هو: ‘إن لم يكن ممكنًا، فليصبح ممكنًا.’”
_________________
صار شعارها اليوم عشان الدراهم✨
دانتي غيران المره المليون ياخي اعترف 😭
الماركيز يجنن يبي له بنية كيوووووووت🤏🏻
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 56"