ابتسمتُ بدوري مع دانتي. ثم أدرنا رأسينا في الوقت نفسه نحو جهاز تصنيع الجرعات السحرية الذي لا يزال يعمل بسلاسة.
كان صوت الغليان وانتقال السائل يبعثان على الراحة بطريقةٍ ما.
‘أشعر أنني لن أمل حتى لو ظللت أشاهده طوال اليوم.’
شعرت بدانتي الذي كان واقفًا بجانبي وهو يرمقني بنظرة خاطفة قبل أن يعود بنظره إلى الأمام.
“سيستغرق الأمر بعض الوقت حتى يكتمل.”
“كم سيستغرق؟”
“يبدو أنه سيأخذ ثلاث إلى أربع ساعات.”
“كل هذا الوقت؟”
أبرزت شفتَي وأنا أحدق في الجهاز الذي يغلي من تلقاء نفسه وينقل السائل.
‘ومع ذلك، من الجيد أنه يُصنع تلقائيًا.’
خطوت مبتعدةً وأنا أتمسك بفكرة إيجابية.
لكن، ما الذي يمكنني فعله مع دانتي خلال ثلاث أو أربع ساعات؟
الخدم الذين كانوا يراقبوننا ونحن نتحدث قد غادروا الغرفة منذ وقت. وبعد تردد قصير، فكرت أن من الأفضل أن أتدرب على السحر.
“هل يمكنكَ مساعدتي في التدرب على السحر خلال هذا الوقت؟”
رفع دانتي حاجبًا و أومأ رأسه موافقًا.
ويبدو أنه كان سعيدًا جدًا لأنني أنا من طلبت التدريب هذه المرة، وهو أمر لم يحدث منذ مدة.
“في الجهة الخلفية من القصر توجد ساحةٌ واسعة، لم لا نذهب هناك؟ لن يلاحظنا أحدٌ حتى لو استخدمنا السحر.”
لم يكن من الحكمة أن أتدرب داخل القصر فأتسبب عن غير قصد في تهديم أحد أجزائه. وفي الوقت نفسه، لم يكن بإمكاني مغادرة القصر وترك الجرعة تحت التصنيع دون مراقبة.
وفي النهاية، لم يخطر في بالي سوى الساحة الواسعة.
ذلك المكان الذي كانت إيرفين تقضي فيه طفولتها تلعب الكرة مع والدها، ويحمل الكثير من الذكريات الجميلة.
“اتبعني.”
***
أحضرت دانتي إلى الساحة.
في طفولتي، كنا نحتاج إلى مكان لنلعب فيه الكرة ونلعب الغميضة، لذا كان يُعتنى به دائمًا بشكل جيد.
لكن يبدو أنني كبرت الآن، فلم يعد أحد يهتم به كثيرًا، وقد امتلأ بالعشب البري.
نظرت إلى المشهد الجديد لهذا المكان المليء بالذكريات الجميلة، وأحسست بمشاعر دافئة تختلط بشيء من الحنين.
وبينما أحدّق في الزهور الصغيرة ذات الألوان المختلفة، التفتُّ إلى دانتي،
“أمم…..أعتقد أن التدريب على السحر هنا سيكون صعبًا. هذا المكان يعني الكثير لي، ولا أريد أن أؤذيه ولو قليلًا في الوقت الحالي.”
نظر دانتي إليّ بهدوء، ثم أدار رأسه وتطلع إلى ما وراء السهل،
“إنه مكانٌ جميل.”
وفجأة شعرت بفضول تجاه ماضي دانتي. فهو شخصيةٌ لم تظهر تفاصيلها كثيرًا في القصة الأصلية.
“هل لديكَ أنت أيضًا مكانٌ مليء بالذكريات؟ لقد أصبحتُ أشعر بالفضول حول طفولتكَ!”
رمش دانتي بعينيه ببطء وكأنه يفكر قليلًا قبل أن يجيب بهدوء وبنبرة خالية من الانفعال،
“كل ما أتذكره هو برج السحر، ولا شيء غيره.”
“ألم تزر أماكن أخرى من قبل؟ كأن تكون قد سافرت مع ليو مثلًا..…”
وفجأة، تلوّى وجهه كما لو كان قد سمع أقذر شيء في العالم. فأدركت فورًا أنني قلت شيئًا غير مناسب، و أسرعت أصفق شفتيّ ندمًا.
لكن دانتي أوقف يدي بلطف، ثم واصل حديثه وكأن شيئًا لم يكن.
“لا أذكر من طفولتي سوى أمرين اثنين فقط.”
خفض بصره وكأنه يسترجع ذكريات قديمة.
“الحرب…..وبرج السحر. لا شيء غيرهما.”
شهقت بهدوء وسحبت أنفاسي فجأة.
لا شك أنني ارتكبت حماقة.
وبينما كان صوته يأتيني بنغمة هادئة ومطمئنة، ازداد شعوري بالذنب.
“خلال الحرب القصيرة مع مملكة ليونيل، فقدت والديّ وأنا في الخامسة من عمري.”
كانت نبرته عذبةً على عكس ما توقعت، فبادرت بالاعتذار بسرعة.
“أ-أنا آسفة. لا داعي لأن تتابع إن كان الحديث يزعجكَ.”
رفع دانتي رأسه في مواجهة الشمس، ثم وضع يده ليحجب الضوء عن وجهه، وتوجه نحو ظل شجرة كبيرة.
فتبعته بتردد، لا أعرف كيف أتصرف.
“لا بأس. على أية حال، لا أتذكر الكثير. إذا كان لديكِ فضول، فأنا مستعدٌ للإجابة.”
ثم استأنف حديثه.
“بعد فقدان والديّ، كنت أتشرد في الطرقات. جائعًا لا أجد ما آكله، وأبحث عن مكان لأنام فيه، فألجأ إلى تلال القمامة.”
في سن الخامسة…..بتلك السن الصغيرة جدًا…..
عضضت شفتي بأسى وشفقة.
“هل تعرفين ما كان أكثر ما يُتداول في ذلك الوقت؟”
بالطبع لم أكن أعرف، فلم أستطع الرد وقلت فقط لا بهزّة خفيفة من رأسي.
“كان الاتجار بالبشر. لم ينجُ منه أحد، صغارًا وكبارًا، ذكورًا وإناثًا…..فقد كان المتشردون في الشوارع هدفًا سهلاً لتلك العصابات.”
زفرت من بين أسناني أنفاسًا مرتجفة.
لو أن دانتي لم يتحدث بهذه البرودة، لكان الأمر أهون عليّ.
“وبالطبع، لم أكن استثناءً. فقد اقتربوا مني، وحاولوا أخذي معهم بالقوة إلى مكان مجهول.”
لم أستطع قول أي شيء بينما كان يواصل الحديث.
“في تلك اللحظة، لم يكن في عقلي سوى رغبةٍ واحدة، وهي أن أنجو. وحين استعدت وعيي، كنت قد أطحت بهم جميعًا بعيدًا.”
“…..يا للراحة.”
ذلك كل ما استطعت قوله. فلم أستطع أن أقول ما في داخلي، و اكتفيت بلعق شفتي بصمت.
كنت أظن أن حديث دانتي انتهى، لكنه فاجأني حين تابع.
“وبسبب انفجار تلك القوة السحرية الهائلة، اقترب مني ليو الذي كان يتجول في المنطقة.”
“إذًا، هل كانت تلك أول مرة تلتقيان فيها؟”
“نعم، كانت المرة الأولى. شعر ليو بطاقة سحرية خارجة من طفل صغير، ووجد الأمر مشوقًا للغاية، فاصطحبني معه إلى برج السحر.”
كنتُ شديدة الفضول حول العلاقة بين دانتي وليو، لذا أصغيت بانتباه شديد.
لكن وجه دانتي وهو يسترجع تلك الذكريات لم يحمل أي أثر للأمل…..
بل على العكس، كان تعبيره أكثر ظلمةً من ذي قبل وهو يواصل حديثه.
“منذ تلك اللحظة بدأ الجحيم. بدأ ليو يجري عليّ تجاربه السحرية المختلفة. و كان يخدع طفلًا بريئًا ليخضعه لأبشع أنواع التجارب الوحشية.”
ارتجف جسده وهو يتحدث، والغضب يتفجر من صوته.
هذا لم يكن ما تخيلته إطلاقًا…..كنت أتمنى أن أسمع عن عائلة بديلة أو صداقة دافئة بين دانتي وليو، شيءٌ أشبه بالأخوة!
لكن كل ما خرج من فمه كان بعيدًا عن التصديق.
“منذ أن أحضرني، صار ينفخ فيّ طاقته السحرية عمدًا ويستخرجها عنوةً وكأنه يلهو بها. بل رماني في وكر تنانين، وألقاني وسط عشرات المستذئبين طالبًا قلب أحدهم كمادة لصناعة جرعة سحرية.”
صرّ دانتي على أسنانه بشدة. ولم أشعر بالدهشة بقدر ما غمرني الأسى عليه.
“بعد ذلك، بدأت أتفادى الخروج من الطابق السفلي للبرج هربًا من ليو. و أصبح بمثابة ملجئي، مكاناً أختبئ فيه.”
“فهمت…..أنا آسفة، لم يكن يجدر بي أن أكون فضوليةً إلى هذا الحد..…”
شعرت أن عليّ الاعتذار، فانحنيت قليلًا وأنا أقولها. ثم سمعت صوت ضحكٍ خافت فوق رأسي.
“لا بأس. في النهاية، تبقت لي منها بعض الذكريات الجيدة.”
ورغم ما قاله، بدا واضحًا أنه لا يكره ليو تمامًا، لا سيما أنه لا يعارض أوامره أبدًا.
ابتسمت له بخفة ونحن نستمتع معًا بنسيم الربيع الدافئ الذي بدأ يهبّ، وفجأة تذكرت الجرعة السحرية،
“هل نعود إلى غرفة الاستقبال الآن؟ لم يمضِ وقتٌ طويل، لكنني أريد أن أرى كم تقدّم العمل.”
“نعم، حسنًا.”
مرّت حوالي ساعة منذ خرجت مع دانتي. وتقدّمت صناعة الجرعة السحرية أسرع مما توقعت.
وبعد ساعة أخرى، كانت الجرعة قد اكتملت. فطلبت من الخدم أن يتذوقوها وسألتهم عن رأيهم.
وقد أثنوا عليها جميعًا، قائلين أن أجسادهم التي كانت متصلبةً قد ارتخت وشعروا بتحسن كبير.
“هذا رائع.”
الآن لم يتبقَّ سوى الاستعداد الفعلي لإنتاج الجرعة بشكلٍ منتظم.
***
بعد أن ودعت دانتي، دخلت الغرفة برفقة ليج.
وما إن دخلنا، حتى أمسكت بليج وتفجرتُ بالكلمات التي كنت أرغب بقولها طوال فترة الظهيرة.
“ما رأيكِ؟ كنت على حق، أليس كذلك؟ الساحر ليس قبيح الشكل، صحيح؟”
“فعلاً. لا يشبه أبدًا ما تقوله الشائعات. لا أصدق أن هناك شخصًا بهذا القدر من الوسامة.”
زمّت ليج شفتيها في انزعاج لا أعرف سببه، لكنها سرعان ما تحمست وتابعت بحماس.
“كنت أعتقد أن السيد هايفن هو الأوسم في العالم، لكن أن يوجد من هو أوسم منه…..هذا شيءٌ غريب حقًا!”
راقبت ليج وهي تتحدث وكأنها تسترجع ملامح دانتي، فشعرت بفخر غريب، وارتفع كتفي لا إراديًا.
لا أدري لماذا، لكن كأنها كانت تمدحني أنا، وليس دانتي، فامتلأتُ سعادةً.
بدأت أردد ترانيم أغنية خفيفة وأنا ألتقط من على الطاولة منامةً وضعتها إحدى الخادمات.
“آه، صحيح!”
تحدثت ليج فجأة وهي ترتب أغطية السرير كأنها تذكرت شيئًا.
“أنا الفائزة في الرهان، صحيح؟”
“هاه؟ عن أي رهانٍ تتحدثين؟”
شعرت بالذهول، فتوقفت عن ارتداء منامتي وحدّقت بليج.
“ألم تري ما حدث حين كنتِ مع الساحر قبل قليل؟”
أجابت ليج بلا مبالاة وهي تغلق نافذة الشرفة المفتوحة،
“بالضبط. أقول هذا لأنني رأيتُ كل شيء.”
ثم رتّبت الستائر بهدوء، وما إن أنهت ذلك حتى التفتت إليّ و تحدثت بنبرةٍ واثقة،
“ذلك الساحر…..إنه يحبكِ يا سيدتي.”
دانتي…..يحبني؟
____________________
انفدا ذكاء ليج😭😭😭😭😭
ماتوقعت ليو مجنون كذا بس شكله على الاقل عطاه بعد ذكريات حلوه؟
المهم انه سايكو مب غريبه على مصاص دمّان
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 48"