لقد مضت ثلاثة أيام منذ أن زار دانتي القصر. وخلال تلك الفترة، تمكنت من صنع كميةٍ لا بأس بها من الأدوية.
ورغم أنها لم تكن متنوعة، إلا أنها اقتصرت على الأساسيات مثل دواء الزكام ومقويات استرجاع النشاط، لذا كان بالإمكان افتتاح المتجر في أي لحظة.
‘أنا أكثر توتراً مما توقعت.’
في الليلة الماضية، وصلتني رسالةٌ من رون. و كانت رسالة حماسية تخبرني أن أعمال الترميم انتهت وتدعوني لرؤية النتيجة.
لذا، كنت الآن في الطريق المتجر على متن عربة.
“منذ متى لم أزره؟”
بينما كنت مستندًا بهدوء داخل العربة وأفكر في شتى الأمور، كنا قد وصلنا دون أن أشعر.
وما إن توقفت العربة حتى امتدت يدٌ من الخارج فجأة.
“أهلًا بقدومكَ، سيدتي الكونتيسة.”
كان رون يبتسم بوجه صافٍ. وقد بدت على وجهه مشاعر الترحيب والثقة بالنفس.
أمسكت بيده برفق ونزلت من العربة بحذر.
“لا بد أن قدومكِ منذ الصباح كان متعبًا، هل ترغبين بتناول بعض الشاي؟ أم تودين التوجه مباشرةً إلى المتجر؟”
شعرت أنه وضع نبرةً إضافية على كلمة “المتجر”، لكن ربما كان ذلك مجرد وهم.
“سأتوجه إلى المتجر مباشرة. منذ أن وصلتني رسالتكَ البارحة وأنا أشعر بالفضول.”
رفع رون زاوية شفتيه بسلاسةٍ وكأنه سمع الإجابة التي كان يتوقعها.
“يشرفني ذلك. إذاً، هلّا نذهب؟”
منذ مدخل سوق المتاجر وحتى الطرف الذي يقع فيه المتجر، لم يتوقف رون عن الكلام ولو لحظةً واحدة.
وكأنه لا يعرف التعب، فقد بدأ بالحديث عن أعمال البناء ولم يتوقف حتى انتقل للحديث عن نفسه دون نهاية.
ولحسن الحظ، عندما شارفنا على الوصول، بدأ يقلل من حديثه تدريجياً، ثم اعترض طريقي فجأة.
“ما الأمر فجأة؟”
“هل يمكنكِ أن تغمضِ عينيكِ؟”
“آه، أنا لا أحب هذا النوع من الأمور. دعنا فقط نتابع..…”
هززت رأسي ببطء وأنا أستأنف السير، لكن رون اعترض طريقي مجددًا. ثم مال برأسه وابتسم ابتسامةً مشرقة.
“لن يستغرق الأمر سوى لحظة. وستتحمسين أكثر.”
“أنا حقًا لا أحب هذا…..لكن، حسنًا. طالما أن هذا ما تريده، رون.”
أغمضت عيني كما طلب رون. و لم أعد أرى شيئًا من حولي.
وفي تلك اللحظة، شعرت بشيءٍ يلمس أطراف أصابعي. كانت يدًا خشنة مغطاةً بالمسامير القاسية.
ارتجف جسدي لا إراديًا للحظة، لكنني سرعان ما أدركت أنها يد رون، فضحكت بخفة.
“لقد أخفتني حقًا.”
“أعتذر إن كنتُ قد أفزعتكِ. كان علي أن أخبركِ مسبقًا. هل يمكنكِ المتابعة بهذه الطريقة؟”
“بالطبع. لا مشكلة.”
أمسكت بيد رون وسرت خلفه حسب ما كان يقودني، وشعرت بتوتر شديد.
و لا أعلم كم مضى من الوقت ونحن نسير هكذا….
“لقد وصلنا. يمكنكِ أن تفتح عينيكِ الآن.”
فتحتُ عيناي تلقائيًا عند سماع صوت رون. لكن ما ملأ مجال رؤيتي لم يكن المتجر، بل رون نفسه.
رمشت بعيني بسرعة وأنا أنظر إليه. فابتسم لي بلطفٍ ثم تنحى جانبًا قليلًا.
“واو…..إنه تمامًا كما كنت أريده.”
لم أستطع إلا أن أندهش عند رؤية المتجر بعد غياب طويل. فقد احتُفظ بالشكل الأصلي، لكن الأجزاء التالفة قد رُممت بإتقان.
وُضع غطاءٌ قماشي فوق المدخل ليمنع تسرب المطر، وأُضيفت نوافذ جديدة لتسمح بدخول ضوء الشمس.
أعجبني ذلك كثيرًا.
“تفضلي بالدخول.”
وعند كلمات رون، فتحت الباب بحماس.
عندما دخلت، وجدت أن الداخل كذلك قد تغير قليلًا، مع الحفاظ على طابعه القديم. و الخزانة التي تحطمت يوم أطحتُ ليو بها، عادت كما كانت.
وتمت إضافة عدة رفوفٍ للعرض كما كنت قد طلبت. بل وظهر بجانب صندوق الدفع الواسع بلا فائدة خزانة عرض زجاجية منخفضة. و صار بالإمكان استخدام المساحة الصغيرة بكفاءة أكبر.
وبينما كنت أتأمل ما حولي، التقت عيناي بعيني رون فجأة.
‘هل بالغتُ في إظهار سعادتي كالأطفال؟’
شعرت بإحراج مفاجئ وبدأت أحك خدي. عندها، ابتسم رون برقة وأشار بعينيه نحو المخزن.
فنظرت باتجاهه و رأيت باب المخزن وقد أضيفت إليه نافذةٌ صغيرة.
وعندما ذهبت لأتفقده بنفسي، وجدت أن المخزن أصبح يحتوي على منصةٍ في الوسط لوضع جهاز تحضير الجرعات السحرية، بالإضافة إلى مساحة تخزين جديدة تلتف حول الجدران.
“حاولت قدر الإمكان أن أحافظ على الطابع الأصلي كما طلبتِ، مع بعض التعديلات. هل نال إعجابكِ؟”
قطبت جبيني قليلًا وأجبته بسؤالٍ مضاد.
“هل هذا سؤالٌ جدي الآن؟”
لقد جسّد المتجر الذي تخيلته تمامًا بهذا الشكل المثالي، ثم يسأل إن كان يعجبني؟
“بالطبع أعجبني!”
ربما كنت قاسيةً بعض الشيء في مزاحي، إذ بدا على رون أنه أخيرًا تنفس الصعداء بعدما كان مشدود الأعصاب حتى هذه اللحظة.
“يبدو أن لديكِ جانبًا من الدعابة أيضًا. حسنًا، لا بأس، فذلك ما يجعلكِ للإنسان. لقد كنت أظن أنكِ مجرد كائن من أساطير الجان.”
“…..عذرًا؟”
“أو ربما ملاك؟ أحيانًا أتخيل وكأن هناك أجنحةً خلفكِ..…”
“توقف! توقف، يكفي هذا…..أظن أن هذا القدر من الإطراء كافٍ.”
وبعد أن أوقفت سيل المجاملات المحرجة، خرجت من المخزن.
“سأذهب للعربة قليلًا. فقد أحضرت معي الأدوية التي صنعتها.”
“هل يمكنني مرافقتكِ؟ أود أن أساعد.”
“هل ستفعل ذلك حقًا؟ سأكون ممتنةً للغاية.”
تحركت مع رون متوجهةً نحو الباب للخروج من المتجر، ومددت يدي نحو المقبض. لكن قبل أن أديره، فُتح الباب من تلقاء نفسه.
وفجأة ظهر أمامي صندوقان خشبيان كبيران. وفوقهما، ظهر وجهٌ مألوف. ناديت عليه بفرح.
“سيد ساحر!”
ربما كانت الصناديق تحجب الرؤية، إذ أطل دانتي برأسه من خلف الصناديق وألقى نظرةً نحوي من الأعلى.
فمددت يدي نحوه بينما هو يومئ برأسه بخفة.
“لا تقل لي أن هذه هي جرعاتي السحرية التي أحضرتها؟”
“نعم. رأيت أنكِ تركتها في العربة فأحضرتها.”
“واو. لا بد أنها كانت ثقيلة جدًا! أعطني واحدًا، سأساعد في حملها.”
حينها تدخل رون الذي كان يسمع حديثنا.
“لا يمكن أن أدع الكونتيسة تحمل شيئًا كهذا! سأحملها بنفسي!”
ومد كلا ذراعيه نحو الصناديق.
فتبادل دانتي النظر بيني وبين رون، ثم استدار نحو رون.
“إذن سأتركها لكَ.”
“نعم! سأحملها بنـ— كوخ!”
وما إن تسلم الصندوق من دانتي حتى هوى رون على الأرض فورًا. ثم وقف بصعوبة وهو يزمّ جبينه من الألم، وذراعاه ترتجفان من ثقل الصندوق، ثم سأل بصوت متهالك.
“يا سيد ساحر…..كيف حملتَ هذا الشيء حتى هنا..…؟”
وضع رون الصندوق على الأرض بعد أن تقدم بخطًى ثقيلة، ثم أخذ يلتقط أنفاسه.
حسنًا، لا عجب في ذلك، فالصندوقان كانا مليئين بزجاجاتٍ زجاجية تحتوي على سوائل، فلا بد أنهما كانا ثقيلين.
لكن دانتي حملهما بسهولة لدرجة أن ثقلها لم يكن واضحًا.
‘لو كنتُ أنا من حملها، لربما كنتُ أسقطتها..…’
فتحت الصندوق لأبدأ في ترتيب الجرعات على رف العرض. و كان يحتوي على عشرات الزجاجات الصغيرة، كل واحدةٍ منها مملوءةً بسائل بلون مختلف، مثل البنفسجي والوردي وغيرها.
“سأساعدكِ! من الصعب على الكونتيسة ترتيب كل هذه بمفردها.”
وبمساعدة رون، بدأنا نملأ الرفوف واحدًا تلو الآخر.
كان المنظر جميلًا، إذ امتلأت خزانات العرض – التي تشبه تلك الموجودة في محلات الحلويات – بألوان زاهية من الجرعات السحرية.
وأثناء التفاتي، لفتت انتباهي زجاجةٌ خلف رون. ربما علي أن أضيفها أيضًا إلى الرف.
“آه! رون، هل يمكنكَ مناولتي تلك الزجاجة خلفكَ؟”
“هاه؟ خلفي؟ لا أراها.”
يبدو أنها لم تكن في مرمى بصر رون، الذي كان جالسًا بوضعية غير مريحة. سيكون أسرع لو أخذتها بنفسي.
وضعت يدي على الأرض ومددت ذراعي خلف رون لأخذ الزجاجة.
‘آه، قليلاً فقط بعد…..’
وفي تلك اللحظة، امتدت فجأة يدٌ ضخمة من الخلف، وأمسكت بيدي وخصري في الوقت نفسه، ثم جذبتني إلى الوراء بقوة.
“هاه؟”
عندما استعدت وعيي، وجدت نفسي بين ذراعي دانتي. و كان عبيره المنعش الممزوج بمرارة خفيفة يغمر أنفي.
دانتي، الذي لا يزال يمسك بيدي، رفع أصابعه ولوّح بها في الهواء. فارتفعت الزجاجة التي كانت بجانب رون بخفة ودخلت إلى خزانة العرض.
“سيد ساحر..…؟”
ثم أدرنا رؤوسنا في اللحظة نفسها، فتلاقت أعيننا من مسافة قريبةٍ جدًا.
وفي تلك اللحظة، خطرت ببالي فجأةً كلمات ليج.
“ذلك الساحر…..إنه يحبكِ يا سيدتي.”
هَك-
خرجت مني شهقةٌ صغيرة تلتها فواق. وبمجرد أن بدأ، لم بتوقف الفواق بسهولة.
كان وجهي يشتعل خجلًا، ربما لأنني أصبحت مدركة جدًا لهذا الموقف. و كنت أرغب بشدة في الإفلات، لكنني كنت ما زلت محاصَرةً بين ذراعي دانتي.
“سيدي الساحر…..أشكركَ حقًا على مساعدتكَ، ولكن…..هلّا أزلت ذراعكَ من حولي؟”
لم يتوقف الفواق، و كنت أشعر بالاختناق، وما زاد الأمر سوءًا هو نظرات رون التي تخترقني بصمت.
دانتي نظر إلي للحظة دون أن ينبس بكلمة، ثم ببطء، سحب ذراعيه ونهض واقفًا.
وحين جلست أنا بدوري، وقف رون أيضًا وهو يراقبني بتوتر.
و لمحاولة كسر هذا الجو المشحون والمحرج، تنحنحتُ عدة مرات متظاهرةً بالهدوء.
“أهم! أشكركما كلاكما على مساعدتي في الترتيب.”
قمت بنفض سطح خزانة العرض بلا داعٍ، رغم أنها كانت نظيفة تمامًا ولا غبار عليها، لكن شعرت أن علي فعل شيء.
رون، الذي يُعرف بذكائه وفطنته، حاول أيضًا كسر الجو المتوتر بصوتٍ حماسي ومفعم بالحيوية.
“ما الذي تقولينه يا سيدتي الكونتيسة؟ بل إن الشرف كان لي!”
دانتي ألقى عليه نظرةً جانبية سريعة، ثم تمتم بشيء ما. لكن صوته كان خافتًا جدًا فلم أتمكن من سماعه.
تجاهلت ذلك عمدًا، ثم ألقيت نظرةً حولي.
رؤية المتجر مرتبًا ونظيفًا بعث في نفسي السكينة.
‘بهذا الشكل، يمكننا فتح المتجر في الحال.’
وأخيرًا، غدًا…..سيفتح “نوكس” أبوابه من جديد!
__________________
كلمة نوكس مسببة لي تروما كان بغير اسم الكتجر بس خليته😂
المهم من تتوقعون يعترف اول دانتي ولا ايرفين؟
مدري ليه ادري ان دانتي طول الوقت يوضح بس احسه ما استوعب انه يحبها يعتي يمكن ايرفين؟😭
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 49"