كان يوماً مشرقاً أكثر من أي يومٍ مضى.
منذ أن استيقظت في الصباح، شعرت بخفة في جسدي، وحتى العربة التي أقلّتني إلى السوق كانت سلسةً على غير العادة، فلم أشعر بأي إزعاج.
ى اليوم يُصادف مرور أسبوع على افتتاح المتجر.
“أهلًا بقدومكِ.”
كان صوت دانتي، الذي يصل دائماً قبلي، قد أصبح مألوفاً لدي.
ألقيت عليه التحية، ثم فتحت النوافذ ونفضت الغبار عنها بخفة. و مسحت واجهة عرض الأدوية و طاولة الحساب بعناية، ثم رتبت أدوات التنظيف.
بعدها دخلت إلى المخزن، وأعدت جهاز التشغيل الذي شُحن بالسحر إلى مكانه. و تأكدت من أن الجهاز يعمل بشكل سليم ثم خرجت من المخزن.
‘هل انتهيتُ من الترتيب؟’
نفضت يدي ونظرت حولي. و كل شيء كان مثالياً.
ارتسمت على وجهي ابتسامة رضا، وتوجهت نحو باب المتجر. ثم فتحت الباب جزئياً، و قلبت اللافتة المعلقة من “مغلق” إلى “مفتوح”.
قبضت على يدي بحماس ونطقت بعزم، ثم وقفت أمام طاولة الحساب.
“حسناً! لنُبذل جهدنا اليوم!”
ومرت الساعات تلو الساعات، حتى بدأ قرص الشمس يميل إلى الغروب.
كنت جالسةً خلف طاولة الحساب، أحدّق في الفراغ، وأتنهد. و عند صدور تنهدي العميق، سألني دانتي الذي كان يقرأ كتاباً في زاوية المتجر.
“هل الأمر نفسه اليوم أيضاً؟”
نظرت إليه ببطء وأومأت برأسي بخفة.
عندها، ردّ كايدن الذي كان يتثاءب ويمطّ جسده بجانب دانتي،
“أظن أن الوضع أصبح خطيراً، ماذا لو استمر الحال هكذا غداً أيضاً؟”
عند كلماته، أغمضت عيني ببطء.
نعم…..
لقد مرّ أسبوعٌ على بدء العمل في المتجر. وخلال هذا الأسبوع، لم يزرنا أي زبون واحد.
بمعنى آخر، أنا…..هذا المتجر…..فشل.
‘ما المشكلة بالضبط؟’
في البداية، كنت واثقةً أنه سينجح. فعندما افتتحت المتجر، تلقيت دعم التجار المحيطين. وانتشرت الشائعات بسرعة، بأن الكونتيسة كوينيارديل، ابنة الكونت السابق، تدير المتجر بنفسها.
لكن لماذا! لماذا لم يأتِ أحدٌ بعد ذلك؟
“لا بد أن الناس بصحةٍ جيدة، هذا كل ما في الأمر.”
“…..هل هذا ممكنٌ حقاً؟”
“بالطبع! لم يمضِ شهرٌ حتى، إنه مجرد أسبوع واحد فقط.”
ترددت قليلاً عند كلمات كايدن.
“وفوق ذلك، المتجر ليس في بداية السوق بل في طرفه تقريباً، لذا من الطبيعي ألا يأتي الكثير من الناس.”
“هذا صحيح، لكن..…”
هل يُعقل ألا يأتي أحدٌ إطلاقاً؟
عندما أخرج، لا أسمع سوى أحاديث عن نوكس في كل مكان. حتى أن أخبار المتجر نُشرت في نشرة قرية أرديل، ما يدل على مدى الاهتمام الكبير الذي حظينا به!
‘لا يمكن أن أستمر هكذا.’
نهضت فجأةً من على كرسي الحساب. فرفع دانتي رأسه ناحيتي تاركاً كتابه، فيما مال كايدن برأسه مستغرباً.
تركت كليهما خلفي، ودخلت المخزن، ثم أخذت الرداء ذا القلنسوة والحقيبة وخرجت من المتجر.
“سيدة إيرفين! إلى أين ستذهبين بهذه العجلة؟!”
توقفت عند سماع صوت كايدن الذي لحق بي على عجل، وخلفه بدا دانتي بوجه خالٍ من الحماس.
فابتسمت لهما بحيوية،
“سأقوم بدراسة السوق!”
***
كنت أنوي الذهاب في دراسة السوق برفقتهما، لكن استدعاءً عاجلاً من برج السحر أجبر كايدن على المغادرة.
و في النهاية، سرتُ إلى جانب دانتي، مرتديةً الرداء ومخبّئةً وجهي بإحكام، متجهين نحو الساحة.
في إقليم الكونت، تُعدّ بلدة أرديل مركزًا تحيط به منطقة السوق، والمنازل، وأماكن الترفيه. لذا، كان الناس يتوافدون إلى هذه الساحة من كل حدب وصوب.
ظننتُ أنني قد أتمكن من معرفة سبب فشل المتجر إن جئت إلى هنا، فخرجت دون خطة واضحة…..
‘ماذا عليّ أن أفعل الآن؟’
لم أكن أملك أدنى فكرة. و لم أستطع ببساطة أن أقتحم المكان وأسأل عن رأي الناس في إعادة افتتاح “نوكس”، فقد يُنظر إليّ بغرابة، أو تنكشف هويتي سريعاً.
نظرت إلى دانتي بطرف عيني، فوجدته يعبس بشدة، متضايقاً من زحام الناس في الساحة. فراقبتُ ملامحه قليلاً قبل أن أفتح الحديث.
“أمم، أريد التجوّل قليلاً وسماع أحاديث الناس، ما رأيكَ؟”
قررت أن أبحث عن أي خيط من خلال الاستماع لما يقوله الناس من حولي، فالكثيرون يتحدثون عن “نوكس” لمراتٍ عدة خلال اليوم.
أومأ دانتي برأسه ببطء دون أن يعلّق، وقد أقلقني ذلك أكثر.
“لكن…..هل ستكون بخير؟ إذا دخلنا إلى الداخل، سيكون الزحام أشد.”
“…..لا بأس.”
كان دانتي يقول ذلك بوجه عابس وكأنّه سيفتك بأي شخص يتعرض له.
“هل سيتمكن فعلاً من تحمّل كل هذا الازدحام؟”
نظرت إليه وهو واقف بيديه في جيبيه وملامحه غاضبة، ثم رفعت كتفيّ باستسلام.
‘لا أعلم! ليتصرف كما يشاء، لا بأس.’
سرتُ مع دانتي وسط الحشود.
وكان العالم الذي رأيته عن قرب مختلفًا تمامًا عمّا بدا من بعيد.
أُناس ينتظرون أحدهم، وآخرون خارجون من السوق وأيديهم ممتلئةٌ بأكياس التسوق، وعائلاتٌ جاءت لتشاهد نافورة الساحة وأطفال يركضون أمامها.
كان مشهدًا غريبًا عليّ.
‘لو فكرتُ بالأمر، أليست هذه أول مرة أخرج فيها للتنزه هكذا؟’
كنت منشغلةً بافتتاح المتجر لدرجة أنني لم أفكر بالتنزه أو الاستمتاع.
ولأول مرة منذ وصولي إلى إقليم الكونت، شعرت بأنني أستمتع بإجازة. رغم أنني في الحقيقة أعمل الآن.
سرت بحذر كي لا أحتك بالناس، وفجأةً لفتني عبق رائحة شهية، فنظرت حولي. و رأيت شيئًا يُباع عند مدخل السوق.
“سيد دانتي، انظر هناك! يبدو أن السوق المفتوح يُقام اليوم!”
نظر دانتي إلى الاتجاه الذي أشرتُ إليه، ثم عاد ونظر إليّ وأومأ برأسه.
في ساحة أرديل، يُقام السوق المفتوح مرةً كل خمسة أيام. يبيع الناس فيه فواكه وخضروات من زراعتهم الخاصة، ويعرضون لوحات، ويطهون الطعام ويبيعونه في الشارع.
ويبدو أن اليوم هو اليوم الخامس.
“هل سبق لكَ أن زرت سوق ساحة أرديل المفتوح من قبل؟”
لم يُجب دانتي على الفور، بل نظر إليّ بتأمل وصمت قليلاً.
و سرعان ما هزّ رأسه بتردد.
“لا، لم يسبق لي ذلك.”
“حقاً؟ وأنا أيضاً هذه أول مرة!”
ضحكتُ لا إراديًا، وكأنني التقيت بشخص يشاركني نفس التجربة. و بابتسامة مشرقة،
“نحن متشابهان إذًا، أليس كذلك؟”
وعندما رأيت ابتسامةً ترتسم على شفتي دانتي، فكرتُ،
‘منذ متى بدأ دانتي يبتسم هكذا بسهولة؟’
شعرت فجأةً بقربنا من بعضنا، وكأن علاقتنا تغيّرت دون أن أشعر.
“إذًا، لم تجرّب طعام الشارع من قبل أيضاً، أليس كذلك؟”
“صحيح، لم أجرّبه.”
“ما رأيكَ بأن نأخذ فقط سيخ شوي واحد لكل منا؟ ألستَ جائعًا؟”
كان وقت الغداء قد مضى منذ زمن، وكنتُ فعلاً أشعر بالجوع. حتى أنني لم أعد أستطيع تجاهل رائحة الشواء التي كانت تفوح في المكان.
كما يُقال، الطعم المعروف هو الأخطر…..فلم أعد قادرةً على المقاومة!
وبينما كنتُ أحدّق نحو كشك طعام الشارع، وجهتُ حديثي إلى دانتي، فسمعت منه ضحكةً خفيفة.
“نعم، فكرةٌ جيدة. لنذهب.”
ثم ذهبنا معًا إلى كشك بيع الشواء.
بدّلتُ نبرة صوتي قليلًا وطلبت سيخين، ثم بدأنا ننتظر.
و كان صاحب الكشك ودودًا للغاية، فبدأ يحدّثنا حتى أثناء تحضيره للطعام.
“من مظهركما، يبدو أنكما تزوران أرديل لأول مرة؟ هل أنتما من الجنوب؟”
كانت أسنانه المنتظمة التي ظهرت من بين لحيته الكثيفة تبدو مضحكةً بعض الشيء.
ولم أجد عذرًا مناسبًا، فاكتفيت بالإيماء والإجابة ببساطة،
“نعم، صحيح. نحن في رحلةٍ ومررنا هنا مؤقتًا.”
“حسنًا فعلتما! في مثل هذا الوقت، غالبًا ما تجدون أشياء جيدة في السوق!”
ضحك صاحب الكشك ضحكةً عالية وطيبة، ثم ناولنا أنا ودانتي سيخين من اللحم المشوي كانا قد نضجا تمامًا.
أخذنا السيخين وقضمنا أول قضمة في الوقت نفسه.
“واو! لذيذٌ جدًا! أليس كذلك، سيد سـ…..ساردان!”
لا يمكنني مناداته بـ”سيد ساحر” او اسمه، فقد يُساء فهمنا.
دانتي نظر إليّ قليلاً حين سميته بذلك الاسم الغريب، ثم أومأ برأسه بينما كان يمضغ.
“اسمكَ غريبٌ فعلاً. على كل حال، يسعدني أن الطعام أعجبكما. فالناس من الجنوب يُعرفون بذوقهم الصعب~.”
وأثناء تناولنا لسيخ الشواء، تبادلنا أطراف الحديث مع صاحب الكشك كثيرًا. و أخبرنا عن ما تشتهر به منطقة أرديل، وأي المتاجر يمكن أن نجد فيها سلعًا جيدة، وغير ذلك من المعلومات المفيدة.
وأثناء الحديث، خطر لي فجأةً أنه ربما يكون هذا الرجل هو من يحمل لي الجواب الذي أبحث عنه، فسألته،
“بالمناسبة…..هل ذلك الشائعات صحيحة؟”
غطّيتُ فمي بيدي وتظاهرت بأنني أراقب من حولي بحذر، فلفتُّ انتباه صاحب الكشك.
“أي إشاعةٍ تقصدين؟ إذا كانت عن السوق، فأنا أعرف كل صغيرة وكبيرة!”
“أتعرف…..تلك الإشاعة.”
اقتربت منه أكثر وهمست بصوت خافت،
“يقولون إن الكونتيسة الجديدة لعائلة كوينيارديل أعادت افتتاح متجر نوكس.”
عندها، عبس الرجل الذي كان قبل لحظات يبتسم بعينين لامعتين، وزفر زفرةً طويلة.
‘ما ردة الفعل هذه؟ لماذا تغيّر فجأة؟’
بدأ يلوّح بيديه بضيق، وبدت عليه ملامح الانزعاج.
“دعكِ من هذا الموضوع. اسأليني عن أي شيء آخر، أي شيء غير هذا وسأجيبكِ.”
“…..ولماذا؟”
“قلت لكِ لا تسألي، أليس كذلك؟”
حتى نبرة صوته تغيّرت، ولم يعد يشبه ذلك الرجل اللطيف منذ قليل. وكأنه يحمل مشاعر سيئة تجاه “نوكس”.
لكن لا يمكنني التراجع الآن. فقد كنت أشعر أن لديه الجواب الذي قد يساعدني على حلّ هذه المشكلة.
أخرجتُ كيس نقود من حقيبتي وناولته إياه،
“في الحقيقة، نحن صحفيان. نبحث عن مواضيع مختلفة لنكتب عنها. ألا يمكنكَ مساعدتنا؟”
ألقى نظرةً خاطفة على الكيس الذي تلقاه دون تردد، ثم تنحنح مراتٍ عدّة قبل أن يتحدث أخيرًا.
“حقًا لا أريد التحدث عن هذا الموضوع…..لكن، بما أنكما تبدوان في حاجة، فسأفعل. مفهوم؟”
“بالطبع، شكرًا جزيلًا لكَ.”
أجبته بابتسامة لطيفة، فبدأ بالكلام بعد تردد واضح،
“في الحقيقة…”
___________________
لايكون ايدن مطلع اشاعات عن ايرفين؟
المهم دانتي يجنن وش الاستسلام ذاه لذا الاسم😭😭
كايدن الحمدلله راح وماطلع معهم وناااسه
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 50"