قبل التوجّه إلى المتجر، جلست قليلًا في المكتب لإنهاء بعض الأعمال. بينما كنت أملأ أداة التحفيز السحرية بالطاقة بيدي، كما اعتدت دومًا.
و بفضل تدريباتي مع دانتي، ازدادت قدرة تحمّلي للطاقة السحرية، فأصبحت أستطيع تعبئتها بكمية أكبر.
ثم أثناء توقيعي على بعض الوثائق، طرق أحدهم الباب.
“ادخل.”
فُتح الباب ودخل كبير الخدم. فوضعت أداة التحفيز على المكتب بسرعة ونظرت إليه.
“سيدتي.”
“أنا مشغولةٌ الآن. ما الأمر؟”
تردّد كبير الخدم للحظة، على غير عادته،
“لديكِ زائر.”
“زائر؟ لم يكن من المفترض أن يأتي أحدٌ اليوم، أليس كذلك؟”
“في الحقيقة..…”
من هذا الذي يزورني في هذا الصباح الباكر من دون موعد؟ وفي هذا الوقت تحديدًا، حيث بالكاد أجد وقتًا للتنفس.
فركت جبهتي التي بدأت تنقبض من الانزعاج وسألته،
“من هو؟”
“إنه الماركيز ديفونت.”
وما إن سمعت ذلك حتى سقط القلم من يدي.
“مَن قلت؟”
سألت مجددًا غير مصدقة لما سمعت. فأخذ كبير الخدم نفسًا عميقًا ثم أجاب،
“الماركيز كاشيون ديفونت بنفسه، قد جاء لزيارتكِ.”
ضربت المكتب بعنف ونهضت واقفةً في الحال.
“لماذا؟ لماذا جاء؟”
“أنا أيضًا…..لا أعلم تحديدًا، لقد قال فقط أنه جاء لرؤية الكونتيسة.”
لقد رفضت طلب الزواج منذ بضعة أيام فقط.
“تشه.”
نقرت لساني بضيق، ثم خطوت إلى الأمام.
“هل تنوين الذهاب؟”
“بما أنه تفضّل بالقدوم بنفسه، فعلى الأقل يجب أن أستمع إلى سبب مجيئه.”
وهكذا، توجهت مع كبير الخدم إلى غرفة الضيافة حيث كان الماركيز ديفونت بانتظارنا.
وعندما فتح كبير الخدم الباب، كان هناك شاب—لا، بل بدا أصغر مني حتى—يرتشف الشاي بهدوء.
“لقد وصلت الكونتيسة كوينيارديل.”
فرفع الفتى رأسه سريعًا عند سماعه إعلان الخادم. ومع حركته تلك، تماوج شعره الفضي المزرق كأمواج البحر.
“مرحباً أيتها الكونتيسة.”
“أعتذر إن جعلتكَ تنتظر. حاولت القدوم بسرعة، لكنني تأخرت قليلًا.”
حييته بأقصى قدر من التهذيب والرسمية. فجاءني رد جافٌ من الماركيز ديفونت.
“بالضبط. ظننت أنني سأنتظر حتى يطول عنقي من طول الانتظار.”
“…..لم يُبلغني أحدٌ بأنكَ قادم.”
“في الحقيقة، كنت قد كتبت رسالة.”
أخرج من جيبه رسالةً مختومة بختم عائلة ديفونت، وابتسم ابتسامةً ساخرة.
“لكنني شعرت أنني سأصل أسرع من وصولها، فلم أرسلها.”
…..ما خطب هذا الولد؟ لماذا لا يوجد شخصٌ طبيعي واحد في حياتي؟
لكن بما أنه أول لقاء، لا يمكنني توبيخه مباشرة، لذا حاولت أن أتكلم بألطف نبرة ممكنة.
“كان سيكون من الأفضل لو أرسلت الرسالة وانتظرت ردي قبل أن تأتي، هكذا لما فاجأتني بزيارتكَ المفاجئة، وكنت سأستعد للقائك دون أن تضطر للانتظار.”
لكن الماركيز ديفونت ابتسم ابتسامةً مشرقة ثم قال شيئًا غير متوقع على الإطلاق،
“واو، كلماتٌ عظيمة. وكأنك من مجلس الشيوخ.”
ثم غطى فمه وضحك بخفة.
فشدّدت قبضتي على يدي الموضوعتين فوق ركبتي. و راحت يداي ترتجفان من الغضب.
‘ما بال هذا الولد فعلًا؟’
ثم تذكّرت فجأة أن عمر الماركيز ديفونت الحالي هو ستة عشر عامًا فقط. فضحكت بسخرية في نفسب بينما استعدت في ذهني ما ورد في القصة الأصلية.
كاشيون ديفونت ورث لقب الماركيز مباشرةً بعد أن قُتل والده ووالدته في الحرب.
رغم أن سنّه كان صغيرًا لحماية حدود المملكة، إلا أن مهاراته كانت تضاهي مهارات سلفه، لذا كان من الطبيعي أن يرث اللقب.
وبينما كان أبناء النبلاء الآخرين في عمره يتلقون دروس الوراثة والتهيئة للقيادة، أصبح كاشيون ديفونت ماركيزًا بالفعل.
وهذا يعني أنه لم يتلقّ حتى دروس الإتيكيت التي تكون ضمن تدريب الورثة.
وفوق ذلك، فهو حاليًا في سنّ المراهقة، تلك المرحلة المعروفة بعنفوانها وتقلبها.
‘صحيح…..إنه طفل، وأنا البالغة، يجب أن أتحلى بالصبر.’
أخذت نفسًا عميقًا وزفرته ببطء لأهدّئ نفسي. وحين بالكاد تمالكت أعصابي، سألت الماركيز ديفونت،
“لكن، يا سيد، ما سبب مجيئكَ لزيارتي؟”
“آه، صحيح! كنت سأنسى الموضوع الأهم.”
صفق ماركيز ديفونت بيديه وتابع،
“لقد رفضتِ طلب زواجي، أليس كذلك؟”
“نعم، فعلت…..لكن، أهذا سبب مجيئكَ؟”
“ولماذا رفضتِ؟”
أمال رأسه قليلًا، وتألقت عيناه الخضراء الكثيفة بإصرار وهو يحدق بي بتمعّن.
“أظنني أوضحت السبب في الرسالة التي أرسلتها.”
“يا الهي! هل حقًا لم يعجبكِ شكلي؟!”
“….،نعم.”
في الحقيقة، الآن بعد أن التقيته، ما يزعجني أكثر من شكله هو صِغر سنه.
صحيحٌ أن هذا العالم لا يفرض حدًّا أدنى للعمر عند الزواج، لكن بالنسبة لي، هذا أمرٌ لا يمكن تجاهله.
و لم أستطع قول ذلك بصراحة، فحولت نظري بعيدًا.
“انظري جيدًا. هل وجهي سيئٌ فعلًا؟ هل أبدو قبيحًا إلى هذه الدرجة؟”
ثم بدأ الماركيز ديفونت يغيّر مكانه لينحني في مجال رؤيتي ويجبرني على النظر إليه.
فنظرت إلى وجهه للحظة.
كان يملك وجهًا جميلًا لا يليق بمهاراته القتالية أو بقدرته على قيادة القوات، وكأنه لا ينتمي إلى عالم المعارك.
وبسبب شعره الطويل المنسدل، قد يظنه المرء فتاةً من النظرة الأولى.
‘أظن أن بعض آنسات النبلاء كنّ يتبعنه بإعجاب…..’
لكن هذا لا علاقة له بي.
“الماركيز وسيم.”
“صحيح؟ أنا وسيمٌ فعلًا، أليس كذلك؟ لكن لماذا؟ لماذا رُفضت؟”
لماذا هو مُصرّ هكذا؟ ربما لأنه في سنٍ يكون فيه المظهر مهمًّا جدًا.
و على ما يبدو، لن يتوقف عن السؤال ما لم أكن صادقة تمامًا.
“أنا ببساطة لست في مرحلةٍ من حياتي يمكنني فيها التفكير بالزواج. ولهذا السبب، رفضت طلبكَ بطريقة تترك انطباعًا سلبيًا كي لا تصلني طلبات زواج أخرى، وأعتذر عن ذلك.”
عندها انفجر الماركيز ديفونت ضاحكًا، وزفر تنهيدة ارتياح.
“آه، إذًا كان هذا هو السبب؟ الكونتيسة مضحكةٌ فعلًا!”
ضحك حتى دمعت عيناه تقريبًا. وحين بدأت ضحكته تهدأ، تحدثت إليه،
“هل زال فضولكَ الآن؟”
فأجابني، وهو ما زال ينظر إليّ بابتسامةٍ وبنظرة تنمّ عن اهتمام واضح، بإجابة لا تتوافق أبدًا مع سؤالي.
“هل تأخرتِ عن فتح المتجر بسببي؟”
“لا بأس، لقد طلبت من الآخرين تولّي الأمر.”
عندها مال الماركيز ديفونت للأمام وتحدث بحماس. بينما كانت عيناه تلمعان بطريقة غريبة جعلتني أشعر بنوع من القلق.
“إذاً، هل يمكنني أن أطلب شيئًا من الكونتيسة؟”
“…..طلب؟”
هزّ الماركيز ديفونت رأسه بقوة.
“في الحقيقة، هذا هو سبب مجيئي الأساسي.”
“تفضل، تحدّث براحتكَ.”
فرفعت فنجان الشاي لأجعله يشعر براحة أكبر في الحديث.
و كان الشاي قد برد تمامًا، لكنني شربت منه رشفةً صغيرة بحذر.
“كونتيسة، بعد وقت قصير، سأخرج في حملة لاصطياد تنين.”
أبعدت الفنجان عن شفتي ببطء. و تذكّرت أنني قرأت شيئًا عن حملة ضد تنين في أحد النشرات قبل أيام، أثناء بحثي عن أخبار نوكس.
لكنني لم أعر الموضوع اهتمامًا وقتها، فلم أقرأ التفاصيل بدقة.
‘إذًا، كاشيون هو من سيقود الحملة.’
لا بد أن هذه أول مرة له في اصطياد تنين منذ أن أصبح ماركيزًا، ومع ذلك لم يظهر أي خوف في عينيه.
و لا يبدو أنه يطلب مني دواءً لتهدئة التوتر…..إذًا ما الذي يريده؟
“الطريق إلى عش التنين وعر للغاية، ومن السهل أن نصادف فيه الوحوش والبهائم البرية، ولهذا يتعرض الكثير من الناس للإصابات.”
“إنه أمرٌ شاق فعلًا، كما هو متوقع.”
“لا يمكنني اصطحاب الأطباء، فهم سيكونون عبئًا علينا. لذلك عليّ أن أحمل أكبر قدر ممكن من الأدوية.”
قال الماركيز ديفونت ذلك وهو لا يزال يحتفظ بتلك الابتسامة الهادئة.
“سمعت أن الأدوية التي تُباع في نوكس فعّالةٌ للغاية.”
“يسعدني سماع ذلك من الماركيز.”
“بل وأكثر من ذلك، يُقال أن الجرعات السحرية هناك تباع بأسعار معقولة جدًّا. إن أمكن، هل يمكنني طلب كمية منها؟ سأحتاجها في حملة القضاء على التنين، لذا ستكون كميةً لا بأس بها.”
يا إلهي!
حاولت جاهدةً كبح ابتسامتي التي كادت تفيض على وجهي.
ليس فقط لأن الكمية المطلوبة ضخمة، بل لأن مجرد كون هذه الأدوية ستُستخدم في حملة صيد تنين يعني أن السمعة التي ستنتشر عنها ستكون هائلة.
وقد يأتي الزبائن من مناطق بعيدة فقط بسبب تلك السمعة.
‘كيف لم أُدرك أن هذا الشاب زبونٌ ذهبي كهذا؟!’
تجاهلت ضربات قلبي المتسارعة، و تحدثت بهدوء،
“سيكون ذلك شرفًا عظيمًا لي.”
ثم أضفت بكلمات هادئة ومتماسكة،
“لكن، نظرًا لازدياد عدد الزبائن مؤخرًا، فإن المخزون لدينا قد نفذ تمامًا. ولا أعلم إن كنا سنستطيع تجهيز الكمية في الوقت المناسب لحملة الماركيز..…”
حاولت أن يبدو كلامي خاليًا من الحماس الزائد قدر الإمكان.
فأومأ الماركيز ديفونت برأسه،
“فهمت…..مؤسف، لكن لا حيلة في ذلك-”
“لكن!”
ضربت المكتب بقوة مقاطعةً كلامه. فارتبك الماركيز ديفونت ونظر إليّ بعينين متوسعتين، يرمش بسرعة.
“إنه طلبٌ من الماركيز نفسه! سأبذل قصارى جهدي لتنفيذه حتى إن اضطررت لتجاوز حدودي! فقط ثق بي!”
ورفعت قبضتي أمام وجهه بحماس.
“أه…..نـ-نعم. تبدين جديرةً بالثقة، كونتيسة..…”
“هل ترغب في تفقد المنتجات الآن؟!”
“ا-الآن؟”
“ليس لدينا الكثير من الوقت! هيا! لننهض!”
“في الواقع…..حتى الغد سيكون مناسبًا..…”
تراجع الماركيز ديفونت خطوةً للوراء مبتعدًا عني قليلًا وهو يتحدث بلطف.
فنظرت إليه للحظة، ثم ضربت المكتب مرةً أخرى بقوة.
“فلنذهب، ماركيز!”
فارتعش الماركيز ديفونت من المفاجأة وأجاب فورًا،
“نـ-نعم! نعم!”
___________________
رجت الولد المسكين😭
طلع بزر اشوا حسبته طرف عشر طعش
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 55"